‏إظهار الرسائل ذات التسميات لوسیان لوروا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لوسیان لوروا. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 10 مايو 2021

رحلة حديثة الى صان الحجر والمنزلة - الجزء الثاني

رحلة حديثة إلى صان الحجر والمنزلة
للاب الملفان الخوري لوسیان لوروا (تتمَّة لما سبق

فبعد أَن أَجلنا الطرف في هذه الآثار القديمة جلسنا في مكان مشرف على القرية 
وأَخربتها واعدنا النظر في ما وصلت اليهِ هذه المدينة من المنزلة السامية في القرون
الغابرة

واوَّل ما خطر لبالنا ان الفراعنة احسنوا اختيار موقع طانيس ليجعلوها حاضرةً 
لمملكتهم وذلك للطف هوانها اذ كانت بعيدةً عن البحر ورطوبتهِ المُضْنكة من جانبٍ
وعن حرارة بلاد الصعيَّد المحرقة من جانب آخر وهي مع ذلك على ضفَّة النهر تتَّصل بها 
مرافق النيل ومحصولات بلاد الشام

امَّا تاریخ انشاء طانیس فغاية في القدم وقد افادنا موسی کلیم الله في سفر العدد 
( ۱۳ : ۲۳ ) انّ صوعن وهي طانيس كما سبق بُنيت سبع سنين بعد حبرون المعروفة 
بمدينة الخليل ونعلم انَّ هذه المدينة من اقدم بلاد الله ورد ذكرها في سفر التكوين في 
جملة اخبار ابراهيم

امَّا ترَقي طانيس في سُلم الحضارة فانَّما كان اوّلًا على عهد السلالة الثانية عشرة 
الثيبيَّة . فزيَّنها الملكان أَمْنَمْحات واوسِرْ تيسين بالابنية الفخيمة . وفيها وجد العلَّامة 
ماريت تمثالي هذين الملكين

ثم قامت الدولة الثالثة عشرة فجعل ملوكُها طانيس كتخت مملكتهم وشيَّدوا فيها 
المباني الفاخرة لاسيَّما الملكين الغازَييْن سوفْخُتْپو خنوفرّي ونوفر هُتْپو . وقد اكتشف 
ايضًا ماريت تمثال الاوَّل منهما في وسط اخربة صان الحجر (١

وزادت طانیس عظمًا وفخرًا على عهد الفراعنة الاسيويين المعروفين بالملوك الرعاة 
او الهِكْسُس . وقد استحبُّوا موقع طانيس لقربها من سواحل آسيَّة موطنهم الاصلي 
وكانت من ثمَّ يأتيهم المدد فيقوون على كبح جماح اعدائهم . وجعل منشیء دولتهم 
شلاتي جيوشهُ فوق اخربة هوارو او هواريس عند طرف البريَّة شرقًا . وقد رجَّح العلماء 
انَّ هوارو هذه كانت في موقع پلوزة القديمة . وكان عدد جيوشهِ في هذا المعسكر 
الحصين بلغ ۲٤۰۰۰۰ جندي تمكَّن بهم شلاتي وخلفاؤهُ من بعده من فتح كلّ بلاد 
مصر وضبطها تحت حكمهم . امَّا طانیس فصارت مركز الدولة ومقامًا لدوائرها السياسيَّة 
وفيها كان يقيم الفرعون ايَّام السلم

وقد بلغت الصناعة والفنون في طانیس مبلغا عظيمًا لا ترى في اعمال الدول المصريَّة 
الوطنيَّة ما يتجاوزها نفاسةً . والدليل على ذلك التماثيل والدُّمَی وآباء الهول التي وجدها 
فيها العلّامة ماريت ونقلها إلى متحف مصر . الَّا ان هيئة صور الأشخاص تدلُّ على
سحنةٍ مختلفة عن سحنة المصريّين الأصليين فانَّ عيون اهل هذا العنصر الساميّ اصغر 
وانوفهم يغلب عليها الصلابة والقَنَى مع بعض الفرطحة وكذلك تری وجناتهم اكثر لحمًا 
واضخم عظامًا وذقونهم ناتئة واشداقهم متَّسعة . ويلوح على الوجه بعض الخشونة مع ما 
يعلوها من الشعور الكثَّة الشعثة (٢ 

وكان دخول العبرانين ارض مصر في عهد هذه الدولة الساميَّة . وزادهم نفوذًا 
عند هؤلاء الملوك وحدة الجنسيَّة وتشابه المهنة في رعاية المواشي فضلًا عمَّا ادَّاهُ يوسف 
من الخدم الجليلة لمصر في سني المجاعة التي سبق وانبأَ بقدومها . وكلُّ ما يُروى في 
الاسفار المقدَّسة يؤيد راي العلماء في انَّ هذه الحوادث المذكورة في سفرَي التكوين 
والخروج انَّما حدثت في طانیس

ولما رُقي يوسف الى رتبة وزير فرعون سعى في خدمة ولي نعمتهِ ومكَّنهُ من امتلاك 
الاراضي التي اقتناها من اهل مصر بما باعوهُ منهُ من الحنطة . وخدم ايضًا صوالح اسرتهِ 
لمَّا نال من فرعون ان يُنزل اخوتهُ في أرض جاسان لخصب تربتها وصلاحيتها لرعاية 
المواشي ( راجع سفر التكوين ٤٧ : ٣ الخ ) 

على انَّ ملوك الهِكْسُس لم يلبثوا ان اثاروا عليهم حقد المصريين لِما رآهُ اهل 
مصر فيهم من العادات المستغربة والميل لاهل جلدتهم والاشتداد في الحكم على 
الوطنيين . مع انَّ السياسة كانت حملتهم على اتخاذ كثير من الأحوال المصريَّة وتعبُّدهم 
لآلهة المصريين وتكلُّمهم بلغتهم

لكنَّ الوطنيين لم يطيقوا حمل هذا النير الثقيل على عواتقهم وكانوا ينتهزون 
الفرصة لتمليك دولةٍ من جنسهم . ولمّا قام الملك « اپوفي » او « ابابي » اراد ان يدفع 
المصريين إلى عبادة آلهتهِ الساميَّة فعاد ذلك عليهِ بالوبال

وقد وردت تفاصيل هذه الفتنة في شقَّة مخطوطة من البرديّ تُصان في المتحف 
البريطاني في لندن وهذا تعريبها :

« وكان تياكن قَيْلًا في الصعيد . . . امَّا الأعداء فكانوا قد استولوا على هليوبوليس 
ويملك زعيمهم في هواريس . واختار ملكهم ابابي لهُ الاله سوتخو کسيِّدٍ ولم يعبد 
سواهُ واقام لهُ هيكلًا محكمًا متينًا . . . واحب ابابي ان يكرهُ تياكن على ترك عبادة
عمُّون ليعبد سوتخو فلم يرضَ ». ثم يفصِّل صاحب الكتابة ما جرى من الحروب بعد 
ذلك بين تيا كن بمساعدة الامراء الوطنيين والملك ابابي و كيف دامت هذه الحرب 
زمنًا طويلًا بين الفريقين حتى اسعد الحظّ الملك احمس من العنصر الوطني ففتح 
هواريس حصن الملوك الرعاة

وقد جاء في صفيحة أُخرى وضعت على قبر ضابط يُدعى ايضًا احمس ما نصُّهُ : 
« وكنتُ اجري انا احمس ماشيًا امام جلالة الملك . ثم ركبتُ السفينة المدعوة « الجلوس 
في منف » وانتشبت حربٌ بحريَّة على المياه المعروفة بمياه طانیس . . . في جنوبي 
القلعة ... وقد فتحنا حصن طانیس عنوةً واسرتُ انا رجلًا وامرأَتين فجعلهم الملك لي 
عبيدًا »

ولما دارت الدوائر على الملوك الرعاة خرجوا من ارض مصر ورحلوا إلى فلسطين . 
وفي تاريخ يوسيفوس اليهوديّ أَنهم هم الذين بنوا مدينة اورشليم

وليست بحيرة المنزلة كما زعم البعض موقع الحرب التي ورد ذكرها آنفًا بين 
المصريين والملوك الرعاة لبعد هذه البحيرة عن طانیس . وزد على ذلك أن هذه 
البحيرة حديثة لا ترتقي الى ما وراء القرن الثاني للهجرة وكانت التربة التي تغمرها 
مياه البحيرة اليوم اخصب اراضي مصر . فبقي القول انَّ هذه البحيرة انَّما كانت 
جنوبيّ قلعة طانیس تكوَّنت هناك من مياه النيل . وهذا ينطبق مع وصف البلد 
في البابير المذكور . ولعلَّ الملوك الرعاة كانوا احتفروا هذه البحيرة ليردُّوا غارات 
اعدائهم من جهة الجنوب

وبقيت طانیس دهرًا وهي مهملةٌ خراب الى ايَّام رعمسيس الثاني الشهير ( انظر 
صورتهُ ص ٥٥۹ ) فاراد ان يحييها من رممها فعاد وجدّد ابنيتها وزيَّنها بالمباني الخطيرة 
والآثار الفخيمة كما يشهد عليهِ عدَّة كتابات منها الكتابة التي سبق لنا وصفها . 
واتَّخذها رعمسيس لهُ مقامًا في ايَّام سلمهِ لمَّا كانت الحروب والفتوحات لم تشغل 
عقلهُ . وكذلك صنع من بعدهِ خلفاؤهُ لما كانوا يعهدونهُ في طانیس من لطف 
الهواء واعتدال الجوّ

ولمَّا كان بنو اسرائيل ممَّن اصابوا في ايَّام الملوك الرعاة حظوى ونجاحًا فما تبدَّلت 
هيئة الحكومة وعاد الامر الى نصابهِ حتى تشدَّدوا على نسل يعقوب و کاشفوهم بالعداوة

صورة رعمسيس الثاني مأخوذة عن جثتهِ المحفوظة في متحف الجيزة
صورة رعمسيس الثاني مأخوذة عن جثتهِ المحفوظة في متحف الجيزة

واثقلوا كاهلهم بالاشغال الشاقَّة واضطرُّوهم الى عمل اللبن لابتناء مدنهم . وقد اشتهر 
باضطهادهِ لهم ساتي الاوَّل ورعمسيس الثاني ومنفتاح

ولمَّا وُلد موسى وكان حُكم عليه بالموت كجميع ذكور اسرائیل عرضتهُ امهُ على 
المياه بين القصب . ولا شكَّ انَّ ذلك كان قريبًا من بلاد جاسان حيث كانت منازل 
الاسرائيليين . ثمَّ نعلم من الكتاب الكريم انَّ الولد عُرض بين القصب وانَّ ابنة فرعون 
خرجت الى المكان للاستحمام وليس بمحتمل أن يكون خروجها إلى مكان بعيد عن 
قصر والدها فكلُّ هذه الظروف لا توافق غير طانیس التي كانت تمرُّ عليها ترعةٌ من 
تُرع النيل . وكذلك بلاد جاسان فانَّها قريبة من طانیس اذ كانت تمتدُّ بين مدينتي 
الزقازيق والاسماعيلية الحاليَّتين فيكون موقع طانيس مجاورًا لهما . ولو قيل انَّ هذه
الحوادث جرت في عاصمة أُخرى من عواصم الفراعنة كثيبة مثلًا او مِنْف لتعدَّدت 
المشاكل واستغلقت وقائع الكتاب بحيث لا يمكن فهمها . بخلاف طانيس فانَّ اخبار 
سفر الخروج توافقها ايَّ موافقة بحيث لا يشكُّ العاقل ان فيها انجز الله معجزاتهِ 
لخلاص شعبه

ومن ثم انَّنا نظنّ ايضًا انَّ موسى وهارون انَّما دخلا على فرعون في طانيس وانَّ 
فيها جرت الضربات العشر التي عاقب بها الله عتوَ ملك مصر وفي رواية سفر الخروج 
مأَ يُشعر بقرب حاضرة الملك من ارض جاسان . الَّا انَّ المزمور السابع والسبعين ( وهو 
الثامن والسبعون في الاصل العبرانيّ ) لا يبقي شكًّا في الامر حيث يصرّح بذكر صوعن 
قائلًا مرَّتين ( في العددين ۱۲ ( ۳٤ ) انَّ « الربَّ اظهر معجزاتهِ لشعبهِ في ارض 
مصر في صوعن » اعني طانیس القديمة وصان الحاليَّة

ففي هذه الامكنة اذن التي نطأها الآن بالأَقدام ظهرت آیاتهُ تعالى على يد عبده 
موسی . هنا انقلبت مياهُ النيل دمًا . هنا ظهرت الضفادع وانتشر البعوض وضُربت 
البهائم بالموَتان وبُردت الغلَّات واكل الجرادُ الزروع والتحفت تخوم مصر بظلام مدلهمّ 
وقُتل ابكار المصريين من بكر فرعون وليّ عهدهِ إلى بكر آخر عبيدهِ حتى اضطُرَّ 
مكرهًا الى أن يُطلق اسرائیل فخرج من ارضه بیدٍ قديرة ويمين مبسوطة . على انَّ قلب 
الملك عاد فتصلَّب فسار بخيلهِ ورجلهِ في اثر شعب الله فانتصر الله لعبيدهِ « ومراكب 
فرعون وجنودهُ طرحها في البحر ونخبة قوادهِ غرقوا في بحر القلزم » ( خروج ١٥ : ٤ ) 

امَّا زمن هذه الحوادث العجيبة فقد ظنَّ العلَّامة مسپرو انَّها جرت في ايَّام ستي 
الثاني لاضطراب امور الدولة وانتقاض حبلها على عهدهِ . الَّا انَّ الراي المرجَّح الآن 
بين العلماء انَّ خروج بني اسرائيل حدث في ملك منفتاح وقد سبق المرحوم الاب يوسف 
اوتفاج اليسوعيّ فبين ذلك في مقالة مستجادة أُثبتت في المشرق في سنتهِ الاولى 
( ۸۸۰ — ۸۹۲ ) واستنادهُ فيها إلى آثار متحف الجيزة وجُثث الفراعنة المكتشفة حديثًا

وبقيت طانيس في مقامها السامي زمنًا طويلًا .لانَّ الحركة السياسيَّة كانت لا تزال 
تخطو الى جهات الشمال ولذلك ضعفت ثيبة بعد عظمتها واتَّسعت اعمال مصر السُّفلى 
وزاد روق مدنها كبوبسطة ( تلّ بسطة ) وسائيس الى ان فازت بالسبق مدينة 
الاسكندريَّة . وممَّن شرَّف طانیس ملوك الدولة الحادية والعشرين التي انشأها
پسیوخانو الاوَّل سنة ۱۱۱۰ قبل تاريخ الميلاد وهو الذي فتح ثيبة وضمَّ نشر مملكة مصر 
فبسط حكمهُ على كل تخومها . ومن هذه الدولة كان پسیوخانو الثاني الذي اقترن 
سليمان الحكيم باحدى بناتهِ

واشتهرت ايضًا بطانيس الدولة الثالثة والعشرون التي ضبطت عنان الملك من سنة 
۸۱۰ الی ۷۲۱ ق م . وفي عهد هذه الدولة تضعضعت الامور ووجَّه اشعيا النبيّ كلام 
نبوّتهِ على طانيس وملكها فقال ( ۱۹ : ۱۱—۱۳) : لا جرم ان رؤساء صوعن سفهاء 
ومشورةُ مشيري فرعون سخيفة . . . قد سَفِه روساء صوعن . . . واضلّ مصرَ وجوهُ 
اسباطها » . فما لبثت اقوالُ النبيّ ان تمَّت وسقطت طانيس عن مرتبتها فتوالت عليها 
النكبات من جهة الجنوب لمَّا فتحها الملكان الحبشيَّان شباقو وطهارقو . وما فتئَ ان 
استولى عليها ملك اشور اشوربنیبال فجعل عليها حاكمًا ثم بلغهُ انَّ اعيانها حاولوا الغدر 
بنائبهِ ليفتحوا ابوابها للحبش فامر بان تُنهب المدينة ويُرسل شلوداري احد وجوهها 
المتمرّدين مثقلًا بالسلاسل الى نينوى

على انَّ هذه البلايا لم تكسر زهو طانیس فتنبَّأَ عليها حزقيال بما هو اعظم 
وتهدَّدها بالحريق والدمار فصدق قولهُ بعد قليل بغزوة نبوکدنصَّر لمصر ثم في غضون 
فتوحات ملوك فارس وماداي . على انَّ طانیس احرزت لها بعض الشهرة على عهد
نِكْتَانيبو ملك مصر لمَّا حاصرهُ فيها احد اعداء دولتهِ اسمهُ طاهو فردَّت المدينة 
غاراتهِ بمساعدة اجازيلاس احد ابطال مدينة سبَرْتة لكنَّ الملك لم يعرف لهُ هذه النعمة 
فهجر اجازيلاس خدمتهُ ومات بعد قليل على سواحل بلاد قيرينيَّة (Cyrénaïque)

ثم صارت الدولة إلى الاسكندر فحوَّل عن طانيس وعن مُدن الدلتا الشرقيَّة حركةَ 
الاشغال وانتقلت السيادة الى الاسكندريَّة . الَّا ان طائیس لم تزل مدينة معتبرة . وجعلها 
الرومان رأسًا لمقاطعة يدعونها نُومًا (nôme) وانتشرت فيها النصرانيَّة فكان فيها كرسي 
لاسقف ثم تقهقرت شيئًا فشيئًا حتى عُدَّت كقريةٍ في ايَّام الفتح الاسلاميّ لا يدلُّ على
خطرها السابق سوى تل الاخربة التي كانت تعلوها منذ ذلك العهد . وقد شاهدها في هذه الحالة 
اندريوسي قائد نابوليون الكبير سنة ۱۷۹۹ ووجد فيها آثار ساحة كبرى (forum) على شكل 
تربيع مستطيل وليست هذه الساحة سوى اثار الهيكل القديم الذي سبق وصفهُ . وذكر 
ايضًا ان فيها التمر الطيّب يتاجر بهِ اهلها مع عرب الصلاحيَّة يبدلونهُ بسمكهم المملَّح

امَّا اليوم فلا ترى في صان الحجر سوى اكواخ حقيرة لبعض الفلَّاحين ابتنوها 
بلبن المدينة القديمة . وقد دعانا شيخهم الى منزلهِ لنشرب عندهُ القهوة . فاجتمع اهل 
القرية حولنا وكانوا يستغربون از یاءَنا الَّا انَّهم لم يُسمعونا كلمة شتمٍ او احتقار كما 
أَلِف امثالهم في غير هذه القرية

ثم ركبنا قاربنا وامرنا الملَّاحَيْن بان يصعدا قليلًا النهر . ففعلا واذا بالنهر ينقسم قسمين 
قسمٌ منهُ يجاور اخربة صان الَّا انهُ قليل المياه لا يمكن الخوض بهِ والقسم الآخر اوسع 
واعمق . فما ابتعدنا عن القرية ميلًا حتى رأينا منظرًا مهيبًا وهو منظر التلّ الذي كنَّا 
نقدّر طولهُ من الف الى الفين متر فاذا هو سلسة ربًى مستطيلة تُرى على مدى 
البصر الى مسافة بعيدة . فاخذنا العجب من عظم شأن هذه البقايا الضخمة التي كانت 
كلها مباني فخيمة وعمائر فاخرة صارت الى خبر كان

وبينما كنَّا نمتّع الالحاظ بهذه المشاهد اذ ظهر لنا منظر آخر على شمالنا عند طرف 
مزدرعات القرية وهي بحيرة جميلة صقيلة المياه في وسطها الجُزُر النضرة . وما كان الَّا 
السراب غرَّ ثانيةً ابصارنا فأَبهجها مدَّةً . لكنَّ الحرَّ كان محتدمًا والشمس تتضرَّم علينا 
هواجرها فاسرعنا إلى النزول في بقعةٍ هناك وعمدنا إلى الاستحمام في النيل . غير أن مجری 
النهر كان قويًّا في ذلك الوقت لطغيان المياه فكاد احد رفقتي المسيو ب . يفرق مع 
اتقانهِ فنَ السباحة لو لم يتمكَّن بعد العناء من العود الى الساحل

وقضينا ذلك النهار كلَّهُ في تلك البقعة لانهُ هبَّت ريحٌ شديدة في وجهنا كانت 
تمنعنا من السير . فتفقَّدنا ذلك المكان واذا بهِ جزيرة غاية في الخصب ترى فيها القطن 
والذرة والدُّخن الى غير ذلك

وعند المساء سكنت الريح ولطفت وَقَدات الجوّ فركبنا القارب لنعود الى 
برت سعيد . فكان مجرى النهر يزجُّنا زجًّا ليِّنًا فصرفنا صلب ليلنا نازلين في ترعة المعزّ 
وكانت الليلة مقمرةً تكسو انوارها ضفَّتَي النيل بمحاسن طبيعيَّة لا يشبع منها النظر . 

وكان بلوغنا مصبّ نهر المعزّ في غدٍ عند طلوع الشمس ثم قطعنا بحيرة المنزلة متوجّهين الى 
المطريَّة وكانت غايتنا ان نركب منها القطار صباحًا الى بلدة المنزلة . بيد انَّ القطار كان
سبقنا فسار قبل وصولنا بثلاثة ارباع الساعة . فاحبّ رفقتي ان يقطعوا الطريق ماشین 
الى المنزلة وهم يظنُّون انَّهم يدركونها بعد ساعةٍ . فسرتُ في صحبتهم في طريقٍ تزينها
المزارع واصناف الاغراس على جانبيها الَّا انَّ الشمس اشتدَّت علينا بعد حين وقاسينا 
من التَّعب والكلال ما لا يعلمهُ الَّا الله حتى ادركنا المنزلة ونحن على رَمَق

فلمَّا برَّدنا غليلنا واسترحنا من عنائنا المعنّي زرنا البلدة واسواقها وآثارها وقد لقينا 
انها تشبهُ في بنائها وهندستها ومساجدها الحسنة ومنائرها العالية مدينة دمياط وان
كان نهرها المعروف بالبحر الصغير دون ترعة دمياط اتّساعًا الَّا انَّها تغلب دمياط 
بنضارتها وبهجة حدائقها وبُسوق اشجارها

وممَّا تذكَّرنا من اخبارها ما جرى للجنرال بونبرت فيها لمَّا حاول فتحها فردَّهُ حسَن 
طوبار شیخُها البطل ولم يزل يدافع عن وطنهِ تارةً لهُ وتارةً عليهِ حتى قُبض عليهِ وأُسر 
في القاهرة ثم اطلق الجنرال کلابر سراحهُ فعاد الى المنزلة ومات فيها في حزيران من 
سنة ۱۸۰۰

وكان وصولنا في مساء ذلك النهار إلى برت سعيد شاكرين المولى على ما 
رأَيناهُ في هذه الرحلة من مآثر الاقدمين . لكننا اسفنا على انَّ الوقت لم يسمح لنا 
بزيارة جزيرتي طونة وتنِّيس فاجَّلنا زيارتهما لمرَّة اخرى
----
١ ) راجع 28 , 30 . Mariette : Abydos I . 2 . pl
٢ ) راجع رسالة ماريت إلى الڤيكنت دي روجه مخصوص اکتشافات طانیس

المصدر: المشرق، السنة السادسة العدد ۱٢، ١٥ يونيو سنة ۱۹۰۳، ص ٥٥٥ (رابط).

الأربعاء، 5 مايو 2021

رحلة حديثة الى صان الحجر والمنزلة - الجزء الأول

خارطة بحيرة المنزلة وصان الحجر وضواحيهما، المقياس 3 ملمترات لكل كيلومترين
خارطة بحيرة المنزلة وصان الحجر وضواحيهما، المقياس 3 ملمترات لكل كيلومترين




رحلة حديثة الى صان الحجر والمنزلة
للاب الملفان الخوري لوسیان لوروا

كنتُ منذ ثلاث سنين نزيل برت سعيد وانا لا ازال اترقَّب الزمن الموافق 
لزيارة آثار مدينة جلية تكرَّر ذكرها في الاسفار المقدَّسة واتَّخذها فراعنة مصر مرارًا
كقاعدةٍ لمملكتهم أَلا وهي طانیس المعروفة اليوم بصان الحجر حتى تيسَّر لي الأمر منذ 
عهد قريب ففزت بالمرام وذلك في فصل الصيف من سنة ۱۹۰۱

فبعد ان اتَّخذتُ لتتمَّة المقصود كلّ الاعلامات اللازمة واعددتُ الاهبة للسَّفر 
طلبتُ لي رفقةً اسير وايَّاهم الى صان فأَسعدني الحظّ بان لقيتُ خمسةً من أدباء النزّالة 
اثنان منهم من مستخدمي شركة قناة سويس ثم المسيو پ . وولداهُ فرنسوا وارنست . 
وكان احد الملَّاحين الاعراب اسمه الرئيس عید وعدنا بان يأجرنا لهذه السفرة قاربهُ نركبهُ 
من محطَّة كربوتي إلى صان . وكان هذا القارب كبيرًا في مؤخرهِ غرفةٌ يمكننا أن نقضي 
فيها الليل

فلمَّا كان اليوم المعهود ركبنا القطار من برت سعید ومعنا من الزاد ما يكفي 
لثلاثة أيام وتسلَّحنا ببندقيَّتين او ثلاث واخذنا معنا اداتين للتصوير الشمسي . فما لبثا 
أن وصلنا إلى محطَّة كربوتى وهي قرية صغيرة على ضفَّة بحيرة المنزلة . فكان اوَّل اهتمامنا 
بان نسأَل عن الرئيس عید فلم نقف لهُ ولقاربهِ على اثر . بيد انهُ لحسن طالعنا وجدنا هناك
ذهبيَّة لأَعرابيَّيْن كانت على وشك السفر الى دمياط فأَقنعنا صاحبَيْها بان ينقلانا الى 
صان بأُجرة معلومة فرضيا وسرنا على الطائر الميمون

وكان سفرنا على بحيرة المنزلة جنوبيًّا بميلة الى الغرب . وهذه البحيرة تمتدُّ طولًا في 
مسافة نحو مئة كيلومتر امَّا عرضها فيختلف . وكانت سابقًا تبلغ مدينة پلوزة القديمة ولا 
يفصلها عن البحر سوى كثبان من الرمل والبحر مع ذلك يتَّصل بها فتدخلها 
مياههُ المالحة من فوهتين او بوغاصَيْن . واذا نقص النيل واشتدَّ القيظ هبطت مياه البحيرة 
حتى ان القوارب لا تقطعها الَّا بالعناء لقلَّة الماء . امَّا اذا فاض النيل رأَيت بحيرة المنزلة 
طاغية تشغل مياهها نحو ۱۲۰۰ کیلومتر مربَّع لا يطفو فوق المياه سوی بعض جزائر 
عليها آثار قديمة و كان في موقع هذه البحيرة سابقًا بلاد عامرة وجنَّات فيحاء غمرتها 
مياه بحر المحيط فصارت بحيرة متَّسعة الافناء ولم ينجُ من طغيان هذه المياه الَّا 
امكنةٌ قلية لعلوّ تربتها منها جزيرتا تنیس وتونة

وقد ورد ذكر هذه البحيرة في مروج الذهب للمسعودي فروی خبرها وهو يدعوها 
بحيرة تنيس قال:
« كانت بحيرة تنيس ارضًا لم يكن بمصر مثلها استواءً وطيبَ تربةٍ وثروةً وكانت جنانًا ونخلًا 
وکرمًا وشجرًا و مزارع وكانت فيها مزارع على ارتفاع من الارض ولا احسن اتصالًا من جنانها 
وكرومها ولم يكن بمصر كورة بقال انَّها تشبهها الَّا الفيُّوم ولا اخصب واكثر فاكهة ورياحين من 
الاصناف الغريبة وكان الماء منحدرًا اليها لا ينقطع عنها صيفًا ولا شتاءً يسقون منهُ جنانهم اذا 
شاؤوا وكذلك زروعهم وسائرهُ يصبُّ إلى البحر من سائر خلجانهِ ومن الموضع المعروف بالاشتوم 
وقد كان بين البحر وبين هذه الارض نحو مسيرة يوم . . . فلم يزل البحر يزيد ماؤهُ ويعلو 
ارضًا فارضًا في طول على ممرّ السنين . . . فلمَّا مضت لديقلطيانوس من ملكهِ مائتان واحدی 
وخمسون سنة ( اعني سنة ٥٣٢ م ) هجم الماء من البحر على بعض المواضع التي تسمَّى اليوم بحيرة 
تنيس فاغرقها وصار يزيد في كل عام حتَّى اغرقها باجمعها فما كان من القرى التي في قرارها غرق 
وامَّا التي كانت على ارتفاع من الأرض فبقيت منها تونة وسيمود وغير ذلك ممَّا هي باقية الى
هذا الوقت »

وكان سيرنا في البحيرة بين جزيرتي تنیس وتونة شمالًا وبلدة المطريَّة الحافلة 
بصيَّاديها يمينًا حتى وصلنا بعد نحو خمس ساعات مدخل نهر المعزّ وهو الخليج المعروف 
في الأزمنة السالفة بخليج صان (branche tanitique) وهذا النهر في وقت ارتفاع النيل 
كثير المياه يتَّسع يمينًا وشمالًا فيغمر بمياههِ ارضًا واسعة . امَّا في فصل الصيف فتقلّ
مياههُ وينحصر في حدود ضيِّقة . ومياههُ عند مصبِّهِ في بحيرة المنزلة لا تصلح للزراعة 
لاختلاطهِ بالمياه المالحة . وانَّما تُرى فقط على ضفَّتيهِ بعض الاعشاب کالاسل والقصب

وبعد ان واصلنا السير مدَّةً بلغنا الى حيث ينقسم نهر المعزّ قسمين وكلاهما يصلح 
للملاحة ولنَقل السلع وكان سفرنا على القسم الشماليّ وهو الذي يوصل بين الزقازيق 
والصلاحيَّة وصان والمطريَّة فينقل بينها صادرات مصر ووارداتها . وكنَّا لا نلقى في 
طريقنا الَّا بعض زوارق للعربان يسلّم اهلها علينا اذا رأونا بجلبةٍ عظيمة فتقابلهم بالمثل

وبعد ساعةٍ من الزمان بلغ بنا المسير إلى المزدرعات التي تزيّن هذه الجهات وهي 
كلُّها خصبة يغلب عليها الارزّ والقطن وضروب الحبوب تراها تنبسط كخميلةِ على جانبي 
النهر الى مسافات بعيدة وراءَها رملُ الصحراء . ولم نزل صاعدين النهر الذي كان 
صقيلًا كمرآة وهو يتَّسع حينًا وينزوي حينًا آخر في ضمن حدودهِ وتارةً يتشعَّب شعبًا 
فتبرز من وسطهِ جزائر خضراء رائعة المنظر . وبينما كنتُ اعاين هذه المشاهد العجيبة 
اذ لاح لي من سطح السفينة ضحضاح من المياه تزينهُ بُقع خضراء وادواح الشجر 
بينها اعشاب طويلة فسألت صاحبَيْ القارب : « ما اسم هذه البحيرة » فاجابا : ليس 
ثمَّت بحيرة ولا مياه ولا اشجار انَّما هذا السراب . فعرفت اني مخدوع کما خُدع قبلي
كثيرون من اهل الاسفار . ثم جعلت اسرّح الطرف نحو الآفاق فلا ترى عيني الَّا 
الرمال الجرداء . وبقينا كذلك حتى اصيل النهار فرأَينا عند الأفق تلًّا مرتفعًا ظهر لنا 
في وسط تلك البادية القفرة كانهُ سلسلة جبال . فسألت الملاَّحَيْن : او هذا الجبل ايضًا 
من ظواهر السراب . قالا : كلَّا لكنهُ ليس بجبلٍ وانَّما هو تلّ صان الذي نقصدهُ . 

فشخصت عيوننا نحو تلك الآكام لعلَّنا نميّز شيئًا من اخربة المدينة التي عاش فيها موسی 
کلیم الله . الا انَّ التلّ كان بعيدًا يقتضي لقطع المسافة الباقية لبلوغهِ خمس ساعات 
على الأَقل

فاسبل علينا الليل سترهُ قبل أن ندرك صان الحجر الَّا انَّ البدر طلع بعد قليل 
وانار النهر باشعَّتهِ الفضيَّة وكسا المزدرعات بنورهِ الكمد فانبعث أمامنا عالمٌ جديد
اغربُ من ظواهر السراب كانت مناظرهُ تخلب عقولنا وتسبي أَلبابنا . ولم تزل ابصارنا 
ترعى هذه المشاهد الفتَّانة حتى بلغنا في جوف الليل قرية صان الحجر بعد اربع عشرة
ساعة من السير المتواصل . والقرية على ضفَّة النهر عند سفح التلّ . فرست ذهبيَّتنا عند
طرف الضيعة حيث يتصل بالنهر اسفل اطلال التلّ وردومهُ غائصةً في المياه

وما ادركنا صان حتى شعرت بنا كلابها واخذت بالنباح فايقظت جلبتها القرويين 
فقدم علينا بعضهم ليروا ما الامر ولمَّا علموا انَّ قدومنا لسلام هدأت النأْمة وعاد القوم 
الى بيوتهم . وكان هناك يوناني صاحب نَزْل دعانا لنقضي الليل في فندقهِ فابينا وآثرنا 
النوم في الذهبيَّة لكن عينيَّ لم تكتحل باغتماض

ولمَّا تبلج الصبح سمعت صوتًا في مياه النهر فرأَيت واذا بفتاتين من صان تغتسلان 
قبل طلوع الفجر فذكَّرني ذلك بفتاة فرعون التي خلَّصت في هذه الأمكنة موسى الطفل 
من الغرق

ثم ايقظتُ رفقتي فرقينا معًا التلّ باكرًا لنبلغ قمتهُ قبل طلوع الشمس ، فكنَّا نسير 
في طريقٍ غبراء محمرَّة التربة تتكوَّن من دقائق الآجَر حتى وصلنا بعد مدَّةٍ الى 
انقاضٍ وبقايا جدران متداعية وآثار اعمدة ومسلَّات وتماثيل ودُمَى ابي الهول وكلّ 
ذلك خِلْط مِلط في حالة يُرثى لها . فقطعنا هذه الآثار دون أن نتلبَّث في فحصها 
والبحث عنها لئلَّا يفوتنا منظر طلوع الشمس . وكانت طريقنا فويق هذه الإطلال 
حرجةً صعبة المرتقى ادَّت بنا بعد قليل الى ذروة التلّ اهتدينا اليها ببناء من الحجر 
المنحوت يُرى هناك فانتظرنا بقرب هذه البناية بزوغ الشمس

وكان اديم السماء صافيًا لا يشوبهُ بخار او سحابة فوجَّهنا الابصار الى الشرق فلم 
يلبث قرن الشمس ان يذرّ فيجلِّل بانوارهِ الساطعة كل البقاع التي حولنا . ولم يزل ملك 
النهار يتصاعد شيئًا فشيئًا حتى ظهر بكل جلالهِ منيرًا بسراجهِ الوهَّاج حاضرة الفراعنة 
التي اصبحت اليوم اثرًا بعد عين وخرابًا بعد عمران فبقينا هنيهةً لا نفوهُ ببنت شفة 
وكُلُّنا عيون شاخصة تكاد تلتهم هذه المناظر التهامًا

ثم جعلنا نتجوَّل فوق مشارف التلّ فاذا هو يتَّسع عرضًا ويستطيل الى جهة 
الجنوب . وكان مع احد رفقتي . میزان لتعريف العلوّ فرصدهُ فاذا هو يدلّ على ثلاثين 
مترًا بكسر . وكانت سهول طانيس القديمة تمتدّ عند اقدامنا فتذكرنا ما جرى فيها من 
الضربات العشر كما ورد في الكتاب الكريم ( المزمور ۷۷ ع ۱۲ ) حيث قال : وصنع 
( الربُّ ) المعجزات امام آبائهم في ارض مصر في بقعة صوعن ( צעז ). وصوعن هي 
صان او طانیس . وقد كرَّر ذلك في المزمور عينهِ ( ع ٤٣ )

ثم حاولنا النزول من هذا الجانب فما تمكنا من الامر الَّا بعد العناء والمشقَّة وكانت 
ارجلنا تغوص في تراب عمیق ضارب إلى الصفرة يدخلهُ قِطَع من الخزف والزجاج 
المكسَّر وكلُّ التلّ على هذه الصورة

وانْ سأل السائل أَو بلغت صان هذا العظم والاتَّساع حتى انَّ اخربتها صارت 
عبارة عن جبلٍ ? اجبنا مع العلَّامة مسبرو : « ان مدينة صان لم تكن ذات شان اذ انَّ 
مجمل ابنيتها كان منحصرًا في دائرة تشمل بعض البيوت المتوسطة البناء كان يسكنها 
اعیان البلد وعُمَّال فرعون . وكنت ترى على رُبَى قليلة الارتفاع تتركَّب من ردوم سابقة 
عدَّةَ ابنية اشبه باكواخ خفيفة متلاصقة ببعضها لا يفصلها الَّا ازقَّة ضيّقة وكلُّها من اللبن 
المجفَّف في الشمس او الآجرّ . تلك كانت مدينة صان . وانَّما كان لها هيكل عظيم 
الشأن شاهق البنيان تتجهُ نحوهُ كلّ حركة السكَّان لِما يُقام فيهِ من المناسك الدينيَّة 
لاكرام آلهة المصريين والتل يتركَّب بالخصوص من بقايا هذا الهيكل الفخيم » . على ان
من نظر إلى الآثار الباقية من صان وهيكلها لا يتمالك من العجب لرونق هذه العاصمة 
وحضارتها وعظم ملوكها

وبعد أن أجلنا الطرف في كلّ هذه المآثر وفكَّهنا المخيلة باحياء سالف الاعصار 
وذكر قاعدة الفراعنة على عهد بني اسرائيل نزلنا من التلّ لنبحث عن الاخربة التي اجتزنا 
بها صباحًا دون أن نتأَمَّلها وما يمكننا أن نقول عنها بوجه الاجمال انَّ هذه الآثار قد 
استولى عليها الدمار فلم يبقَ منها الَّا حطامها . وذلك قول يصحُّ في جميع آثار وادي 
النيل كتلّ بسطة وپلوزة وطانیس بخلاف عاديَّات الصعيد فانَّ يد الدهر لم تُصبها 
بكبير اذًی . امَّا هيكل صان فتری بقاياهُ مجندلةً محطَّمة في حيص بيص فتعثر رجلك 
تارةً بصفّ من نحيت الحجارة وتارةً بردوم من الانصاب والمسلَّات القديمة وحينًا بقطع 
من التماثيل الضخمة او الاشخاص الممثِّلة ابا الهول وكلُّ ذلك باختلاط لا يفي بهِ الوصف 
وهي في اسوإِ حالة لا يمكن الناظر أن يتحقَّق ما كانت عليهِ هذه الآثار في اوَّل 
تنصيبها

وممَّا لحظناهُ بقايا إِلهٍ جبَّار منحوت بحجر الصوَّان المانع فرأْسهُ قد قُطع من شلوهِ 
وكذلك ترى ذراعيهِ وساقيهِ مكسورتين وضخمهُ عجيب ولو كان سالمًا لعُدَّ شبيهًا في 
كبرهِ بدُمى الالهة التي تُرى في مِنف والاقصر . وعندنا انَّ هذا التمثال هو الشخص
الذي أمر باصطناعهِ رعمسيس الثاني من حجر واحدٍ وجعلهُ من اكبر تماثيل مصر

وفوق ربوةٍ ليس بعيدًا عن هذا الأَثر تُری مسلَّةٌ كبيرة ممتدَّة على الحضيض وهي 
مکسورة الى قسمين . يبلغ طولها من ۱۸ الی ۲۰ متر وعرض كل وجهٍ من وجوهها 
الاربعة نحو متر و٦٠ سنتيمترًا . وعلى احد هذه الوجوه مكتوب بالحروف الهروغليفيَّة 
اسم رعمسيس الثاني والقابهُ فيدعى فيهِ : « ملك الشمال والجنوب ‘ راع أُسر مات سوتيب 
ان راع ‘ ابن الشمس رعمسیس صدیق عمون وملك الارضَيْن » . وعند لحف المسلَّة 
نُقشت صورةَ الملك وهو يقدّم قربانًا لالهٍ طُمست سحنتهُ

وعلى مسافة بعض خطوات من هذه المسلَّة مسلَّتان أُخريان على شبه الاولى في 
كبرهما وهما كذلك مكسورتان في وسطهما وعندهما تمثال آخر عظيم لكنهُ لم يُحطَّم
كالتمثال السابق وصفهُ . وتُرى في حِجْره صورة امرأَة صغيرة القامة منحوتة في الحجر 
نفسهِ . وليس بعيدًا من هذه الدمية تمثال ثالث اصغر منهما وهو حسن النقش سالم في 
قسمهِ الاعلى امَّا سُوقهُ فقد كُسِرت . وعلى صدرهِ شعار رعمسيس الثاني . لهُ هينة 
كهيئَة تمثال سقَّارة الشهير

وفي شمالي هذا الشخص استلفت انظارنا حجرٌ من الصوَّان الأحمر منقور على شكل 
صندوق وهو ناووس او مصلّى صغير تكسَّر احد اطرافهِ فيُری داخلهُ وهو منقوش 
وعلى كل وجوههِ کتابات وتصاویر فاخذت رسمهُ بالتصوير ( ص ٤۸٥ ) . وقد مُثَل فيهِ الملك 
رعمسيس ثلاثًا فتراهُ يقدّم القرابين للاله اتوم او تمو اي الشمس قبل بزوغها وللاله 
خُبْري اي الشمس الطالعة وللاله هُورس بن اوزیریس . وجُعل الاله اتوم في الوسط 
وعلى رأسهِ الاكليل المزدوج اشارة الى ملكهِ على مصر العليا وعلى وادي مصر وفي 
يدهِ اليمنى رمز الحياة وفي شمالهِ الصولجان . وبازائهِ الملك رعمیس يزین هامتهُ ايضًا 
الاكليلُ المزدوج تراهُ يقدّم لمعبودهِ تقدمةً وهي طلمةٌ على شكل مخروط كالهرم . وامام 
الاله قد كُتب « تمو سيِّد اون » واون هي مدينة عين شمس . وعند اقدام الملك ما
نصُّهُ : « تقدمة خبزٍ سميذ لينال الحياة من الاله » واسم الملك والقابهُ مدوَّنة امامهُ 
ووراءَهُ فيُقرأ امامهُ : « سلطان الارضَيْن ‘ راع أُسرمات سوتيب ان راع ‘ ( لقب الملك ) 
رعمسيس » . ومن ورائهِ قد كُتب : « ملك الصعيد ومصر السفلى ‘ راع أُسر مات 
سوتيب ان راع ‘ ابن راع رعمسیس تمو سید اون »

ناووس ( ναός ) او مصلَّی رعمسيس الثاني في طانیس ( راجع الصفحة ٤۸۷ )
ناووس ( ναός ) او مصلَّی رعمسيس الثاني في طانیس ( راجع الصفحة ٤۸۷ ) 

وعلى اليمين رُسمت صورة رعمسیس متوّج بالتاج الملكي امام الاله هورس يقدّم 
لهُ انائين وعلى راس الاله یُری قرص الشمس مع شعار الاله راع . وجسم الاله كجسم 
انسان امَّا راسهُ فراس باشق وهو يمسك في يمناه رمز الحياة وفي يسراه صولجان الملك 
و بازائهِ قد كُتب : « هورس إِله الارضَيْن سيِّد السماء » . امَّا الملك فاسمهُ والقابهُ كما في 
الصورة السابقة الَّا انهُ قد بُدِل اسمهُ « تمو سیّد اون » باسم « صدیق هورس »

وفي جهة الشمال صُوّر الاله خبري ( اي الشمس الطالعة ) على هيئة بشريَّة 
فرأْسهُ مكشوف تعلوهُ دائرة الشمس معلَّقة فوقهُ . وامامهُ الملك رعمسيس يقدّم لهُ 
انائين . وبقيَّة التصاوير والكتابات لا تختلف شيئًا عن صورة اليمين

وفوق هذه الصور الثلاث على طول الناووس كتابة درس اوَّلها وآخرها فلم يبقَ 
منها سوى ما ترجمتهُ : « . . . تمو قربان للاله تمو من قبل السلطان ملك الشمال والجنوب
‘ راع أُسر مات سوتيب ان راع ‘ ابن راع صديق عمون رعمسيس لا زال ملكك 
زاهيًا ناميًا الى الابد »

وفي سطح الناووس من اعلاهُ خمس كتابات تنتهي كلُّها بهاتين اللفظتين 
« رعمسیس المُحيى »

هذا ما بقي سليمًا من آثار صان . وليس الباقي كما سبق القول الَّا كسرًا وشقفًا 
لا يُتركَّب منها نصبٌ کامل ( لهُ بقيَّة )

المصدر: المشرق، السنة السادسة العدد ۱۱، ۱ حزيران سنة ۱۹۰۳، ص 481 (رابط).