المصدر: Bertrand and Paola Lazard Holy Land Collection ; [Ganer] ; 1993 April 30 (رابط)
بذور
من شتى غيطان المعارف.
السبت، 29 نوفمبر 2025
تحقيق عن دمياط من مجلة آخر ساعة بتاريخ 29 أغسطس عام 1956
هل صحيح أن الدمايطة بخلاء ؟
لقد انتشرت النكت والقفشات عنهم ... وعن سؤالهم التقليدي : تتعشى والا تنام خفيف !
وعلى الرغم من ثورة الدمايطة ودفاعهم عن أنفسهم .. فان التهمة ما زالت معلقة وما زال البخل ملتصقا بدمياط وأهل دمياط .
وراحت (( آخر ساعة )) الى قلب دمياط نفسها تبحث عن الحقيقة ..
| عصر كل يوم تذهب بنات دمياط ومعهن "القرط" وهو اسم المناديل باويه وانواعها : جر الشكل وجر العرسان والحلو فايت، وفي محلات والي تسلم كل واحدة شغلها وتأخذ غيره لليوم التالي |
بخل الدمايطة.. هل هو شطارة" ؟
ليس في دمياط عاطل واحد .. أو أجنبي واحد.
| مديرية دمياط أفخم مديريات مصر في قصر البدري ولكنها بلا عمل في الصيف وفي الشتاء |
| سيدات دمياط بالبيشه والملايه والقوام الملفوف والاحذية المفتوحة شغل بلدهم في الطريق لسوق الحسبه |
ليس في دمياط عاطل واحد من أهلها ... حتى ليس فيها خمارات ولا جرائم ولا خلافات .. تأكل البط والسمك البوري بالأرز .. وتحت كل بيت ورشة احذية وفى كل بيت ورشة موبيليات .. ومنها خرج الفول المدمس والبطارخ والجبنة البيضاء .. وتحلم بها العرائس في كل البلاد .. واسمها دمياط ... ليس في دمياط عاطل واحد من أهلها !!
النساء كلهن يعملن في البيوت .. في شغل الابرة والتطريز والمناديل ( أم أويه ) واسمها عندهم (قرط) بضم القاف ... وحتى الأطفال لا يلعبون في الحارة كباقي أطفال مصر !!
في محلات الأحذية التي انتشرت تحت كل بيت أطفال في سن الخامسة والسادسة والعاشرة .... يعملون من الصباح حتى المساء، وفي الاجزاخات ومحلات الخردوات يعمل تلاميذ المدارس اثناء العطلة الصيفية .. وفى ورش النجارة أطفال غيرهم .. وحتى في المقاهي ومحلات بيع الفول المدمس ... يعمل الأطفال الصغار ...
و دمياط بلد عجيب كله نشاط و انتاج ...
اكبر مصانع الأحذية في مصر كلها في دمياط ، وهي التي تصنع أكثر من ٧٥% من احذية مصر .. وحتى سويسرا وبلجيكا وسوريا تستورد أحذية دمياط
أحلام العرائس
و دمياط تعرفها أکثر عرائس مصر .... جهازات و موبيليات اليوم السعيد من هناك احسن خشب واحسن ذوق وارخص سعر ..
والجبنة في دمياط لها تاريخ كبير .. أنواع من الجبنة البيضاء والرومي وام فلفل ...
والمناديل ام أوية أنواع واشكال برعت فيها بنات دمياط ...
جر العرسان آخر موديل ويقولون أن له تأثيرا عجيبا في أعصاب الرجال
وجر الشكل ، والسكة الجديدة وفلة و النبي تبسم ، وعشرات الأسماء اللطيفة ...
واكثر نساء دمياط يقمن يشغل المناديل داخل البيوت لحساب المحلات التي توردها الى بلاد القطر ...
وتتقاضي الواحدة ١٠ مليمات عن المنديل الواحد وتستطيع أن تنتهى من اثنتي عشر منديلا في اليوم .. وحتى البنات الصغيرات يشتغلن في المناديل والتريكو وتربح الواحدة بين خمسة وعشرة قروش في اليوم الواحد ...
وتحت كل بيت في دمياط محل لصنع الأحذية ، واغلبها من النوع الرجالى ولا يبنى بيت جديد الا وتحته محل للأحذية تماما كما يحدث فى القاهرة بالنسبة للمقاهي !!
حتى الأطفال الصغار
وفي احدى ورش الأحذية الكبيرة كان أربعون عاملاً يجلسون في صالة كبيرة ، وحول كل عامل ثلاثة أطفال سفار الثان يمسحان الجلد ، والثالث يعد الخيط للأسطى ...
والطريف أن محلات الأحذية في دمياط تصنع لكل طفل من هؤلاء حذاء جديدا هدية منها قبل العيد ، ولهذا تزدحم الورش بمئات الأطفال الراغبين في العمل وكلهم يحضرون قبل العيد بأسبوع ... وبعد تسلم الحذاء الجديد .. يتركون المحلات إلى أعمال غيرها .. كانوا فيها قبل هذا الأسبوع !!
وقلت لصاحب أحد محلات الأحذية : هذه الفكرة تدل على بخل الدمايطة حتى الصغار منهم
فرد قائلا : بل هي شطارة ، وانا نفسى وانا صغير كنت أفعل مثلهم ...
وعندما نزلنا في لوكاندة فؤاد بدمياط وطلبنا غرفة بسريرين لى والزميلي المصور .. أشاروا الى غرفة ضيقة جدا ، وطالبنا بغرفة أخرى أوسع ، وعندئذ همس خادم اللوكاندة في أدنى : عندنا غرفة واسعة بثلاث سراير ولكنها حتكلفكوا كثير ...
ووافقنا على أخذ الغرفة الواسعة والتي كان فرقها عن الغرفة الأولى أربعة قروش صاغ لا غير .. وكان نصيبي منها قرشین صاغ !!
شبشب عايدة
وقال لى أحد أصحاب محلات الأحذية الدمياطية ، اننا تصنع أحذية رجالى أكثر من الحريمي ، لكن أغلبها بصدر الي بلاد كثيرة .. وأما الحريمي عندنا فهي مسجلة بأسماء أصحابها !!
فمثلا السيدة عايدة الحزاوي اعجبها شبشب من محلاتنا وطالبت بتعديل كميه ليناسبها ، وفعلا نجح هذا الموديل وأطلقنا عليه شبشب عايدة .. وعرفه الزبائن بهذا الاسم !!
| الدكتورة الدمياطية نبيله الشاطر تقوم بالكشف وتحضير الدواء في دمياط كلها وهي أول دمياطية تدخل الطب |
| مسجد أبو المعاطي المعروف والذي أغلق بسبب تراجم النساء على هذين العمودين منعا للعقم، ولإنجاب الأولاد، وقد حاول رجل نحيف ان يشرح طريقة المرور بينهما، وبصعوبة استطاع ان يمر بينهما .... |
| الصناعة الأولى في دمياط هي والاثاث ومع العمال اطفال صغار يتعلمون الفن من اول الطريق وتصدر دمياط الأثاث الى مختلف البلاد حتى سوريا والمملكة السعودية |
| تحت كل بيت ورشة احذية وتصنع 75% من احذية مصر كلها ، ومع كل اسطى ثلاثة اطفال صغار يعاونونه ويلتقطون الصناعة ، واذا ترك المحل اخذهم معه |
| الجبنة المشهورة في انحاء العالم كله .. وتأتي الألبان اللازمة لها من القرى المحيطة ، وفي كل يوم تنفد الكميات كلها ولا يبقى قالب واحد ... |
و دمياط انشط بلاد مصر في الصناعة ... وخصوصا صناعة الأثاث وجهازات العرايس .. وبها ورش في كل شارع وشهرة موبيليات دمياط في خيال كل عروسة .. والاخشاب التي يصنعون منها الموبيليات يستوردونها من تشيكوسلوفاكيا ورومانيا ويوغوسلافيا .....
وفي كل يوم تغادر المدينة قافلة من السيارات الكبيرة وهي تحمل خمسين غرفة جديدة الى انحاء مصر ...
والجبنة لها دولة فى دمياط: محلات كثيرة تتوارث صناعتها وتجمع لها الألبان من القرى المجاورة لها ويأتي موكب اللبن بعد ظهر كل يوم ... هذا موكب الغالى واليسيوني ، وموكب فتيلو، وموكب الزيات ... وغيرها . وتتنافس المحلات فيما بينها في تقديم أنواع جديدة من الجبنة ، وكان آخر اختراع هو الجبنة البيضاء بالفلفل الأخضر ... ولاقت شهرة وانتشارا في رأس البر والقاهرة والإسكندرية ....
وفى الأيام الأخيرة برعت دمياط في صناعة الجبنة الرومي التي كانت تستورد منها كميات كبيرة كل سنة ....
فول دمياط
وفي شارع سوق الحسبة ، قلب الحي التجاري ، أشهر محل في مصر .. وأشهر رجل ... اسمه مصباح التابعي الدمياطي : : تاجر الفول المدمس المعروف والذي أصبحت له فروع في انحاء كثيرة من مصر ...
وفي محله المتواضع يقف الزبائن في طابور ليحصلوا على طبق من فول التابعي الأصلى ...
.. والرجل يجلس أمام • القدرة ، كأنه سلطان ، والويل من يحدث ضجة في الطابور انه سيحكم عليه بالحرمان طول اليوم .. وهو يعرف وجوه أهل دمياط كلهم .....
وأصبحت له من الفول المدمس عمارات كثيرة .. وبعد الظهر يذهب الى عشته فى رأس البر ليستريح ...
الدكتورة الوحيدة
وفي دمياط دكتورة واحدة .. من بنات دمياط اسمها نبيلة الشاطر .. نموذج للدمياطيين في نظافتها وضخامتها وهي زوجة وام ...
تخرجت من خمس سنوات وعملت في رعاية الطفل في منفلوط بالصعيد ورجعت لبلدها دمياط منذ ثمانية شهور
وقالت لآخر ساعة : أن أطفال منفلوط يمتازون بالنظافة . وأكثر أمراضهم في النزلات الشعبية بسبب الجو الرطب
أولادها لا يلعبون في الشوارع والخمارات فيها ممنوعة
| الحاج محمد أبو رجب تاجر فسيخ وبطارخ بدمياط واشترى بجعتين من بحيرة المنزلة تتجولان طوال النهار في الشارع وتأكلان مرتين في اليوم |
وقليلون منهم يصابون بالكساح الذي هو مرض أغلب أطفال مصر ..
والسبب كما تقول الدكتورة الدمياطية هو أن الدمايطة كرماء مع أولادهم في الأكل والتغذية !!
وأما بالنسبة لتهمة البخل المشهورة عن دمياط فقد دافعت الدكتورة نبيلة عنها بقولها : ( أن الدمايطة اقتصاديون وليسوا بخلاء ... ثم بعثت بعد ذلك في طلب زجاجة مرطبات .. ولكنها لم تأت حتى هذه اللحظة !!
و دمياط بلد بلا جريمة ولا جرائم ...
طول السنة لم تشهد مدينة دمياط جريمة قتل واحدة ولم يحدث فيها سوى جرائم سرقة بسيطة بسبب انتقال أصحاب البيوت الى راس البر وتركهم منازلهم بلا حراسة و والمال السابب يعلم السرقة ، كما يقول المثل ...
ومديرية دمياط مقرها افخم مديريات مصر كلها ... قصر رائع. بملكه أحد الاغنياء واسمه البدري واستأجرته منه المديرية ولكنها مديرية بلا عمل وبلا جرائم أو مجرمين ...
ويضحكون في دمياط على بغال البلدية ، وعددها خمسة بغال ويتكلف الواحد منها ٢٥ جنيها في الشهر فيكون حسابها ١٢٥ جنيها فقط لا غير ...
وهي تكفى لشراء سيارة جديدة فاخرة ...
والعجيب أن البلدية لا تحس بهذا الفرق الواضح .. الأعضاء ليسوا دمايطة أصليين كما يتهمهم أهل البلدة !!
وقبل أن تغادر دمياط لا تنسى أن تمر على السيد محمد مصيلحی باشمهندس دمياط ليدعوك الى بطارخ من محلات مطاوع ، وسمك بورى مشوى وارز دوشيك دمياط من رأس البر .. وبعدها تزور مسجد أبو المعاطى ويفتح لك أبوابه المغلقة لتشهد العمودين الطريفين " ولهما قصة ..
.
ان من تمر بينهما وتكون عاقرا لا يمر عليها شهر الا وتحس بالحمل .. وتزاحمت النساء في المسجد ... وكل واحدة تريد المرور قبل غيرها، ولم يفلح البوليس في تنظيم هذه المظاهرة النسائية التي لم تنقطع في الليل والنهار
وسيدات دمياط مشهورات بالسمنة ، وحدثت مآزق كثيرة اثناء محاولة المرور بين العمودين ، واضطرت المديرية الى اغلاق المسجد ، ووضع الحراسة عليه .. ودخلت وآخر ساعة ، لتشهد أحد الرجال يحاول المرور بين العمودين ليشرح لنا كيف كانت نساء دمياط السمينات يحاولن المرور .. من أجل الانجاب .. والاولاد .
ورجعت آخر ساعة من بلاد . الشطارة ، كما يقولون والبخل كما تقول النكت والتشنيعات ...
رجعت بحقيقة واضحة .. وهي أن دمياط التي ليس فيها عاطل تستحق عن جدارة لقب بلد الشطارة .
وفرق كبير بين الشطارة ، والبخل.
تحقيق: صلاح جلال، فيلم مصور تصوير: جمال يوسف
المصدر: العدد 1140 - 29 أغسطس 1956 (رابط)
الأربعاء، 26 نوفمبر 2025
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)





















































