الأحد، 12 أبريل 2020

ذكر دمياط وشطا في كتاب سياحتنامه لأوليا جلبي

شارع البحر بدمياط
شارع البحر بدمياط



النصوص التالية منسوخة من موقع مكتبة الفكر، وهي من الجزء الثاني من كتاب: الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢، ترجمة الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون ومراجعة الدكتورة ماجدة مخلوف وإشراف وتقديم الدكتور محمد حرب وهي من طبع دار الآفاق العربية بالقاهرة عام 2006، الترقيم الدولي 1-126-344-944.


الفصل السابع والستون

بيان ما شاهدنا من قرى ومدن وقصبات
فى طريقنا من مصر إلى قلاع دمياط والبرلس وتينه

خرجنا أول الأمر من بولاق ووصلنا بعد ثلاثة أيام فى طريقنا إلى رشيد ، فوجدنا قبالة محلة الأمير ترعة عظيمة وهى ترعة البرلس ، فوصلنا : محلة عزبه وفيها سبعون أو ثمانون بيت كما أن فيها قبرا عاليا دفن فيه الشيخ على الكومى ، فتجاوزناها وعلى ضفة الترعة : عزبة الحج وتتألف من مائة وخمسين قرية ، وبالقرب من جامعها مدفن الشيخ قشاشى ، فتجاوزناها وفى الترعة سحب السفينة ملاحون من الضفتين فصادفتنا قرى تجاوزناها ، وتقدمنا فى طريقنا وكان بحر البرلس على يمنتنا وسدّت الترعة عند هذه المحلة إلا أنها تجرى فى بقعة أخرى فيها منبت للأرز ، فخرجنا من السفينة وركبنا سفنا فى بحيرة البرلس ، وعدنا إلى السفينة ، وهذه الترعة تجرى عشرون ميلا إلى جانب بحيرة البرلس ، ودخلنا إلى البحيرة وهى عظيمة طولها خمسون ميلا وعرضها ثمانون ميلا إلا أنها بحر ضحل وفيها قارب للصيد ، وفى نهاية بحيرة البرلس قلعتها ومن البوغاز يدخل إلى بحر واسع ، وفى جنوبها فى إقليم الغربية البحر ليس شديد العمق ، إنهم قدروا عمقه بقامة إنسان ، وفيه علامات حتى لا تسير فيه السفن لأن فى البحر نخيل فتمر السفن بين هذا النخيل ، وفيه السمك أنواع مختلفة ، وبين بحيرة البرلس والبحر الأبيض رأس صغيرة ، ومضيت فى البحيرة تدفعنا ريح تهب من الشمال الغربى إلى الشرق.

أوصاف قلعة البرلس القديمة

وهى بحيرة تقع فى إقليم دمياط، وتتبع إداريا لبك دمياط، تؤدى سبعين كيسا وللقلعة حاكم وذلك طبقا لقانون السلطان سليم ، وحاكم آخر وهو قاض ، ويتحصل له فى العام خمسة أكياس وفى ناحية منها سبعون قرية ، وفى ناحية أخرى بلدة بلطيم ، وقد بنى اسكندر اليونان قلعة البرلس ، وفى العام الحادى والعشرين للهجرة ، وفى خلافة عمر بن الخطاب كان عمرو بن العاص قائد جيش يتألف من ثمانين ألف رجل ، وقد وجد فى الفتح صعوبة وشدة ، وبينما وقف عاجزا اقتضت حكمة الله أن يشرف بالإسلام هاموك أوغلى حاكم البرلس. وبفضل منه تم الفتح للقلعة ، وعلى مر الأيام تخربت القلعة من تأثير تلاطم الأمواج بها وفى عام 923 ه‍ جدد بناءها السلطان سليم ، وهذه القلعة تحرس البحر إنها قلعة صغيرة مربعة ومحيطها خمسمائة خطوة ، وفى كل ركن من أركانها الأربعة قلعة خربة ، وبها باب حديدى يشرف على البحر وفى القلعة ثمانون جنديا ، وجامع بناه السلطان سليم ومنارته على باب القلعة وهى منارة صغيرة وتصل رمال البحر إلى القلعة الآن ، وهى تغرق من يوم إلى يوم ، وقد رأيت مواضع الهدم فى سورها وفيها أربعون مدفعا وعتادها قليل ورئيس طوبجية القلعة من اللاظ ، وفى جهاتها القبلية ثلاثمائة بيت وزاوية ، ومقهى ودكان خباز ، وليس فيها حمام ولا سوق ، إنها أرض رملية تغيب القدم فيها ولكن جوها لطيف إلى أبعد غاية ، والناس حولها ينعمون بتنسم النسيم العليل وبطيخ البرلس مشهور فى البلاد بجودته ، وفيه نوع يسمى البطيخ الماوى وهو ممتلئ فى جوفه بماء الورد ، وثمة نوع آخر من هذا البطيخ إذا شرب المريض ملئ فنجان منه تم الشفاء له من مرضه ، ومن يدمنون شرب الخمر يكرهونها وينصرفون عن شربها ، ويشربون من مائه ، ويخلطون ماء هذا البطيخ بملعقة من العسل ويشربونه شرابا لذة للشاربين ، ومن شرب قدحا من هذا الماء صاح قائلا آه يا برلس ، إنها خمر عجيبة وقد كتب داود الحكيم عن فوائد هذا البطيخ فى تذكرته ، كما أن سمك البرلس وتمره المخلل مشهور بالجودة إنه على شاطئ الجزيرة ، وفى الجانب الشرقى للقلعة وعلى بعد ثلاثمائة  قدم فى أرض ذات رمل ست آبار ماؤها عذب فرات ، وأهل البرلس قاطبة يحضرون ماء هذه الآبار ، وبالقرب من هذه الآبار ضريح الشيخ عيسى بن نجم بن إبراهيم الدسوقى ، إلا أن هذا الضريح غاص وسط الرمال وهو يزار ويرفع الزوار الرمال عن هذا الضريح ، ولكن لما آلت الولاية فى مصر إلى بولاد زاده أمر بنقل جثمانه جميع أهل رشيد ودمياط وسائر القرى والقصبات. وكانوا عدة آلاف كما جاء القاضى والأعيان والأشراف وتجمعوا وحملوا جثمانه وشاهد أولاده نقل جثمانه وسط ارتفاع الأصوات ب «لا إله إلا الله» ، وأطلق المريدون البخور مكبرين مهللين مما يذكر أن كفنه أبيض طاهر بعد مرور ستمائة وستة وثلاثون عاما عليه فى القبر فأخذ العجب مأخذه من الناس أجمعين ، وحمل تابوته إلى مرج مرتفع بالقرب من شاطئ البحيرة حيث دفنوه ، والآن بنى له ضريح عظيم وجامع وتكية ، وفضلا عن ذلك فإن للناس فيه عقيدة راسخة فلا يخلو صريحه ليل نهار من زوار ، كما يقام له مولد فى شهر شعبان من كل عام ويحتشد فيه مائة ألف إنسان ، ولله أحمد أن تيسرت لى زيارته ، وقرأت سورة يس على روحه رحمة الله عليه ، وقد نظمنا فيه شعرا ، بيد أن هذه الأشعار ضاعت بين أوراقى المتناثرة ، ومن أجل زيادة القلعة تسلمنا من صاحبها مائتا قرش وجوادا ومعنا أربعون من الرجال يحملون البنادق ، وحملنا مأكولاتنا ومشروباتنا ، ومضينا إلى ساحل الجانب الشرقى من بحيرة البرلس ، واجتزنا بأرض ذات نخيل وقرى معمورة.

أوصاف قصبة بلطيم

محلة تتألف من بيت معمور فى أرض رملية ، وهى التزام تتبع إقليم البرلس ، ويسمون صاحب البلدة الحاج بلبل ، وإنه رجل رفيع الشأن عامر القلب بالإيمان ، وفى ناحية البرلس ثلاثة جوامع ، وعلى ضفة البحيرة جامع كبير بناه السلطان منصور ، ويقال إنه مدفون فى ركن من حرم هذا الجامع ، ومساحة هذا الجامع مائة وخمسون خطوة وله منارة تحتانية ، وهو مبنى على خمسين عمودا ، وبها عشرة دكاكين ومقهى ، وليس فيها حمام ولا مدارس.

ضرائح قصبة بلطيم

فى جامع الشيخ أبى الفتح قبر دفن فيه هذا الشيخ ، وفى ركن من أركان حرم هذا الجامع قبر الشيخ فتح بن عبد العزيز ابن الشيخ عيسى بن نجم ، وقد سبق ذكر ذلك والشيخ عيسى وهو قطب عظيم له ما له من المناقب ، إنه صاحب كشف وكرامات وطريقته وهى الطريقة البرهانية ، وفى الجانب الشرقى لبلطيم وفى قبر صغير على ضفة البحيرة دفن الشيخ حسن الرفاعى ، وقد ظهرت له الكرامات ، وفى داخل المدينة على ربوة قبر الشيخ محمد العجمى وفى جانب البحيرة قبر الشيخ محمد البهلول ، وبالقرب منه قبر الشيخ علام الله ، وفى وسط المدينة قبر الشيخ أبو رواح الطويل قطب عظيم إلا أنه كان قصير القامة جدا ، وهو مدفون فى قبر صغير بالقرب من الشيخ محمد الخشوعى وقبره يزوره الخواص والعوام وجميع أهل البلد يتناقلون ذكر مناقبه إنه كان قطبا عظيما له منزلة السرى السقطى وإذا ما شرب المريض بذات الجنب ماء الورد بجانب قبره شفى هذا الشخص بإذن الله رحمة الله عليهم أجمعين ، وتجولنا نشاهد ما فى هذه المدينة ، وانعطفنا شرقا وبلغنا شاطئ البحيرة فى ثلاث ساعات ورأينا غابة من نخيل بين البحيرة وبين البحر الأبيض المتوسط ، واقتضت حكمة الله أن يكون لمصر تمر البرلس ، والنخلة من هذه النخلات سامقة تحمل عشرين عثكولا وتؤتى عشرين أقّة من التمر فهى محلة التمر بتمام المعنى. واجتزنا حتى بلغنا شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، واتجهنا فى إقليم الغربية فواجهنا صحراء مترامية الأطراف أشبه شىء بمتاهة ، وتسكنها فى الصيف قبيلة الحدية ، أما فى الشتاء فتسكن هذه القبيلة فى تلك الأرض ذات النخيل إنهم قوم لانت عريكتهم وحسنت طباعهم ولو لم يكونوا على هذه الصفة لما استطاع أحد أن يمر فى أرضهم ، ورأينا فى البحر سفينتين ، تتبادلان قذف المدافع وإطلاق البنادق فأغارت سفينة الكفار على الشاطئ ونزلوا منها ودخلوا على القرية ، ووصلت إليهم بخمسين فارس لمعونتهم وشددنا عليهم فتقهقروا وقد أمطرونا وابلا من الرصاص ، ولله الحمد أننا لم نصب بأذى فتنفس الصعداء كل من كانوا على شاطئ البحر ، وأقاموا المتاريس ، ولكن الكفار قذفوا وأطلقوا علينا مدفعا فرّقنا ، وحاول الكفار أن يحرقوا السفينة إلا أنهم أخفقوا ، ثم قدم من الصحراء سبعمائة أو ثمانمائة لنهب السفينة ، فحملوا ما فى السفينة وانتشروا بما حملوا فى الجبال ودامت تلك الحال إلى وقت الغروب ، وبعد المغرب أنار الكفار القناديل فى سفنهم ، وأطلقوا المدافع حتى منتصف الليل ، كما أطلقوا بنادقهم ، وفى نصف الليل أحرق الكفار السفينة ، فحزن كل من فى المحلة لذلك حزنا شديدا ، وبعد ذلك تقهقرت صفوف المغيرين ، أما الجرحى من المغيرين فقطعت رءوسهم ووضعت ناحية ، وقد هلل المسلمون لذلك وكبروا ، ولكن الكفار أطلقوا النار على المسلمين فما أصيب منهم أحد وبعد مطلع الفجر اشتدت الرياح ، فبسط الكفار قلوع سفينتهم ونفخوا الأبواق ، وعادوا أدراجهم بعد ما خسروا خسائر فادحة وخشينا وأحجمنا عن السير مخافة أن نتعرض لنهب العربان فبحثنا عمن جاء لنا من دمياط بمدد ولو ثلاثمائة رجل وخمسة وسبعين قاربا صغيرا ، ولم تصب هذه القوارب بأى ثقب ولله الحمد وقد سر الناس جميعا بمقدم هذه القوارب ، وعبروا عن ذلك بإطلاق المدافع ، ومضوا إلى ميناء دمياط، ومضينا إلى دمياط فى حمى من الجند ، وعبرنا نهر يمنى وهذا النهر يجرى إلى المحلة الكبرى ، إن نهر يمنى هذا نهر كبير مثل نهر النيل وهو يروى مئات المدن ، وفى هذه المحلة مصب النيل فى البحر الأبيض وتسير السفن فيه إلى حيث يخترق النيل بالقرب من سمنوط ونصف النيل يخلط ببحيرة البرلس بين البرلس ودمياط، ثم يجرى فى الصحراء من هناك وبعد خمس ساعات وباتجاه دمياط بلدة تسمى : السنانية وهى تقع على شاطئ النيل ، وبها ثلاثمائة بيت معمور وثلاثة جوامع ومقهى ، وكان فيها قلعة على عهد الكفار ، وآثار ميادينها ظاهرة ، وهى من أوقاف سنان باشا ، وفيها أقام دلاور بك قصرا ، وجميع أهل دمياط يصطافون فيها. وركبنا سفينة ، كما ركب الجند السفن وأطلقنا على أبراج الكفار بنادقنا وسررنا سرورا لا مزيد عليه ، وبلغنا الجمرك ، ودخلنا دمياط ، وكان اليوم عيد الأضحى ، وحررنا المحاضر وكتبت رسالة إلى والى مصر إبراهيم باشا.

أوصاف ميناء دمياط القديمة


أكثر المؤرخين الذين وصفوا هذه المدينة ، فى أصح الأقوال لهم ، أنه بعد طوفان نوح بنى هذه المدينة أحد أبناء أشمون بن مصرايم وكان اسمه دمياط ، ولذلك سميت هذه المدينة دمياط ، ومعنى دمياط بالسريانية قوة وقدرة ، أما فى التوراة فاسم دمياط أرلش ، وأما فى الزبور فاسمها الدردميه والبيطه وفراغه ، وفى الإنجيل اسمها الخضرة ، وفى العربية كذلك الدردميه ، وفى القبطية دمياط ، وبعد الهجرة بثلاثين عاما ، وبينما كان عمرو بن العاص واليا على مصر ، كان الأسود بن مقداد قائد ثلاثين ألف جندى ، فضرب الحصار على الملك هاموكى فى قلعة دمياط ، ودامت الحرب سبعة أشهر بتمامها ، إلا أن العرب يئسوا من فتح القلعة ، وكان للملك هاموكى ابن يسمى شيطا رأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام ، فهب من نومه فى التو ، فنزل من القلعة فى جوف الليل ، ومضى إلى الأسود بن مقداد وأعلن إسلامه ، ودله على المواضع التى يمكن الدخول منها إلى القلعة ، فمضى إليها معسكر الإسلام ففتحت لهم القلعة بأمر الله ـ تعالى ـ ، ووضع الملك هاموكى فى الأسر ، واعتنق الإسلام أيضا ابن آخر يسمى كوريجل ، وغنم المسلمون كل ما فى القلعة من نفائس ، وأصبحت على الدوام مدينة جميلة طاهرة ، وأرسلوا من غنائمها إلى عمر بن الخطاب ثلاثمائة صندوق من المال ، وبينما كان نور الدين الشهيد خليفة قدم الكفار الأسبان إلى دمياط بألف سفينة واستولوا عليها وسيطروا عليها سبعة أشهر ثم أرسل نور الدين الشهيد وزيره يوسف صلاح الدين على مائة ألف من الجند إلى دمياط وفتح القلعة وأعدم أسرى الكفار جميعا ، ثم عاد إلى دمشق مظفرا يحمل ما يحمل من غنائم ، وفى عام 921 استولى الفرنجة على دمياط ، وكان الظاهر بيبرس خليفة على مصر ففتح القلعة ، وأعمل القتل فى الفرنجة ، ومن بعده فتحها السلطان سليم الأول.

 إنها مدينة عظيمة من أقاليم مصر تقع فى الجانب الشرقى من النيل ، وهى الآن دار إسلام بيد إياس باشا ويعجز اللسان عن وصفها وهى سنجق لطيف فى إيالة مصر بمثابة الإقطاعية ، ويقدم حاكمها إلى ديوان مصر عشرة أكياس فى العام ، واثنى عشر كيسا من الغرامات ورسوم نقل البضائع والأسواق ، وفى مينائها سفينتان حربيتان يسافر بهما رئيس القبطان باشا وقد ألحق هذا الإقليم مدة من الزمان بإقليم رشيد ، وحينما يغادرها القبطان باشا مسافرا يقوم مقامه فى حكمها مائة رجل ، كما أن جمركها يحكمه حاكم من طرف الوالى وله أجر يومى قدره عشرة قروش ، كما يأخذ من كل سفينة قادمة أو غادية قرش واحد ولكل سفينة عشرة قناطير من الحطب ويتحصل من جمركها فى العام مائتان أو مائتان وخمسون ، لأن هذا النخل يتعرض للزيادة والنقصان من عام إلى عام ، ولها حاكم شرعى يحصل على ثلاثمائة أقجه كراتب شهريا ، واتفق أن نال عشرين أو ثلاثين كيسا ، وقد قدمت خمسمائة أقجه صدقة فى عدة أحيان.

 ويحكم المدينة نائبان الأول النائب الخارجى والثانى منوط به قضاء فارسكور ، وتحت حكم قاضى دمياط ست عشرة قرية لأن جوانبها الأربعة بحيرة ، أما قضاء فرسكور فحواليها قرى ، ويتحصل منها فى العام سبعة أكياس ولدمياط شيخ للإسلام على المذاهب الأربعة ونقيب للأشراف وقائد الانكشارية ، وعزب وأربعة فرق من الشوربجية ، وكثير من الأعيان والأشراف والعلماء والصلحاء والأئمة والخطباء والمشايخ والسادات والتجار ، وهم كثرة ، كما أن حفاظ القرآن لا يدخلون تحت حصر ولكن لا مكان لضرائح الجند بها. ويحرس هذه البقعة ثلاثمائة حارس فى كل ليلة.

إنها مدينة ذات مرفأ فيها الأمن وعلى شاطئ النيل فى الناحية القبلية هى جانب ريح الشمال إلى جامع المتبولى ألف ومائة خطوة وهو طول هذه المدينة وعرضها ثمانمائة خطوة ، وفى بعض الجوانب ستمائة خطوة ولا وجود لسور محيط بالقلعة من جهاتها الأربعة ، والحرس يحرسون فى كل ليلة وعلى شاطئ النيل قلعة صلاح الدين الأيوبى وفى طرفها رباط محاط بسور منخفض ، ومحيطه مائة خطوة ، وداخلها بيوت خربة وداخلها مخازن للغلال ، ومفتاحها فى يد صاحب القلعة وفى هذه المدينة حدائق وبيوت جميلة سطحها من الجص ولكن البيوت فى رشيد أجمل منها وبيوت دمياط مبنية بأحجار مختلفة الألوان ، وفيها إدارة شيخ البلد وأربعون محلة ومائة وخمسون محرابا ، وفى يوم الجمعة تتلى الخطبة ، وفيها كذلك مساجد ، وفيها جامع الفتحية وهو جامع كبير يستجاب فيه الدعاء ، وهذا الجامع كان فى الأصل كنيسة فى قديم الزمان ، وطوله تسعون خطوة وعرضه أربعون خطوة ، وفيه اثنان وتسعون عمودا ، وستة منهم من حجر الصوماق وكأنها من العقيق اليمنى ، ولا شبيه لهذه الأعمدة فى البحر كل عمود منها يساوى خزانة مصر ، وعلى هذه الأعمدة سقف حديدى مزخرف ، وفى أطراف حرمه أربعة وستون عمودا وهى من الرخام الذى يشبه البللور ، وفى حرمه سبيل وصهريج ماؤه عذب فرات ، وماء المطر يجتمع فيه وفى الحرم كذلك شجرة نبق وهى دوحة عظيمة وللجامع أربعة أبواب تطل على الحرم اثنان منها يفضيان إلى القبلة والآخران مفتوحان على الجهة الغربية ، ومحرابه يقع فى ركن منه ، لأن هذا الجامع كان فى الأصل ديرا لليونان ولذلك يسمونه جامع الفتحية محرابه قديم الطراز ومنبره من الخشب وعلى باب منبره تاريخ هو آية شريفة هى :

 (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : 18]،

 أنشأ هذا الجامع الحاج شمس الدين بن محمد الطرابلسى المعروف فى شهر رجب الفرد سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ، وله منارة من ثلاث طبقات وهى منارة جميلة ، وعلى باب قبلته تاريخ تعميره سنة 1083 ، وقد عمّره داور بك.

وأمام المحكمة فى وسط سوق مزدحم جامع البدرية ، وطوله مائة وخمسون خطوة وعرضه خمس وخمسون خطوة ، وله سقف يحمله خمسون عمودا من الرخام ، وفى وسط حرمه نخلة سامقة ، وهى تساوى منارته فى الطول ومنارته من ثلاث طبقات وهى مزخرفة جميلة ، وهذا الجامع تحتانى وله أربعة أبواب بابان للقبلة وبابان جانبيان ، وفى حرمه حوض ذو صنبور وعليه لوحة مكتوب فيها ، وفى أطرافه صنابير كتب على باب منبره :

 (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) [الصف : 13]. 

وعلى شاطئ النيل بالقرب من سوق الغلال جامع البحر ، وطوله وعرضه مائة وثمانون خطوة ، ويعلوه على أربعة وثمانين عمودا سقف ملون مزخرف بألوان مختلفة ، وله سبعة أبواب ومنارة من ثلاث طبقات.

وفى سوق الأرز جامع كبير بناه خواجه أمين الدين المعينى ، وله قبة عالية ويصعد إليه بسلم حجرى من ثمان درجات ، ولا يخلو من المصلين ليل نهار وكأنه جامع السلطان برقوق فى العادلية فى مصر ، خال من الأعمدة وعلى جوانبه الأربعة قباب تشبه طاق كسرى ووسط الجامع مكشوف ، مرصوف بالرخام وفى كل ركن من أركانه صفة عظيمة إنه جامع وسيع ومحرابه مزين بالأحجار الملونة ، ومنبره أيضا ، وجوامع دمياط فيها من جوامع الأقطاب أكثر مما فى رشيد ، كما أن فيها كثير من الزوايا.

ومن هذه الزوايا زاوية الأربعين فى السوق ، كما يوجد مسجد يسمى مسجد القبانى ، وقد بنى منذ فتح عمر لمصر ، وفى الجانب الأيمن حول هذه الزاوية دفن أربعون من الصحابة وإلى جانب صناديقهم خشب منجور كتب عليه بخط جلى هذا التاريخ :

 (برسم العبد الفقير إلى الله تعالى القاضى شهاب الدين سنة عشرين وثمانمائة).

وفى هذه المدينة سبع مدارس وإحدى عشرة تكية وثلاثمائة سبيل ومن هذه السبل سبيل رضوان چورباجى ، وهو فى الجمرك وقد بنى بالقيشانى ، وكواته من النحاس الأصفر ، ومشربته مقيدة بالسلاسل ، ومشاربه مجلوة ومذهبة ولما كان صاحب هذا السبيل على قيد الحياة كان فى يوم عاشوراء يتصدق على أرواح شهداء كربلاء بالعسل فى ثلاثة أيام وبالسكر فى ثلاثة أيام أخرى ، وقد أقيم على هذا السبيل مكتب للصبيان كأنه قصر عظيم وفيه ثلاثمائة صبى يتعلمون القراءة والكتابة ، وفى كل سنة يتسلمون راتبا ، وعلى كواته تاريخ هو

(حبذا هذا السبيل الذى ماءه كماء الحياة الذى أقامه إسماعيل رضوان سنة 1086).

وفى داخل السبيل كتب تاريخ كذلك على القيشانى ، وجاء فيه

 (بارك الله فى هذا السبيل فثمة ثمانون غيره).

كما يوجد أربعة حمامات وهى التى أقامها رضوان الشورباجى فى السوق

وثمة ثمانية عشر خانا أولها خان مصطفى شورباجى وخان الحرمين ، وخان مصطفى چلبى وخان الحويلية وخانان ل (بيرى چورباجى) ، خانان أيضا للأرناؤط. وخان بن راجح ، وخان عنبرى زاده وخانان لتكلى شورباجى ، وخان ذو الفقار كتخدا القديم ، وخان عباس وخان جعدى وخان بن فار المسمى صچان أوغلى ، وخان طيناويه ، وخان القفاصين ، وخان القاضى ، وعبد الرحمن باشا حينما كان متولى مصر بنى خانا على ضفة النيل كأنه القلعة بإذن من كورجى ذو الفقار كتخدا ، وقد جلبت جميع الأحجارالتى بنى منها هذا الخان من مصر ولا يوجد فى دمياط بناء من حجر ما عدا هذا الخان والجامع الكبير ، وله بابان وبه مائة حجرة .

كما يوجد اثنان وثلاثون مقهى فيها ، أما فى السوق فعدد المقاهى ست وهو خان كبير وفى حرمه حوض ذو نافورة ، وعلى جانبيه مقاه فيها عازفون ومداحون وراقصون

وفى هذه المدينة مائتان وستون شارعا وكلها شوارع واسعة نظيفة ، وفى أطرافها أسواق سلطانية ، وبها ألفان من الدكاكين ، كما أن بها ثلاثمائة طاحونة تديرها الخيول ، كما يوجد بها طواحين للزيت ، كما يوجد ستمائة مصنع ، كما أن فيها محلة لليهود ومحلة للقبط وسبع محلات للكفار ، كما يروح الفرنجة والأرمن ويغدون ولا وجود فيها لسفراء الفرنجة كما أن بها سبع كنائس وأربعون حانة وستمائة بيت

وبها مائة وأربعون مضربا للأرز لأن دمياط أرض الأرز ، أما الحبوب التى ترد من الصعيد غالية الثمن وبها ثلاثة آلاف مخزن وبها ثلاثة آلاف صياد يصيدون السمك من دمياط ويصدر السمك المملوح المكبوس والبطارخ من دمياط إلى بلاد الروم وإلى بلاد الفرنجة ، لأن هذه المدينة فيها أنواع كثيرة من السمك ، وفى إدارة شيخ هذه البلدة آلاف الموظفين وحمدا لله فليس فيها بيوت للدعارة كما هو الشأن فى باب اللوق ، كما أن النساء فى هذه المدينة لا يخرجن إلى السوق وعندهن أن الخروج للسوق عيب كبير ، وفى الليل توضع المصابيح فى المنازل ، والشرطة فى النهار قليلون وأكثر الناس فلاحون ، وهم كادحون قادرون على الكسب مقتدرون ، والأعيان يلبسون الجوخ والحرير ، والفقراء ومتوسطو الحال منهم يلبسون الثياب الملونة ، والنساء يضعن على رءوسهن قلانس من الذهب الأحمر والفضة كما أن النساء يضعن على وجوههن سود البراقع كما ينتعلن نعالا زرقا وإذا ما خرجت امرأة إلى الشارع نهارا قتلت كائنة من كانت ، ولكن يؤذن لهن فى السعى فى جنازة موتاهن من ذوى قرباهن.

إن أهل هذه المدينة أهل ذوق ، ويقام حفل زفاف مرة فى كل ليلة فيرتفع الضجيج

وفى أطراف هذه المدينة الأربعة ستة وستون من البساتين وحدائق رضوان ، ونور الليمون والسفرجل كثيف بحيث أن أحدا لو مر من بينها لتنسم شذاها ، وفى كل حديقة حوض وشادروان وحقيقة الأمر أن حدائق رضوان شورباجى وذو الفقار كتخدا كأنها حديقة إرم

 وجو هذه المدينة لطيف للغاية كما أن فتياتها وفتيانها غاية فى الحسن ، كما أن أهلها يحبون الغرباء ويكرمون وفادة الضيف ، وأهلها يتاجرون فى السمك والأرز والسكر وغير ذلك ، ويجرى إلى وسط المدينة خليج عظيم ينشعب من النيل وعلى جانبى المدينة قصور شامخة تطل على الخليج نوافذها ، كما أن بعض أصحاب هذه القصور يقفون فى النوافذ ويصيدون السمك كما أنهم يتصدقون على الفقراء كما أن الصبيان فيها يبتردون ويسبحون فى هذه الترعة ، ويتعانقون فى دعابة ، وفى هذا الجانب قصور جميلة شامخة متعددة الطبقات ، وأثناء فيضان النيل تتدفق مياهه إلى بعض هذه القصور ، وبعض المنازل فيها زوارق لمواجهة ذلك ويركبون فيها ليمضون بها إلى حيث يريدون ، وترسو هذه الزوارق عند السّفينة.

وفى الشمال من هذه المدينة على ربوة مقبرة وبرج مربع وهو برج مرتفع وفى زمان الكفار كانت جزيرة قبرص تبدو منه وإن كانت مشاهدة قبرص تمس الحاجة فيها إلى نظر جد حديد والأرز من أطيب المأكولات فى دمياط ، ويورد الأرز من دمياط إلى سلاطين آل عثمان ، وأرز المنزلة وفرسكور لا وجود لمثله فى العالم كما تشتهر دمياط بالسمك والبطارخ وإلى جانب ذلك الجميز والخبز الأبيض والحرير الملون والموز. وفى بوغاز دمياط قلعة تشبه قلعة رشيد ..

