سير البيعة المقدسة |
النص التالي مذكور تحت سيرة بنيامين البطرك وهو الثامن والثلثون من العدد (صـ 107 وما بعدها)، وهو منسوخ من موقع جوجل للكتب.
ثم ان هرقل اقام اساقفة في بلاد مصر كلها الى انصنا وكان يبلي اهل مصر ببلايا صعبة وكمثل الذئب الخاطف كان ياكل القطيع الناطق ولا يشبع وهذا الشعب هم التاودوستين وفي تلك الأيام رأى هرقل مناما وقيل له انه ستأتي عليك امة مختونة وتغلبك وتملك الارض فظن هرقل أنهم اليهود فامر ان يعمد جميع اليهود والسمرة في كل الكور التي تحت سلطانه ومن بعد أيام يسيرة ثار رجل من العرب من نواحي القبلة مكة ونواحيها اسمه محمد فرد عباد الاوثان الى معرفة الله وحده وان يقولوا ان محمد رسوله وكانت امته مختونة بالجسد لا بالناموس ويصلُّوا الى الجهة القبلة مشرقين الى موضع يسمونه الكعبة وملك دمشق والشام وعبر الاردن وسادمة وكان الرب يخذل جيش الروم قدامه لاجل امانتهم الفاسدة والحروم التي حلت بهم لاجل مجمع خلقدونية من الاباء الأولين فلما رأى هرقل ذلك جمع جميع جيوشه من مصر الى حدود اسوان ومكث يدفع القطيعة الذي سأل حتَّى قررها على نفسه وعلى جميع جيوشه ثمان سنين للمسلمين وكانوا يسموا المقرر البقط اي انه بقط رؤوسهم الى ان دفع لهم معظم ماله ومات كثير من الناس من التعب الذي كانوا يقاسوه فلما تمت عشرة سنين من مملكة هرقل والمقوقس وهو يطلب بنيامين البطرك وهو هارب منه من مكان الى مكان مختفي في البيع الحصينة انفذ ملك المسلمين سرية مع امين من اصحابه يسمى عمر ابن العاص في سنة ثلثمائة وسبعة وخمسين لديقلاديانوس قاتل الشهداء فنزل عسكر الاسلام الى مصر بقوة عظيمة في اليوم الثاني عشر من بوونه وهو الرابع من دنكطنين من شهور الروم (في الهامش سنة 357 للشهداء) وكان الامير عمر قد هدم الحصن واحرق المراكب بالنار
وأذل الروم وملك بعض البلاد وكانت أمته محبَّة للبرية فاخذوا الجبل حتى وصلوا الى قصر مبني بالحجارة بين الصعيد والريف يسمى بابلون فضربوا خيمهم هناك حتى ترتبوا لمقاتلة الروم ومحاربتهم ثم أنهم سموا ذلك الموضع اعني القصر بابلون الفسطاط وهو اسمه الى الان وبعد قتالهم ثلثة دفعات غلبوا المسلمين الروم فلما رأى رؤساء المدينة هذه الامور مضوا الى عمر واخذوا امانا على المدينة لئلا تنهب وهذا العهد الذي اعطاهم اياه محمد رئيسهم سموه الناموس يقول فيه كورة مصر ومدينة يستقر مع اهلها دفع الخراج لكم وان تتعمد لسلطانكم عاهدوهم ولا تظلموهم ومن لا يرضى ذلك ويخالفكم انهبوهم وأسروهم فلذلك ايديهم عن الكورة واهلها واهلكوا جنس الروم وبطريقهم المسمى اريانوس ومن سلم منهم هربوا الى الاسكندرية واغلقوا ابوابها عليهم وتحصنوا فيها وفي سنة ثلاثمائة وستين لديقلاديانوس في شهر الدركطس الاول من بعد ان ملك عمر مصر بثلث سنين ملكوا المسلمين مدينة الاسكندرية وهدموا سورها واحرقوا بيع كثير بالنار وبيعة ماري مرقس الذي هي مبنية على البحر حيث كان جسده موضوعاً هناك وهو الموضع الذي مضى اليه الاب البطرك بطرس الشهيد قبل استشهاده وبارك فيه وسلّم اليه القطيع الناطق كما سلمه فاحرقوا هذا الموضع وما حوله من الديارات وكانت اعجوبة عند حرق البيعة المذكورة فعلها الرب وذلك انه اخذ رؤساء المراكب وهو رئيس مركب الدوقس سانوتيوس تسلق ونزل الى البيعة واتى الى التابوت فوجد الثياب قد اخذت لانهم ظنُّوا ان في التابوت مال فلما لم يجدوا شي اخذوا الثياب من على جسد ماري مرقس وبقيت عظامه فيه فلما جعل ريس المركب يده في التابوت وجد رأس القديس مرقس واخذها وعاد الى مركبه سرا ولم يعلم به احد وخبأها في الخن في قماشه فلما ملك عمر المدينة ورتب امورها خاف الكافر والي الاسكندرية وهو كان واليها وبطركها من قبل الروم ان يقتله عمر فمص خاتم مسموم فمات لوقته فاما سانوتيوس التكس المؤمن فانه عرَّف عمر
بسبب الاب المجاهد بنيامين البطرك وانه هارب من الروم خوفاً منهم فكتب عمر ابن العاص الى اعمال مصر كتابا يقول فيه الموضع الذي يكون فيه بنيامين البطرك النصارى القبط له العهد والامان والسلامة من الله فليحضر آمناً مطمئنا ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته فلما سمع القديس بنيامين هذا عاد الى الاسكندرية بفرح عظيم بعد غيبة ثلثة عشر سنة منها عشرة سنين لهرقل الرومي الكافر وثلثة سنين قبل ان يفتحوا المسلمين الاسكندرية لابساً اكليل الصبر والجهاد الذي كان على الشعب الارتدكسي من الاضطهاد من المخالفين فلما ظهر فرح الشعب وكل المدينة واعلموا بمجيئه سانوتيوس التكس المؤمن بالمسيح الذي كان قرر مع الامير عمر حضوره واخذ له منه الامان فمضى ذلك الى الامير وعرفه بوصوله فامر باحضاره بكرامة واعزاز ومحبة فلما رآه اكرمه وقال لاصحابه وخواصه ان جميع الكور التي ملكناها الى الان ما رأيت رجل الله يشبه هذا وكان بنيامين هذا حسن المنظر جدا جيد الكلام بسكون ووقار ثم التفت عمر اليه وقال له جميع بيعتك ورجالك اضبطهم ودبر احوالهم واذا انت صليت علي حتى امضي الى المغرب والخمس مدن واملكها مثل مصر واعود اليك سالماً بسرعة فعلت لك كل ما تطلبه مني فدعا له القديس بنيامين واورد له كلاماً حسناً اعجبه هو والحاضرين عنده فيه وعظ وربح كثير لمن يسمعه واوحى اليه باشياء وانصرف من عنده مكرماً مبجلا وكل ما قاله الأب الطوباني للامير عمر ابن العاص وجده صحيحاً لم يسقط منه حرفا واحدًا فلما جلس هذا الاب الروحاني بنيامين البطرك في شعبه دفعة اخرى بنعمة المسيح ورحمته وفرحت به كورة مصر كلها وجذب اليه اكثر الناس الذين اضلهم هرقل الملك المخالف وكان يجتذبهم للرجوع الى الامانة الارتدكسية بسكينة ووعظ وملاطفة وتعزية وكثير ممن هرب الى الغرب والخمس مدن خوفًا من هرقل الملك المخالف فلما سمعوا بظهور راعيهم عادوا اليه بفرح ونالوا اكليل الاعتراف وكذلك الاساقفة الذين خالفوا
امانته دعاهم ان يعودوا الى الامانة الارتدكسية فمنهم من عاد بدموع غزيرة ومنهم من لم يعود حياء من الناس ان يشتهر عندهم بانه كان مخالف للامانة فبقي على كفره الى ان مات
ومن بعد ذلك سار عمر من الاسكندرية وعسكره وسار معه التكس سانوتيوس المحب المسيح وفي تلك الليلة رأى الاب في منامه انسانا منيرا لابساً ثياب التلاميذ وهو يقول له يا حبيبي اعمل لي عندك موضعاً اقيم فيه في هذا اليوم لانني احب موضعك وكان الموضع الذي فيه البطرك موضع طاهر بلا دنس في دير يعرف بدير مطرا الذي هو البسقوبيون لان سائر البيع والديارات التي للعذارى والرهبان تنجست من هرقل المخالف عند الزامهم بامانة خلقدونية الا هذا الدير وحده فان الذين فيه اقوام اقوياء كثير مصريين وجميعهم اهل ليس بينهم غريب فلم يقدر يميل قلوبهم اليه ولاجل ذلك لما عاد الاب بنيامين من الصعيد نزل عندهم لحفظهم الامانة الارتدكسية وأنهم لم يجيدوا عنها فلما اراد المراكب التي فيها زاد العسكر وانقاله وحوائج التكس سانوتيوس المؤمن واصحابه تقلع وقف المركب الذي لخاصته ولم يقدر يقلع فاجتمع اليه جمع كبير فظنُّوا أنه قد وحل فربطوا فيه لبانات وجروه بجهدهم فلم يتحرك بالجملة فمضوا الى التكس واعلموه ذلك لأنه كان راكباً مع الامير فتعجب جدًا وارسى المركب الذي الامير عمر فيه وعاد منه التكس ومعه جمع كبير فلما وصل الى المركب رأى عنده خلقا كثيرا لا يحصى عددهم وهم لا يقدرون يحركوه فقال لهم ديروا مقدم هذا المركب الى المدينة فلما اداروه للدخول الى المدينة جرى اليها مثل السهم فقال لهم جروه الى برا فجروه حتى انتهى الى مكانه الأول فوقف ولم يتحرك ثم اعادوه الى داخل فجرى وعادوا جروه الى برا فوقف هكذا ثلثة دفعات فعند ذلك قال التكس لريس المركب اصعد اليَّ بقماش النواتية افتشه لكي انظر ما هو واعرف السبب الذي اوجب وقوف هذه المركب دون جميع هذه المراكب كلها فخاف الرئيس الذي كان اخذ رأس القديس مرقس الانجيلي فطرح نفسه على رجلي التكس واعترف له بما فعله وان الرأس مخبَّا