الثلاثاء، 21 يونيو 2022

ذكر تنيس في محاورات يوحنا كاسيان حوالي 380 م

دمياط - فم النيل والفنار
دمياط - فم النيل والفنار




النص التالي منسوخ من كتاب المحاورات ليوحنا كاسيان ترجمة وحواشي الأب الدكتور بولا ساويرس الناشر مشروع الكنوز القبطية، عن النسخة الإنجليزية A Select Library of Nicene and Post-Nicene Fathers of the Christian Church. New York, 1894 Translation and Notes by Edgar C.S. Gibson


المحاورة الحادية عشر:
للأب تشيرمون (الأولى له)
عن الكمال

وهكذا أتينا بعد رحلة بحرية طويلة إلى مدينة في مصر تدعى تينيسيس Thennesus ، وسكانها محاصرون إما بالبحر وإما بالبحيرات المالحة حتى أنهم يتخصصون في الأعمال فقط، ويكتسبون ثروتهم وقوتهم من التجارة البحرية حيث تعوزهم الأرض لدرجة أنهم متى أرادوا بناء منازل لا يجدون في الواقع ترابا كافيا لهذا، ما لم يحضروه بالقوارب من بعيد.

وعندما وصلنا إلى هناك، كافأ الله رغبتنا بوصول الأسقف أرخبيوس Archebius، رجل مبارك جدا وممتاز،
كان قد أُختُطِف من مجتمع المتوحدين، وأُقِيم أسقفا على مدينة بانيفيسيس Panephysis والذي حافظ طوال حياته الطويلة على غرض التوحد بصرامة حتى أنه لم يتراخ في شئ من سمة اتضاعه السابق ولم تطوحه الكرامة التي أضيفت إليه (لأنه إعتبر أنه لم يسام لهذه الوظيفة كمستحق لها، بل كان يشكو أنه قد طُرِد من النظام الرهباني کشخص غير مستحق له . لأنه على الرغم من أنه قد قضى سبعة وثلاثين سنة فيه، لم يكن قادرا قط على بلوغ النقاوة التي تتطلبها هذه المهنة). فاستقبلنا بأكثر لطف وكرم في مدينة تينيسيس سالفة الذكر، حيث أحضرته إلى هناك شئون اختيار أسقف. وبمجرد أن سمع رغبتنا واشتياقنا في الاستعلام عن الآباء القديسين حتى في أقصى أطراف مصر، قال:
"تعالوا وانظروا في نفس الوقت، شیوخا يعيشون ليس بعيدا عن دیرنا، تُظِهر أجسادهم المنحنية طول مدة خدمتهم ، مثلما
تُشرِق القداسة من مظهرهم، حتى أن مجرد رؤيتهم يعطى درسا عظيما لمَن يرونهم. ويمكنكما أن تتعلما منهم الكثير ليس من كلامهم بل وبمثالهم العملي لحياتهم المقدسة، التي أحزن على فقدي لها. وإذ قد فقدتها، فإنني لا أقدر أن أعطيها لكما. ولكننی أظن أن فقري يُمكن أن يقِّل نوعا ما بغيرتي هذه، إذ وأنتما تُنشِدان درر الإنجيل التي لا أمتلكها فعلى الأقل زودتكما بأين تقدران الحصول عليها على نحو ملائم".
وهكذا أخذ عصاه وحقيبته، كما هي عادة جميع الرهبان عندما يشرعون في السفر، وقادنا بنفسه كدليل
في طريقنا إلى مدينته الخاصة، أي بانفيسيس، والتي كانت أراضيها بحق أعظم مناطق الإقليم المجاورة (وكانت سابقا غنية للغاية حيث منها كانت المائدة الملكية، كما تقول التقارير، تُزَّود بكل شیء)، لكنها تغطت الآن بمياه البحر الذي ثار بزلزال مفاجىء فأغرق شواطئها وهكذا (تخربت تقريبا كل قراها) وتغطت بالمستنقعات المالحة ما كانت سابقا أراضي غنية، حتى أنك تظن أن ما قد أُنشِد روحيا في المزمور كان نبوة حرفية عن ذلك الإقليم. "الذي يجعل الأنهار قفارا، ومجاري المياه أراضي معطشة. والأرض المثمرة سبخة، من شر الساكنين فيها".
في هذه المناطق إذن، بادت مدن كثيرة على هذا النحو من التلال العالية، وهجرها سكانها وتحولت بالطوفان الى جزر مقفرة. وهذه وفرَّت أماكن العزلة المرغوبة للمتوحدين القديسين، الذين برز من بينهم ثلاثة شيوخ تشيرمون ونستيروس ويوسف، [بإعتبار أنهم] متوحدون أطول إقامة.
وهكذا رأى المبارك أرخيبوس، أنه من الجيد أن يأخذنا أولا إلى تشيرمون CHAREMON لأنه كان أقرب إلى 
ديره، ولأنه كان أكثر تقدما في العمر عن الاثنين الآخرين، إذ تجاوز المائة سنة من عمره. و[كان] نشيطا فقط في الروح، ولكن
بظهر محني من العمر، ومن الصلاة الدائمة، لدرجة أنه كان كما لو
كان يزحف في طفولته على يدين متدليتين ويستريح على الأرض.
وعندما حملقنا في نفس الوقت في وجه هذا الرجل العجيب وفي مشيته (فعلى الرغم من أن جميع أطرافه قد ضعفت بالفعل وكانت  [شبه] ميتة إلا أنه لم يفقد شيئا من شدة صرامته السابقة). وعندما سألناه بإتضاع عن كلمة وتعليم، وصرحنا [له] بأن الاشتياق إلى التعليم الروحي هو السبب الوحيد لمجئينا، تنهد بعمق وقال: أي تعليم يمكن أن أعلَّمكما [إياه]، أنا الذي أرخى وهن العمر من صرامتي السابقة، كما أفقدني أيضا الثقة في الكلام؟. لأنه كيف يمكنني أن أعلِّم ما لا أفعله، أو أعلِّم آخر بما أعرفه ولكن أمارسه الآن ببرودة وضعف؟. وبناء عليه، لا أسمح الآن لأي شاب بأن يعيش معي في هذا العمر المتقدم لئلا تفتر صرامته بسبب مثالي. لأن سلطة المعلِّم لن تكون أبدا قوية، ما لم يُثبّتها في قلب سامعه بالإنجاز الفعلي لواجبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق