رسائِل داخلية
دمياط في ٢ لمكاتبنا
هذه رسالتنا التي وعدنا بها القراء الكرام جمعنا
بها حقائق احوال ثغرنا الدمياطي خالية من شوائب
التمويهات وبالله التوفيق
دمياط بلدة اداب زهت وسمت
مجدًا وقدرًا فباهت بهجة الذهب
لكنها ما لها حظ بنيل غني
وكيف نيل الغنى مع حرفة الادبْ
يمتد بناء دمياط کنون متقنة الوضع على ضفة النيل
الشرقية على مسافة عشرة اميال بحرية من مصبهِ
الشرقي ويناهز طولها الألفي متر ويختلف عرضها بينَ
مئة وخمس مئة بالتقريب تحتفها ضواح كلها غياض
ورياض وظاهر البلد يدهش بحسن مرآهُ النواظر واما
داخلها لبيوت تكاثف بعضها ازاء بعض على شوارع
معوجة وازقة حرجة واكثرها متداعٍ للسقوط ولها
شارع مستطيل يعرف بالشارع الاعظم يخترقها طولًا
في عرض ثمانية أمتار أُخذ بتنظيمهِ من عشرات من
السنين ولم يتكامل و يخترقها عرضًا خلیج كان مقرًا
للعفونات ثم ردم على اثر اخبار الوباء وتكتنفها المياه
من كل جانب فمن غربيها النيل الأعظم يلج في زمن
الفيض اكثر بيوتها البحرية ومن شرقيها على بعد
ميلين او ثلثة أميال بحيرة المطرية وقبل البحيرة المذكورة
ترع وخلجان دائرة عليها من الجنوب إلى الشمال وفي
هذا الأخير كثير من المستنقعات والملاحات بعده
القرافات والمجاير والرطوبة على مدار السنة تصعد الى
اعلى اماكنها ويكثر فيها دآء الفيل ولكنهُ منحصر بسيء
المعيشة واما الصحة العمومية فعلى الدوام تحمد في
دمياط عن سواها ولا يزيد معدل الوفاة فيها عن
نصف معدل الولادة وللطب في ذلك تعليل لا محل
لذكرهِ هنا
وللحكومة فيها جملة بنايات تعرف الان بالاشوان
تخصص عنبر من احدها للمدرسة الميرية فجاءَ بغاية
الاتقان وقشلاق للعساكر يشابه بوضعهِ وهيئتهِ قصر
النيل كان يأْوى اليهِ اربع الايات لم يبقَ منها الا
الخفير وفي جناحهِ الايمن مستشفى الميري وكانت
الحكومة قد شرعت ببناء قشلاق اخر في البر الغربي
وبعد ان ارتفعت جدرانهُ الى ما فوق الخمسة امتار
توقف منهُ العمل وقيل ان الخسائر فيهِ تجاوزت الثلاثين
ألف جنيه ولهُ بشمالي البلد دائرة كان يضرب فيها أَرز
واما الان فتؤَجر ولها بعض براحات تؤَجر
سنويًا وخمسة صهاريج منها الصهريج المشهور
وفي دمياط مزارات لكثير من الأولياء يحتفل
بموالدهم سنويًا کسيدي الشيخ شطا وهو ابن ملكها
الذي ساعد المسلمين على افتتاحها بغير حرب وسيدي
ابي الفتح الملقب بابي المعاطي نسبة لجود يدهِ ودفن
هذا الامام ازاءَ جامع عمرو وانطلقت نسبتهُ اليهِ فصار
يعرف بجامع ابي العطا مع انهُ بني قبلهُ باكثر من
خمسماية عام وهو ثاني الجامعين اللذين بناها سيدنا
عمرو بعد افتتاحهِ البلاد المصرية أحدهما في بولاق
مصر والثاني في دمياط و يقال انهُ بنى هذا الأخير على
معبد لم يزل تحتهُ على حالهِ وانهُ مرصود لا يدانيهِ
العنكبوت وبالحقيقة لو تأَملت لما رايت للعنكبوت
قليل من اثر . وغير هذين الاستاذين كثير من الأولياء
والوليات لا يسع المقام ذکر افرادهم
وفيها نحو ستين جامعًا تدرس في بعضها فروع
العلوم العربية والدينية وطلبتها كثيرون وقد احصت
الشكومة مرة عدد العلماء وطلاب العلم المنقطعين لهُ
عدا طلابهُ المشتغلين معهُ بسواهُ فبلغ ثلاثمائة لان
العلم لا يعتبر عندهم فرضًا واجبًا فقط بل ان ضرورة
الايام الحاضرة جعلتهُ لهم عونًا ولا يستبعد التجاءُ
البقية اليهِ عما قليل ولذلك ترى الدمياطيين اصح من
سواهم لفظًا ولاكثرهم بحسن النظم وسبك النثر
باع طويل وتحتوي على اربع كنائس للمسيحيين وثلاث
مدارس للذكور الاولى ميرية والثنتان للروم واللاتين
ومدرسة واحدة للبنات
ويبلغ تعداد سكانها من المسلمين والمسيحيين ۳٤
الفًا كلهم أُلودعة وسلام يربطهم حفظ الجوار بروابط
المودة والالفة ولهم بالغريب ترحيب يمتازون بهِ
ولاكثرهم صلة بالفقر ترتاع من ذكرها المسامع وتتفتت
من هولها القلوب ( البقية تاتي )
المصدر: جريدة الأهرام ، السبت 4 أكتوبر 1890
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق