الأربعاء، 30 مارس 2022

الاستيلاء على حصن تنيس من كتاب أوليفر بادربورن

جزء من خريطة لجيرولامو راسكيلي لمصر حوالي عام 1561 ويظهر فيها دمياط وتنيس
جزء من خريطة لجيرولامو راسكيلي لمصر حوالي عام 1561 ويظهر فيها دمياط وتنيس (رابط)


النص التالي من كتاب الاستيلاء على دمياط لمؤلفه أوليفر بادربورن، وكان مصاحبا للحملة الصليبية الخامسة، النص التالي من كتاب "الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية - الحملة الصليبية الخامسة"، تأليف وترجمة وتحقيق الأستاذ الدكتور سهيل زكار، الجزء الثالث والثلاثون، دمشق 1998، ص 74، 75، 76

ويصف حصار وسقوط دمياط على يد الحملة الصليبية الخامسة، وفي هذا الفصل المذكور يتحدث عن سقوط حصن تنيس، وفيه وصف موقعه للشرق تجاه بيت المقدس، ويفصلها عن دمياط مقدار رحلة يوم واحد في البحر، ويتحدث عن أهمية الموقع بالنسبة للحملة لأن الشاطيء أمام تنيس منحني وبدون ميناء مما يصعب على السفن الخروج منه إن جنحت اليه، ويبدو أن المدينة كان قد تم اخلاؤها بالفعل فحينما ذهب اليها الصليبيون في سفن صغيرة عبر النهر، هجر الحصن القائمون عليه، فدخلوه بغير عناء، ويصفه بأن به سبعة أبراج محصنة بشرافات وطلاقات، ويحيط به خندق مضاعف، وكل قسم منه كان محميا بسور، والجزيرة يحيط بها مياه البحيرة الكبيرة، والتي كانت ستصعب مهمة حصار تنيس لو حاولوا ذلك، لوفرة السمك والطيور بها، وأماكن استخراج الملح، وعدد من القرى المحصنة التابعة للحصن، ويصف مدينة تنيس بأنها أكبر من دمياط، وحجم أبنيتها شاهد على ما كان فيها قبل أن تصبح مهجورة.


لاحظ أنه في الترجمة الانجليزية لنص أوليفر بادربورن (Edward Peters, Christian Society and the Crusades, 1198-1229: Sources in Translation, including "The Capture of Damietta" by Oliver of Paderborn ,1971) يذكر تانيس وليس تنيس، ولكن من الصعب تخيل أن الحملة الصليبية الخامسة اخترقت الدلتا جنوبا لتصل إلى تانيس، كما أن الوصف الوارد بالأسفل ينطبق أكثر على جزيرة تنيس.


الفصل الأربعون

بمعجزة لم تكن أبداً أدنى، بل بالحري أعظم من سواها، أعطى الرب 
إلى الصليبيين حصن تنیس، في شهر تشرين الثاني، في يوم عيد کلیمنت 
المبارك، (۲۳ — تشرين الثاني)، وكان هذا الحصن قائماً على البحر، فقد 
جرى إرسال كشافة كان عددهم قرابة الألف بوساطة سفن صغيرة، 
خلال نهر صغير يدعى نهر تنیس، وذلك بقصد أن يجلبوا ميرة لأنفسهم 
من القلعة، وليقوموا بكل عناية بتفحص الموقع المشار إليه، ورأى 
المسلمون الذين كانوا في حامية الحصن، الصليبيين فخيل إليهم أن 
الجيش كله قد جاء، لذلك فروا بعدما أغلقوا الأبواب، أما رجالنا الذين 
كان المسيح هو قائدهم الوحيد هناك، فقد شقوا طريقهم بين الحواجز، 
ودخلوا إلى الحصن، وبعد عودتهم أعلنوا لنا أنهم لم يشهدوا قط حصناً 
قام على سهل أقوى منه، فقد امتلك سبعة أبراج قوية جداً، محصنةً 
بشرافات وطلاقات، يضاف إلى هذا أنه كان محاطاً بخندق مضاعف، 
كل قسم منه كان محمياً بوساطة سور، وكان هناك بحيرة تمتد بشكل 
عريض حول تلك المنطقة إلى حد تجعل من غير الممكن بالنسبة لخيّالتنا 
الوصول في الشتاء، وصعب جدا في الصيف، أي أنه كان من المستحيل 
بالنسبة لجيشنا الاستيلاء على هذا الحصن بوساطة الحصار، وحوت 
البحيرة وفرة من الأسماك، وكان يدفع من صائدي سمكها كل سنة 
أربعة آلاف مارك فضي إلى السلطان في القاهرة، وذلك حسبما جرى 
إخبارنا من قبل الشيوخ، يضاف إلى هذا، كانت هناك وفرة وفيرة من 
الطيور، وأعمال لاستخراج الملح، وعدد من القرى المحصنة منتشرة هناك 
تابعة لهذا الحصن، وكانت المدينة خلف الحصن، أكبر من دمياط، وكانت 
من قبل مشهورة، لكنها الآن مخربة، في ثناياها شهادة على حجم أبنيتها، 
فهذه هي تنیس التي ذكر النبي حقلها بقوله: « قدام أبائهم صنع
أعجوبة» [ المزامير:۱۲/۷۸] وقول اشعیا: « إن رؤساء تنیس حکماء 
مشیري فرعون» [اشعيا:۱۱/۱۹/]، فهذه هي تنیس التي قيل بأن إرميا 
قد رمي بالحجارة فيها، لأنه عندما دمرت القدس من قبل البابليين [
ارميا: ٥۲] وجرى قتل جدليا من قبل اسماعيل [ارميا: ٤١] ذهبت بقية 
الناس إلى مصر في معارضة لرأي إرميا، وأخذوا معهم إرميا الذي مكث 
في تنیس معهم: « وصارت كلمة الرب إلى إرميا في تنیس قائلة: خذ 
بيدك حجارة واطمرها في الملاط في الملبن الذي عند باب بيت فرعون» 
الخ.[إرميا: ٤۳/ ۸—۹] وقال إرميا بعد هذا لهم: « قال الرب: هاأنذا 
قد حلفت باسمي العظيم... فیفنی کل رجال يهوذا الذين في أرض مصر 
بالسيف والجوع حتى يتلاشوا«[إرميا: ۲٤/٤٤— ۲۷]، وثار الشعب 
ضد إرميا، ورموه بالحجارة التي كانت مخبأة تحت الجدار الآجري، لكن 
المصريين شرفوا النبي ودفنوه خلفه قبور ملوكهم، ذلك أنهم كانوا 
مقدرين للمنافع التي أظهرها لمصر، لأنه بكلماته أبعد حيوانات الماء التي 
يطلق عليها الاغريق اسم التماسيح، ثم كان أن جاء الاسكندر المقدوني 
إلى قبر هذا النبي، وتعرف عليه من خلال الطبيعية الخاصة
للمكان، والأسرار المحيطة به، ونقله إلى الإسكندرية، ودفنه هناك وسط 
تمجید عظيم،هذا ولقد وجدنا تماسيح في دمياط وقتلناها، وهذا الحيوان 
متوحش يفترس الناس والحيوانات، ويعتني ببيضه ببساطة بمراقبتهم 
بأعين مفتوحة، وما أن يفقس صغيرها حتى يفر من أبويه وكأنهم 
عدوین، ذلك أنه يلتهم على الفور ويفترس أي شيء يمكنه امساکه.

وتنفصل تنیس عن دمياط بمقدار رحلة يوم واحد عبر البحر باتجاه 
أرض المعیاد، لذلك من السهل وضع حامية عسكرية هناك أو إرسال 
طعام إليها من عكا أو من دمياط عبر البحر، أو عبر البر أو بوساطة 
النهر، وقد سببت الحاق خسائر عظيمة بالصليبيين أثناء حصار 
دمياط، عندما كانت السفن تأتي إلينا، أو تبتعد عنا محمولة بقوة
الرياح، لأن الشاطيء أمام تنیس منحني وبدون ميناء، عاملاً بذلك 
خليجاً کاملاً واسعاً، وعندما كانت السفن تقذف إليه كان لا يمكنها 
الانسحاب من دون هبوب رياح موافقة جداً لهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق