‏إظهار الرسائل ذات التسميات 1218. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات 1218. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 5 يوليو 2024

ذكر دمياط وتنيس من تاريخ الرهاوي المجهول (حوالي عام 1234 م)

المصدر: الجزء الثاني من تاريخ الرهاوي المجهول تعريب الأب ألبير أبونا (رابط)

۲۲۷ / ٥۱۷ - تحرك الفرنج وملك الهنغاريين من مدينة عكا ومحاصرتهم لمدينة دمياط الواقعة بالقرب من مصر (القاهرة)


في سنة الف وخمسمائة واحدى وثلاثين يونانية (٥٤٧) ، خرج ملك الهنغاريين (٥٤٨) وموفد (٥٤٩) ارسله البابا المالك في روما، ومعه قوات لا تحصى ، ورافقته قوات ساحل البحر وملك عكا ، وتهيأوا في السفن والبواخر وابحروا (٥٥٠) شطر مدينة دمياط الواقعة على ساحل بحر مصر . وشرعوا يحاربون فى البحر من السفن ، وشنوا عليها حربا عنيفة . واقام الفرنج برجا خشبيا يثير العجب ، ووضعوا في البرج رجالا محاربين ومتاريس وكل انواع الاسلحة يحاربون ويضايقون سكان دمياط مدة سنتين بحرا وبرا وهم يحيطون بالمدينة احاطة الخاتم بالاصبع لئلا يدخلها او يخرج منها احد وحدثت فى دمياط مجاعة شديدة حتى انهم اكلوا حيوانات مائتة . وخارت قواهم من الحرب والجوع . فاشتد الفرنج واحتلوها بالسيف وابادوا من ابناء دمياط خلقا كثيرا واخذوا ذهبا وفضة وآنية وامورا عجيبة . ولما احتلها الفرنج حدث خلاف بين ملك الهنغاريين والموفد وكيل بابا روما . اذ ان هذا قال للملك : « اننا لا نعطيك مدينة دمياط ، بل جزءا من البلدان التي ننتزعها من المسلمين » وحسب عوائد الفرنج الرديئة غضب ملك الهنغاريين (٥٥١) فغادر مع قواته وعاد  الى بلاده . اما الموفد وملك عكا والاخوة المضيفين وجيش ساحل البحر ، فشرعوا ينتشرون في بلدان المسلمين وينهبون ويخربون . ولما رأى الملوك ابناء الملك العادل (٥٥٢) و هم الملك الكامل سلطان مصر الكبير مع اخيه الملك المعظم حاكم دمشق ، ان الفرنج اشتدوا هكذا ، خافوا على بلدانهم .

٥١٨ - خراب اورشلیم سنة الف وخمسمائة وست وثلاثين يونانية (٥٥٣)


حينئذ أمر الملك المعظم حاکم اورشليم ان يهدم سور المدينة ومنازلها . ولما وصل هذا الأمر، لم يترك المسلمون حجرة على حجرة ، ما خلا كنيسة القيامة الكبرى وهيكل سليمان الذي كان مسجدا للمسلمين واضحت (المدينة) تلا خربا من خوف الفرنج لئلا يأتوا ويحاصروها . وارسل الملك الكامل اخاه حاکم اورشلیم ودمشق الى أخيهم الملك الاشرف حاكم ما بين النهرين لكي يجمع جيشه ويدركهم . فتهيأ الملك الاشرف وجمع قوات الشرق وشعبا غفيرا من العرب وقصد مصر . واجتمعت جيوش مصر وقوات الملك الاشرف وشرعت فى الحرب ووقفت الفرق متقابلة فاسرعت قوات الفرنج ، حسب عاداتهم الرديئة ، وهاجموا المسلمين . ولما لاحظ المسلمون تصرف الفرنج الارعن، اعطوهم مجالا ليبتعدوا عن دمياط . وما ان ابتعد الفرنج، حتى اسرعت عساكر المسلمين واحتلوا معسكر الفرنج والطريق ليمنعوهم من الدخول الى دمياط و بدأ المسلمون يبيدون الفرنج واعملوا فيهم السيف حتى الساعة التاسعة - فخارت قوى المسلمين والفرنج من الحرب التي دامت النهار كله . وبلغ الوهن بالفرنج الى اليأس من حياتهم ، لان المسلمين استولوا على طريق دمياط وعلى معسكر / الفرنج ، ولم يدروا ماذا يفعلون ولما رفعوا عيونهم ابصروا موضعا مرتفعا فاستداروا وهربوا الى تلك الرابية . وفرح المسلمون بذلك فرحا عظيما.
وبدأوا يعملون الليل كله وحولوا مجرى النيل الكبير حول الموضع الذي كان الفرنج حالين فيه . فظل هولاء هناك يعانون من الجوع هم وخيلهم مدة ثلاثة ايام . وفكر المسلمون في ابادة الفرنج الموجودين خارجا بحد السيف . فتشاوروا فى الامر ورأوا انهم اذا ابادوا الفرنج الخارجين فسيصعب عليهم انتزاع المدينة من الفرنج الموجودين داخلها ، لانهم كانوا اقوياء بالجيش والسلاح والقمح الذي كان يصلهم بطريق البحر . فاتفقوا فيما بينهم، وارسلوا سعاة الى الفرنج قائلين لهم : « اننا لا نفعل مثلكم ، بل سلموا لنا دمياط ونقسم لكم باننا لن نضركم » . ففرح الفرنج بذلك ، لانهم كادوا يقضون فارسل الفرنج بعضا منهم الى الذين داخل المدينة ، فاقسم الفرنج الموجودون في دمياط وخارجها للمسلمين ، واقسم المسلمون للافرنج ، واعطى الفرنج دمياط لاصحابها وهذا هو الانتصار

---------------------------
(٥٤٧) سنة ١٢٢٠م . وجاء في الهامش : فى هذا الوقت من سنة ١٥٣٠ (۱۲۱۹م) خرج شعب الهونيين الذين يدعون اليوم التتر وابادوا بحد السيف بلاد الفرس كلها ودمروا مدنا مزدهرة وبلدان الفرس . فهرب سلطان الفرس الاكبر جلال الدين وجاء وسكن في قلعة كان يمتلكها بالقرب من بلاد الايبريين واخلاط
(٥٤٨) وفي الواقع كان اندراوس الثاني قد ذهب قبل الحملة على مصر
(٥٤٩) هو الكاردينال بيلاج مطران البانو ، وهو لن ينضم الى الحملة الا فى نهاية ايلول سنة ۱۲۱۸م .
(٥٥٠) فی ۲۷ ايار سنة ۱۲۱۸م .
(٥٥۱) كان هذا الملك جان دى بريين واختلافه مع الموفد البابوى كان حول اقتراح الملك الكامل بالتخلى عن فلسطين للصليبيين واخذ مصر عوضها وهذا ما رفضه الموفد البابوى
(٥٥۲) توفى الملك العادل فى ٣١ اب سنة ۱۲۱٨م 
(٥٥٣) سنة ١٢٢٥م

هامش من ملاحظاتي: هناك ذكر لدير مار دمياط في منطقة قلودية بجانب قلعة ثمانون، انظر الصفحات 323، 371 وفيها يذكر اسم الدير مار ديماط، وكذا صفحة 378.



٢٠٥ - المسيحيون الساكنون فى تنيس المصرية -


وبما اننا ذكرنا عبد الله بن طاهر وكتبنا عن دخوله الى البلاد المصرية فلنظهر ايضا عدله الذى تجلى فى أمر المسيحيين الساكنين في تنيس (٤٩) ، الذين يتحدث عنهم البطريرك ديونيسيوس في كتابه . فنحن ايضا نريد التحدث عنهم، لكي نبقي ذكرا صالحا للبطريرك ولعبد الله بن طاهر

يروي البطريرك ديونيسيوس الذي كان معروفا لدى عبدالله ومحبوبا عنده مع اخيه مطرافوليط الرها، انه دخل على عبدالله في مصر في الزمان السابق للفتنة التي اثيرت بغية هدم كنائسهم ، او بالاحرى كنائس كثيرة فى ما بين النهرين . وهذا ما اضطر البطريرك
المرحوم الى التوجه شطر البلاد المصرية لمقابلة عبدالله بن طاهر برفقة اخيه مطرافوليط الرها الذى كتبنا عنه وعن هذه القصة كتاب الاحداث الكنسية الذي وضعناه (٥٠)

في هذا الزمان ، يروى البطريرك هذا الحادث قائلا : اننا شاهدنا في بلاد مصر مدينة تنيس ، وقص علينا سكانها قصة اليمة. فان اهل هذا الموضع كلهم مسيحيون والمكان مزدحم بالسكان 
الا انهم في فقر مدقع . ولما سألناهم كيف تردت احوالهم الى هذا الحد ، اجابونا قائلين : ان المياه تحيط بمدينتنا من كل جوانبها وليس لنا زرع او غلة او فلاحة ، ولا يمكننا اقتناء الاموال . والمياه التي نشربها تأتينا من بعيد و نشتريها بجهد جهيد کل اربع جرار بدرهم . 

اما شغلنا فهو الكتان تغزله النساء / بالمغازل ونحن ننسجه بالنول باجرة قدرها نصف درهم نتقاضاها يوميا من التجار اصحاب الادوات .
ولا يكاد شغلنا يكفى قوت يومنا وحينما يحين موعد الضريبة يفرضون على كل بيت خمسة دنانير . فنعانى من ذلك وتلقى في السجون . وفي غمرة ضيقنا نرهن لهم اقاربنا

اجل اننا نرهن لهم ابناءنا وبناتنا ليعملوا كعبيد عندهم . وقد يحدث ان امرأة أحدنا أو ابنته تلد عندهم ، ، فيحذروننا من رفع الشكوى عليهم والانكى هو انه قبل بلوغ الاوان لفدية المرأة او البنت ، تأتى ضريبة السنة التالية ، فيطالبوننا ، بالاضافة الى الرهائن ، بدفع مبلغ
آخر . وهكذا يظل اولادنا وبناتنا عبيدا للمسلمين طيلة حياتهم 

ويقول البطريرك المرحوم انه حينما قص ذلك على عبد الله ، أشفق عليهم وبوساطة البطريرك أمر بان يدفعوا عن كل رجل جزية قدرها  ۲۲ در هما حسب الشريعة الجارية في مابين النهرين

٢٠٦ - الامور التي شاهدها التلمحري فى مصر ورواها (٥١) -


نتكلم ايضا عن أمور أخرى كتبها البطريرك ديونيسيوس المستحق ذكرا صالحا قال لقد شاهدنا في مصر ايضا امرا جديرا بالذكر فهناك بناء شيده الاقدمون بجوار نهر النيل قبل انقسامه الى الفروع الاربعة انه على شكل بركة مربعة ينتصب في وسطها عمود حجری تعلوه درجات ومقاييس وكتابات تشير الى هذه المقاييس . وحينما يفيض النهر في زمان ايلول ، تدخل مياهه داخل البناء ، فيأتي الرجال المؤتمنون عليه كل يوم / ليلاحظوا الدرجات التي يرتفع اليها الماء في العمود . فاذا كان فيضان النهر اقل من ١٤ درجة ، فان جزءا صغيرا من ارض مصر تسقى منه ، وهذه علامة على ان الغلات تكون ناقصة في تلك السنة تلك السنة ، فلا تجبى الضرائب اما اذا ارتفع النهر الی ۱٥ او ١٦ درجة ، فتكون الغلات متوسطة ، فتجبى الضرائب حسب ذلك المقدار . واما اذا بلغ ۱۷ او ۱۸ درجة ، فان الرى يعم مصر كلها وتكون الضريبة كاملة واذا فاض وتجاوز العشرين· فانه يحدث اضرارا فى الأرض ولا تجنى حاصلات في تلك السنة وموجز القول ، ان حكام مصر يعلمون من اشارات ذلك العمود ما مقدار ، الضرائب التي يمكنهم فرضها على مصر كل سنة .

وقد وجدت في الكتب القديمة ان قورلس بطريرك الاسكندرية (٥٢) هو الذى بنى ذلك العمود ونظم الدرجات والمقاييس المكتوبة عليه 

۲۰۷ - الحوت الذي ظهر فى البحر -


ويكتب البطريرك ديونيسيوس ايضا قائلا (٥٣) حينما كان في مصر ظهر في البحر حوت كبير طوله نحو نصف میل (*) فاضطرب سكان البلاد وخافوا ركوب البحر ، ولم ينزل الى البحر الغواصون الذين يخوضونه بحثا عن اللآلىء .. وبعد ان اقلق البحر طيلة ثلاثة اشهر وتوقفت السفن عن السير ارسل الله عليه سمكة صغيرة طولها نحو شبر واحد دخلت فى اذن ذلك الحوت الضخم وقتلته . ولما مات ، جرفته امواج البحر والقت به على الساحل . وحينما لاحظ سكان البلاد ذلك ، ركبوا السفن وتوجهوا اليه واخذوا يقطعون لحمه واذ لاحظوا ان النار عاجزة عن طبخه ، اخذوا يملحونه / ويجففونه ثم يدقونه بالمهراس ويأكلونه .


٢٠٨ - الانصاب القائمة فى البلاد المصرية والهياكل المشيدة فوق اضرحة الملوك (الاهرام) -


ويكتب التلمحرى ايضا قائلا : اننا نشاهد ايضا الانصاب التي تكلم عنها ارميا والموجودة فى هليوبوليس عاصمة المصريين التي كان فوطيفار حمو يوسف حبرها انها مصنوعة من الحجر . ويبلغ طول كل حجر منها ستين ذراعا، وعرضها وسمكها ست اذرع ، وقاعدتها بحيث يكون ارتفاع النصب سبعين ذراعا . وكانت عشر اذرع منحوتة عليها من فوق الى اسفل صور اصنام الوثنية وكتابات هيروغليفية لم يستطع احد من معاصرينا قراءتها انه منظر يثير الاعجاب ، ولاسيما انها ليست من حجر لين بل من المرمر . وهي شبيهة (بالانصاب) ذات الاحجار الثلاث الماثلة فى بعلبك ، التي مع كونها عجيبة ، الا ان طول الحجرة فيها لا يبلغ سوى ٤٠ ذراعا فحسب. اما هذه فاكثر من ستين ذراعا، الأمر الذى يذهل العقل منه ، اذ كيف قطعت هذه الحجارة من الجبل وبأية قوة جروها وجلبوها الى منتصف السهل المشيدة فيه هليوبوليس عاصمة مصر ، وباى فن استطاعوا نصبها وايقافها مستقيمة ، ثم ان يصعدوا ويضعوا فوقها تيجانا من عشر اذرع . فحتى لو اجتمع عليها الف رجل وهي ساقطة لما استطاعوا تحريكها . / وكان في اعلاها اقباع من نحاس يزن كل منها الف رطل وقد خربت المدينة من زمان مجيء المسيح . ولم
یکن مجال لاحد ليتسلق الى قمتها ، فلم يستطع المصريون ولا العرب الجشعون ان يأخذوا ذلك النحاس ، كما اخذوا نحاس العمود الكائن في جزيرة رودس الذي رماه العرب وكسروه واخذوا منه ٣ آلاف حمل من النحاس القورنتي

وكان في المدينة اكثر من خمسمائة نصب ملقى على الحضيض
وقد حطمت وجوه الصور بالفؤوس ورأينا ايضا فى مصر هياكل مذهلة مبنية على أضرحة الملوك الوثنيين الاقدمين . انها مقفلة لا باب لها . ويبلغ طول كل منها خمسمائة ذراع وعرضها خمسمائة وارتفاعها مائتين وخمسين سمیت بالاهرام، لانها هرمية الشكل، فبينما قاعدتها تبلغ خمسمائة ذراع ، فهى تنتهى بذراع واحدة من فوق . اما احجار بنائها ، فانها منحوتة على مقياس ٦ او ٨ او ۱۰ اذرع ، وهى تبدو مثل جبال شاهقة من ارض مصر كلها

---------------------------
(٤٩) م٠س ٣ ص ٦٢ حاشية ٥. وتنيس مدينة قديمة كانت فى جنوبی غربی بورسعيد خربت سنة ١٢٢٧م ( اللؤلؤ المنثور ، حلب ١٩٥٦ ص ٦٢٤) .
(٥۰) اشارة اخرى الى اسبقية التاريخ الكنسى
(٥١) م . س ٣ ص ٨٢ ، ٤ ص ٥٢٦ - ٥٢٧ ٠
(٥٣) قورلس الاسكتندرى بطريرك الاسكندرية (٤١٢ - ٤٤٤ م ) ، ترأس مجمع أفسس سنة ٤٣١ وترك مؤلفات دفاعية وعقائدية
(٥٣) يضع م٠س ٣ ص ٨٥ ٤ ص ٥٢٨ هذا الحادث بالقرب من البحرين . 
(*) هذه مبالغة ظاهرة لا تخفى على القراء الكرام .

الأربعاء، 30 مارس 2022

الاستيلاء على حصن تنيس من كتاب أوليفر بادربورن

جزء من خريطة لجيرولامو راسكيلي لمصر حوالي عام 1561 ويظهر فيها دمياط وتنيس
جزء من خريطة لجيرولامو راسكيلي لمصر حوالي عام 1561 ويظهر فيها دمياط وتنيس (رابط)


النص التالي من كتاب الاستيلاء على دمياط لمؤلفه أوليفر بادربورن، وكان مصاحبا للحملة الصليبية الخامسة، النص التالي من كتاب "الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية - الحملة الصليبية الخامسة"، تأليف وترجمة وتحقيق الأستاذ الدكتور سهيل زكار، الجزء الثالث والثلاثون، دمشق 1998، ص 74، 75، 76

ويصف حصار وسقوط دمياط على يد الحملة الصليبية الخامسة، وفي هذا الفصل المذكور يتحدث عن سقوط حصن تنيس، وفيه وصف موقعه للشرق تجاه بيت المقدس، ويفصلها عن دمياط مقدار رحلة يوم واحد في البحر، ويتحدث عن أهمية الموقع بالنسبة للحملة لأن الشاطيء أمام تنيس منحني وبدون ميناء مما يصعب على السفن الخروج منه إن جنحت اليه، ويبدو أن المدينة كان قد تم اخلاؤها بالفعل فحينما ذهب اليها الصليبيون في سفن صغيرة عبر النهر، هجر الحصن القائمون عليه، فدخلوه بغير عناء، ويصفه بأن به سبعة أبراج محصنة بشرافات وطلاقات، ويحيط به خندق مضاعف، وكل قسم منه كان محميا بسور، والجزيرة يحيط بها مياه البحيرة الكبيرة، والتي كانت ستصعب مهمة حصار تنيس لو حاولوا ذلك، لوفرة السمك والطيور بها، وأماكن استخراج الملح، وعدد من القرى المحصنة التابعة للحصن، ويصف مدينة تنيس بأنها أكبر من دمياط، وحجم أبنيتها شاهد على ما كان فيها قبل أن تصبح مهجورة.


لاحظ أنه في الترجمة الانجليزية لنص أوليفر بادربورن (Edward Peters, Christian Society and the Crusades, 1198-1229: Sources in Translation, including "The Capture of Damietta" by Oliver of Paderborn ,1971) يذكر تانيس وليس تنيس، ولكن من الصعب تخيل أن الحملة الصليبية الخامسة اخترقت الدلتا جنوبا لتصل إلى تانيس، كما أن الوصف الوارد بالأسفل ينطبق أكثر على جزيرة تنيس.


الفصل الأربعون

بمعجزة لم تكن أبداً أدنى، بل بالحري أعظم من سواها، أعطى الرب 
إلى الصليبيين حصن تنیس، في شهر تشرين الثاني، في يوم عيد کلیمنت 
المبارك، (۲۳ — تشرين الثاني)، وكان هذا الحصن قائماً على البحر، فقد 
جرى إرسال كشافة كان عددهم قرابة الألف بوساطة سفن صغيرة، 
خلال نهر صغير يدعى نهر تنیس، وذلك بقصد أن يجلبوا ميرة لأنفسهم 
من القلعة، وليقوموا بكل عناية بتفحص الموقع المشار إليه، ورأى 
المسلمون الذين كانوا في حامية الحصن، الصليبيين فخيل إليهم أن 
الجيش كله قد جاء، لذلك فروا بعدما أغلقوا الأبواب، أما رجالنا الذين 
كان المسيح هو قائدهم الوحيد هناك، فقد شقوا طريقهم بين الحواجز، 
ودخلوا إلى الحصن، وبعد عودتهم أعلنوا لنا أنهم لم يشهدوا قط حصناً 
قام على سهل أقوى منه، فقد امتلك سبعة أبراج قوية جداً، محصنةً 
بشرافات وطلاقات، يضاف إلى هذا أنه كان محاطاً بخندق مضاعف، 
كل قسم منه كان محمياً بوساطة سور، وكان هناك بحيرة تمتد بشكل 
عريض حول تلك المنطقة إلى حد تجعل من غير الممكن بالنسبة لخيّالتنا 
الوصول في الشتاء، وصعب جدا في الصيف، أي أنه كان من المستحيل 
بالنسبة لجيشنا الاستيلاء على هذا الحصن بوساطة الحصار، وحوت 
البحيرة وفرة من الأسماك، وكان يدفع من صائدي سمكها كل سنة 
أربعة آلاف مارك فضي إلى السلطان في القاهرة، وذلك حسبما جرى 
إخبارنا من قبل الشيوخ، يضاف إلى هذا، كانت هناك وفرة وفيرة من 
الطيور، وأعمال لاستخراج الملح، وعدد من القرى المحصنة منتشرة هناك 
تابعة لهذا الحصن، وكانت المدينة خلف الحصن، أكبر من دمياط، وكانت 
من قبل مشهورة، لكنها الآن مخربة، في ثناياها شهادة على حجم أبنيتها، 
فهذه هي تنیس التي ذكر النبي حقلها بقوله: « قدام أبائهم صنع
أعجوبة» [ المزامير:۱۲/۷۸] وقول اشعیا: « إن رؤساء تنیس حکماء 
مشیري فرعون» [اشعيا:۱۱/۱۹/]، فهذه هي تنیس التي قيل بأن إرميا 
قد رمي بالحجارة فيها، لأنه عندما دمرت القدس من قبل البابليين [
ارميا: ٥۲] وجرى قتل جدليا من قبل اسماعيل [ارميا: ٤١] ذهبت بقية 
الناس إلى مصر في معارضة لرأي إرميا، وأخذوا معهم إرميا الذي مكث 
في تنیس معهم: « وصارت كلمة الرب إلى إرميا في تنیس قائلة: خذ 
بيدك حجارة واطمرها في الملاط في الملبن الذي عند باب بيت فرعون» 
الخ.[إرميا: ٤۳/ ۸—۹] وقال إرميا بعد هذا لهم: « قال الرب: هاأنذا 
قد حلفت باسمي العظيم... فیفنی کل رجال يهوذا الذين في أرض مصر 
بالسيف والجوع حتى يتلاشوا«[إرميا: ۲٤/٤٤— ۲۷]، وثار الشعب 
ضد إرميا، ورموه بالحجارة التي كانت مخبأة تحت الجدار الآجري، لكن 
المصريين شرفوا النبي ودفنوه خلفه قبور ملوكهم، ذلك أنهم كانوا 
مقدرين للمنافع التي أظهرها لمصر، لأنه بكلماته أبعد حيوانات الماء التي 
يطلق عليها الاغريق اسم التماسيح، ثم كان أن جاء الاسكندر المقدوني 
إلى قبر هذا النبي، وتعرف عليه من خلال الطبيعية الخاصة
للمكان، والأسرار المحيطة به، ونقله إلى الإسكندرية، ودفنه هناك وسط 
تمجید عظيم،هذا ولقد وجدنا تماسيح في دمياط وقتلناها، وهذا الحيوان 
متوحش يفترس الناس والحيوانات، ويعتني ببيضه ببساطة بمراقبتهم 
بأعين مفتوحة، وما أن يفقس صغيرها حتى يفر من أبويه وكأنهم 
عدوین، ذلك أنه يلتهم على الفور ويفترس أي شيء يمكنه امساکه.

وتنفصل تنیس عن دمياط بمقدار رحلة يوم واحد عبر البحر باتجاه 
أرض المعیاد، لذلك من السهل وضع حامية عسكرية هناك أو إرسال 
طعام إليها من عكا أو من دمياط عبر البحر، أو عبر البر أو بوساطة 
النهر، وقد سببت الحاق خسائر عظيمة بالصليبيين أثناء حصار 
دمياط، عندما كانت السفن تأتي إلينا، أو تبتعد عنا محمولة بقوة
الرياح، لأن الشاطيء أمام تنیس منحني وبدون ميناء، عاملاً بذلك 
خليجاً کاملاً واسعاً، وعندما كانت السفن تقذف إليه كان لا يمكنها 
الانسحاب من دون هبوب رياح موافقة جداً لهم.