دمياط من رحلة فانسليب |
النص التالي منسوخ من كتاب تاريخ دمياط منذ أقدم العصور تأليف نقولا يوسف (رابط)، الصفحات من 208 حتى 210. للاطلاع على الترجمة الانجليزية لرحلة فانسليب والجزء الخاص بدمياط من هذا الرابط الصفحات من 67 حتى 69، ويبدو لي أنه لم يترجم آخر جزء متعلق بدمياط في هذا النص، وسأرفقه في الأسفل بعد ترجمة المؤلف
مشاهدات الأب فانسليب بدمياط عام ١٦٧٢ :
وأبحر السائح الفرنسي الأب فانسليب من مرسيليا في ٢٠ مايو ١٦٧١م وبعد
جولة طويلة فى البحر المتوسط ، ركب سفينة من صيدا حملته ومن معه ومن معه إلى دمياط ،
فوصل إليها فى ١٨ مارس ١٦٧٢ وبارحها فى الثامن من أبريل ١٦٧٢ . ودون
مشاهداته فى كتاب رحلته ، المسمى : « قصة جديدة لرحلة بمصر فى عامي ١٦٧٢ —
١٦٧٣ » . . قال :
« وصلت دمياط ومكثت بها ، حيناً في المدينة وحيناً آخر في السفينة التي أقلتني
إلى هنا .. وأول ما يرى القادم من البحر إلى النيل عند مصب دمياط على الجانب الشرقي ،
قلعة قديمة صغيرة مهدمة ، يقول الأفرنج إن القديس لويس ملك فرنسا هو الذي
بناها يوم كان بهذه المدينة . وهى مربعة الشكل ذات أبراج أربعة مستديرة ونصف
مخربة ، وقد وضع عليها بعض المدافع لحماية البوغاز . وبها بعض الحراس
من العرب .
« وتوجد على بضع خطوات من هذه القلعة، على الشاطيء نفسه ، إذا صعدت في
النيل ، قرية فقيرة تسمى : ( عزبة البوغاز ) (۱) لوقوعها عند مصب النيل . ويسكن
هذه القرية ربابنة الجروم الذين يراقبون المراكب الداخلة والخارجة من مصب النهر ،
ويرشدونها إلى الطريق الشديد الخطر ، بسبب تراكم الرمال المتكاثرة في هذا الطريق .
ويرى فى هذة القرية أسس قلعة أخرى ذات شكل مربع لا تعلو جوانبها أكثر من
ثلاثة أو أربعة أذرع فقط ، ويدل مظهرها على أنها لم تكمل قط .
وتوجد أيضا ترعتان صناعيتان ممتلئتان بمياه النيل طول السنة لتمد الريف بماء
الري .
وعلى مسافة بضع مئات من الخطوات شمالي « قرية البوغاز » على الجانب الآخر
من النيل ، قلعة أخرى لحماية مصبه بحيث أن القلعتين اللتين تحميان الممر على هذا
النهر بدمياط ، لا تواجه أحداهما الأخرى .
وتقع دمياط — تلك المدينة الذائعة الصيت — على الجانب الشرقي للنيل ،
على مسافة ثمانية أميال من مصبه (٢) وتعد بعد القاهرة أعظم المدن المصرية وأجملها
وأغناها وأكثرها سكانا وأعظمها تجارة . لأن سهولة المتاجرة ، تجذب إلها عدداً
كبيراً من الناس من جميع بقاع البلاد التركية .
وهى مشيدة على النيل فى شكل هلال . وأمواج هذا النهر التي تغمر أسس
بيوتها القائمة على شاطئه ، وذلك العدد العظيم من المساجد الجميلة ، هذا إلى أسطول
المراكب والقوارب التى تسير فى الميناء ، تضفي على المدينة منظراً بهيجا جدا .
وليس بالمدينة أسوار ولا حصون ، ما خلا برج مستدير شامخ ، يقع عند طرف
المدينة الشمالي . وليس بهذا البرج حرس ولا خفر ولا مدفع .
وهى ذات تجارة عظيمة في التيل والأرز والبن والمنسوجات . وقيل لي أن نحواً من خمسمائة
سفية بين صغيرة وكبيرة ، تخرج سنويا من هذا الثغر محملة بالأرز فقط إلى
تركيا .
وتصنع هنا مقادير من الأقمشة الفائقة الحسن من كل الأنواع والألوان ،
وتصدر إلى الأقطار الأجنبية . كما يصنع هنا أيضا مقدار عظيم من البطارخ والسمك
البوري المملح مما تقدر قيمته تقديراً عاليا في كل أنحاء الشرق الأدنى .
ويحكم المدينة « أغا » يرسله الباشا ويسمى باللغة التركية « باشا أغاسي » أى أغا
الباشا . وعلاوة على ما يحصل عليه هذا الأغا من أرباح ، فأنه يفرض على كل حانة
( خان ) من حانات المشروبات الروحية عشر بارات فى اليوم . وفى المدينة عددٍ وافر
من هذه الحانات . وكذلك يأخذ من كل « كاراش » وهى السفينة الصغيرة خمس
بارات . . ومن المراكب الكبيرة ستاً وثلاثين أو أربعين عند خروجها من الميناء (٣)
هذا غير ما يتمادى فى ابتزازه من أشياء عرضية تبلغ مقداراً كبيراً كما هي عادة
الأتراك . فقد أخذ من سفينتنا فقط ستة براميل ملآى بالنبيذ القبرصي ، يحتوى كل
منها على ستة عيارات يسع كل عيار منها عشرين وعاء . ولو أن ذلك ليس من حقه .
وقد استطعت بصعوبة أن أخلص من يديه صندوقا من نبيذ قيسروان الفاخر !
أما الجنود وعلى الأخص الانكشارية فوقحون جداً . ولا يزيد عددهم على
المائتين . ويوجد من الفرسان غير النظاميين نحو عشرين فارساً .
والأغريق هم أكثر مسيحى المدينة عدداً . وهم نحو مائتي أسرة . ولهم كنيسة
هي مركز لأسقفية . ويوجد من القبط نحو ثماني أسر . وقد استولى الترك على
كنيستهم منذ سنة ، لأنه منذ سنة ، لأنهم لم يدفعوا لهم ضريبة معينة فرضوها عليهم .
« وليس ثمت أفرنج ( من الغرب ) يسكنون المدينة ، لأنهم يسعون إلى
المتاجرة . وهذا الثغر على مسافة من الأقطار المسيحية . ولهذا فهم يفضلون الأقامة
برشيد لأنها أقرب إلى بلادهم وأيسر ، غير أن هناك غرفة استأجرها الآباء من
فرنسيسكان الأرض المقدسة بدار البطريرك اليوناني وإن هي إلا بيت صغير لا
يصلح لوضاعته لايوائهم في ذهابهم وأيابهم بين أورشليم والقاهرة .
ومعظم الحركة التجارية في هذه المدينة بطريق البحر ، مقصورة على الأخشاب التي
ترد لاستعمالها في الوقود أو فى بناء البيوت وصنع السفن . فأن الخشب نادر جداً
بمصر لا سيما في داخل البلاد .
_____________________
(۱) هي عزبة البرج الحالية
(٢) المسافة الحالية نحو ١٥ كيلومترا أو تسعة أميال ونصف ميل
(٣) كانت « البارة » عملة رئيسية بمصر فى العهد التركي . ويقول المؤلف إن
الأربعين بارة تساوى في عصره « اكو » واحد من العملة الفرنسية الفضية
وكان يساوى ثلاثة ليفرات ( فرنكات حاليا ) . ويقول مترجم هذا الكتاب إلى
الانجليزية إن الأربعين بارة تساوى ( في القرن السابع عشر ) أربعة شلنات ونصف
شلن أى نحو ۲۲ قرشا بعملتنا . فتكون البارة فى عهدهم تساوى ستة مليمات بعملتنا
الحالية
تكملة الحديث عن دمياط من الترجمة الانجليزية ص 69، والجزء التالي من ترجمتي:
خلال إقامتي في هذه المدينة، قابلت قبطان سفينة قديمة، ماروني الديانة، أخبرني أنه بين هذه المدينة ومدينة البوغاز، يقل عمق نهر النيل كل عام؛ وأنه قد لاحظ منذ حوالي خمسة عشر عامًا أنه كان بعمق خمسة عشر ذراعا، ولكنه الآن بالكاد يصل إلى خمسة عشر قدمًا. وهذا بسبب الأرض، التي تأكلها المياه من جوانبها وتراكمها في المنتصف؛ وحوالي مصب النهر تنتهي الأرض. استنتج من هذا، أنه يخشى بسبب هذا أن السفن الكبيرة لن تستطيع يوما ما المرور في هذا النهر من المصب إلى دمياط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق