الثلاثاء، 7 يناير 2020

في الرحلة من المنصورة الى دمياط


الباب الخامس في الرحلة من
المنصورة الى دمياط

في السبت قمنا أول النهار * نسير في النيل مع التيار
كنا بوابور الخديوي نقتدي * نمشي على دخانه ونهتدي
وبعده باخرة الانجال * ونحن من بعد على التوالي
والنيل أبدى غاية التثني * لما رأى الناس لنا تغني
كأنه من الهنا مأخوذ * وبمسير سفننا ملذوذ
لكنه وفي بما عليه * وجاد بالموجود في يديه
فتارة يزين الشواطي * بسندس يشبه للبساط
وتارة يهدي لنا بعض القرى * تقر بالنا وحبا في القرى
كالسرو والزرقا وفارسكور * وما حوته من نساء الحور
وكالعبيدية أو شربين * منها على الشمال واليمين
ومنية الخولي وكفر الترعه * مرت جميعها لنا بسرعه
وكان أهلوها على البرور * في غاية الافراح والسرور
يرجون أن تقرب المسافة * وعندهم ننزل للضيافة




فلم نكن بما عليها نخدع * ولا بشئ من حلاها نطمع
بل كان في دمياط جل القصد * ولم يكن لتركها من بد
قال وكنت أشتهي أراها * وأن أسر الطرف في رباها
وكم تخيل الضمير وضعها * وطاف مغناها وحل ربعها
والمرء بالاخبار ليس يقتنع * وليس قط من رأى كم سمع
فحين قيل اننا قربنا * منها فمن منظرها طربنا
ومذ تجلت وانجلت لعيني * ضاع الفؤاد بينها وبيني
فانها رمت به عن قوسها * وأخبرت بما جنت عن نفسها
فقلت لا غرو فقوس الحاجب * لا يتعدى ان رمى عن واجب
والقوس من لوازم الجمال * فانه يحيط بالهلال
والثغر لايحلى الرضاب لعسا * مالم يكن دائرة أو قوسا
هذا ودمياط فثغر باسم * تحلو به الاعياد والمواسم
قابلنا بالبشر والافراح * وسرنا من سائر النواحي
فهرعت كل الاهالي للقا * وأكثروا زينتهم والرونقا
وأجرى التشريف بالمراسم * وابتدئت ولائم المواسم
فلا ترى الاطبولا تضرب * ونغمات للفؤاد تطرب
وبالخديوي سر كل رائي * ونال قربا منه كل نائي
فانه دام لنا علاه * وحقه ينصره مولاه
قد أكثر الاحسان للضعاف * وخصهم باحسن الالطاف
وفي العشاء فات من طرق البلد * بموكب يقري مرارة الاسد
والناس اطباق على موكبه * تبتغي اقتباسا من سنى كوكبه
ثم دعا الوجوه والاعيانا * والعلماء ودعا الروحانا




وأكرم التجار والقنصالا * ودام في اكرامه مواصلا
وفاز بالتشريف كل الفوز * بزورة منه الهمام اللوزي
كذا العلائي مع البهائي * فصار كل منه ذا بهاء
وعاد للوابور بعد سالما * مكتسبا أجر الذي تقدما
وكانت الوقدة بالرصفان * في غاية البهجة والاتقان
كأنها في شكلها قوس قزح * تهيج الشوق وتبعث الفرح
ومذ درى الشسنلك بالوليمه * وبقدوم الحضرة الفخيمة
أهدى جميع ماحوى من التحف * وانتصف الشاروخ عجبا ووقف
ودارت الافلاك والكواكب * فانهل غيث بالبرور ساكب
وبعد ذاك في صبيحة الاحد * قام به الوابور من تلك البلد
وقام بعده وبور غيره * يتبعه أنى يكون سيره
وللبغاز خرجا سويه * جنابه وخدم المعيه
منحنا بها وأي منحه * وكان ذا منه بقصد الفسحه
فان منظر البغاز يشتهى * بحر طويل ما لرؤياه انتها
سرنا به زيادة عن ساعه * لانستطيع نحصر اتساعه
وشاطئاه من نخيل جم * كانه القمح أوان الضم
من تحته نرى المروج الخضرا * تشرح ممن حل فيها الصدرا
والمنظر الآخر أحلى منه * أنبيك ان رمت سؤالا عنه
هنالك الفنار والطوابي * من دهشتي ضاع بها صوابي
وقل كما تشاء في الدلفين * السابح الغاطس والدفين
فانه أكثر منه اللعبا * كأنه من القدوم طربا



وغاية القول فهذا المنظر * من الكلام والقوافي أكبر
فمن يكن يبغي حقيقة الخبر * فقط لاينفعه الا النظر
قال ومذ رسا به الوابور * واستوت المياه والجسور
صار نزولنا مع الركاب * في رملة تصلح للمنكاب
وظهر البحر المحيط حولنا * وفمه يفتر عن در لنا
وقد ركبنا مهده قليلا * اذا النسيم لم يكن عليلا
وخيفة من رجة أو صدعه * عدنا الى النيل باحلى رجعه
وبعد أن فزنا بكل فائدة * ثم تلذذنا معه بالمائدة
عدنا لدمياط بوجه السرعه * وبيننا الخديو باهي الطلعه
فكان يوما لا يضاهى انسه * ولاتبارى في الشموس شمسه
فات سريعا وكذا العيش الرغد * وصارت الزينة في ليلة غد
فقرنت بسعدها لبختها * وأشبهت في حظها حظ أختها
تيمنا بالطلعة البهيه * صاحب المعاطف السنيه
لا برحت تشرق فينا شمسه * وادم فينا مجده وانسه