‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 16 يوليو 2024

ذكر دمياط في تاريخ ابن العميد




ذكر المواضع التي وردت بها دمياط في كتاب "النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد" لابن العسال مفضل ابن ابي الفضائل.

في أحداث سنة 710 هجرية (النص التالي منسوخ من موقع جوجل للكتب):

تتمّة ترجمة الامير سيف الدين بلبان المحسني قال المؤرخ وكان سبب نكبته وافصاله من ثغر دمياط انّه كان عند مصب الحلو الهابط الى المالح بدمياط حجارة كبيرة ملقاة وكان بالغربي منه برج عظيم يعرف بالسبع قاعات وكان الماء في ايام نهاية النيل يخرج الى المالح من على تلك الحجارة فاذا زاد كثيراً خرج من جانب البرج الاخر وهذا الجانب الذي ذكرناه فهو اعلا من البحر المالح وعند احتراق النيل ما يكون للمالح من القوة ان يدخل الى طرف الحلو وكانت هذه العلة مستورة عن افهام غالب الناس فحضر الى الامير سيف الدين بلبان المحسني من حسّن له اخذ تلك الحجارة وان من احتاج الي شيء منهم يوخذ منه ثمنه ويحمل الى بيت المال المعمور فحسن ذلك عند المشار اليه وما علم ان تلك الحجارة ما وضعوا في ذلك المكان الا بحكمة عظيمة من القدماء فعند ذلك اخذت الناس منهم شيئاً كثيراً واخذ المشار اليه الثمن منهم وعمّر بالثغر عمائر كثيرة فلما نزعوا الحجارة من الماء الحلو صار الماء المالح عند زمن الاحتراق يدخل الى فم البحر الحلو ويسلك فيه مسافة بعيدة ولذلك فسد غالب الموز والرمان ببساتين ثغر دمياط حتى كاد الموز ينقطع من الديار المصرية جملة كافية ولم تظهر للناس العلة في مثل ذلك وبعد مديدة لطيفة ارسل السلطان الملك الناصر من ينظر في هذه القضيّة فانّها كانت من القضايا بالجليل خطرها فعند ذلك وجدوا الموضع الذى كانوا فيه الحجارة قد انفتح وتوطىء من المالح وصار عند دخوله إياه ما يجد ما يحجزه فكانت هذه الآفة من اكبر اسباب نكبة المشار اليه ثم بعد ذلك هدموا البرج الحائط بالقاعات وردموه في البحر فاستد الفم وحدث من ذلك افة اخرى وهى ان الماء صار يتصدر في ثغر دمياط خاصة يستبحر الوجه البحرى ويشرق غالب الوجه القبلى وكانت العادة جارية ان البحر الحلو اذا تكامل في مصر ثمانية عشر ذراعاً تكون زيادته بثغر دمياط من ذراعين او ثلاثة اذرع اقول ولقد اخبرني الامير سیف الدین بہادر الشهابي احد مماليك الامير سيف الدين بلبان المحسني قال كنت صحبة المشار اليه فى ثغر دمياط المحروس وفوض التي شاد الخمس بالثغر فبينما انا عنه وإذا بشختور لطيف فيه جماعة ركاب وبينهم شخص ميت فسألتهم جالس ذات يوم فقالوا إن له حكاية غريبة وهى ان قفزت اليهم شلباية لطيفة من البحر فصارت في ظهر الشختور وان هذا الرجل وثب اليها وقبض عليها وقال هذه غدائي في هذا النهار وقشرها بسكين كانت معه وعند ما شق فؤادها خرج منه ثعبان لطيف دون الشبر فنقف هذا الرجل فمات لوقته اقول ولقد اخبرني سيف بهادر المذكور عن حكاية تدل على ان الانسان يساق الى اجله قسراً وهو لا يشعر بذلك قال كان سخصاً من ألزام المشار اليه متوجهاً الى دمشق ومعه جماعة جند رفقة له وإنّهم نزلوا ببعض الخانات فأكلوا شيئاً ثمّ احضر اليهم قليل مكسرات فأكلوا وان احدهم وجد دلمة ووجد بالمكسرات بندقة متقوية وانه اخذ الدلمة وحشرها في البندقة وسدّ عليها ووضعها فى حائط الخان ورحلوا الى دمشق ثم عادوا الى مصر ثم توجهوا قاصدين دمشق قال وكانت المسافة بين الحركتين عدة من الشهور وانّ الله تبارك وتعالى قدر انّ المذكورين نزلوا على ذلك الخان بعينه وان الشخص الذى اودع الدلمة فى البندقة ووضعها في الحائط افتكر تلك القضية الماضية ففتش فى الحائط فوجد البندقة فكسرها فخرجت الدلمة منها وقد جفت فلما احست المه ذلك ثم بيد الشخص مشت وطلعت الى حيث اصبعه السبابة فقرصته قرصاً خفيفاً القرص فرما بالدلمة ورحلوا من ذلك المكان فورم كفّ ذلك الرجل الى حد غاية فلما ذكر بلاد ذكر وصلوا الى دمشق اقام ذلك الرجل اياما قلائل وقضى نخبه والله اعلم"

السبت، 6 يوليو 2024

ذكر دمياط وتنيس من تاريخ مختصر الدول لابن العبري




صـ 248: "وفي سنة ثماني وثلثين ومائتين جاءت ثلثمائة مركب للروم مع ثلثة رؤساء فاناخ في مائة مركب بدمياط وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة يكون ماؤها الى صدر الرجل فمن جازها الى الارض أمن من مراكب البحر فجازه قوم من المسلمين فسلموا وغرق كثير من نساء وصبيان ومن كان به قوة سار الى مصر واتفق وصول الروم وهي من الجند فنهبوا واحرقوا وسبوا واحرقوا جامعها وسبوا من النساء المسلمات والذميات نحو ستمائة امرأة وساروا الى مصر ونهبوها رجعوا ولم يعرض لهم احد"

صـ 413: "وفيها اعني سنة ثماني عشرة وستمائة كان اجتماع الملك المعظم والملك الاشرف مع نجدة صاحب ماردين وعسكر حلب والملك مع الناصر صاحب حماة والملك المجاهد صاحب حمص واتصال الجميع بالملك الكامل على عزم قصد الفرنج ورد دمياط منهم فاحاطوا بهم وضيقوا السبيل عليهم فاجابوا الى الصلح على تسليم دمياط واطلاق بايديهم من اسراء المسلمين واطلاق ما بايدي المسلمين من أسراهم وقرر الصلح عاماً مع الدكاد نائب البابا وملك عكا وملوك فرنجة ومقدمي الداوية والاسبتارية وتسلم الكامل دمياط يوم الاربعاء تاسع عشر رجب وكانت مدة مقام الفرنج بها سنة كاملة واحد عشر شهراً "

صـ 452 وما بعدها: "وفيها خرج ريدا فرنس (في هامش الصفحة ما يلي: ريدا فرنس لفظة مركبة معناها عند الفرنج ملك فرنسا Roi de France وقد اراد بها الملك القديس والبطل الصنديد لويس التاسع) ملك فرنجة قاصدًا للديار المصرية فجمع عساكره فارسها وراجلها جموعاً عظيمة وازاح عليهم فسار عن بلاده بأموال جزيلة وأهبة جميلة وارسى بعكا وانب اصحابه في جميع بلاد الساحل فلما استراحوا جاؤوه حاشدين حافلين وساروا في البحر الى دمياط وملكوها بغير تعب ولا قتال لان اهلها لما بلغهم ما هم عليه الفرنج من القوة والكثرة والعدّة الكاملة هالهم امرهم فرحلوا عنها متقين فوصل اليها الفرنج ولقوها خالية عن المقاتلين غير خاوية من الارزاق فدخلوها وغنموا ما فيها من الاموال وكان الملك الصالح بن الملك الكامل صاحب مصر يومئذ بالشام يحاصر مدينة حمص فلما سمع بذلك بأن القرنج قد ملكوا دمياط رحل عن حمص وسار مسرعاً الى الديار المصرية ومرض في الطريق وعند وصوله الى المنصورة عرض له في فخذه الداء الذي يسمونه الاطباء غانغرانا ثم استحكم الفساد فيها حتى آل امرها الى سفاقلس وهو موت العضو اصلا فقطعوها وهو حي وبينما هو يكابد الشدائد في هذه الحالة وافاه مقدموا دمياط الذين اخلوها منهزمين فلما قيل له ما صنعوا لانهم فروا عنها من غير ان يباشروا  حرباً وقتالاً عظم ذلك عليه فأمر بصلبهم وكانوا اربعة وخمسين اميرا فطلبوا كما هم بثيابهم ومناطقهم وخفافهم ثم مات من غد ذلك اليوم وتولى تدبير المملكة الامير عز الدين المعروف بالتركماني وهو اكبر المماليك الترك وكان مرجوعه في جميع ذلك مما يعتمده من الامور الى حظية الملك الصالح المتوفى المسماة شجر الدر وكانت تركية داهية الدهر لا نظير لها في النساء حسنا وفي الرجال حزماً فاتفقا على تمليك الملك المعظم بن الملك الصالح وكان يومئذ مقامه بحصن كيفا من ديار بكر فارسلا رسولاً في طلبه وحناه على المصير اليهم فسار الى الديار المصرية من غير توقف فبايعوه وحلفوا له وسلموا اليه ملك ابيه وفي سنة ثماني واربعين وستمائة سير ريدا فرنس عسكرًا نحو الفي فارس نحو المنصورة ليحس بهم ما هم عليه المصريون من القوة فلقيهم طرف من عسكر المسلمين فاقتتلوا قتالاً ضعيفاً فانهزم المسلمون بين أيديهم فدخل الفرنج المنصورة ولم ينالوا منها نيلا طائلا لانهم حصلوا في مضايق ازقتها وكان العامة يقاتلونهم بالحجارة والاجر والتراب وخيولهم الضخمة لم تتمكن من الجولان بين الدروب وكان القائـــد لعسكر المسلمين فخر الدين عثمان المعروف بابن السيف احد الامراء المصريين شيخ كبير احاط به الفرنج وهو في الحمام يصبغ لحيته فقتلوه هناك وعادوا الى ريدا فرنس واعلموه بما تم لهم مع ذلك العسكر وبالمدينة فزاد طمعه وطمع من معه من البطارقة ظانين انه اذا كان الالتقاء خارج الجدران بالصحراء لم يكن للمسلمين عليهم مقدرة عبر فعى جيوشه وسار بهم طالبا ارض مصر فصبر المصريون الى ان الفرنج الخليج من النيل المسمى اشمون وهو بين البرين بر دمياط وبر المنصورة فتوجهوا نحوهم والتقى العسكران واقتتل الفريقان قتالاً شديدا وانجلت الحرب عن كسرة الفرنج وهزموا افحش هزيمة ومنعهم الخليج المذكور من ان يفوزوا وينجوا بارواحهم فغرق منهم خلق كثير وقتل آخرون وأسر الملك ريدا فرنس ومعه جماعة من خواصه واكابره فلما حصل ملك الفرنج في قبضة الملك المعظم قال له المماليك الصغار اقرانه اننا نرى الأمر كله الى شجر الدر والامراء وليس السلطنة الَّا اسمها فلو كنت في الحصن كنت ارفه خاطرًا منك وانت صاحب مصر والحكم لغيرك والسبب في هذا ليس الا حاجتك اليهم في مقاومة الفرنج وليس لك عدوّ سواهم فالرأي ان تصالح هذا الملك ومن معه من امرائه الى اي مدة شئت فانه لا يخالفك في جميع ما تريد منه اذا اصطنعته ووهبت له روحه وتأخذ منه الاموال والجواهر التي له في دمياط ويسلّم اليك دمياط ويذهب في حال سبيله وتأمن شره وشر اهل ملته وتستريح من الامراء واستخدام الجند وتبقي في ملكك من اخترت وتزيل من كرهت فصفا المعظم الى قولهم واستصوب رأيهم ودبر الأمر مع ريدا فرنس لك من وحلفه كما اراد من غير ان يشاور الامراء الكبار في شيء من ذلك فاحشوا بالقضية وتحققوا تغير المعظم عليهم وما قد نوى ان يفعل بهم فنقموا عليه ووثبوا به فهرب منهم وصعد الى برج من خشب كان هناك فضربوا فيه النار فلما وصلت اليه وشاطته رمى نفسه الى الخليج النيلي فجاؤوا اليه ورموه بالنشاب وهو في الماء فمات غريقاً جريحاً واتفق الامراء الترك وقدموا عليهم اميرا منهم يلقب بعز الدين التركماني ونهضوا الى ريدا فرنس وجددوا معه اليمين وافتدي منهم بالف الف دينار وتسليم دمياط فاطلقوه ثم سار التركماني من المنصورة الى مصر واقطع الاسكندرية لامير من الترك يقال له فارس اقطاي وتزوج شجر الدر وصار ملك مصر في قبضتهما واما ريدا فرنس لما وصل الى دمياط اخذ اهله ومن تخلف من اصحابه وخرج عنها وسلمها الى المسلمين واقام هو بعكا و بنى مدينة قيسارية واصلحها واسكنها جماعة ثم سار الى بلده"


صـ 349: "حسنات الزمان وله في سائر اجزاء الحكمة اليد الطولى والمرتبة الاولى المسترشد بن المستظهر لما توفي المستظهر بالله بويع ولده المسترشد بالله ابو منصور وذلك في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة فكان ولي عهد قد خُطب له ثلثا وعشرين سنة وفيها توفي بغدوين ملك القدس وكان قد سار الى ديار مصر في جمع من الفرنج قاصدا ملكها  و بلغ مقابل تنيس وسج في النيل فانتقض جرح كان به فلما احس بالموت عاد الى القدس فمات به ووصى ببلاده للقمص صاحب الرها وهو الذى كان اسره جكرميش واطلقه سقاوو جاولي وفي سنة ثلث عشرة وخمسمائة كانت حرب شديدة بين السلطان سنجر وابن اخيه السلطان محمود وفي سنة اربع عشرة خرج الكرج وهم الخزر  الى "

المصدر: تاريخ مختصر الدول للعلامة غريغوريوس أبي الفرج بن اهرون الطبيب الملطي المعروف بابن العبري، وقف على طبعه الاب انطون صالحاني اليسوعي، المطبعة الكاثولوكية للآباء اليسوعيين في بيروت سنة 1890 (رابط).

الجمعة، 5 يوليو 2024

ذكر دمياط وتنيس من تاريخ الرهاوي المجهول (حوالي عام 1234 م)

المصدر: الجزء الثاني من تاريخ الرهاوي المجهول تعريب الأب ألبير أبونا (رابط)

۲۲۷ / ٥۱۷ - تحرك الفرنج وملك الهنغاريين من مدينة عكا ومحاصرتهم لمدينة دمياط الواقعة بالقرب من مصر (القاهرة)


في سنة الف وخمسمائة واحدى وثلاثين يونانية (٥٤٧) ، خرج ملك الهنغاريين (٥٤٨) وموفد (٥٤٩) ارسله البابا المالك في روما، ومعه قوات لا تحصى ، ورافقته قوات ساحل البحر وملك عكا ، وتهيأوا في السفن والبواخر وابحروا (٥٥٠) شطر مدينة دمياط الواقعة على ساحل بحر مصر . وشرعوا يحاربون فى البحر من السفن ، وشنوا عليها حربا عنيفة . واقام الفرنج برجا خشبيا يثير العجب ، ووضعوا في البرج رجالا محاربين ومتاريس وكل انواع الاسلحة يحاربون ويضايقون سكان دمياط مدة سنتين بحرا وبرا وهم يحيطون بالمدينة احاطة الخاتم بالاصبع لئلا يدخلها او يخرج منها احد وحدثت فى دمياط مجاعة شديدة حتى انهم اكلوا حيوانات مائتة . وخارت قواهم من الحرب والجوع . فاشتد الفرنج واحتلوها بالسيف وابادوا من ابناء دمياط خلقا كثيرا واخذوا ذهبا وفضة وآنية وامورا عجيبة . ولما احتلها الفرنج حدث خلاف بين ملك الهنغاريين والموفد وكيل بابا روما . اذ ان هذا قال للملك : « اننا لا نعطيك مدينة دمياط ، بل جزءا من البلدان التي ننتزعها من المسلمين » وحسب عوائد الفرنج الرديئة غضب ملك الهنغاريين (٥٥١) فغادر مع قواته وعاد  الى بلاده . اما الموفد وملك عكا والاخوة المضيفين وجيش ساحل البحر ، فشرعوا ينتشرون في بلدان المسلمين وينهبون ويخربون . ولما رأى الملوك ابناء الملك العادل (٥٥٢) و هم الملك الكامل سلطان مصر الكبير مع اخيه الملك المعظم حاكم دمشق ، ان الفرنج اشتدوا هكذا ، خافوا على بلدانهم .

٥١٨ - خراب اورشلیم سنة الف وخمسمائة وست وثلاثين يونانية (٥٥٣)


حينئذ أمر الملك المعظم حاکم اورشليم ان يهدم سور المدينة ومنازلها . ولما وصل هذا الأمر، لم يترك المسلمون حجرة على حجرة ، ما خلا كنيسة القيامة الكبرى وهيكل سليمان الذي كان مسجدا للمسلمين واضحت (المدينة) تلا خربا من خوف الفرنج لئلا يأتوا ويحاصروها . وارسل الملك الكامل اخاه حاکم اورشلیم ودمشق الى أخيهم الملك الاشرف حاكم ما بين النهرين لكي يجمع جيشه ويدركهم . فتهيأ الملك الاشرف وجمع قوات الشرق وشعبا غفيرا من العرب وقصد مصر . واجتمعت جيوش مصر وقوات الملك الاشرف وشرعت فى الحرب ووقفت الفرق متقابلة فاسرعت قوات الفرنج ، حسب عاداتهم الرديئة ، وهاجموا المسلمين . ولما لاحظ المسلمون تصرف الفرنج الارعن، اعطوهم مجالا ليبتعدوا عن دمياط . وما ان ابتعد الفرنج، حتى اسرعت عساكر المسلمين واحتلوا معسكر الفرنج والطريق ليمنعوهم من الدخول الى دمياط و بدأ المسلمون يبيدون الفرنج واعملوا فيهم السيف حتى الساعة التاسعة - فخارت قوى المسلمين والفرنج من الحرب التي دامت النهار كله . وبلغ الوهن بالفرنج الى اليأس من حياتهم ، لان المسلمين استولوا على طريق دمياط وعلى معسكر / الفرنج ، ولم يدروا ماذا يفعلون ولما رفعوا عيونهم ابصروا موضعا مرتفعا فاستداروا وهربوا الى تلك الرابية . وفرح المسلمون بذلك فرحا عظيما.
وبدأوا يعملون الليل كله وحولوا مجرى النيل الكبير حول الموضع الذي كان الفرنج حالين فيه . فظل هولاء هناك يعانون من الجوع هم وخيلهم مدة ثلاثة ايام . وفكر المسلمون في ابادة الفرنج الموجودين خارجا بحد السيف . فتشاوروا فى الامر ورأوا انهم اذا ابادوا الفرنج الخارجين فسيصعب عليهم انتزاع المدينة من الفرنج الموجودين داخلها ، لانهم كانوا اقوياء بالجيش والسلاح والقمح الذي كان يصلهم بطريق البحر . فاتفقوا فيما بينهم، وارسلوا سعاة الى الفرنج قائلين لهم : « اننا لا نفعل مثلكم ، بل سلموا لنا دمياط ونقسم لكم باننا لن نضركم » . ففرح الفرنج بذلك ، لانهم كادوا يقضون فارسل الفرنج بعضا منهم الى الذين داخل المدينة ، فاقسم الفرنج الموجودون في دمياط وخارجها للمسلمين ، واقسم المسلمون للافرنج ، واعطى الفرنج دمياط لاصحابها وهذا هو الانتصار

---------------------------
(٥٤٧) سنة ١٢٢٠م . وجاء في الهامش : فى هذا الوقت من سنة ١٥٣٠ (۱۲۱۹م) خرج شعب الهونيين الذين يدعون اليوم التتر وابادوا بحد السيف بلاد الفرس كلها ودمروا مدنا مزدهرة وبلدان الفرس . فهرب سلطان الفرس الاكبر جلال الدين وجاء وسكن في قلعة كان يمتلكها بالقرب من بلاد الايبريين واخلاط
(٥٤٨) وفي الواقع كان اندراوس الثاني قد ذهب قبل الحملة على مصر
(٥٤٩) هو الكاردينال بيلاج مطران البانو ، وهو لن ينضم الى الحملة الا فى نهاية ايلول سنة ۱۲۱۸م .
(٥٥٠) فی ۲۷ ايار سنة ۱۲۱۸م .
(٥٥۱) كان هذا الملك جان دى بريين واختلافه مع الموفد البابوى كان حول اقتراح الملك الكامل بالتخلى عن فلسطين للصليبيين واخذ مصر عوضها وهذا ما رفضه الموفد البابوى
(٥٥۲) توفى الملك العادل فى ٣١ اب سنة ۱۲۱٨م 
(٥٥٣) سنة ١٢٢٥م

هامش من ملاحظاتي: هناك ذكر لدير مار دمياط في منطقة قلودية بجانب قلعة ثمانون، انظر الصفحات 323، 371 وفيها يذكر اسم الدير مار ديماط، وكذا صفحة 378.



٢٠٥ - المسيحيون الساكنون فى تنيس المصرية -


وبما اننا ذكرنا عبد الله بن طاهر وكتبنا عن دخوله الى البلاد المصرية فلنظهر ايضا عدله الذى تجلى فى أمر المسيحيين الساكنين في تنيس (٤٩) ، الذين يتحدث عنهم البطريرك ديونيسيوس في كتابه . فنحن ايضا نريد التحدث عنهم، لكي نبقي ذكرا صالحا للبطريرك ولعبد الله بن طاهر

يروي البطريرك ديونيسيوس الذي كان معروفا لدى عبدالله ومحبوبا عنده مع اخيه مطرافوليط الرها، انه دخل على عبدالله في مصر في الزمان السابق للفتنة التي اثيرت بغية هدم كنائسهم ، او بالاحرى كنائس كثيرة فى ما بين النهرين . وهذا ما اضطر البطريرك
المرحوم الى التوجه شطر البلاد المصرية لمقابلة عبدالله بن طاهر برفقة اخيه مطرافوليط الرها الذى كتبنا عنه وعن هذه القصة كتاب الاحداث الكنسية الذي وضعناه (٥٠)

في هذا الزمان ، يروى البطريرك هذا الحادث قائلا : اننا شاهدنا في بلاد مصر مدينة تنيس ، وقص علينا سكانها قصة اليمة. فان اهل هذا الموضع كلهم مسيحيون والمكان مزدحم بالسكان 
الا انهم في فقر مدقع . ولما سألناهم كيف تردت احوالهم الى هذا الحد ، اجابونا قائلين : ان المياه تحيط بمدينتنا من كل جوانبها وليس لنا زرع او غلة او فلاحة ، ولا يمكننا اقتناء الاموال . والمياه التي نشربها تأتينا من بعيد و نشتريها بجهد جهيد کل اربع جرار بدرهم . 

اما شغلنا فهو الكتان تغزله النساء / بالمغازل ونحن ننسجه بالنول باجرة قدرها نصف درهم نتقاضاها يوميا من التجار اصحاب الادوات .
ولا يكاد شغلنا يكفى قوت يومنا وحينما يحين موعد الضريبة يفرضون على كل بيت خمسة دنانير . فنعانى من ذلك وتلقى في السجون . وفي غمرة ضيقنا نرهن لهم اقاربنا

اجل اننا نرهن لهم ابناءنا وبناتنا ليعملوا كعبيد عندهم . وقد يحدث ان امرأة أحدنا أو ابنته تلد عندهم ، ، فيحذروننا من رفع الشكوى عليهم والانكى هو انه قبل بلوغ الاوان لفدية المرأة او البنت ، تأتى ضريبة السنة التالية ، فيطالبوننا ، بالاضافة الى الرهائن ، بدفع مبلغ
آخر . وهكذا يظل اولادنا وبناتنا عبيدا للمسلمين طيلة حياتهم 

ويقول البطريرك المرحوم انه حينما قص ذلك على عبد الله ، أشفق عليهم وبوساطة البطريرك أمر بان يدفعوا عن كل رجل جزية قدرها  ۲۲ در هما حسب الشريعة الجارية في مابين النهرين

٢٠٦ - الامور التي شاهدها التلمحري فى مصر ورواها (٥١) -


نتكلم ايضا عن أمور أخرى كتبها البطريرك ديونيسيوس المستحق ذكرا صالحا قال لقد شاهدنا في مصر ايضا امرا جديرا بالذكر فهناك بناء شيده الاقدمون بجوار نهر النيل قبل انقسامه الى الفروع الاربعة انه على شكل بركة مربعة ينتصب في وسطها عمود حجری تعلوه درجات ومقاييس وكتابات تشير الى هذه المقاييس . وحينما يفيض النهر في زمان ايلول ، تدخل مياهه داخل البناء ، فيأتي الرجال المؤتمنون عليه كل يوم / ليلاحظوا الدرجات التي يرتفع اليها الماء في العمود . فاذا كان فيضان النهر اقل من ١٤ درجة ، فان جزءا صغيرا من ارض مصر تسقى منه ، وهذه علامة على ان الغلات تكون ناقصة في تلك السنة تلك السنة ، فلا تجبى الضرائب اما اذا ارتفع النهر الی ۱٥ او ١٦ درجة ، فتكون الغلات متوسطة ، فتجبى الضرائب حسب ذلك المقدار . واما اذا بلغ ۱۷ او ۱۸ درجة ، فان الرى يعم مصر كلها وتكون الضريبة كاملة واذا فاض وتجاوز العشرين· فانه يحدث اضرارا فى الأرض ولا تجنى حاصلات في تلك السنة وموجز القول ، ان حكام مصر يعلمون من اشارات ذلك العمود ما مقدار ، الضرائب التي يمكنهم فرضها على مصر كل سنة .

وقد وجدت في الكتب القديمة ان قورلس بطريرك الاسكندرية (٥٢) هو الذى بنى ذلك العمود ونظم الدرجات والمقاييس المكتوبة عليه 

۲۰۷ - الحوت الذي ظهر فى البحر -


ويكتب البطريرك ديونيسيوس ايضا قائلا (٥٣) حينما كان في مصر ظهر في البحر حوت كبير طوله نحو نصف میل (*) فاضطرب سكان البلاد وخافوا ركوب البحر ، ولم ينزل الى البحر الغواصون الذين يخوضونه بحثا عن اللآلىء .. وبعد ان اقلق البحر طيلة ثلاثة اشهر وتوقفت السفن عن السير ارسل الله عليه سمكة صغيرة طولها نحو شبر واحد دخلت فى اذن ذلك الحوت الضخم وقتلته . ولما مات ، جرفته امواج البحر والقت به على الساحل . وحينما لاحظ سكان البلاد ذلك ، ركبوا السفن وتوجهوا اليه واخذوا يقطعون لحمه واذ لاحظوا ان النار عاجزة عن طبخه ، اخذوا يملحونه / ويجففونه ثم يدقونه بالمهراس ويأكلونه .


٢٠٨ - الانصاب القائمة فى البلاد المصرية والهياكل المشيدة فوق اضرحة الملوك (الاهرام) -


ويكتب التلمحرى ايضا قائلا : اننا نشاهد ايضا الانصاب التي تكلم عنها ارميا والموجودة فى هليوبوليس عاصمة المصريين التي كان فوطيفار حمو يوسف حبرها انها مصنوعة من الحجر . ويبلغ طول كل حجر منها ستين ذراعا، وعرضها وسمكها ست اذرع ، وقاعدتها بحيث يكون ارتفاع النصب سبعين ذراعا . وكانت عشر اذرع منحوتة عليها من فوق الى اسفل صور اصنام الوثنية وكتابات هيروغليفية لم يستطع احد من معاصرينا قراءتها انه منظر يثير الاعجاب ، ولاسيما انها ليست من حجر لين بل من المرمر . وهي شبيهة (بالانصاب) ذات الاحجار الثلاث الماثلة فى بعلبك ، التي مع كونها عجيبة ، الا ان طول الحجرة فيها لا يبلغ سوى ٤٠ ذراعا فحسب. اما هذه فاكثر من ستين ذراعا، الأمر الذى يذهل العقل منه ، اذ كيف قطعت هذه الحجارة من الجبل وبأية قوة جروها وجلبوها الى منتصف السهل المشيدة فيه هليوبوليس عاصمة مصر ، وباى فن استطاعوا نصبها وايقافها مستقيمة ، ثم ان يصعدوا ويضعوا فوقها تيجانا من عشر اذرع . فحتى لو اجتمع عليها الف رجل وهي ساقطة لما استطاعوا تحريكها . / وكان في اعلاها اقباع من نحاس يزن كل منها الف رطل وقد خربت المدينة من زمان مجيء المسيح . ولم
یکن مجال لاحد ليتسلق الى قمتها ، فلم يستطع المصريون ولا العرب الجشعون ان يأخذوا ذلك النحاس ، كما اخذوا نحاس العمود الكائن في جزيرة رودس الذي رماه العرب وكسروه واخذوا منه ٣ آلاف حمل من النحاس القورنتي

وكان في المدينة اكثر من خمسمائة نصب ملقى على الحضيض
وقد حطمت وجوه الصور بالفؤوس ورأينا ايضا فى مصر هياكل مذهلة مبنية على أضرحة الملوك الوثنيين الاقدمين . انها مقفلة لا باب لها . ويبلغ طول كل منها خمسمائة ذراع وعرضها خمسمائة وارتفاعها مائتين وخمسين سمیت بالاهرام، لانها هرمية الشكل، فبينما قاعدتها تبلغ خمسمائة ذراع ، فهى تنتهى بذراع واحدة من فوق . اما احجار بنائها ، فانها منحوتة على مقياس ٦ او ٨ او ۱۰ اذرع ، وهى تبدو مثل جبال شاهقة من ارض مصر كلها

---------------------------
(٤٩) م٠س ٣ ص ٦٢ حاشية ٥. وتنيس مدينة قديمة كانت فى جنوبی غربی بورسعيد خربت سنة ١٢٢٧م ( اللؤلؤ المنثور ، حلب ١٩٥٦ ص ٦٢٤) .
(٥۰) اشارة اخرى الى اسبقية التاريخ الكنسى
(٥١) م . س ٣ ص ٨٢ ، ٤ ص ٥٢٦ - ٥٢٧ ٠
(٥٣) قورلس الاسكتندرى بطريرك الاسكندرية (٤١٢ - ٤٤٤ م ) ، ترأس مجمع أفسس سنة ٤٣١ وترك مؤلفات دفاعية وعقائدية
(٥٣) يضع م٠س ٣ ص ٨٥ ٤ ص ٥٢٨ هذا الحادث بالقرب من البحرين . 
(*) هذه مبالغة ظاهرة لا تخفى على القراء الكرام .

السبت، 25 مايو 2024

أحداث فتح مصر من كتاب "سير البيعة المقدسة" لساويرس ابن المقفع

سير البيعة المقدسة
سير البيعة المقدسة




النص التالي مذكور تحت سيرة بنيامين البطرك وهو الثامن والثلثون من العدد (صـ 107 وما بعدها)، وهو منسوخ من موقع جوجل للكتب.

ثم ان هرقل اقام اساقفة في بلاد مصر كلها الى انصنا وكان يبلي اهل مصر ببلايا صعبة وكمثل الذئب الخاطف كان ياكل القطيع الناطق ولا يشبع وهذا الشعب هم التاودوستين وفي تلك الأيام رأى هرقل مناما وقيل له انه ستأتي عليك امة مختونة وتغلبك وتملك الارض فظن هرقل أنهم اليهود فامر ان يعمد جميع اليهود والسمرة في كل الكور التي تحت سلطانه ومن بعد أيام يسيرة ثار رجل من العرب من نواحي القبلة مكة ونواحيها اسمه محمد فرد عباد الاوثان الى معرفة الله وحده وان يقولوا ان محمد رسوله وكانت امته مختونة بالجسد لا بالناموس ويصلُّوا الى الجهة القبلة مشرقين الى موضع يسمونه الكعبة وملك دمشق والشام وعبر الاردن وسادمة وكان الرب يخذل جيش الروم قدامه لاجل امانتهم الفاسدة والحروم التي حلت بهم لاجل مجمع خلقدونية من الاباء الأولين فلما رأى هرقل ذلك جمع جميع جيوشه من مصر الى حدود اسوان ومكث يدفع القطيعة الذي سأل حتَّى قررها على نفسه وعلى جميع جيوشه ثمان سنين للمسلمين وكانوا يسموا المقرر البقط اي انه بقط رؤوسهم الى ان دفع لهم معظم ماله ومات كثير من الناس من التعب الذي كانوا يقاسوه فلما تمت عشرة سنين من مملكة هرقل والمقوقس وهو يطلب بنيامين البطرك وهو هارب منه من مكان الى مكان مختفي في البيع الحصينة انفذ ملك المسلمين سرية مع امين من اصحابه يسمى عمر ابن العاص في سنة ثلثمائة وسبعة وخمسين لديقلاديانوس قاتل الشهداء فنزل عسكر الاسلام الى مصر بقوة عظيمة في اليوم الثاني عشر من بوونه وهو الرابع من دنكطنين من شهور الروم (في الهامش سنة 357 للشهداء) وكان الامير عمر قد هدم الحصن واحرق المراكب بالنار 

وأذل الروم وملك بعض البلاد وكانت أمته محبَّة للبرية فاخذوا الجبل حتى وصلوا الى قصر مبني بالحجارة بين الصعيد والريف يسمى بابلون فضربوا خيمهم هناك حتى ترتبوا لمقاتلة الروم ومحاربتهم ثم أنهم سموا ذلك الموضع اعني القصر بابلون الفسطاط وهو اسمه الى الان وبعد قتالهم ثلثة دفعات غلبوا المسلمين الروم فلما رأى رؤساء المدينة هذه الامور مضوا الى عمر واخذوا امانا على المدينة لئلا تنهب وهذا العهد الذي اعطاهم اياه محمد رئيسهم سموه الناموس يقول فيه كورة مصر ومدينة يستقر مع اهلها دفع الخراج لكم وان تتعمد لسلطانكم عاهدوهم ولا تظلموهم ومن لا يرضى ذلك ويخالفكم انهبوهم وأسروهم فلذلك ايديهم عن الكورة واهلها واهلكوا جنس الروم وبطريقهم المسمى اريانوس ومن سلم منهم هربوا الى الاسكندرية واغلقوا ابوابها عليهم وتحصنوا فيها وفي سنة ثلاثمائة وستين لديقلاديانوس في شهر الدركطس الاول من بعد ان ملك عمر مصر بثلث سنين ملكوا المسلمين مدينة الاسكندرية وهدموا سورها واحرقوا بيع كثير بالنار وبيعة ماري مرقس الذي هي مبنية على البحر حيث كان جسده موضوعاً هناك وهو الموضع الذي مضى اليه الاب البطرك بطرس الشهيد قبل استشهاده وبارك فيه وسلّم اليه القطيع الناطق كما سلمه فاحرقوا هذا الموضع وما حوله من الديارات وكانت اعجوبة عند حرق البيعة المذكورة فعلها الرب وذلك انه اخذ رؤساء المراكب وهو رئيس مركب الدوقس سانوتيوس تسلق ونزل الى البيعة واتى الى التابوت فوجد الثياب قد اخذت لانهم ظنُّوا ان في التابوت مال فلما لم يجدوا شي اخذوا الثياب من على جسد ماري مرقس وبقيت عظامه فيه فلما جعل ريس المركب يده في التابوت وجد رأس القديس مرقس واخذها وعاد الى مركبه سرا ولم يعلم به احد وخبأها في الخن في قماشه فلما ملك عمر المدينة ورتب امورها خاف الكافر والي الاسكندرية وهو كان واليها وبطركها من قبل الروم ان يقتله عمر فمص خاتم مسموم فمات لوقته فاما سانوتيوس التكس المؤمن فانه عرَّف عمر  

بسبب الاب المجاهد بنيامين البطرك وانه هارب من الروم خوفاً منهم فكتب عمر ابن العاص الى اعمال مصر كتابا يقول فيه الموضع الذي يكون فيه بنيامين البطرك النصارى القبط له العهد والامان والسلامة من الله فليحضر آمناً مطمئنا ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته فلما سمع القديس بنيامين هذا عاد الى الاسكندرية بفرح عظيم بعد غيبة ثلثة عشر سنة منها عشرة سنين لهرقل الرومي الكافر وثلثة سنين قبل ان يفتحوا المسلمين الاسكندرية لابساً اكليل الصبر والجهاد الذي كان على الشعب الارتدكسي من الاضطهاد من المخالفين فلما ظهر فرح الشعب وكل المدينة واعلموا بمجيئه سانوتيوس التكس المؤمن بالمسيح الذي كان قرر مع الامير عمر حضوره واخذ له منه الامان فمضى ذلك الى الامير وعرفه بوصوله فامر باحضاره بكرامة واعزاز ومحبة فلما رآه اكرمه وقال لاصحابه وخواصه ان جميع الكور التي ملكناها الى الان ما رأيت رجل الله يشبه هذا وكان بنيامين هذا حسن المنظر جدا جيد الكلام بسكون ووقار ثم التفت عمر اليه وقال له جميع بيعتك ورجالك اضبطهم ودبر احوالهم واذا انت صليت علي حتى امضي الى المغرب والخمس مدن واملكها مثل مصر واعود اليك سالماً بسرعة فعلت لك كل ما تطلبه مني فدعا له القديس بنيامين واورد له كلاماً حسناً اعجبه هو والحاضرين عنده فيه وعظ وربح كثير لمن يسمعه واوحى اليه باشياء وانصرف من عنده مكرماً مبجلا وكل ما قاله الأب الطوباني للامير عمر ابن العاص وجده صحيحاً لم يسقط منه حرفا واحدًا فلما جلس هذا الاب الروحاني بنيامين البطرك في شعبه دفعة اخرى بنعمة المسيح ورحمته وفرحت به كورة مصر كلها وجذب اليه اكثر الناس الذين اضلهم هرقل الملك المخالف وكان يجتذبهم للرجوع الى الامانة الارتدكسية بسكينة ووعظ وملاطفة وتعزية وكثير ممن هرب الى الغرب والخمس مدن خوفًا من هرقل الملك المخالف فلما سمعوا بظهور راعيهم عادوا اليه بفرح ونالوا اكليل الاعتراف وكذلك الاساقفة الذين خالفوا

امانته دعاهم ان يعودوا الى الامانة الارتدكسية فمنهم من عاد بدموع غزيرة ومنهم من لم يعود حياء من الناس ان يشتهر عندهم بانه كان مخالف للامانة فبقي على كفره الى ان مات 

ومن بعد ذلك سار عمر من الاسكندرية وعسكره وسار معه التكس سانوتيوس المحب المسيح وفي تلك الليلة رأى الاب في منامه انسانا منيرا لابساً ثياب التلاميذ وهو يقول له يا حبيبي اعمل لي عندك موضعاً اقيم فيه في هذا اليوم لانني احب موضعك وكان الموضع الذي فيه البطرك موضع طاهر بلا دنس في دير يعرف بدير مطرا الذي هو البسقوبيون لان سائر البيع والديارات التي للعذارى والرهبان تنجست من هرقل المخالف عند الزامهم بامانة خلقدونية الا هذا الدير وحده فان الذين فيه اقوام اقوياء كثير مصريين وجميعهم اهل ليس بينهم غريب فلم يقدر يميل قلوبهم اليه ولاجل ذلك لما عاد الاب بنيامين من الصعيد نزل عندهم لحفظهم الامانة الارتدكسية وأنهم لم يجيدوا عنها فلما اراد المراكب التي فيها زاد العسكر وانقاله وحوائج التكس سانوتيوس المؤمن واصحابه تقلع وقف المركب الذي لخاصته ولم يقدر يقلع فاجتمع اليه جمع كبير فظنُّوا أنه قد وحل فربطوا فيه لبانات وجروه بجهدهم فلم يتحرك بالجملة فمضوا الى التكس واعلموه ذلك لأنه كان راكباً مع الامير فتعجب جدًا وارسى المركب الذي الامير عمر فيه وعاد منه التكس ومعه جمع كبير فلما وصل الى المركب رأى عنده خلقا كثيرا لا يحصى عددهم وهم لا يقدرون يحركوه فقال لهم ديروا مقدم هذا المركب الى المدينة فلما اداروه للدخول الى المدينة جرى اليها مثل السهم فقال لهم جروه الى برا فجروه حتى انتهى الى مكانه الأول فوقف ولم يتحرك ثم اعادوه الى داخل فجرى وعادوا جروه الى برا فوقف هكذا ثلثة دفعات فعند ذلك قال التكس لريس المركب اصعد اليَّ بقماش النواتية افتشه لكي انظر ما هو واعرف السبب الذي اوجب وقوف هذه المركب دون جميع هذه المراكب كلها فخاف الرئيس الذي كان اخذ رأس القديس مرقس الانجيلي فطرح نفسه على رجلي التكس واعترف له بما فعله وان الرأس مخبَّا

 

الأربعاء، 22 فبراير 2023

ذكر تنيس في كتاب "غرائب الفنون وملح العيون"

من كتاب غرائب الفنون وملح العيون لمؤلف مجهول (دراسة وتحقيق)، إعداد المهدي عيد موسى الرواضية، المشرف الاستاذ الدكتور محمد عبد القادر خريسات، رسالة ماجستير في التاريخ، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، كانون الأول، 2008م.


في بداية الفصل السادس (في صور البحار وجزائرها ومكايلها) ص 213:
وكذلك بحيرة تنيس، كانت في القديم برا مسلوكا فغلب عليه البحر في ليلة واحدة، وهجم من ناحية الاشتوم، فصارت بحرا فما كانت أرضه مستقلة غرقت، وما كانت أرضه متعالية كتنيس وتونة وغيرها بقيت.

الفصل العاشر في البحر الغربي وهو الشامي وموانئه وجزائره ومراسيه
الفصل العاشر في البحر الغربي وهو الشامي وموانئه وجزائره ومراسيه

ذكرت في الفصل الرابع عشر بعنوان في جزيرة تنيس (بداية من صـ 233) ويبدو أنه نسخ لما كتبه ابن بسام التنيسي في أنيس الجليس، ثم هذه الخريطة (رابط fols. 35b و 36a)

صورة بحيرة تنيس من كتاب غرائب الفنون وملح العيون
صورة بحيرة تنيس من كتاب غرائب الفنون وملح العيون

الاثنين، 30 يناير 2023

أخبار عن تنيس ودمياط من كتاب تاريخ دمشق لابن القلانسي

تنيس من رحلة رحلة الراهب نوي بيانكو
تنيس من رحلة رحلة الراهب نوي بيانكو


1- النص منسوخ من هذا الرابط 
[سنة أربع وخمسمائة]

في هذه السنة وردت الأخبار بأن جماعة من التجار المسافرين خرجت من تنيس ودمياط ومصر ببضائع وأموال جمة كانوا قد ضجروا وملوا طول المقام وتعذر مسير الاصطول في البحر وحملوا نفوسهم على الخطر وأقلعوا في البحر فصادفتهم مراكب الافرنج فأخذتهم وحصل في أيديهم من الامتعة والمال ما يزيد على مائة ألف دينار وأسروهم وعاقبوهم واشتروا أنفسهم بما بقي لهم من الذخائر في دمشق وغيرها

2- النص منسوخ من هذا الرابط

وفي شهر ربيع الآخر سنة ٥٤٩ ثار في دمشق مرض مختلف الحميات منه ما يقصر ومنه ما يطول وأعقبه بعد ذلك موت في الشيوخ والشباب والصبيان ثم تقاصر ذلك وفي أيام من جمادى الأولى من السنة ورد الخبر من ناحية مصر بأن عدة وافرةً من مراكب الافرنج من صقلية وصلت إلى مدينة تنيس على حين غفلة من أهلها فهجمت عليها وقتلت وأسرت وسبت وانتهبت وعادت بالغنائم بعد ثلاثة أيام وهي صفر وبعد ذلك عاد من كان هرب منها في البحر بعد الحادثة ومن سلم واختفى وضاقت الصدور عند استماع هذا الخبر المكروه

3- النص منسوخ من هذا الرابط

ووردت الأخبار في سنة ٤٦ من ناحية مصر بأن أهل دمياط حدث فيهم فناء عظيم ما عهد مثله في قديم ولا حديث بحيث أحصي المفقود منهم في سنة ٥٤٥ سبعة ألف شخص وفي سنة ٤٦ مثلهم سبعة ألف بحيث يكون الجميع أربعة عشر ألفاً وخلت دور كثيرة من أهلها وبقيت مغلقةً ولا ساكن فيهم ولا طالب لهم 

الثلاثاء، 24 يناير 2023

أبوان في وثائق الجنيزة اليهودية

 
ذكر أبوان في وثائق الجنيزة اليهودية
ذكر أبوان في وثائق الجنيزة اليهودية

1- الأولى (Legal document Bodl. MS heb. d 66/8) (الرابط) وهي عبارة عن عقد ايجار من الباطن مكتوب في دمياط عام 1106م يقوم بموجبه المزارع بتأجير مستحقاته من صباغة وبيع الحرير في محافظة دمياط من الباطن في بلدة صغيرة تسمى إبوان لثلاثة شركاء لمدة عام واحد مقابل دفع مبلغ قدره دينارين في الشهر.

2- الثانية (Legal document CUL Or.1080 J53) (الرابط) بتاريخ يناير 1112 م. جزء كبير ومكتوب بشكل جيد من وثيقة فيها دانيال ابن يسحاق يقبل 12 دينارا مستحقة له من أصل 20 دينارا من مُسلم ابن افرايم. ودفع المبلغ يوسف شقيق الأخير. وقد ذُكرت المعاملات في قريتي بورة وإبوان بالقرب من دمياط (المسماة كفتور).

3- الثالثة ولكنها تعود لأبوان الأشمونين (الرابط)، وليست لأبوان دمياط.



في الحقيقة هناك ثلاثة أماكن تعرف بأبوان في مصر، الأول أبوان قرب دمياط ومنها الأعمال الابوانية، وأبوان عطية بالأشمونين، وأبوان البهنسا، وظني أن صناعة الخزف تعود لهما وليس لأبوان التي في دمياط والتي اشتهرت بصناعة النسيج.

ففي كتاب المدن والقرى المصرية في البرديات العربية ل د. محمد أحمد عبد اللطيف، (صفحتي 136، 137)، يرد التالي حول أبوان (والهوامش أسفل النص):
إِبْوَان
هي حالياً إحدى قرى مركز سمالوط بمحافظة المنيا (41) وقد ذكرت هذه القرية في العديد من البرديات من مجموعة أوراق البردي بالمعهد البريطاني بلندن وخاصة البردية رقم 6235 (6) س9 (42) ولكنها ذكرت في بردية أخرى هامة محفوظة بدار الكتب المصرية بالقاهرة ومسجلة برقم 207 بالظهر ومقاسها 3,2x14,18 سم (43) وذكرت إبوان بالسطر السادس والعشرين من البردية ونصه كالتالي:
إبوان ......................
وهذه البردية تعود للقرن 3 هـ / 9 م وهي من وجهين وهما عبارة عن كشفين يشتملان على اسماء دافعي الضرائب مع بيان ما يدفعه كل منهم بعد اسمه والاسماء جميعا مرتبة ترتيبا جغرافياً حسب القرى أو المدن. ولقد أمدتنا هذه البردية باسماء قرى أخرى غير إبوان ومنها أبو صير التي ذكرت في السطر الثامن عشر ثم إبوان موضوع حديثنا الآن في السطر السادس والعشرين ثم قرية طروط في السطر الثامن والعشرين. أما عن قرى إبوان فقد ذكرها ياقوت الحموي ق 7هـ / 13 م في معجم البلدان بفتح أولها وأنها من قرى كورة البهنسا بصعيد مصر وهي تعرف باسم أبوان الزبادي (44، 45). وقد ذكرها ابن مماتي ق 7هـ / 13 م وأكد على أنها من الأعمال البهنساوية (46). أما ابن دقماق ق 9 هـ / 15 م فقد أضاف وذكرها باسم إبوان وكفورها وذلك مما يدل على أنها كانت إحدى القرى الكبيرة في عصره وقال إنها تعرف باسم إبوان الزبادي وكفورها وخراجهم جميعاً مقداره ستة عشرة ألف ومائة دينار ومساحتهم ثلاثة آلاف وسبعمائة وثمانية وثلاثون فدانا وسدس وثمن فدان وهي من الأعمال البهنساوية (47). وقد أنجبت قرية إبوان واحدا من أشهر صناع الخزف في العصر المملوكي وخاصة الخزف المرسوم تحت الطلاء وهو شرف الإبواني و وجد لهذا الرجل الكثير من التوقيعات على الخزف وكان يكتبها مثل غيره من الصناع على الوجه الخارجي من قاع الإناء (48)
___________________________________________
41 - الجدير بالذكر أن هناك قريتين أخريتين باسم إبوان ولكنهما يتبعان مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا، والقرية الأولى هي إبوان عطية وهذا الاسم نسبة إلى أحد المشايخ الصالحين الذين عاشوا في هذه القرية وله مقام هناك وأيضاً مكانة عظيمة لدى العامة من أهل البلاد المجاورة، وقد ذكرها ابن مماتي بأنها من أعمال الأشمونين وأضاف ابن دقماق بأنها كانت تعطي خراجاً قدره ألف وخمسمائة دينار ومساحتها أربعة وستون فداناً. للمزيد راجع مايلي: ابن مماتي، قوانين الدواوين، ص 105. ابن دقماق، الانتصار، ج 5،ص 15، محمد رمزي، القاموس الجغرافي، القسم الثاني، ج 3، ص 227. أما القرية الثانية والتابعة لمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا فتسمى باسم إبوان أسمنت.
42 - جروهمان، أوراق البردي العربية، ج 4، ص 125.
43 - جروهمان، أوراق البردي العربية، ج 4، ص 114 - 125.
44 - كلمة الزبادي نسبة إلى جماعة من العرب نزلوا بها في القرن السابع الهجري أصلهم من زباد ناحية بلاد المغرب.
45 - محمد رمزي، القاموس الجغرافي، القسم الثاني، ج 3، ص 227.
46 - ابن مماتي، قوانين الدواوين، ص 104.
47 - ابن دقماق، الانتصار، ج 5، ص 2.
48 - د. سعاد ماهر، الفنون الإسلامية، ص 54.

السبت، 21 يناير 2023

المواضع التي ذكرت فيها دمياط في تاريخ ابن الراهب

تاريخ ابن الراهب
تاريخ ابن الراهب



 ص 75
وفي سنة خمس مائة وخمس وستين نزلت الفرنج على دمياط وحاصروها واحدا وخمسين يوما ثم رحلوا

ص 95
وكانت الفرنج نزلت في حياة الملك العادل الى دمياط واقاموا في بر الجيزة ثلثة اشهر واربعة ايام وزحفوا برا وبحرا فخرج الملك الكامل لقتالهم ونزل في بر دمياط مقابلهم وكان بحر النيل بين الفريقين واشتد زحف الفرنج على دمياط ومحاصرتهم لها فخرج الملك الكامل ومن معه من الخيم ليلا ورحل الى اشموم ولما اصبح الصباح دخل الفرنج خيم المسلمين واستولوا عليها واحاطوا بدمياط. فلما طالت مدة الحصار وعدمت الميرة ووقع الوباء زحف الفرنج عليها فملكوها واستولوا عليها واسروا من وجدوه بها. وذلك في يوم الثلثاء لخمس بقين من شهر شعبان سنة ستمائة وست عشرة فكانت مدة حصارهم لها ستة عشر شهرا واثنتين وعشرين يوما. ولما ملك الفرنج دمياط تأخر السلطان الى جوجر فنزل هناك وبنى بلدة سماها المنصورة فخرج الفرنج ونازلوا السلطان على المنصورة وبينهم وبينه بحر أشموم فقطع عليهم الملك الكامل بحور النيل فاحاطت بهم من كل ناحية وغرقتهم وارادوا الهرب الى دمياط فلم يقدروا من العسكر فطلبوا الامان فامنهم السلطان ونزلوا عن دمياط وتقرر بينهم الصلح ثماني سنين وكانت مدة ملك الفرنج لدمياط سنة وعشرة اشهر واربعة وعشرين يوما.

ص 97
وكان الفرنسيس بدمياط لانه وصل بعساكره الى دمياط ونزل بجانب بئر الجيزة يوم الجمعة الحادي والعشرين من صفر منها. وملك دمياط يوم الاحد بعد يومين واقام بها الى ان مات الملك الصالح وفي يوم وفاته خرج الفرنسيس بعساكره من دمياط ونزل قبالة المنصورة واقام بها.

ص 99
وتسلم الاسلام دمياط يوم الجمعة وأطلق الفرنسيس وكانت مدة اقامته بدمياط والمنصورة ثلثمائة وثلثين يوما ثم خلعت الملكة نفسها وملك الأمير عز الدين التركماني

ص 131

قزمان كان شماساً بدير ابي مقار وفي ايامه بنيت اسوار تنیس و دمياط
والاسكندرية والبرلس والاشيوم والطينة والرشيد ونستروه . وفي ايامه
امر الخليفة المتوكل ان لا يلبس احد من النصارى واليهود ابيض بل مصبوغاً. وتنيح هذا الاب في ثالث وعشرين هتور يوم الخميس ودفن بقلايته بدنوشر من اعمال سخا
وخلا الكرسي بغير بطريرك واحدا وخمسين يوما تضاف الى الحساب


المصدر: تاريخ ابي شاكر بطرس ابن ابي الكرم المهذب المعروف بابن الراهب عني بنشره الأب لويس شيخو اليسوعي طبع في بيروت بمطبعة الآباء اليسوعيين سنة 1903.(رابط)

الأحد، 15 يناير 2023

ذكر أحداث فتح مصر من الجزء الثاني من كتاب العنوان لأغابيوس بن قسطنطين المنبجي

 
فتح مصر من كتاب العنوان لأغابيوس بن قسطنطين المنبجي
فتح مصر من كتاب العنوان لأغابيوس بن قسطنطين المنبجي

بداية من صفحة 211 حتى صفحة 214

ولما رأى هرقل انطراد الروم وهو [ بانطاكية و] بلغه ما صنع العرب بالفرس اعتراه 
الحنق و [الغيرة و] كنبته الكآبة وكتب الى مصر والشام والجزيرة وارمينية يامرهم الّا يحاربوا  
العرب ولا يقاوموا امر الله وعرّفهم ان هذه افة ارسل الله تعالى الى الناس وانه لا مردّ
لامر الله وانه لا [مندفع ] .... اسمعيل بن ابرهيم به وانه يخرج من ظهره ملوك كثيرة 
و | وجّه سعيد وعمرو ابنا العاص الى مصر فدخلاها [ولقيـ ] هما قرّة اسقف 
الاسكندرية فصالحهما على أن يود|ي كل سنة ماتي الف دينار على أن لا تطا
جيوشهما [مصر ولا] صعدوا حدودها وعلى أن يعدَ الاموال ويرسل ..... اليهما 
فعاهداه على ذلك ولم يزل قرَة اسقف [الاسكندرية مـ]صرًا ضابطًا لها ثلث سنين لم
يدخلها أحد من العـ|رب] 
[ثم نهض ] قوم من أهل مصر الى هرقل الملك فسعوا بقرّة [عنده انه ياخذ] الاموال
من مصر ويدفعها الى العرب وا.... ويدفع اليهم خراج مصر الذي هو |واجبه له] 
|وغضب] هرقل من ذلك ووجّه الى مصر ببطريق يد|عى منويل و|أمره بعزل قرّة 
من تدبير مصر وان يتولى ذلك ويقـ|وم ] ... لذبّ عن أهلها 
فلما كان في اخر السنة [نزل] العرب الى مصر على العادة يريدون الاموال فالفوا منويل
نازلًا على مصر مع جيوش الروم فأخذوهم وادخلوهم اليه وسالهم عن أمرهم وحاجتهم
فأخبروه بالقصة فلما علم انهم يريدون الاموال انتهرهم بغضب شديد وصرفهم بهوان وقال اني 
لست قرّة الاسقف الذى كان يعطيكم الاموال خوفًا منكم لانه راهب متعبّد وانا رجل
صاحب سلاح وحرب وشجاعة كما ترون من حالي وما لكم عندي الا الخزي والهوان 
وانصرفوا من البلد ولا تعودوا اليه والّا أتيت على انفسكم وقد أعذر من أنذر 
فرجع القوم الى صاحبهم فاخبروه بذلك فنهض عمرو بن العاص وسار حتّى وافا مصر 
ولقى بها منويل فهزمه وقتل عامّة أصحابه ولحق منويل بالاسكندرية مع من بقي من أصحابه 
ثم استولى العرب على مصر 
فلما بلغ هرقل الخبر كتب الى قرّة الاسقف بالاسكندرية امّا بعد فان قومًا اعطوني 
فيك العشوا ورفعوا التي عنك الباطل فاسرعت الى القبول منهم وأجبتهم الى ما سالوا وقد 
علمت ان هولاء أرسلوا افة على الناس وان الله قد كان وعد ابرهيم في اسمعيل أن يخرج 
من ظهره ملوكًا كثيرة ووعد الله حق لا مردّ له ولا مندفع فان قدرت على مداراة القوم 
ودفعهم عن مصر بما عزّ وهان فافعل واذا استطعت أن يدفع اليهم الشرط الاوّل الذي
كتب ووافقتهم عليه فافعل ذلك فقد قلّدتك أمر مصر وفوّضت اليك امرها واعمل بحسبه 
فلما ورد كتاب هرقل الملك على قرّة قال كيف استطيع دفع القوم وقد صرت عندهم 
كذّابًا سيما وقد استولوا عليها لكنني لا ادع استفراغ المجهود ثم انظر كيف الامر فخرج 
قرّة من الاسكندرية وصار الى عسكر القوم فدخل على عمرو بن العاص فاعتذر اليه 
وأعلمه انه لم يكن هو سبب نقض العهد الذي كان بينهما لكن هرقل الملك الذي قهره 
وصرف رايه عن ذلك وساله أن يجريه على الشرط الاول
فاعلمه عمرو بن العاص انه غير مجيبه الى ما سال وقال لا اثق بك بعد ان غدرت 
في اول مرّة ومع هذا فلا يمكن ما سالت لانا فتحنا مصر بالسيف ولسنا ندعها بشيء 
فانصرف قرّة الى الاسكندرية بغير قضاء حاجة
ثم ان عمر بن الخطاب عزل خالد بن الوليد عن الشامات وقلد مكانه أبا عبيدة 
بن الجراح وذلك فى سنة خمس عشرة للعرب وست وعشرين لهرقل

جزء في أخر صفحة 219

وغزت العرب الاسكندرية وبها منويل بطريق الروم فهرب واصحابه وركبوا البحر وصاروا 
الى الروم وافتتح العرب الاسكندرية وهدموا سورها وغلبوا عليها وعلى السواحل فيما بين 
الاسكندرية والفرما ثم غزت العرب افريقية في هذه السنة ولقوا بها غريغور بطريق الروم 
فهزموه وقتلوا اصحابه ولحق غريغور بالروم وصالح الملك

الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

لوحة تصور الاستيلاء على دمياط

 
الاستيلاء على دمياط
الاستيلاء على دمياط

الكلام على الصورة باللغة الفرنسية:
PRISE DE DAMIETTE.
Miniature extraite du Joinville, manuscrit du milieu du XIVe siècle. Fonds français n° 13568, à la Bibl. nat. - Le dessin n'est pas con- forme au récit. La ville fut prise sans coup férir.
ترجمة جوجل للإنجليزية:
CAPTURE OF DAMIETTA.
Miniature taken from Joinville, mid-14th century manuscript. French fonds no. 13568, at the Bibl. nat. - The drawing does not conform to the story. The city was taken without firing a shot.

المصدر: (رابط)

الخميس، 11 أغسطس 2022

أصل مصطلح البرمجة كائنية التوجه OOP

د. آلان كاي
د. آلان كاي (مصدر الصورة هنا)


سبب كتابة التعليق التالي هو محاولة تصحيح خطأ شاهدته في أحد فيديوهات تعلم لغة البرمجة سي ++، والخطأ يتعلق بادعاء أن لغة السي ++ قدمت لأول مرة أسلوب البرمجة كائنية التوجه (Object Oriented Programming) والتي تختصر لـ OOP، وهذا الكلام غير دقيق لأنه هذا الأسلوب في كتابة البرامج معروف قبل اختراع لغة البرمجة سي ++ بعشرات السنين.

مصطلح البرمجة كائنية التوجه OOP بدأ مع د. آلان كاي حوالي العام 1966 وهو يحكي هنا في نص رسالة ردا على تساؤل عن بداية استخدام مصطلح "object-oriented": (ملاحظة الترجمة هنا بتصرف وليست حرفية، حاولت توضيح بعض المصطلحات بين قوسين يبدأ بعلامة =)

في وقت ما بعد نوفمبر من عام 1966 في كلية الهندسة بجامعة يوتا، عندما تأثرت ببرنامج Sketchpad (لإيفان سذرلاند)، ولغة البرمجة سيمولا  (Simula)، وتصميم شبكة أربانت (ARPAnet) وتصميم حاسوب Burroughs B5000 وخلفيتي الأكاديمية في علم الأحياء والرياضيات، فكرت في تصميم هيكلية للبرمجة. ربما في عام 1967 عندما سألني أحدهم عما أفعله، فقلت: "برمجة كائنية التوجه" (OOP).

كان المفهوم الأصلي يتكون من الأجزاء التالية:

 - فكرت في الكائن (Object) على أنه كالخلايا البيولوجية و/أو كأجهزة الحاسوب المنفردة المتصلة بالشبكة ، قادرة فقط على الاتصال فيما بينها بواسطة الرسائل (وهنا يتضح أن مفهوم الاتصال بين الكائنات عن طريق الرسائل ظهر مبكرًا في البداية، رغم أنه استغرق وقتا لوصوله لشكل مفيد في لغة البرمجة).
 
 - أردت التخلص من البيانات. حاسوب B5000 فعل هذا بتصميم للعتاد تقريبًا لا يُصدق. أدركت أن تشبيه الكائن (Object) بـ (الخلية/الكمبيوتر المنفرد) سيؤدي للتخلص من البيانات، وأن استخدام الترميز التالي "->" سيكون مجرد علامة على رسالة أخرى (استغرق هذا بعض الوقت لفهم كل هذا لأنني فكرت حقًا في كل هذه الرموز كأسماء للدوال والإجراءات).
 
 - خلفيتي الرياضياتية جعلتني أدرك أنه يمكن أن يكون لكل كائن (Object) العديد من أنواع الجبر المرتبطة به، ويمكن أن يكون هناك عائلات جبرية منها، وأنها ستكون مفيدة جدًا جدًا. فُرِضَ مصطلح "تعدد الأشكال" (Polymorphism) لاحقًا (أظن عن طريق بيتر وجنر Peter Wegner) ولم يكن صحيحًا، لأنه جاء من اللغة المستخدمة لوصف الدوال الرياضية، وأردت أكثر قليلاً من الدوال. لذا ابتكرت مصطلح "العمومية" (genericity) للتعامل مع السلوكيات العامة في شكل شبه جبري.
 
 - لم تعجبني طريقة عمل التوريث (Inheritance) في سميولا (Simula I) أو سميولا 67 (برغم أن نيجارد Nygaard وداهل Dahl  (=مصمما اللغة) كانا مفكرين ومصممين رائعين). لذا قررت التخلي عن التوريث (Inheritance) كميزة مُضمنة حتى أفهمها بشكل أفضل.
 
أجريت تجاربي الأصلية على هذا التصميم باستخدام نموذج اقتبسته من عمل فينجاردن (Wijngaarden) في لغة ألجول (ALGOL) والورقة البحثية "تعميم للغة البرمجة ألجول" (A GENERALIZATION OF ALGOL) لنيكلاوس ويرث (Niklaus Wirth) وكذا لغة البرمجة أويلر (EULER) التي صممها ويرث. كلاهما كان يشبه لغة ليسب (LISP) ولكن تركيب الجملة كان أسهل في القراءة. لم أفهم وقتها فكرة ليسب (LISP) الضخمة وقتها عن اللغة المُعَرِّفة (metalanguage) (= أي استخدام لغة البرمجة ليسب لكتابة لغات برمجة أخرى)، ولكني اقتربت منها بأفكار عن اللغة التي يمكن توسعيها مستعيرًا من مصادر عدة، من ضمنها لغة IMP لـ إدجار آيرونز (Edgar T. Irons).

المرحلة التالية لهذا كانت فهمي أخيرًا لليسب (LISP) ثم استخدام هذا الفهم لجعل بنية التصميم التحتية أجمل وأصغر وأقوى وداعمة للاقتران المتأخر (late bound) (= يقصد أن اللغة أثناء التنفيذ تقوم بالتعرف على نوع البيانات الملائم للدالة المراد استدعائها، بدلا من تحديد ذلك أثناء ترجمة مصدر البرنامج لإخراج ملف تنفيذي) . أفادتني كثيرًا الأفكار المعروضة في أطروحة ديف فيشر (David A. Fisher) والمكتوبة بأسلوب "مكارثي" (=نسبة لجون مكارثي مصمم لغة ليسب والأسلوب الذي كتب به أطروحته الشهيرة عن لغة ليسب) حول هياكل التحكم الموسعة (extensible control structures) (= يقصد هنا أساليب التحكم في تنفيذ البرنامج كـ Goto والاستدعاء الذاتي والتنفيذ المتوازي ... الخ). تأثير كبير آخر وقتها كان مصدره لغة البرمجة بلانر (PLANNER ) لـ كارل هيويت (Carl Hewitt) (التي لم تحصل على التقدير الذي تستحقه، نظرًا لأنها بَشرَت بشكل جيد ومبكرا جدًا لما ستقوم به فيما بعد لغة البرمجة برولوج (Prolog)).

ظهرت لغة سمول توك (Smalltalk) الأصلية في معامل زيروكس بارك (Xerox PARC) نتاج لما ذكرته بالأعلى. أُشُتكِيَ من نسخ سمول توك (Smalltalk) اللاحقة في هذا الفصل من التاريخ: تراجعت أكثر لتصبح أقرب للغة سميولا (Simula) ولم يغيروا آليات توسيع (extension mechanisms) اللغة بآليات أكثر أمانًا ولم تكن مفيدة بأي شكل.

المصدر: Dr. Alan Kay  on the Meaning of “Object-Oriented Programming” (رابط)

أمير وإمارة على ضفاف بحيرة تنيس «المنزلة» بقلم: طارق إبراهيم الحسيني

أمير وإمارة على ضفاف بحيرة تنيس
أمير وإمارة على ضفاف بحيرة تنيس


أمير وإمارة على ضفاف بحيرة تنيس «المنزلة»
بقلم: طارق إبراهيم الحسيني



عند نهاية القرن الثاني من الهجرة والسنوات العشر الأولى من القرن الثالث استطاع عبد العزيز ابن الوزير الجَرَوِي (*) وأولاده إقامة إمارة على ساحل مصر الشمالي متخذين من مدينة تنیس کرسیَا لحكم الإمارة التي امتدت من الفرما شرقًا إلى فرع رشید غربًا، ومن بلبيس جنوبًا إلى ساحل مصر الشمالي، بل وصل نفوذها إلى الإسكندرية غربًا، وامتد حتى رأس الدلتا عند الفسطاط جنوبًا.

وعبد العزيز ابن الوزير أشهر الجرويين على الإطلاق، دعاه ابن دقماق ب «ملك الساحل»، وكان أول ظهور له في عام ۱۹۱ هـ/ ۸۰٦م؛ إذ أرسله الحسين بن جميل والي مصر على رأس جيش للقضاء على عصابة أبي الندى، وكان النصر حليفه في موقعة «آيلة» على البحر الأحمر، ثم ظهر ثانية في عام ١٩٤ هـ/ ۸۰۹م في ولاية حاتم بن هرثمة إذ خرج عليه أهل «نَتْو ونُمَى» في الجيزة و ميت غمر. وألفوا جيشًا جعلوا على رأسه عثمان بن مستنير الجذامي، فبعث إليهم بالسَّري بن الحكم وعبد العزيز الجروي وعبد العزيز بن الجبار الأزدي لإخضاعهم، فاقتتلوا وانهزم عثمان بن مستنير ورجع حاتم إلى الفسطاط منتصرا.

ولما ثارت الفتنة بين الأمين والمأمون ولدي الخليفة هارون الرشيد بسبب ولاية العهد، عمت الاضطرابات أنحاء الدولة العباسية وتحزب بمصر فريق للأمين وآخر للمأمون، وظهرت معها رغبة بعض الشخصيات في الاستقلال بمصر، فقرر فريق من الجند خلع الأمين غضبا للمأمون، وتزعم هذه الحركة السري بن الحكم بن يوسف. وكتب المأمون إلى أشراف مصر يدعوهم إلى القيام بدعوته فأجابوه و بايعوه في رجب سنة ۱۹٦ هـ/ ۸۱۱م، ووثبوا بجابر بن الأشعث الطائي والي مصر

فأخرجوه وولوا عبادة بن محمد. فكتب محمد الأمين إلى رؤساء الحوف بولاية ربيعة بن قيس الجرشي فانقاد أهل الحوف كلهم معه يمنها وقيسها، وأظهروا دعوة الأمين و خلع المأمون وساروا إلى الفسطاط لمحاربة أهلها. فعقد عبادة بن محمد لعبد العزيز الجروي و أرسله في جيش لقتال خصومه. فخرج في ذي القعدة سنة ۱۹۷ هـ/ ۸۱۲م لقتالهم فانهزم الجروي ومضى في قومه من جذام وأتباعه إلى فاقوس وحينئذ لامه قومه، وقالوا: «لِم لا تدعو لنفسك فما أنت بدون هؤلاء الَّذين غلبوا على الأرض».

فصادف ذلك هوًى في نفس الجروي، ومضى فيهم إلى تنیس، فنزلها ثم بعث بعماله يجبون الخراج من مصر السفلى. ويبدو أن النزاع في مصر لأجل الأمين والمأمون بدأ يتطور إلى نزاع للاستئثار بالسلطة. وفي تلك الأثناء قتل الأمين وولي إمرة مصر المطلب بن عبد الله الخزاعي من قبل المأمون، فولي عبد العزيز الجروي شرطته ثم عزله ثم صرف المطلب، وفي شوال ۱۹۸ هـ/ ۸۱۳م ولى المأمون العباس بن موسى العباسي على مصر، فقدمها ابنه عبد الله نائبًا عنه وجعل على الشرطة محمد ابن عسامة المعافري ثم عزله وجعل مكانه عبد العزيز ابن الوزير الجروي.

وثار أهل مصر على عبد الله بن العباس وخلعوه وأعادوا المطلب في المحرم ۱۹۹ هـ/ ٨۱٤م. ولما كان الجروي من أنصار عبد الله هرب إلى تنیس وأقبل العباس بن موسی من مكة إلى الحوف فنزل بلبيس ودعا قيسًا إلى نصرته ثم مضى إلى الجروي بتنیس فشاوره فأشار عليه أن ينزل دار قیس فرجع العباس إلى بلبيس في جمادى الآخرة ۱۹۹ هـ/ ٨۱٤م فما لبث أن مات بها. 

أراد المطلب استرضاء الأطراف الثائرة بمصر بعد موت العباس، فكاتب أهل الحوف فأجابوه فولى عليهم يزيد بن خطاب الكلبي، ثم بعث إلى عبد العزيز الجروي يوليه تنیس ويأمره بالحضور إلى الفسطاط، ولكن الجروي ظن أن في الأمر مكيدة تدبر له فامتنع؛ فبعث المطلب بوالٍ آخر على تنیس فمنعه الجروي منها، فبعث إليه المطلب بالسري بن الحكم في جمع من الجند يسألونه الصلح فأجابهم إليه إلا أنه اجتهد في الغدر بهم ففطنوا إلى ذلك وحاربوه ثم عاد فدعاهم إلى الصلح ولجا إلى خدعة استطاع بها أن يقبض على السري ويأسره ويسجنه بتنیس في جمادى الأولى سنة ۱۹۹ هـ/ ۸۱٥م. 

فبعث المطلب جيشًا على رأسه ابن عبد الغفار الجمحي لمقاتلة الجروي فلقيهم الجروي بسفط سليط من المنوفية في
رجب ۱۹۹ هـ/ ٨۱٤م، فهزمهم وأسر ابن عبد الغفار. وهنا جد المطلب في أمر عبد العزيز الجروي ووجه كل قوته للقضاء عليه، فعلم بذلك ورأى الالتجاء إلى الحيلة؛ فأخرج السري بن الحكم من سجنه واتفق معه أن يطلقه من سجنه ويلقي إلى أهل مصر أن رسالة وردت من الخليفة بولايته على أن يثور بالمطلب ويخلعه فعاهد السري على ذلك واتفقا فيما بينهما على أن يترك كل منهما لحليفه ما تحت يديه، وعند ذلك أطلقه الجروي وأعلن ولايته فبايعه الجند من أهل خراسان وامتنع الجند العرب ووقعت حروب بين السري والمطلب انتهت إلى طلب المطلب الأمان من السري فأمنه واستبد بأمر مصر.

هكذا قسمت مصر بين الخارجين على الخلافة و الطامحين في الولاية؛ فالجروي كان صاحب السلطة الفعلية في شرق الدلتا 
متخذًا من تنیس مكانًا لبسط نفوذه وسلطانه، كما كان صاحب الفضل في تولية السري بن الحكم الولاية ليتخلص من المطلب ابن عبد الله. 

أما عن الإسكندرية في ولاية المطلب بن عبد الله الثانية (۱۹۹ - ۲۰۰ هـ / ٨۱٤ - ۸۱٥ م) فقد ولي عليها محمد بن هبيرة، فاستخلف محمد عمر بن عبد الملك بن معاوية المعروف بعمر بن هلال، فوليها ثلاثة أشهر ثم عزله المطلب وولى عليها 
أخاه الفضل، فاغتنم الجروي الفرصة وكاتب عمر بن هلال يأمره بالوثوب على الإسكندرية وإخراج الفضل والدعاء له بها
وعلى أن يقدم له العون، فاستعان عمر بجماعة من الأندلسيين كانوا قد طردوا من بلادهم في حكم الحكم بن هشام الأموي 
على أثر واقعة الربض بقرطبة عام ۱۹۸ هـ/ ۸۱۳م، وسرعان ما لبوا طلبه واستطاع أن يخرج الفضل ويدعو للجروي. إلا أن أهل الإسكندرية ثاروا ضد الأندلسيين وأخرجوهم وخلعوا عمر وردوا الفضل فدعا للمطلب. وما لبث المطلب أن عزل 
أخاه وولي أبا بكر بن جنادة بن عيسى المعافري فوثب عمر بن هلال على أبي بكر مستغلًا الاتفاق الذي تم بين السري والجروي وانتصار السري وولايته مصر سنة ۲۰۰ هـ/ ۸۱٥م، فأخرج أبا بکر بن جنادة ودعا للجروي بها فتركها له السري بن الحكم وفقًا للعقد الذي تم بينهما.

وأقبل الأندلسيون على عمر بن هلال فأذن لهم بدخول الإسكندرية، ولكن ما لبثوا أن أشاعوا فيها الاضطراب فأمر 
بإخراجهم منها فحقدوا عليه واتحدوا مع طائفة تعرف بالصوفية واتخذوا رئيسًا منهم يقال له أبو عبد الرحمن الصوفي، ثم 
ساروا إلى عمر بن هلال وحاصروه في مقره وانتهى الأمر بقتله سنة ۲۰۰هـ/ ۸۱٥م.

ثار أهل الاسكندرية أكثر من مرة على الفساد الذي استشرى في مدينتهم فناهضهم الأندلسيون وحرقوا أحياء المدينة، واضطر مرقس الثاني إلى الهرب منها واتصل بعبد العزيز الجروي وشکا له ما هم فيه؛ كما بلغه ما فعله الأندلسيون ومقتل ابن هلال فسار إليها في خمسين ألفًا وحاصرها وكاد يدخلها في المحرم ۲۰۱ هـ/ ۸۱٦م. وعند ذلك خشي السري بن الحكم أن ينتصر الجروي وتزداد قوته فنقض العهد الذي بينهما وبعث عمرو ابن وهب الخزاعي على رأس جيش إلى تنیس حاضرة الجروي ليستولي عليها في غيبته وانشغاله، فاضطر عبد العزيز إلى فك حصاره والعودة إلى تنیس، وأخرج جيش السري من تنیس وفسد ما بينه وبين السري؛ ومن ثم تطورت المنافسة الخفية بين الجروي والسري إلى نزاع علني بينهما.

وعندما ثار إبراهيم بن المهدي بالمأمون حين اتخذ علي بن موسى الرضا وليًا للعهد کاتب إبراهيم وجوه الجند بمصر يطلب إليهم خلع المأمون وولي عهده والوثوب بالسري بن الحكم والي مصر من قبل المأمون، فقام بدعوته الحارث بن زرعة بالفسطاط وسلامة بن عبد الملك الطحاوي بالصعيد وعبد العزيز الجروي بالوجه البحري واتفق الجمع على خلع السري بن الحكم. ونشبت المعارك المتصلة بين الجيوش المختصمة في أنحاء مختلفة من البلاد، وحالف النصر السري بن الحكم في أكثر المواقع وعبد العزيز الجروي في قليل منها.
ولما علم الجند بموت علي الرضا وانحياز إبراهيم بن المهدي أظهروا بيعة المأمون، كما ورد کتاب المأمون إلى السري بذلك؛ فانتهز الأندلسيون الفرصة فأخرجوا عامل الجروي من الإسكندرية ودعوا إلى السري بن الحكم، فسار إليهم الجروي في رمضان ۲۰۳هـ/ ۸۱۸م؛ على أن القبط بسخا ثاروا ضده وانضم إليهم بنو مدلج فهزمهم الجروي وهرب بنو مدلج، ثم بعث الجروي بجيوش إلى الإسكندرية لمحاصرتها.

كذلك جمع الجروي قمح أرض مصر ووضعه في الأهراء تحت تصرفه، حتى ندر القمح وعز وجوده، فحدثت مجاعة كبيرة بسبب ذلك لا سيما بالإسكندرية، وكان يرمي من وراء ذلك إلى أن تسلم إليه البلاد جميعها، لكن السري بن الحكم أفسد على الجروي خططه فأرسل جيشا في ذي القعدة سنة ۲۰۳هـ/ ۸۱۹م إلى بلاد الصعيد لاستخلاصها منه، فمنعهم سلامة بن عبد الملك الطحاوي حليف الجروي بالصعيد، وسار عبد العزيز الجروي لحصار الإسكندرية للمرة الرابعة فأغلق الأندلسيون حصنها لكن الجروي حاصرهم حصارًا شديدًا فاشتد الغلاء بها حتى صارت ويبة القمح بدينارين و درهم؛ ولم يجد أهلها ما يشترونه حتی أكلوا دوابهم من الجوع؛ وأخذ يضرب الحصن بالمنجنيق وظل على ذلك سبعة أشهر من بداية شعبان سنة ٤۲۰هـ/ ۸۱۹م إلى آخر صفر ۲۰٥هـ/ ۸۲۰م. وانتهى الأمر بقتل الجروي أثناء الحصار حيث أصابته فلقة من حجر المنجنيق فخر صريعًا، وبعده مات السري بن الحكم في جمادى الأولى من السنة نفسها بعد أن ولي مصر ثلاث سنين وتسعة أشهر.

وبايع الجند سنة ۲۰٦هـ/ ۸۲۱م عبيد الله بن السري بعد وفاة أخيه أبي نصر خلف والده. وورث أبناء السري وأبناء الجروي نزاع والديهما، فكان بيد عبيد الله بن السري من أرض مصر الفسطاط والصعيد وغرب الدلتا، وكان بيد علي بن عبد العزيز الجروي بقية الوجه البحري بما في ذلك الحوف الشرقي. ولم يتعرض كلٌّ منهما للآخر حتى انتهت سنة ۲۰٦هـ/ ۸۲۱م حين عقد المأمون لمخلد بن يزيد؛ فامتنع عبد الله عن التسليم له واحتج بأن كتاب المأمون قد ورد إليه بولايته هو واستعد عبيد الله لحرب خالد، وانتهى الأمر بأسر خالد بن یزید. وأرسل المأمون رسولًا من قبله يقر عبيد الله على ما بيده ويقر علي بن الجروي على ما بيده. وحدث نزاع بعد ذلك بين علي بن الجروي وعبيد الله بن السري؛ فأرسل عبيد الله بن السري أخاه أحمد في سنة ۲۰۷ هـ/ ۸۲۲م فوقعت حروب بينهما كان نتيجتها أن دخل عبيد الله تنیس مقر ولاية الجروي وهرب علي بن الجروي إلى الفرما ثم إلى العريش في ربيع سنة ۲۰۹هـ / ۸۲٤م؛ أي إن مصر كلها خضعت لعبيد الله بن السري؛ وإن حدثت مناوشات وحروب بينه وبين ابن الجروي.

وبينما هما كذلك قدم عبد الله بن طاهر بن الحسين موفدًا من قبل الخليفة المأمون ليقضي على تلك الفوضى التي سادت مصر منذ نحو إحدى عشرة سنة كادت مصر أن تكون مستقلة عن الخلافة، سار عبد الله بن طاهر في قواته بطريق البر في حين أقبلت بعده سفن الشام، وكان ابن الجروي سباقًا لاستقبال ابن طاهر فعينه على الأسطول لمعرفته بالحروب البحرية. ويقول المقريزي: «قدم عبد الله بن طاهر فتلقاه ابن الجروي بالأموال والإنزال، وانضم إليه ونزل معه بلبيس. أما ابن السري فحاول الاحتفاظ بولايته، وعارض عبد الله بن طاهر بعض الوقت، ولكنه ترك مصر في آخر الأمر، وصار إلى بغداد في جمادی الأولى سنة ۲۱۱ هـ/ ۸۲٦م. وانتهت دولة آل السري والجروي معًا، وأخرج عبد الله بن طاهر الجميع معه إلى العراق».

وهكذا تمكن عبد العزيز الجروي وولده من إقامة إمارة تمتد على طول ساحل مصر الشمالي وكانت تبسط سلطانها على الاسكندرية ومدت سيطرتها جنوبًا حتى بلبيس بل إلى أبواب الفسطاط، واستولت على الصعيد ولم تترك لآل السري إلا بقعة صغيرة حول الفسطاط، وامتدت هذه المملكة من الزمن منذ المحرم ۱۹۹ هـ/ ٨۱٤م إلى أواخر ۲۱۰هـ/ ۸۲٥م أي ما يقرب من اثنتي عشرة سنة.
حقًا، إننا أمام إمارة تنشأ على ساحل مصر الشمالي، دون إذن من خليفة؛ وإنما يضطر الخليفة إلى الاعتراف بها ويرث هذه الإمارة ابن عن أب ويسيران أمورها مستقلين عن السلطة المحلية في الفسطاط وعن السلطة الكبرى في بغداد. والحق كانت إمارة صغيرة وضعيفة تضطر إلى الاعتماد على الحيلة والخداع وموقع مدينة تنيس الحصين وبعدها التام المأمون عن العاصمة. لكن ذلك لا يحرمها حقها في الإمارة؛ فإمارة الجرويين أو مملكة الساحل هي أول إمارة مصرية صميمة على قسط من الاستقلال في مصر الإسلامية، وعبد العزيز الجروي أول مصري يؤلف إمارة مصرية.

صهريج الجروي
صهريج الجروي




ومما لا شك فيه أن إمارة آل الجروي كانت حدثًا سياسيًا هامًا وكان لها الأثر الهام في حاضرة الإمارة تنیس وسكانها؛ حيث ألقت الضوء على أهمية موقع تنیس العسكري الحصين. وقد أدى ذلك إلى ازدياد عدد الجنود المسلمين المقيمين بين السكان الأقباط المدنيين؛ الأمر الذي أدى إلى حدوث تغيير في التكوين الديني والعرقي للسكان، وكذلك السياسات المدنية حيث اتسعت المدينة بشكل كبير. وبدا ذلك من خلال إنشاءات عبد العزيز الجروي للبنية التحتية في المدينة؛ من خلال إقامته عددا من الصهاريج والسواقي لتزويد المدينة بالماء العذب.

هذا بالإضافة إلى الصهريج الذي تحدث عنه ابن بسام، وقد ذكر أربع مجموعات من الإنشاءات الخاصة بتخزين المياه في المدينة يعنيني منها: «... مصنع مسقوف وسط المدينة بناه عبد العزيز الجروي، ينقل إليه الماء على دولاب يشتمل عليه ستون قادوسًا مدة شهرين كاملين بلياليهما، يسع كلُّ قادوس في تفريغه في يوم وليلة ألف جرة، ملأ كل جرة أقساط من ماء فيكون هذا المصنع ثلاثة آلاف ألف ألف جرة وستمائة جرة، وقدم تقديرًا لسعة الصهريج بأنها ثلاثة بلايين وتسعمائة جرة»، ولو أن الأرقام الأولية صحيحة لكانت ثلاثة ملايين جرة فقط.


عبد العزيز ابن الوزير الجروي والاكتشافات الأثرية


دار عبد العزيز الجروي بتنيس
دار عبد العزيز الجروي بتنيس


أسفرت الحفائر عن اكتشافات عدة تنسب لعبد العزيز الجروي أهمها كانت مجموعة من المباني محاطة بسور أطلق عليها منزل الحاكم. جاء هذا الاسم لأنه أثناء الحفر في هذه المنطقة عثر بجوار السور على لوحة من الرخام محفور عليها اسم عبد العزيز ابن الوزير الجروي القائد. وتتكون هذه المجموعة من المباني من سور كبير يمتد من الجنوب إلى الشمال بطول ۱۹ مترًا وارتفاع ۱٫٥۰متر، مبني بالآجر، وما زال بقية السور في هذا الضلع تحت الرديم ولم يتم الكشف عن آخره حتى الآن. هناك أيضًا جزء كبير من السور من الناحية الغربية ما زال تحت الرديم؛ أما ما تم الكشف عنه من مبانٍ داخل السور فهو عبارة عن جدران ثلاث غرف عرض جدرانها قرابة ٦٠ سم، وارتفاعها متران، وفي الناحية الشمالية الغربية من الغرف الثلاثة توجد حجرة صغيرة مشتركة بجدار مع الغرفة الغربية ربما كانت دورة المياه الخاصة بالمجموعة. ويلتصق بسور هذه المجموعة من الناحية الغربية بئر مربعة بعمق مترين بمنتصفها فتحتان في الناحية الغربية كانتا متصلتين بقنوات مائية تغذي وحدات الدار الأخرى، كما يقع أسفل هذه المجموعة صهريج مزود بعدد من القنوات تجري من الشمال إلى الجنوب وتمر عبر السور الخارجي الذي يحيط بوحدات المنزل قبل الوصول إلى باطن الصهريج. والصهريج بناء مستطيل مسقوف يمتد من الشرق إلى الغرب بطول ٧٫٤۰م وعرض ٤۰,٥م من الداخل، ويتكون من الداخل من صفين من الأعمدة كلُّ صف من ثلاثة أعمدة، ويمتطي هذه الأعمدة والعقود سقف الصهريج المكون من أقبية متقاطعة. هذا، وقد سقط جزء كبير من السقف. والصهريج مشيد كله بالآجر وبطنت جوانبه من الداخل وكذا الأعمدة والسقف بطبقة من الملاط شديد الصلابة، كذلك تم العثور داخل هذا الصهريج على عمودين من الرخام أسطوانيين، وليس هناك شك في أن وجود هذين العمودين ووضعهما بهذه الكيفية داخل الصهريج له علاقة بوحدات المبنى السابق المقام أعلاه؛ وهذا ما يدفعنا إلى القول إن هذه المنشأة كانت تمثل دار الإمارة، على الأقل في الفترة التي سيطر فيها عبد العزيز الجروي على مسرح الأحداث في مصر.

نقش کتابي من دار عبد العزيز ابن الوزير الجروي بتنیس

نقش کتابي من دار عبد العزيز ابن الوزير الجروي بتنیس
نقش کتابي من دار عبد العزيز ابن الوزير الجروي بتنیس



لما كانت الكتابات العربية بصفة عامة والنصوص التأسيسية على العمائر الإسلامية بصفة خاصة وثائق على درجة كبيرة من الأهمية، كان من أهم ما تم الكشف عنه من خلال حفائر تنیس لوحة من الرخام الأبيض مكونة من جزأين هلاليي الشكل؛ الجزء العلوي مكسور في جزء منه طوله ٨ سم وأقصى عرضه ٦ سم والجزء السفلي يبلغ طوله ۱۳ سم وعرضه ٧ سم. وهي تشكل بجزأيها شكلًا دائریًا غير منتظم الحواف، حفر عليها كتابات بالخط الكوفي البسيط. تبدو بدايات الحروف جامدة مثل نهايتها وتخلو اللوحة من اسم الخطاط، وهي غير مؤرخة، ونفذت بطريقة الحفر الغائر. وجاء نصها في أربعة أسطر على النحو التالي: 

الجزء العلوي:
السطر الأول «له بركة»، والجزء العلوي السطر الثاني 
«...هـ ..ذه الدار لعبد ». 
الجزء السفلي:
السطر الثالث «العزيز بن الوزير»، والجزء العلوي السطر الرابع «الجروي القائد».

لا شك في أن الخط والكتابة على هذه اللوحة لهما دور تسجيلي هام من حيث القيمة التاريخية و العلمية والأثرية؛ حيث تعد هذه اللوحة إضافة ووثيقة هامة لنص على إحدى دور مدينة تنيس في نهاية القرن الثاني الهجري، كما تعد الأقدم من نوعها في الآثار الإسلامية بمصر ونموذجًا فريدًا لهذا العصر. كذلك تلقي الضوء على بعض المظاهر الاجتماعية؛ من حرص علية القوم على إبراز أهمية بيوتهم أو دورهم، عندما قرر أحدهم وضع لوحة تحمل اسمه ولقبه على المنزل كما نفعل نحن الآن.

أما أهمية النقش من حيث المضمون فنجد أن الجزء العلوي من اللوحة مفقود، وأول ما نقرأه في السطر الأول «له بركة»، وعادة ما كانت النصوص التأسيسية تبدأ بالدعاء لصاحب الدار أو المنشأة. والبركة هنا دعاء بمعنى النماء والزيادة والمباركة. أما السطر الثاني فنقرأ فيه كلمة «الدار»، والدار في اللغة لفظ مؤنث معنى الموضع والمثوى والبيت والديوان، وقد استعمل على سبيل الكناية كلقب فخري. وفي الاصطلاح دار لفظ فارسي مأخوذ من المصدر راستن الذي يعني التملك والتصرف؛ وهذا ما يعنيه هذا اللفظ على اللوحة. أما السطر الثالث فيطالعنا اسم صاحب الدار «عبد العزيز بن الوزير». وقد تضمن السطر الرابع أحد ألقابه وهو «القائد». وقد عرفت القيادة عند العرب قبل الإسلام، وكانت تعني إمارة الركب، وكان صاحبها يتقدم الركب في الأسفار سواء للقتال أو للتجارة، ومن هنا صار القائد اسمًا لمن يتولى قيادة الجيش، وأصبح لفظ قائد يدل في الوقت نفسه على رتبة في الجيش منذ تنظيمه بشكل ثابت.
«فلس» عبد العزيز ابن الوزير الجروي والسري بن الحكم

سجلت كتابات الفلوس العباسية في مصر التي تلت الترتيب التاريخي فلوس « محفوظ بن سلیمان» ما يفيد استقلال السري بن الحكم والي مصر وصاحب خراجها (۲۰۰ - ۲۰٥هـ). وقد ظهر اسم السري بن الحكم على فلوس مصرية عباسية مع عبد العزيز ابن الوزير الجروي وقد نشر Castiglione واحدًا من هذه الفلوس كما نشر مايلز Miles قطعة أخرى محفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس تحمل اسم عبد العزيز الجروي أيضًا، وهناك فلس آخر يحمل اسم السري بن الحكم مع ولي عهده محمد أبي نصر بن السري، كذلك يضم متحف برلين فلسًا يحمل اسم «السري» و «على يدي».

أما عن الفلس الذي تم العثور عليه فهو مشابه تمامًا للفلس المحفوظ بالمكتبة الأهلية بباريس، وربما يكون الفلس الوحيد المحفوظ بمصر. وهو فلس من النحاس، كتاباته منتظمة في خطوط أفقية مركزية تسير على كلا الوجهين في أسطر ثلاثة، ويحيط بها في هامش خارجي على الوجه سطر دائري تدور كتاباته عكس اتجاه عقرب الساعة.

مركز الوجه: 
مما أمر به الأمير السري بن الحكم. 
هامش الوجه:
الكتابات مطموسة، ولا يظهر إلا حرف الحاء والدال من كلمة «وحده».
مركز الظهر: 
على يدي عبد العزيز بن الوزير الجروي

صور نقود تحمل اسم السري بن الحكم
صور نقود تحمل اسم السري بن الحكم



ويلاحظ على الكتابات المركزية في الظهر والوجه أن بعض الحروف مفقودة؛ وذلك للتأكل الذي أصاب النحاس فأدى إلى فقدان بعض الحروف. ومن الواضح أن الفلس ضرب بالقالب كما يتضح من سبكه أنه مصبوب على هيئة قرص وضرب بالقالب المحفور من الوجهين. هذا، ويمكن إرجاع تاریخ ضرب هذا الفلس في إمارة السري بن الحكم الأولى التي لم تزد على ستة أشهر من رمضان سنة ۲۰۰هـ/ ۸۱٥م إلى ربيع سنة ۲۰۱هـ/ ۸۱٦م؛ وذلك لعدة أسباب أهمها عدم استقرار البلاد والنزاع بين السري بن الحكم وعبد العزيز الجروي إلا خلال هذه الفترة ذلك على أثر إطلاق عبد العزيز الجروي للسري من محبسه في تنیس والاتفاق معه على خلع المطلب من الولاية بعد أن أعلن الجروي والسري أن كتابا ورد من بغداد بولاية السري وذلك في إثر الاتفاق بين السري والجروي على أن يترك كلٌّ منهما للآخر ما تحت يديه. كذلك لم يذكر أحد من المؤرخين صراحة أن عبد العزيز الجروي قد ولى الشرطة للسري بن الحكم، وإن استند البعض من الكتاب المحدثين إلى أن عبد العزيز قد ولى الشرطة للسري استنادًا إلى هذه الفلوس؛ فغالبا ما كان يذكر اسم الأمير على الوجه وصاحب شرطته على الظهر مسبوقًا بكلمة «على يدي»، وإن كان غير ضروري أن نجد اسم صاحب الشرطة على الفلوس. فقد يكون صاحب الخراج أو ولي العهد كما في الفلس الذي يحمل اسم السري ومحمد أبي نصر بن السري، كذلك عبد العزيز الجروي تولى الشرطة مرتين لغير السري بن الحكم، في إمارة المطلب بن عبد الله الخزاعي عام ۱۹۸ هـ ، وفي إمارة العباس ابن موسی من عام ۱۹۸ إلى ۱۹۹ هـ، ولم يرد اسم عبد العزيز الجروي على فلوس لهما.
___________________
(*) الجروي نسبة إلى بني جرِيّ بطن من جُذَام، وهي قبيلة كانت تسكن المنطقة الواقعة بين الحجاز والشام ومصر. عاونت في فتوح الشام معاونة لها قيمتها. وقدم جماعة منها مع عمرو بن العاص، وشهدوا فتوح مصر، ثم اختلطوا بقبيلة لخم، ونزلوا معًا في طرابية وقُربْيط وصان وأبليل والعريش؛ و نزل بنو جري بالفرما و البقارة والوردة، وكلها حول مركز فاقوس من مديرية الشرقية، وعلى الساحل الشمالي لشبه جزيرة سيناء.


المصدر: مقالة من مجلة ذاكرة مصر عدد 30 يوليو 2017.

الأربعاء، 25 مايو 2022

دمياط والشيخ شطا من جريدة الأهرام بتاريخ 1890

 

رسائِل داخلية

دمياط في ٢ لمكاتبنا 

هذه رسالتنا التي وعدنا بها القراء الكرام جمعنا 
بها حقائق احوال ثغرنا الدمياطي خالية من شوائب 
التمويهات وبالله التوفيق 

دمياط بلدة اداب زهت وسمت
مجدًا وقدرًا فباهت بهجة الذهب 
لكنها ما لها حظ بنيل غني
وكيف نيل الغنى مع حرفة الادبْ 

يمتد بناء دمياط کنون متقنة الوضع على ضفة النيل 
الشرقية على مسافة عشرة اميال بحرية من مصبهِ 
الشرقي ويناهز طولها الألفي متر ويختلف عرضها بينَ 
مئة وخمس مئة بالتقريب تحتفها ضواح كلها غياض 
ورياض وظاهر البلد يدهش بحسن مرآهُ النواظر واما 
داخلها لبيوت تكاثف بعضها ازاء بعض على شوارع 
معوجة وازقة حرجة واكثرها متداعٍ للسقوط ولها 
شارع مستطيل يعرف بالشارع الاعظم يخترقها طولًا 
في عرض ثمانية أمتار أُخذ بتنظيمهِ من عشرات من 
السنين ولم يتكامل و يخترقها عرضًا خلیج كان مقرًا 
للعفونات ثم ردم على اثر اخبار الوباء وتكتنفها المياه 
من كل جانب فمن غربيها النيل الأعظم يلج في زمن 
الفيض اكثر بيوتها البحرية ومن شرقيها على بعد 
ميلين او ثلثة أميال بحيرة المطرية وقبل البحيرة المذكورة 
ترع وخلجان دائرة عليها من الجنوب إلى الشمال وفي
هذا الأخير كثير من المستنقعات والملاحات بعده 
القرافات والمجاير والرطوبة على مدار السنة تصعد الى 
اعلى اماكنها ويكثر فيها دآء الفيل ولكنهُ منحصر بسيء 
المعيشة واما الصحة العمومية فعلى الدوام تحمد في 
دمياط عن سواها ولا يزيد معدل الوفاة فيها عن 
نصف معدل الولادة وللطب في ذلك تعليل لا محل 
لذكرهِ هنا

وللحكومة فيها جملة بنايات تعرف الان بالاشوان 
تخصص عنبر من احدها للمدرسة الميرية فجاءَ بغاية 
الاتقان وقشلاق للعساكر يشابه بوضعهِ وهيئتهِ قصر 
النيل كان يأْوى اليهِ اربع الايات لم يبقَ منها الا 
الخفير وفي جناحهِ الايمن مستشفى الميري وكانت 
الحكومة قد شرعت ببناء قشلاق اخر في البر الغربي 
وبعد ان ارتفعت جدرانهُ الى ما فوق الخمسة امتار
توقف منهُ العمل وقيل ان الخسائر فيهِ تجاوزت الثلاثين
ألف جنيه ولهُ بشمالي البلد دائرة كان يضرب فيها أَرز 
واما الان فتؤَجر ولها بعض براحات تؤَجر 
سنويًا وخمسة صهاريج منها الصهريج المشهور

وفي دمياط مزارات لكثير من الأولياء يحتفل 
بموالدهم سنويًا کسيدي الشيخ شطا وهو ابن ملكها 
الذي ساعد المسلمين على افتتاحها بغير حرب وسيدي 
ابي الفتح الملقب بابي المعاطي نسبة لجود يدهِ ودفن 
هذا الامام ازاءَ جامع عمرو وانطلقت نسبتهُ اليهِ فصار
يعرف بجامع ابي العطا مع انهُ بني قبلهُ باكثر من 
خمسماية عام وهو ثاني الجامعين اللذين بناها سيدنا 
عمرو بعد افتتاحهِ البلاد المصرية أحدهما في بولاق 
مصر والثاني في دمياط و يقال انهُ بنى هذا الأخير على 
معبد لم يزل تحتهُ على حالهِ وانهُ مرصود لا يدانيهِ 
العنكبوت وبالحقيقة لو تأَملت لما رايت للعنكبوت 
قليل من اثر . وغير هذين الاستاذين كثير من الأولياء 
والوليات لا يسع المقام ذکر افرادهم

وفيها نحو ستين جامعًا تدرس في بعضها فروع 
العلوم العربية والدينية وطلبتها كثيرون وقد احصت 
الشكومة مرة عدد العلماء وطلاب العلم المنقطعين لهُ 
عدا طلابهُ المشتغلين معهُ بسواهُ فبلغ ثلاثمائة لان
العلم لا يعتبر عندهم فرضًا واجبًا فقط بل ان ضرورة 
الايام الحاضرة جعلتهُ لهم عونًا ولا يستبعد التجاءُ 
البقية اليهِ عما قليل ولذلك ترى الدمياطيين اصح من 
سواهم لفظًا ولاكثرهم بحسن النظم وسبك النثر 
باع طويل وتحتوي على اربع كنائس للمسيحيين وثلاث 
مدارس للذكور الاولى ميرية والثنتان للروم واللاتين 
ومدرسة واحدة للبنات

ويبلغ تعداد سكانها من المسلمين والمسيحيين ۳٤ 
الفًا كلهم أُلودعة وسلام يربطهم حفظ الجوار بروابط 
المودة والالفة ولهم بالغريب ترحيب يمتازون بهِ 
ولاكثرهم صلة بالفقر ترتاع من ذكرها المسامع وتتفتت 
من هولها القلوب ( البقية تاتي )


المصدر: جريدة الأهرام ، السبت 4 أكتوبر 1890