‏إظهار الرسائل ذات التسميات شعر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شعر. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 1 مارس 2022

ذكر غيط النصارى في قصة الزير سالم

غيط النصارى - قوارب صيد في بحيرة المنزله
غيط النصارى - قوارب صيد في بحيرة المنزله



الأبيات التالية منقولة من كتاب: هذه قصة الزير على التمام فسبحان من جعل سير الاولين عبرة للآخرين جل شانه وعز سلطانه، قد تم طبع هذه القصه المزيلة لكل هم وغصه في نصف رجب سنة 1281 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحيه آمين، وهذه الطبعه الثالثه على ذمة المطبعة الكاستليه بمحروسة مصر المحميه، ص 71 (رابط).

والمذكور هنا هو نوع من الحكي الشعبي، وهو بكل تأكيد غير دقيق تاريخيا، فهناك ذِكْرٌ لأماكن من الصعب تخيل أنها معروفة زمن المهلهل التغلبي المشهور بالزير سالم وهي الفترة التي سبقت زمن النبوة، وعليه فلا يصح الاستنتاج من هذه الأبيات أن غيط النصارى وسائر البلاد الأخرى كانت معروفة لعرب الجاهلية بالأسماء المتعارف عليها الآن، وإنما هو ما توارثه الرواة وقصاصو السيرة الشعبية وما أضافوه اليها من لمسات لتمصيرها وتوطينها في مصر.


حلفت اليوم وانا الزير سالم على دا الخيل ماني راجعين
كسرت الابواب ودخلت محرب اقتل في الشمال واليمين
قاموا الرجال كسروا السور وطلعوا نسا ورجال والي مرضعين
ما بين اشبين وبنها الكبيره تاه المداد واللي كاتبين
هجمت الخيل على المالح بعزمي وعادوا الخيل مني حايرين
يا ما ناس غرقوا في الاباحر يا ما ناس شردوا عايمين
بقية الخيل شردوا في الجزاير على غيط النصارى نازلين
هجمت الخيل في غيط النصارى وصار الدم نهر سايلين
يا ما صار يوم مصر الحصينه رممها والجماجم زايدين
رويت الارض من دم الاعادي وشبع الوحش واللي طايرين
يوم بولاق كان يوم معظم تاهت فيه جميع الباتعين
وجبت الخيل الى دجوه الكبير لمنيت أخميم والسوق ناصبين
على نشوه نشيت الحرب ثاني عشرة أيام والسوق عامرين
أول يوم أرمي ألف فارس وثاني يوم الفين كاملين
وثالث يوم شبع الطير منهم والحدادي والوحش أجمعين
وعاشر يوم كسروا الخيل منا على التلبين طلعوا شاردين
رجعت اليوم لتلبانه بلدنا في حزن كليب دني قاعدين
نزلت له اليمامه والغويله بنات كليب كانوا جاهلين
تقول سلامات يا عم سالم عملت لنا ايش وأنت غايين
عملت لنا ايش في الغيبة بتاعتك عشرين يوم وأنتا محربين
ياريتك مت من قبل أبونا ودن كليب أبونا طيبين
لكان كليب طيب على الاراضي لا يأخد التار من اللي طاغين
قال الزير الا يا بنات أخويا ان الله يحب الصابرين
دا الوقت المبشر قد يبشر على الفرسان اللي ميتين
أوين المبشر جا ببشر مايتين ألف اللي ميتين
قال الزير وجساس ابن مره عسى جساس يكون في الميتين
قال جساس شفته في المجالس اهو بين المجالس قاعدين
قال يا مبشر لا تبشر على الاندال ما ني مدورين
على الاندال ما ادور عليهم سوى ان جت رأس جساس اللعين
وصبح الصبح نقر الطبل حربي على بلاد الاعادي محربين
لحق الخيل في مصر الحصينه ودار السيف في القوم المبغضين
يوم هلبه وسلبه قد أتيا كما يوم القيامه القايمين
مدينة بوش قد جاها المهلهل في سملوط لمنية خصيم
مدينة اخميم كسروا الخيل فيها فيها تاهو عقول العارفين
تسعين يوم فيها قد يحارب غلاق تسعين صاروا شاردين
وصار الزير يجمع في الجماجم جماجم روس القوم المبغضين
جبت الروس من أرض الصعيد على ظهور الجمال محملين
جمعنا الروس من كل المداين وفتنا الرمم مكرمين
جمعت الروس على تل الجماجم بقى شبه الجرون لعالين
وقات يا بني ابني لي قصوره وابني لي قلع متشدين
واسطبل الخيل ابنيه من الجماجم وابني لي حواصل واسعين
ويابني عرض في البنايه واعملي صور بابراج ماكنين
قال البنا على عيني وارسي انا لك يا مهلهل طايعين
مايتين بنا حضروا للبنايه رجال ملاح كانوا غالين
اساس القصر رصوه من الجماجم وفصله في أراضي واسعين
ودار الشغل ودارت البنايه رصت روس ورصت ماعرطين
هات روس كبار القوم تحضر روس الاولاد ما هم نافعين
قال الزير وحق المهيمن ثلاثة أيمان بالله واثقين
لا بوذنبه ولا ذقذوق أفوته ولا ضفضع ولا للي تايهين
اللي ما ينفعك جو البنايه تحطه حشوه يجي طيبين
روس الصغاريبة وحشاوي وروس الكياريبة واعالين
وابني لي قصوره من الجماجم وابني طوف من روس الحريم
راح الخبر لجساس ابن مره نسا ورجال لم هم باقين
احتار العدو ويا القبايل فعادوا الكل حيارى تايهين
صبح الصبح ركب الزير سالم على قبر كليب وهو فايتين
صبح الزير على برزخ كليب يصبح عليه وهو ميتين
صباح الخير يا كليب يا أخويا صباح الخير يا سلطان رزين
استرضيت يا كليب يا خويا والا لسه عليا مغضبين
قام كليب ما ردش عليا قال دا كليب لسه مغضبين
لفت المهر على بلاد الاعادي لسوق الحرب عليهم طالبين
يلقى الخيل عدوا اسكندريه من بلاد المهلهل شاردين
لحق الخيل بارض اسكندريه ثلاثين يوم فيها محربين

الجمعة، 1 أكتوبر 2021

ذكر دمياط في ملحمة "أورلاندو فوريوسو" الشعرية (1532)

ملحمة "أورلاندو فوريوسو" الشعرية
 ملحمة "أورلاندو فوريوسو" الشعرية (مصدر الصورة)





أنقل هنا المقاطع التي ورد فيها ذكر دمياط من ملحمة "أورلاندو فوريوسو" الشعرية، CANTO 15،  منسوخة من هنا.



LXIV
And therein (Christian renegadoes all)
Keeps fifteen thousand vassals, for his needs,
Beneath one roof supplied with bower and stall,
Themselves, and wives, and families, and steeds.
The duke desired to see the river's fall,
And how far Nile into the sea proceeds.
At Damietta; where wayfaring wight,
He heard, was prisoner made or slain outright.

 LXVI
To see if he could break the thread which tied
The felon's life, upon his way the knight
Set forward, and to Damietta hied,
To find Orrilo, so the thief was hight;
Thence to the river's outlet past, and spied
The sturdy castle on the margin dight;
Harboured in which the enchanted demon lay,
The fruit of a hobgoblin and a fay.

 
XC
When to the castellan was certified
In Damietta, that the thief was dead,
He loosed a carrier pigeon, having tied
Beneath her wing a letter by a thread.
She went to Cairo; and, to scatter wide
The news, another from that town was sped
(Such is the usage there); so, Egypt through,
In a few hours the joyful tidings flew.

الخميس، 29 أبريل 2021

شعر عن قسطندي كحيل قنصل دولة النمسا بدمياط حوالي عام 1895

سليمان الصولة
سليمان الصولة

﴿ وقال يمدح جناب الشهم المفضال السيد قسطندي كحيل ﴾
﴿ قنصل دولة النمسا بدمياط ﴾

أحبَّةَ قلبي خالفوا الصد والهجرا ومنُّوا بقربي واغنموا الحمد والشكرا
ولاتبعدوا عن ثغر دمياط عاشقًا يغار على دمياط من عينه العبرى
عدوني بذاك العذب يومًا وحوّلوا ببرد لماه الكرب عن كبدي الحرَّى
وخلو نسيمات الهداوي تزوروني فان هواها يشرح القلبَ والصدرا
وفي قبَّةِ الشيخ الشطاويِّ كرّروا     حديث غرامي فهو يملأُها عطرا
وفي عزبة البرج اذكروا ليلة الصفا فقد اعربت والله عن ليلة الإِسرا
وحيُّوا برأُس البرّ ليلى وسلّموا         عليها وقولوا صار دمع الفتى بحرا
فان اذعنت ليلى باني قتيلها                 وقالت سيحيى باللقا عجّلوا البشرى
وان انكرت ما بي وساءَت ظنونها وقالت لها عني بشاميَّةٍ عفرا
اروها نضار النيل فالنيل شاهدٌ         بان دموعي غادرت ماءَه تبرا
وقولوا لها والله ما حلَّ قلبه                 سواك وبعد الريم من يعشق البَكْرا
نسيت يميني ان نسيت لويلةً                 شربت على فيها بها الماءَ والخمرا
وايام انسٍ قصَّرتها قصيرةٌ                         بنى حبها في كل جارحةٍ قصرا
اذا نفرت خلت الغزالة وحدها         وان سفرت خلت الغزالة والبدرا
لها ناظرٌ لا يعرف الزوز فاترٌ         ولكنه والله لا يجهل السحرا
يسمونها كحلا ولا كحل عندها                  ويدعونها سكرى وما تعرف السكرا
حكى ثغرها الياقوت والدر والطلا وقطر الندى والزهر والانجم الزهرا
وما ذقته لكن فم الذوق ذاقه                 ومن يتنشى الورد لا يجهل العطرا
عقدتُ نهار البين كفي بكفها         واقسمت أَني لا اردُّ لها امرا
فما ادخلت من بعدها العين ثيّبًا         على طور قلبي لا ولا غادة عذرا
وحق ثناياها وياقوت خدها                 وغرَّتها البيضاءِ والشامة الخضرا
سوى حب قسطنطين ما ضمَّ خاطري         ولا اختار برًّا غيرهُ فاضلًا حُرَّا
ولا ضمت الدنيا اميرًا نظيرهُ                     كما ضمَّت الاصداف لؤْلؤَها البكرا
سما ابن الكحيل الليثَ والغيثَ مثلما                 سما ابن الكحيل السابق العيس والحمرا
وساد ابن هاني بالمعاني وبالحجا             وبالعدل والمعروف تاهَ على كسرى
وما ازداد الاَّ رقةً وتواضعًا         ومن يعشق المعروف لا يعشق الكبرا
تبارك من اعطاه ظرفَ عطاردٍ                  واودع في اخلاقه رونق الشعرا
وابرزهُ بحرًا ترى الناس مدَّهُ                 ولكنهم لا يعرفون لهُ جزرا
هو الفيلسوف التام والصارم بحكمةٍ تردّ سواد الليل ناصيةً غرَّا
شريفٌ اذا اسرى الثناءُ بوصفه         لذي شرفٍ اضحى لديه من الاسرى
رأَى الناس اشعاري براحته تقرا         فقالوا غدًا بالدرّ يستوهب الدُرَّا
ولو انهم يعنون دُرَّ خطابه                 لقلت اجل هذا الذي يشرح الصدرا
صديق الصبا ان القريض الذي صبا اليك يقول البحر لا يطرد القطرا
فجد واقتبل ذكرًا مديدًا لصاحبٍ                  حليف غرامٍ لا يملّ لكم ذكرا
ودم لا لدمياط العزيزة وحدها         ملاذًا ولكن للورى كله ذُخرا
عليك سلام الله ما كوَّن الحيا                 على كلّ خدٍّ لاح من وردها ثغرا
وحاكى نهارُ الموجتين غريرةً                 تدير على شطيهما الماءَ والخمرا

المصدر: ديوان سليمان بن ابراهيم الصوله، الطبعة الاولى بمطبعة المعارف الكائنة في اوَّل شارع الفجَّاله بمصر « لنجيب مترى »، ص 164 (رابط).

الاثنين، 26 أبريل 2021

الى البحْر بمصيف رأس البر بقلم الأستاذ طاهر الجبلاوي

كورنيش البحر بمصيف راس البر (من ويكبيديا كومنز)


الى البحْر
بمصيف رأس البر
بقلم الأستاذ طاهر الجبلاوي

نسيمك خفَّاق الجوانح لاعبُ وماؤك هدّار الحناجر واثبُ
وموجك دفّاق الأَواذي لم يزل تجاذبه نحو الرمال جواذب
على الثبج الموّار منه تتابعت صفوف لها مثل الدمقس ذوائب
يصرّفها من جانب الغيب عازف له انتظمت حلقاتها وهو غائب
على مسرح للعين والأذن جانب وللنفس في مرآه والعقل جانب

وردتُكَ والمصطاف يا بحر حافل            وحولك أنّاس وفيك ملاعب
وألقيت أعبائي برملك فأنطوت          بأجوافه وانجاب منها غياهب
وأقبلت أحسو تحت أقدامك المنى        وأنهب صفو العيش وهو مصاقب

صباحكَ رأسَ البر جذلانُ وادعٌ        وليلُك رفافُ الجوانب حادب
وبحرك للضيفان فيه بشاشة        على شاطئ المصطاف منها مواكب
تخف لها الأرواح في كل لفتةٍ          وتهفو لها الأنسام وهي جوائب
لنا زورة في كل عام نُعِدُها              وفي النفس شوق نحو مغناك غالب
نَعُد الليالي نحوها وهي رحّلٌ          ونطرب للأيام وهي ذواهب

المصدر: مجلة الهلال، العدد 8،  1 أغسطس 1957 (رابط).

الى جوار البحر بمصيف رأس البَر للشاعر محمد طاهر الجبلاوي

مدخل رأس البر
مدخل رأس البر (من ويكبيديا كومنز)



الى جوار البحر
بمصيف رأس البَر

يَا بَحرُ صوتك في المساء يهزُّني         فأنامُ أحلمُ بالسعادة من صداه
وكأنَّ موجك أرغنٌ في خاطري          تشدو على أوتاره لحن الحياه

يا بحر رتل ماتشاء ونادني                 فأنا نجيك في نهارك أو مساك
في غفوتي أو صحوتي لي خافقٌ           يصغي ونفسٌ تستجيب إلى نداك

فاذا أتى الصبح المجلل بالندى     وأنا أجيل الطرف تحت مظلتي
ألقيت مدَّك بالحياة يمدني             ورأيت فيضاً منك يغمر مهجتي

نشوان لا تألو نهارك لاعباً             وعلى الشواطئ تقذف الأمواجا
والخلقُ حولك في مراح دائمٍ     من كل صوب أقبلوا أفواجا

الطفل يلهو في جوارك باسما     والشيب والفتيان والغيد الحسان
شملتهمْ رُوحٌ تُرفرف بالمنى     في موكبٍ للحسن يستهوى الجنان

هُو ذا ربيع الصيف : بحرٌ زاخر     عذبتْ نسائمه وموجٌ مُزهر
أنى ذهبت فثمَّ وجْهٌ مُشرق             يُغري بطلعته وحْشٌ يأسر

فأذا أتى الليل المحلِّق وانتهى         يوم المصيف ورحت ألتمس الرُّقاد
أبصرت طيف البحر يلعب في الكرى    وسمعت لحن الموج يجتذب الفؤاد

لي كلّ عامٍ زورةٌ أحْظى بها                 عند المصيف وأرتوي من شاطئيه
أنى ذهبت فلي خيالٌ ماثلٌ                 منه يُناديني : وبي ظمأ إليه

محمد طاهر الجبلاوي

المصدر: مجلة الهلال، العدد 9، 1 سبتمبر 1959 (رابط).

السبت، 2 يناير 2021

حين نبلغ الأربعين

أتدرين يا صديقتي 
ماذا يفعل القمر بكل تلك الأشعار؟
بكل تنهيدات المحبين الصغار؟
بكل نظراتهم بشوقهم بساعات الانتظار؟

أتدرين يا صديقتي 
أين تذهب ماخطته الأيادي على جذوع الأشجار؟

أين يذهب تجوال الأحبة في الحدائق
وصمتهم المتكلم الطويل
تشابك الأيدي 
ونظرة الحنين 
والقلق 
ورائحة الورود والأزهار

أتدرين يا صديقتي 
إلى أين ترحل كل تلك الهمسات
التي لم تصل
والتي وصلت 
أو تلك الحائرة بين الكتمان والإظهار؟

أتدرين يا صديقتي 
أين تذهب كل تلك النظرات المختلسة
دموع الحيرة
نيران الشك
حيرة الاختيار؟

يأخذها القمر 
بحرص الأب الحنون
يكتب عليها أسماء أصحابها
يحميها لهم 
من الاندثار

وحين نبلغ الأربعين 
وننظر للسماء
سنرى القمر متبسما

وستأتيك الإجابة ياصديقتي
وستعرفين
أن القمر 
مخزن كل تلك الأسرار

كتبتها لأول مرة بتاريخ 26 نوفمبر 2019

وكتبت الرد التالي تعقيبا على سؤال عن القطعة أعلاه بتاريخ 28 نوفمبر 2019 :

صديقتي تلك حين تتكلم 
تلذ للمرء أنفاس الهواء
وحين تصمت يملأ 
الشوق لحديثها أرجاء الفضاء
علمتني الشعر ونظمه 
وأنا الجاهل بحروف الهجاء
وعلمني طيف خيالها 
البحث عن لحظها بين نجوم السماء

الاثنين، 28 ديسمبر 2020

رأس البر من ديوان محمد حمدي النشار



﴿ وکنا ذات ليلة برأس البر فقلت اصف ما قاسينا من التعب ﴾ 

تبا لليلتنا برأس البر اذ                   سوء الحظوظ بها علينا أنعما 
والبدر يضحك السماء كأنه             خصم رأى أحزاننا فتبسما 
والموج شاهد حالنا فرثى لنا           وبکی وهاج لاجلنا وتألما 
والأفق قص على النسيم حكاية     عنا فأسرع نحونا وترحما 
والسهد قال انا الشفوق عليكمو    منه فكان لكل عين توأما

المصدر: ثمرات الأفكار ديوان الأديب الفاضل محمد أفندي حمدي النشار، الطبعة الأولى سنة 1310 (رابط).

وصف رأس البر من عام 1895



رأس البر 

لقد تنفَّس كُرْبنا وزال ما كنَّا نلاقيهِ من المضض كما اقبل الصيف بهجيرهِ ولم نرَ لنا 
ولاولادنا منهُ مهربًا الاَّ في ربى لبنان او جبال سويسرا حيث الشُقة طويلة والبعد عن
الاعمال ليس من الهنات الهينات . فقد وجدنا من رأْس البر مصيفًا طيب الهواء قليل 
الحر يكتفي بهِ من يشبع من المرق اذا فاتهُ اللحم . ولم نرَ حتى الآن مكانًا اطيب منهُ هواءً 
في هذا القطر لانهُ رمال جرداءُ بين بحر الروم وفرع دمياط تهبُّ عليها الرياح الغربيِّه 
مدى النهار فتلطف حر الشمس وهجير الظهيرة . ولياليها باردة الهواء ايضًا خلافًا لغيرها 
من الاراضي اَلَّتِي يحيط بها الماءُ

ويخال للمرء حين يراها اول مرة انها خالية من كل ما تقرُّ به العين ويرتاح لهُ 
الخاطر لانها رمال جرداءُ لا نبات فيها ولا حيوان غير قليل من العظايات والحشرات 

لكن من يحب الطبيعة ويقدِّر اعمال الانسان قدرها يری فيها كثيرًا ممَّا لا يخلو النظر 
اليهِ من لذة وفائدة . فالى الشرق منها منارة دمياط احدى منائر القطر المصري اَلَّتِي 
تهتدي بها السفن في بحر الروم وهي انبوب كبير تظنهُ عن بعد جزع نخلة خُضب 
بالبياض والسواد وربط بثلاثة جبال في ثلاث جهات لكي لا تعبث بهِ الرياح فاذا 
دنوت منهُ وجدتهُ برجًا شاهقًا من الحديد ارتفاعهُ ستة وخمسون مترًا وتلك الحبال الدقيقة 
اساطين مجوفة من الحديد كاغلظ العمدان . وفي قلب البرج سلم لولبية يصعد بها الى قمتهِ 
وهناك منارة كبيرة في كل جانب منها عدسيَّة ومواشير محيطة بها تجمع اشعة النور 
وترسلها في خطوط متوازية لكي تمتد الى ابعد ما يمكن ارسالها اليهِ وبينها قندیل كبير 
فيهِ فتائل متراكزة بوفد فيهِ زيت البتروليوم وتدور كوَّة  حول المنارة بآلة كالساعة 
فتحجب النور عن جهات وترسلها في اخرى في أوقات متساوية فيعلم النوتية من ظهور 
نورها وغيابهِ في تلك الاوقات انها منارة دمياط

وعلى مقربة من هذه المنارة طابية كبيرة يحيط بها خندق عميق في وسطها برج مستدير 
فيه مرامي البنادق وحولهُ ابراج اخرى ومدافع انكليزية كبيرة ممَّا ابتاعهُ اسمعيل باشا 
حينما كان يقصد الاستقلال بالقطر المصري . وقد نزلها عبد العال حشيش في الثورة 
العرابية وقصد استعمالها في صد الانكليز فلم يتسنَّ لهُ ذلك ومنها مدفع ثقلهُ ٤٠۳۳۸ 
ليبرة وثقل ما يقذف بهِ ٤١٦ ليبرة ومدفع آخر ثقلهُ ۲۷٤۸۲ لیبرة وثقل ما يقذف بهِ
٦۹۸ لیبرة . وقد عطلّت هذه المدافع على اثر الثورة و بقيت في اماكنها شاهدة على 
الاسراف وسوء التدبير . والطابية الآن دار لخفر السواحل

وجنوبي رأْس البر طابية اخرى مثلها فيها مدافع انكليزية كبيرة ممَّا ابتاعهُ اسمعیل 
باشا للغاية المذكورة آنفًا ثقل واحد منها ٤٠٤۲۲ لیبرة وثقل ما يقذف بهِ ۱۲ه لیبرة 
وقطر فوهتهِ عشر عقد انكليزية وبجانبها مستودع لمركبات المدافع بينها مركبة كبيرة يظن 
الرائي انها صنعت لنقل الجبال لا لنقل المدافع لضخامة عجلها

واعجب العجائب الصناعيَّة عشاش المصيفين وهي على طراز واحد تقريبًا ارضها رمل 
وجدرانها وسقفها من حصر الحلفاءِ و القصب وكذلك ابوابها وكواها . وكأن المصيفين 
سئموا الحضارة فارادوا العود الى البداوة فتراهم يخرجون صباحًا زرافات حفاة حاسرين 
وينفرون الى البحر يغتسلون فيهِ الرجال اولاً ثم النساءُ و يعودون الى عشانهم حفاة ملثمين

ويأتي البريد إلى رأس البر ويذهب منهُ مرتين كل يوم ببواخر صغيرة تسير 
بينهُ و بين دمياط وحبذا لو أوصل التلغراف اليهِ او الى العذبة المقابلة لهُ

وقد رأَى المصيفون انهم آتون للنزهة فهي غرضهم الاول ولذلك تراهم يقضون 
اوقاتهم في الزيارات والمسامرات وكل ما يجلي صدأَ الهموم

وقد راق لنا ما رأيناهُ في هذا المكان من المحاسن الطبيعيَّة والصناعيَّة فقلنا فيهِ 

نزلنا برأْس البر ما بين بحرَيْنِ                على رملة ميثاءَ صينت بسيِفَيْنِ 
يمدُّ اليها الماءُ حينًا وينثني                   كصبِّ براهُ الوجد خوفًا من البينِ 
ويلثمُ خدَّيها فيفترٌّ ثغرها                      لآلئَ صيغت فيه سمطَيْن سمطَيْنِ 
جماد ولكن لا حياةَ بغيرهِ                        سكونٌ حراكٌ فهو جامع ضدَّیْنِ 
اقامتْ بهِ الاسماك والطيرُ اذ رأَت            محارًا بلا حدِّ وصيدًا بلا صَوْنِ 
وقد خضعت تلك الملايين كلها                لمن بالنهي والحزم ساد على الكونِ 
تراب عليهِ عاملانِ تنازعا                          فصار بنو حواءَ من ذاك شخصَيْنِ 
فمن فاضلٍ بفدي العفاة بنفسهِ              ومن ناقص يزدان بالمينِ والشَيْنِ 
نزلنا كناسًا للظبي ومسارحًا                    جآذرها ترمي الكماة بنبلَيْنِ 
بيوتًا من الحلفاءِ لا تغتذي بها                مكاريب امراض ولا رُسل الحَيْنِ 
تمرُّ بها هوج الرياح كأَنها                        مصافي اطبَّاء تلافت قذى العَيْنِ 
نزلنا بها نبغي الاقامة سبَّةَ                    فطابت لنا فيها الاقامة شهرَينِ

المصدر: المقتطف الجزء الثامن من السنة التاسعة عشرة، أغسطس ( آب ) سنة 1895 الموافق 10 صفر سنة 1313. (رابط)، والمقال والشعر من تأليف دكتور يعقوب صروف، انظر الإشارة لذلك في كتاب كتاب نزهة الالباب في تاريخ مصر وشعراء العصر ومراسلات الاحباب لمحمد حسني العامري (رابط).

الأحد، 27 ديسمبر 2020

قصيدة رأس البر لعلي العزبي



رأس البر
يا مسرح الغزلان والخرد                 ومرسح الابيض والاسود
یا مجمع الحسن بانواعه                   ولست غير العلم المفرد
یا صاحب البحرين يا واقفًا                بينهما كي ترجع المعتدي
من ثابت في حلمه هادئ             وثائر من حمقه مزبد
ينبه اعجابًا على صنوه             وخلة الاعجاب طبع الردي
ان رام أن يصعد من كبره             لهذه الانجم لم يصعد
على اخيهِ حقده ظاهرٌ     وكل صافي القلب لم يحقد
هاج يريد البطش غدرًا به             وبات فيه ضارب الموعد
حتى اذا اومأت عن إمرة             تصافحا بعد الرضا باليد
وضمَّ كلٌّ صَنوهُ ضمةً     كضمة الاصيد للاصید
وبات کالهائم ذا صبوةً     كصبوة الفرقد بالفرقد
ان جاد بالفضة هذا له     فذاك قبلاً جاد بالعسجد
وان يهب اجسامنا قوَّة     بملحه فالعذب يروي الصدي
یا حاكماً اصبح من عدله             مساويَ السادة بالاعبد
ان السري ينعم في كوخه             عن قصره من عيشك الارغد
لأَنت نادٍ لضروب الصفا     كم مصدر فيه وكم مورد
لا يشغل المره بهِ شاغل             وفي سوى الإيناس لم يسهد
ولبسة المنسوج من رقة             فلم يكن غير الصبا يرتدي
يسير في ساحاته حافيًا     كانه في رحب المسجد
وان يجيء ذاك الاصيل الذي     يشرحنا من وقته الاسعد
اذن ترى الجنسين في مشهدٍ            تجله في الشكل عن مشهد
فاغيدٌ يرنو إلى غادة             وغادة ترنو إلى اغيد 
ومنجد يصبو إلى متهم     ومتهم يصبو إلي منجد 
تروح هذي مع رفيقاتها     وذاك مع اخدانه يغتدي 
وتلك مع هذا جلوس وذا             يسير مع تلك يدًا في يد 
للشاطيء الاقرب هذا مشى     وهذه للشاطيء الابعد 
ان طلعت فالشمس من دلها     غابتْ وفيها صفرة الحسّد 
مرأَی یزید النفس من انسها     وامس مثل اليوم مثل الغد 
هذا نعيم العيش هذا المنى     لو دام للناس ولم ينفد 
كم ليلة بالانس قضيتها     مع الاخلاَّ جافيَ المرقد 
والنجم قد اوحى لاقمارنا             بالبدر في غيبة تقتدي 
يا نجم ان غابت بدور السما     وتلك غابت من بهِ نهتدي
لعله راقك من حسنه     مصيف رأس البر يا سيدي
فيه اذا هبَّ الهوا جيدًا     تجيء انفاسك بالاجود
وان رجونا فيه من غبطة             ففيك ما نرجوه من سؤدد
وان يضل المرء في قفره             ففضلك يهديه الى المقصد
اردت فيه الوصف اذ ينتهي     وما اردت الوصف اذ يبتدي
خوف ازدحام الخلق في رحبه     ان يُثْلَ شعري فيه او ينشد

علي علي العزبي
صاحب مدرسة شمس الفتوح
( بدمياط )

المصدر: جريدة الهلال، جريدة الهلال، السنة الرابعة عشرة من أول أكتوبر سنة 1905 الى يوليو سنة 1906. (رابط).

قصيدة رأس البر



رأس البر
(محاسنه ومناحسه)

ورب عان قضى ايام عامه في              حرب مع الدهر حتى خانه الجلد
لما بدا الصيف في تموز مشتملا          لفحاً تكاد به الانفاس تتقد
حنت جوارحه للاصطياف بسا              حل به يتسرى عنه ما يجد
حث الركاب لرأس البر حيث يرى         قصاده فوق ما يروى ويعتقد
في كل عام مياه البحر تغمره                لذاك لم يحكه في طهره بلد
لا حشرة أو جراثيم تحل به                  اذ ماؤه وهواه والثرى جدد
فيه النسيم فريد في لطافته        وموجه مثل موج البحر مطرد
يدعي العليل ولكن جل مبدعه        فكم بدت له في برء العليل يد
بين البداوة والعمران قد نشبت        في ذا المصيف حروب مالها عدد
أكواخه نسخت عهد القصور وكال       خيام يسكنها الاحرار والعبد
وكم حفاة وهم أهل اليسار به         ومحتذين ولا مال ولا سند
باليم هذا تراه يستحم وذا                 وقت الهجير برمل كاللظى يقد
عود الورى لحياة حرة سلفت         امر بفضله رأس البر ينفرد
ولاعبين ترى آثار ميسرهم                 على الوجوه فذا طلق وذا كمد
من موسر يقطع الاوقات في لعب        لم يثنه عن وصال اللعب منتقد
لو شاء عنه امتناعا ما استطاعه كال    عصفور يجري الى الافعى ويرتعد 
ومعسر راح يخفي بالتجمل ما         اصابه وهو مما ادان مقتصد
يسعى لاصلاح ما يشكوه من اود هيهات باللعب يوما يصلح الاود
من ليس يرهقه بذل النضار بمي         سر ولا هو مثلي عنه مبتعد
هنا يعد سعيدا والحقيقة ذا         مصطافي الرغد لا مصطافه الرغد
ا. ق

المصدر : مجلة المحيط ، أكتوبر 1909، العدد الثامن، السنة السابعة (رابط)

الجمعة، 25 ديسمبر 2020

قصيدة رأس البر للشاعر عبد الحليم حلمي المصري



﴿ رأس البر ﴾ 
ألقِ عن جنبيكَ هاتيك العُدَدْ         نفذ السهمُ فما يجدي الزرد 
لا تقل قد صدعتْ عينٌ كَبِد            طالما قد صرعَ الظبيُ الأسد 

تدخل النار وتشكو حرها                وتَمنيَّ في لظاها غيرها 
أنت لم تجهل وربي أمرَها               غير أن الحب لا يبقي رشد

قف ( برأس البر ) وانظر نظرة        ودع الغزلان تخْطُر خطرةً 
التي بين الحنايا جمرةً                   لو تمس الماء في البحر أتقد

غادروا الحر تقاسيه القصورُ           وأتوا يبنون ما تبنْي الطيورُ 
جنةٌ تلك وولدان وحورْ                   جلَّ من يحصي الى الخلق عدد 

لو إلى الماء مشت وانغمست         نتمنى لو على الهام مشت 
من حفاة للقلوب افترشت             وعراةٍ تلبس الحسن بُرد 

يتعثرن دلالاً في الحمى                   خالعات الخز أمثال الدُّمى (١) 
كلما شمنَ قتيلا مغرماً                  رحن يضحكن عليه في اللّحَد 

مجمع البحرين ذا عذب مذاب        يبعث الصمت وذا ملح و صاب (۲) 
من ضعیف ساکن واهي الجناب    وقوي ثائر لا يتعد 

أترى البحر به مثلي هيام                 أم تُرى الماءُ به أمسى ضرام 
ما له بين قعودٍ وقيام                    أطلق الجزعة في مجرى الجلد 

موجه ؟ أم ذي جبال سرنديب         تتداعى من بعيد وقريبُ (۳)
ام ذرىً تضرب ماءً بلهيب               أم قصورٌ تلك تبنى وتهد 

قف على شاطئه والمغربا              هل ترى الشمسُ أسالت ذهبا 
فوقه أم فرشته حبباَ                      من صميم الدر يبدو كالزبد

كلما طامنت قلبي خفقا                 قلت يا دمعيَ أَطفِ الحرقا 
فاذا دمعيَ يجرى مغرقا                شعل حرَّي وسيل لا يسد 

يا نديمي هزم الصبح الضلاما         فاجذب الزّقَ و ناولني المداما 
لا تسل كانت حلالاً أم حراما            فهو لولا عفوه لم يجن عبد 

لا تقل طيرٌ على غصن ترن             تبعثُ الشجوَ سروراً أم حزن 
حركات من سكون جلَّ من            جعل الصمتَ هو الطير الغرد 

ما على مثلك من شادٍ جناح          فاجتنب « يا ليل » يلوي للرواح (٤) 
وادع « ياصبح » يلبيك الصباح      إِنما الليل شجونُ وكمد 

واشرب الكأس على ذكر الألى          شربوا الكاسات زهداً وعلاَ
همتي همة الملوك ونفسي            نفس حر یری المذلة كفرا 

فتيةٌ في لبَّة الدهر حلى                    فوقاهم ربهم شر الحسد
نفحة الطيب شذا أخلاقهم              وفروع الفضل من أعراقهم

الندي والسيفُ في إطراقهم             منحوا الخيرَ يدا والشر يد
لا تقل ( حمزة ) ولىّ و ( عمر )         ها هما عادا على حكم القدرْ (٥)

والليالي عبرٌ بعد عبر                       كم قديم بعد ما وليَّ استجد
يا زماناً مرّ في تلك البقاع                 مثلما مرَّ صبى المرءِ وضاع

أنت ما كنت علينا غير سناع           مسرعات السير في هزلٍ وجَد
عدْ إذا شئتَ وشاء العمرُ                ربَّما عادَ زمانُ مدبرْ

قد مضى الصفوُ وجاء الكدرُ            والليالي هكذا نحسٌ وسعد
أيها المغرق في لهوِ الصبي              هل تخذت العيش مثلي ملعب

كلما شمت غزالا ربربا                    قلت هات الكأسَ و اشرب ما تَجد
إنما الدنيا مجال ضيقُ                    والفتي فيها غريب شيق 
مهجة تذكو وعين تغدق                 كل رحِل حط في الدنيا يشد

(١) الدمى الصور 
(۲) الاول النيل والثاني البحر الأبيض المتوسط والصاب المر 
(۳) جبال سرنديب التي يقول فيها الامام محمد بن ادریس
امطري لؤلؤا جبال سرنديب            وفيضي آبار تكرور تبرا 
انا ان عشت لست اعدم قوتاً           واذا مت لست أعدم قبرا
(٤) أي قولك ( يا ليل ) حين تغريدك
(٥) هما الصديقان الوجيهان حمزه افندي الزهيري و عمر افندي البهي


من الجزء الثاني من ديوان المصري، نظم عبد الحليم حلمي المصري، الطبعة الأولى سنة 1329 هجرية و 1911 ميلادية (رابط).

الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

أسكن في عينيك يوما آخر


رسالة إلى صديقة - شعر منصور الرحباني

أواه يا صديقتي لو ترجع الأعمار

لو أن عمراً آخراً يُعار

لو ساعةٌ أهملها من عمرهِ مغامرٌ بحار

أواه يا صديقتي لو أنّ للزمانِ أدراجا

لو أن للأيام أبوابا

أجلس أستعطي عليها

أشحذ ساعات هنيهات

ألمُ الزمنَ المحال لأختبي فيهِ 

ولو حيناً من الزوال

لو كان لي أؤجلُ الذهاب يا صديقتي

أسكنُ في عينيك يوما آخر

يجمعنا المكانُ يوما آخر 

ننسى

يقيمُ بُعضنا في الآخر

كأن لا وقتَ سيصحو

كأن لا ماحٍ سيمحو

صديقتي حين التقينا

كانت الأيام قد عَبَرت

وطائر العمر مضى

وأنت تعرفين مأساتهُ

وأنه ملكٌ لآخرين

جئت بهم من غامضٍ يوما

وصاروا آخرين

يا زهرة البكاء 

يا قمرنا السجين

لو يعرف الصغارُ كم ينتحب الكبار

في الليل 

كم ينتحر الكبار

لأجل ألا تُهدمَ البراءة 

وضحكة العينين ذات اللفتة الملحة 

والقبل السريعة العطب

بنوم عيني اشتريت لنومهم نعاسا

ونَجمةً للحُلم وزروقاً للسفر الليلي

وصرت يا صديقتي الجدار

في ظلهِ يتكيءُ الصغار 

ويستغيثون به 

صارخينَ يا جدار

يا أيها المالئ هذا البيت 

هبنا لعبا وخبزا

شواطيء رمليةً 

وصيفا

هبنا رقاداً هادئاً 

ورد عنا الخوفَ والأشباح

صديقتي 

لا أنت تدرين ولا الصغار

بأن هذا البائس المدعو بالجدار

ينهار 

موزعا ما بينكم 

ينهار

أواه 

ما أوجع أن تستيقظَ الجدرانُ يوماً خاليةً من الجدار

وكان لي صديقتي بقية من عمر 

أطعمتها للنار ذات شتاء باردٍ ليدفأ الصغار

أعرف يا صديقتي بأنها لا ترجعُ الأعمار



* ملحوظة: القصيدة هنا تفريغ لقراءة الأستاذ فاروق شوشة من برنامج لغتنا الجميلة (رابط - حلقة رقم 343)

أتسلطن حين أقلبْ أوراق شتاتي

سلطان الوقت - قصيدة بقلم الشاعر محمد مهران السيد

أتسلطن حين يمر الليل خفيفا بين ثقوب الصهد
حين يبلل ماء النيل.. جروحي
فأقول لقبرتي بوحي
وتمادي، حتى يتفجر فيّ الوجد

أتسلطن حين تقطر ملهمتي من شفتيها بيتا من شعر
تتلعثم في القاف، فتضحك أوتاري
وتشب النار بأغواري
وتهل علينا أطياف السحر

أتسلطن.. إذ لا سلطان عليّ سوى دل فراشاتي
وعشيات القرب تراقص أنفاسي
وتفوح برغوة كاسي
فأراني سيد أوقاتي

أتسلطن حين تئوب عصافير النار إلى الظل
وتصوصو بالأشواق
مفعمة بمواعيد تلون منها الريش فتخضر الأعماق
وتبيت على أمل.. يتخفى في قمصان الفل
أتسلطن في حضرة أحبابي المجبولين من البللور الصافي
أصحاب ليالٍ منزعة بالأحلام
وارتكبوا طول الوقت خطايا الأوهام
كيف أحاسبهم؟ إن ضعفوا يوما أولاذوا بشغافي!!

أتسلطن حين يناجيني شباك، أو شرفه
فأمد جسور اللهفة في حذر عربيد
ألفظ لغو المقهى، وثغاء الإعلام المعبود
فأنا سيد فعلي، لا عبد الصدفة

أتسلطن حين توافيني أمي من غربتها.. بالزاد
وتقول تسام.. نحو سماوات الغرباء
وأحبتك المترامين كحبات اللؤلؤ والأنداء
فهم المرسى، والعترة، والأوتاد

أتسلطن حين يذكرني النيل بأيام صباي
تأتي والشعر يموج بعينيها ويراقص شفتيها.. ويفيض الوجد
فأعلمها كيف تراوغ صف الحساد، وتبدي ما شاءت من صد
فتذكرني بعجين القمح تخمره الشمس بصحن البيت الطيني
وسطل اللبن الرائب، والشاي

أتسلطن حين أقلبْ أوراق شتاتي
فأراني، أبيض كالقطن، وبلوريا كغناء الأمطار
منزويا حتى لا تتقحمني الأنظار
فأنا كثر بمواجيدي، وغناء فراشاتي، وذخيرة أعوام
لم تنفق في مدح السلطان الغافل في دنيا الأموات

* ملحوظة النص ليس من كتابتي بل نسخته من هنا، ولمعلومات أكثر عن الشاعر محمد مهران السيد طالع هنا مقالة لخيري شلبي في جريدة الوفد.

الثلاثاء، 7 يناير 2020

في الرحلة من المنصورة الى دمياط


الباب الخامس في الرحلة من
المنصورة الى دمياط

في السبت قمنا أول النهار * نسير في النيل مع التيار
كنا بوابور الخديوي نقتدي * نمشي على دخانه ونهتدي
وبعده باخرة الانجال * ونحن من بعد على التوالي
والنيل أبدى غاية التثني * لما رأى الناس لنا تغني
كأنه من الهنا مأخوذ * وبمسير سفننا ملذوذ
لكنه وفي بما عليه * وجاد بالموجود في يديه
فتارة يزين الشواطي * بسندس يشبه للبساط
وتارة يهدي لنا بعض القرى * تقر بالنا وحبا في القرى
كالسرو والزرقا وفارسكور * وما حوته من نساء الحور
وكالعبيدية أو شربين * منها على الشمال واليمين
ومنية الخولي وكفر الترعه * مرت جميعها لنا بسرعه
وكان أهلوها على البرور * في غاية الافراح والسرور
يرجون أن تقرب المسافة * وعندهم ننزل للضيافة




فلم نكن بما عليها نخدع * ولا بشئ من حلاها نطمع
بل كان في دمياط جل القصد * ولم يكن لتركها من بد
قال وكنت أشتهي أراها * وأن أسر الطرف في رباها
وكم تخيل الضمير وضعها * وطاف مغناها وحل ربعها
والمرء بالاخبار ليس يقتنع * وليس قط من رأى كم سمع
فحين قيل اننا قربنا * منها فمن منظرها طربنا
ومذ تجلت وانجلت لعيني * ضاع الفؤاد بينها وبيني
فانها رمت به عن قوسها * وأخبرت بما جنت عن نفسها
فقلت لا غرو فقوس الحاجب * لا يتعدى ان رمى عن واجب
والقوس من لوازم الجمال * فانه يحيط بالهلال
والثغر لايحلى الرضاب لعسا * مالم يكن دائرة أو قوسا
هذا ودمياط فثغر باسم * تحلو به الاعياد والمواسم
قابلنا بالبشر والافراح * وسرنا من سائر النواحي
فهرعت كل الاهالي للقا * وأكثروا زينتهم والرونقا
وأجرى التشريف بالمراسم * وابتدئت ولائم المواسم
فلا ترى الاطبولا تضرب * ونغمات للفؤاد تطرب
وبالخديوي سر كل رائي * ونال قربا منه كل نائي
فانه دام لنا علاه * وحقه ينصره مولاه
قد أكثر الاحسان للضعاف * وخصهم باحسن الالطاف
وفي العشاء فات من طرق البلد * بموكب يقري مرارة الاسد
والناس اطباق على موكبه * تبتغي اقتباسا من سنى كوكبه
ثم دعا الوجوه والاعيانا * والعلماء ودعا الروحانا




وأكرم التجار والقنصالا * ودام في اكرامه مواصلا
وفاز بالتشريف كل الفوز * بزورة منه الهمام اللوزي
كذا العلائي مع البهائي * فصار كل منه ذا بهاء
وعاد للوابور بعد سالما * مكتسبا أجر الذي تقدما
وكانت الوقدة بالرصفان * في غاية البهجة والاتقان
كأنها في شكلها قوس قزح * تهيج الشوق وتبعث الفرح
ومذ درى الشسنلك بالوليمه * وبقدوم الحضرة الفخيمة
أهدى جميع ماحوى من التحف * وانتصف الشاروخ عجبا ووقف
ودارت الافلاك والكواكب * فانهل غيث بالبرور ساكب
وبعد ذاك في صبيحة الاحد * قام به الوابور من تلك البلد
وقام بعده وبور غيره * يتبعه أنى يكون سيره
وللبغاز خرجا سويه * جنابه وخدم المعيه
منحنا بها وأي منحه * وكان ذا منه بقصد الفسحه
فان منظر البغاز يشتهى * بحر طويل ما لرؤياه انتها
سرنا به زيادة عن ساعه * لانستطيع نحصر اتساعه
وشاطئاه من نخيل جم * كانه القمح أوان الضم
من تحته نرى المروج الخضرا * تشرح ممن حل فيها الصدرا
والمنظر الآخر أحلى منه * أنبيك ان رمت سؤالا عنه
هنالك الفنار والطوابي * من دهشتي ضاع بها صوابي
وقل كما تشاء في الدلفين * السابح الغاطس والدفين
فانه أكثر منه اللعبا * كأنه من القدوم طربا



وغاية القول فهذا المنظر * من الكلام والقوافي أكبر
فمن يكن يبغي حقيقة الخبر * فقط لاينفعه الا النظر
قال ومذ رسا به الوابور * واستوت المياه والجسور
صار نزولنا مع الركاب * في رملة تصلح للمنكاب
وظهر البحر المحيط حولنا * وفمه يفتر عن در لنا
وقد ركبنا مهده قليلا * اذا النسيم لم يكن عليلا
وخيفة من رجة أو صدعه * عدنا الى النيل باحلى رجعه
وبعد أن فزنا بكل فائدة * ثم تلذذنا معه بالمائدة
عدنا لدمياط بوجه السرعه * وبيننا الخديو باهي الطلعه
فكان يوما لا يضاهى انسه * ولاتبارى في الشموس شمسه
فات سريعا وكذا العيش الرغد * وصارت الزينة في ليلة غد
فقرنت بسعدها لبختها * وأشبهت في حظها حظ أختها
تيمنا بالطلعة البهيه * صاحب المعاطف السنيه
لا برحت تشرق فينا شمسه * وادم فينا مجده وانسه


الأحد، 1 ديسمبر 2019

أنتِ أميّ اذنْ وأنا كنت ذاك الصبيَّ الذي حملته المياه إلى قدميكِ




سَأدخل في النَّاي كي تذكرني
شعر: محمد علي شمس الدين - لبنان

سأدخل في النّاي كي تذكريني
وأترك جسمي
على قصب النهر يمضي
ودمي حيثما انفرط الماء يهوي إليكِ
أنتِ أميّ اذنْ
وأنا كنت ذاك الصبيَّ
الذي حملته المياه إلى قدميكِ

* * *

قبليني طويلاً
جمالُك ينثال كالحلم، سيدتي
جمالك نار الحياةْ
قبليني
ولاتتركي خاتم العرس يهوي
بلا ساعد
خذيني إذا جالت الريح فوق القبورْ
ولم يبق شيْء سوى الخوف
يسعى ورائي
كذئب الفلاة
إن ألفا من السنوات مشت في دمائي
ولم أنتبهْ
كنتُ طفلاً جميلاً
يدور مع الأرض حيثُ تدورْ
كنت قيساً نحيلاً
ودمعة خدي حديقَهْ
وما كنتِ ليلى
ولكنني سأكتب أن الزمانْ
سرير
وإنكِ اجملُ منها

* * *

غداً
حين أمضي
تهزّين هذا السرير الذي في الهواءْ
فلا تحزني
واعلمي أنني
خاتمٌ ضاع في ليلة العرسِ
تحت الغطاءْ

مجلة القافلة
ذو القعدة 1414 ه - ابريل/مايو 1994 م
ص 5