أوصاف قلعة دمياط العتيقة


بناها السلطان سليم الأول حين فتح مصر ، وقد فتحها الأسود بن المقداد حينما فتح عمرو بن العاص مصر ، ولم يبق أثر لهذه القلعة ، وهى الآن مبنى متين تقع عند التقاء النيل بالبحر الأبيض ، ومحيطها خمسمائة خطوة ، وعلى جوانبها الأربعة بروج ، ولها باب يطل على الجنوب ، وفيها جامع السلطان سليم ، وفيها رئيس من المتفرقة ، وطبقا للقانون ، وفيها مخزن للأسلحة ومدافع وأربعون قذيفة ، وخارجها فى الجانب الأيمن مدفع ، ولا وجود لمثله والله أعلم. وهذا المدفع يقذف قذيفة تزن أربعون أوقية ، ولا خندق حول هذه القلعة لأن الأرض حولها منخفضة وهى قريبة من الشاطئ ، وسورها منهدم فى كثير من المواضع ، وقد ركبنا قاربا ومضينا إلى حيث يلتقى النيل بالبحر ، وصليت ركعتين ورفعت إلى الله كف الدعاء ، ويقول علماء دمياط إن هذا الموضع هو الذى ذكر فى القرآن ب (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) (الرحمن 19) ، هو الذى التقى فيه موسى ـ عليه‌السلام ـ بالخضر ، ولكن ثمة جدال محتدم بين علماء رشيد فيما يتعلق بهذا الشأن ، ولكن جاء فى تفسير السيوطى أن مرج البحرين المراد بالبحر فيه البحر الأسود ، وبحر الخزر هو بحر كيلان ، وبعضهم يقول أنه بحر الأبواب ، وهو بحر ليس فيه مصب وهو ثلاثة أمثال البحر الأسود وهو بحر عظيم ، ومرج البحرين المراد بهذين البحرين : هما البحر الأبيض الذى هو بحر الروم الذى يختلط بالنيل ولذلك يسمى بوغاز دمياط مرج البحرين ، وبعضهم يذهب إلى أن بحرا كبيرا قد اختلط بنهر عظيم وهذا ما يسمى مرج البحرين ، أما لقاء الخضر بموسى ـ عليه‌السلام ـ فكان على شاطئ النيل ، وقد قدم الخضر فى سفينة ، وفى هذا الشأن وقع الخلاف بين علماء دمياط ورشيد ، أما قول علماء دمياط فهو القول الصحيح ، وركبت بعد ذلك مع حاكم القلعة قاربا وفى قبالة القلعة الشرقية القلعة الغربية.

أوصاف القلعة الغربية المقابلة للقلعة الشرقية

بناها فى عهد السلطان أحمد خان طواشى المتفرقة جعفر أغا حسبة لله ، أما قلعة عبد الصمد فهى المشهورة إنها قلعة صغيرة ، مستديرة ، على شاطئ النيل ، ومحيطها مائة خطوة وفيها برج متين ، وقد ضمت إليها من بعد قلعة طابيه وهى أيضا متينة الأركان وفيها خمسون مدفعا ، ولكن المدافع الكبيرة فى هذه القلعة ، وهى تطل على البوغاز ، ولها رئيسها وخمسون جنديا وعملهم هو صيد السمك والحمام والسّمان ، وتقع فى أرض رملية ولها باب على الجهة القبلية ، وفيها أربعون أو خمسون حجرة ، وليس فيها متزوج وكل من فيها من العزب ، وقد زرتها ووجدت أن عشرة من جنودها غير موجودين فسجلت أسماءهم وعرضتها على الباشا ومضيت إلى القلعة الشرقية من القلعة الغربية ودفعت أجرة انتقال عشرة قروش وركبت فى زورق إلى دمياط

بيان الأولياء الذين عرفناهم فى زيارتنا فى مقبرة دمياط

عندما بعث الملك هاموك ابنه الشيخ لفتح قلعة دمياط وأسلم على يد الشيخ شطا والأسود بن مقداد ، وبعد الفتح أمر الأسود بن مقداد الشيخ شطا بعشرة آلاف جندى وفتح قلعة شموم وقلعة البرلس وقلعة الدميره وفى العام نفسه حينما كان يفتح قلعة التينه أصيب بجرح وكلمة شطا شطا بمعنى قطعة قطعة ولذلك سمى الشيخ شطا ، جاء فى رواية أن شطا موضع فيه رمل كثير كثير، وذلك لأنه دفن فى أرض ذات رمل وقد مات شهيد حرب، وصعدت روحه الشريفة إلى بارئها، وقد نقل جثمان الأسود بن مقداد إلى دمياط ، ودفن فى ضريح على شاطئ بحيرة دمياط على مسيرة نصف ساعة من الجانب الشرقى إلى دمياط ، ولأنه استشهد فى الخامس عشر من شهر شعبان يقيمون له مولدا فى هذا اليوم ، ويأتى الناس من دمياط والقرى والقصبات الأخرى أربعون أو خمسون ألف رجل ويقيمون فى الخيام ويمكثون ثلاثة أيام بلياليها يزورون ضريحه ، ويأتى كذلك قائم مقام دمياط وأعيانها لزيارة هذا الضريح ويمكثون فى الخيمة ويمد سماط عظيم لمن ينعمون بأطايب الطعام ثلاثة أيام بلياليها ، وينفق على ذلك من مال مصر ، ويحاسب الوالى على تلك النفقات ، وهذا قانون قديم ، وضريح الشيخ شطا مربع الشكل وكأنه قلعة ومحيطه ثلاثمائة خطوة.

ويسكن فى هذا الضريح إمام ومؤذن وحارس القبور ، وبجانب الضريح زاوية ، وفى حرمه صهريج ، وفى كل عام يحمل الماء من النيل على ظهور الجمال لملء هذا الصهريج بالماء وإذا ما فاض منه الماء أصيبت الجمال بالجرب وإنها لحكمة عجيبة.

وجملة القول أن ثمة ضريحا عظيما يزوره الناس خواصهم وعوامهم ، وقد دفن فيه الشيخ أبو المداين والشيخ درغام
وفى جامع الشيخ متبولى دفن الشيخ متبولى والشيخ سيدى فاتح أبو العطا ، وبالقرب من جامع الفتحية ضريح ذى الجناحين ، وبالقرب من البوغاز ضريح بين الموجتين ، وبالقرب من المنظر بين الفرضين ، وفى حديقة فى شمال المدينة ضريح للشيخ جمال الدين المولوى وفيه سماع خانه من عدة غرف ومطبخ ، وأرضها كأنها الجنة إنها تكية للقلندرية وفيها المريدون ، وجميع أهل دمياط يأتون إلى هذه التكية لينعموا بالأنس والبهجة ، وفى ركن من أركان هذه الحديقة قبر لأحد صلحاء خراسان وهو مستجاب الدعوة وصاحب سجاده وله آلاف العشاق ، وبالقرب منه الشيخ سيد فتح الأسمر ، وبجواره الشيخ سيد أحمد ابن الشيخ عبد السلام ، وهو مدفون فى ضريح عال وبالقرب من السيد فتح ضريح الميدان الأخضر ، وبالقرب منه مقام الشهدا ، وبالقرب من خرط القنطرة رائد طريق الناس الشيخ أبو العباس ، وهو قطب عظيم ، ومزار صاحب الأديان وهو دار ضيافة للغادين والرائحين ، وفى داخل التكية ويسمون كل متعلقاته بالأسود وفى زاويته جمع كبير ، ولا ند للشيخ چلبى ، إنه شيخ صالح عابد زاهد يلبس العمامة السوداء ، وجميع المريدين فيها يلبسون السواد ويرفعون العلم العباسى الأسود ، وبالقرب من الشريف عثمان الشربازى والشيخ عباس والشيخ حسن الطويل وفى جامعه قبر الشيخ على العباسى وبالقرب منه الشيخ سيد محمد النعمانى وبجواره الشيخ كرمانى وبالقرب منه الشيخ على السقا وفى شمال جامع المتبولى على شاطئ النيل تكية فى حديقة كأنها حديقة إرم ، وفى وسطها قبر دفن فيه الشيخ على منيبط ، وهو قطب عظيم من زاره خمس مرات شفى من مرضه بإذن الله ، وعلى شاطئ النيل حدائق كأنها الجنات فى داخلها قصور وأحواض ، وأشجار يجلس الأصدقاء فى ظلالها ، إنها موضع يزوره أهل دمياط ويتنزهون فيه وبالقرب من هذه الحديقة الشيخ عبد الرحمن زلطى ، وبالقرب من مسجد الفتح الشيخ منياوى وبجواره سيد أحمد شناوى ، وهو من أقطاب الطريقة البرهانية وبجواره ستى الوالدة التى استشهدت حين الفتح ، وهى من النساء الصالحات ، ويجتمع عندما حشد من النساء فى كل يوم سبت لزيارتها ، وبالقرب منها الشيخة ست شامية ، وبالقرب منها الشيخ سيد أصيل ، وبالجوار منه سيد عبد الله الشريف ، وفى سوق اللبن الشيخ خثعم ، وفى سوق السمك الشيخ شانه ، وبالقرب من حمام رضوان الچورباجى الشيخ الخيشى وفى حارة المنشى الشيخ عمرو أبو العباس ، وبالقرب منه الشيخ العصفراتى والخيشى وبالقرب منه الشيخ أبو عصيبة وفى غيطان الشعراء سيدى محب الدين يقام له مولد عظيم كل عام.


وفى بلدة المنيا دفن الشيخ إبراهيم أكبر المنياوى ، وقرية المنيا بها مائتا بيت وحدائق وبساتين ونخيل ، وفى شهر رجب من كل عام يقام له مولد عظيم ، وفيه يحتشد خلق كثير ، والمريدون من جميع الطرق يقولون لا إله إلا الله ويقومون بالذكر فى الحدائق ولا يمنعهم أصحاب الحدائق من ذلك ، وبالقرب من الشيخ إبراهيم الشيخ مظلوم ، وعلى الطريق العام حديقة فيها تكية صغيرة بها قبر صغير دفن فيه الشيخ مظلوم ، ويقام له مولد كذلك فى منتصف شهر رجب ، وبالقرب من جامع المتبولى الشيخ مسلمى ، وبالقرب من حارة البركة الشيخ أبو الطيب ، وبجواره الشيخ على الحداد ، وفى حارة سيد أبو الفتح الشيخ أبو يوسف ، وجواره سيدى سعيد ، وفى قرب القنطرة الشيخ أبو النصر ، وعلى مقربة من المرقب السبع بنات وضريح الأربعين وفى السوق فى مسجد العتبانى ، وفى حارة المرقب الشيخ سلطان وإلى جواره سيدى على لويفه وفى جوار المنشية قبر الشيخ أبو قريبه وبالقرب منه الشيخ حمام وعلى مقربة من خان الشيخ رضوان الشيخ عبد الغنى وبالقرب منه الشيخ شرباصى ، وبالقرب منه الشيخ مفتاح وهو مدفون فى ضريح عظيم يقام له مولد عظيم كل عام ، وبالقرب منه الشيخ خطاب وبالقرب منه قبر الشيخ زندان وبالقرب منه قبر الشيخ شربازى ، وبالقرب منه قبر الشيخ محمد العراقى

وقبالة دمياط على شاطئ النيل سيدى الشيخ شديد ، وبالقرب منه سيدى عثمان الصياد ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ نفعنا الله ببركاتهم ، وثمة قبور صغيرة وكبيرة لغيرهم ذلك أن أهل دمياط محبون للأولياء ولا وجود فى رشيد لضرائح مثل ضرائحهم لأن هذه المدينة مدينة قديمة ، أما رشيد فأنشأت حديثا ، وقد غرق أهل رشيد القديمة فى كوم أفراح ولله أحمد أنى زرت ضرائح مائة ولى من أولياء الله فى دمياط وقرأت لكل ولى سورة يس وسورة الفاتحة واستمددت من أرواحهم العون لى ، ولكنى ذكرت هؤلاء الأقطاب فقط حتى لا يطول بى الكلام ، أما إذا شئت أن أعدد مناقب كل منهم لاستوجب ذلك منى مجلدا ضخما. ثم أرسل لنا الباشا فرقة من من يحملون البنادق وعددهم خمسون ، ومضينا مع عشرين ملاحا نحمل طعامنا وشرابنا من دمياط ، ووصلنا إلى حدائق الجانب الشرقى ، وتجولنا بها فوق صهوات جيادنا نصف ساعة ، ومضينا ثم انطلقنا إلى بحيرة تينة.

أوصاف قلعة تينة

مر بنا أن الشيخ شطا فتح قلعة تينة واستشهد فيها ، إنها قرية مربعة الشكل فى كاشفية حاكم العريش. ومحيطها خمسمائة خطوة. ولها باب تجاه القبلة ، وبها أربعون بيت صغير ، وجامع للسلطان سليم ، وثلاثون مدفعا ومخزن للذخيرة ، ورئيسها من المتفرقة ، كما أن بها مائة جندى ، وليس لها حدائق على شاطئ البحر بل أرض رملية ، ولا أمان فيها من اللصوص ، اللهم عافنا ، وقلّ الماء والخبز اللذان كنا نحتاج إليهما للمضى إلى دمياط وبحيرة المنزلة بحيرة كبيرة يصل طرفها القبلى إلى العريش ، وطرفها الغربى بدمياط والتزامها فى العام عشرة أحمال من الأقجة ، وبها أسماك جميلة الألوان. وفى هذه الليلة نزلنا ضيوفا على رئيس القلعة ورأينا جماعة من الناس نحلت أجسامهم يقتاتون بسمك بلا خبز ، ودفعنا عشرة قروش لمشاهدة القلعة ومضينا إلى ضريح الشيخ شطا ، وركبنا السفينة ووصلنا إلى نهاية البحيرة بعد ساعة ، وأرسلنا من قبلنا واحدا إلى دمياط فأحضر الخيل لنا فشاهدنا على الجانبين الحدائق المزهرة ، ودخلنا دمياط ، وأرسلنا إلى بيوتنا فى استانبول كثيرا من الأرز والعدس والقول والحمص ، وودعنا خليل شورباجى زاده ومحمد چلبى وأمثالهم. ونلنا من الباشا ثلاثمائة قرش وعشرين ثوبا منقوشا من ثياب دمياط ومائة منشفه ، وحملنا طعامنا وأسلحتنا فى سفينة وتوكلنا على الله ومضينا إلى الكنانة.


الفصل الثامن والستون

وفى رحلتنا إلى مصر فى سفينتنا شاهدنا على ضفتى النيل الحدائق المبهجة وخرجنا أولا من دمياط ومضينا مسافة قدرها ستون ميلا ومقابل دمياط أرض خالية سبخة ، ولا وجود فيها لعمران ولكن فى طرف دمياط حدائق من قصب السكر ، وفى هذه الديار يسمونها القرى وبيوتها أكواخ ولا وجود فيها لبيوت فخمة ، لأن فى أرضهم ينبت الأرز ، وأرضهم أرض مستنقعات ولا تحتمل بناءا ثقيلا ، ولا تروى فيها أرض الأرز ولكن فيها القمح وليس فيها فول ولا حبوب لأنها أرض ذات ماء والأرز ينبت على الدوام فى الماء يا له من مشهد عجيب. وفى هذه الأرض يفيض ماء النيل ولا ينقص وقد اجتزنا القرى التى فى أرض دمياط إلى فارسكور. 

أوصاف منزل فرسكور فى مدينة فارس القديمة

إنه منزل بناه الملك فرسكور بن مصرايم ، وقد عمر ألف سنة وملك مائة بلد ، وكان له مائة ألف فارس جوادهم أبلق وألف فارس جوادهم أشهب ، وهى إقليم التزام دمياط وقضاء يدر مائة وخمسون أقجه إلا أن هذا المبلغ يمنح غالبا لقضاة دمياط وفى هذه الناحية قرى تزرع الأرز فيها كلها ، وعلى ضفة النيل مدينة تبعد عنه مائتى خطوة وتقع على ربوة وبها ألف بيت وسبعة عشر محرابا وست منارات وثلاثمائة دكان ، وثلاث مقاه وحمام ، ولكنها تخلو من السوق والعمارات والمبرات والسبل والمدارس ، ولكن فيها ثلاثة خانات عظيمة ، ويقام فيها سوق مرة كل أسبوع ، ويتكسب أهلها من حياكة الثياب المنقوشة ولكل منهم طرز ، وبها ثلاثمائة دكان تقدم المال إلى الملتزم إنها مقر لمن يصنعون الثياب المنقوشة وأرز وثياب فرسكور واسعة الشهرة.

وتينه التى زرناها تقع شرق البحيرة المذكورة ، وجوها لطيف وبها كثير من النخل والحدائق ، وبين دمياط والنيل مدينة جميلة وفى قبالتها : كفر سليمان أغا فى إقليم الغربية وبها جامع ذو منارة وثلاثمائة بيت وتجاهها فى إقليم الشرقية : بلدة شرباز وبها مائة بيت وجامع ومنارة وقرى معمورة ، وفيها قبر دفن فيه الشيخ شرباز ، وبهذه المحلة تتم حدود دمياط ، وهى تحت حكم حاكم الشرقية وقبالتها فى أرض الغربية : بلدة ميت أبو غالب وبها جامع ذو منارة ومائة وخمسون بيتا ومقهى ، وعند هذه المحلة يتعرج النيل تارة ذات اليمين وتارة ذات اليسار وقبالتها فى أرض الشرقية : بلدة رأس الخليج وهى التزام ، وبها ثلاثمائة بيت ، وبها جامعان ، ووكالتان ومقهى وستة دكاكين ، وقد دفن فيها الشيخ غزوان ، والشيخ حسن أبو تقى الدين ، والشيخ محمد عجمى وعلى بعد عشرين ميلا جنوبها وفى إقليم الشرقية : بلدة ميت أبو عبد الله ويسمون القرية ميت وهى التزام وبها مائة بيت وجامع ذو منارة ، وتجاهها فى أرض الغربية : بلدة طهريه وبها مائة وخمسون بيتا وجامع وقبالتها فى أرض الشرقية : بوشاط وعدد بيوتها مائتان ، وبها جامع ذو منارة. وفى المقابل منها فى أرض الغربية : بلدة دنجى وبها جامع وفى جانب المنصورة بلدة أبادان.

أوصاف محلة مشاق

إنها التزام الكتخدا القونداقجى مصطفى وبها ستمائة بيت وجامع ومقهى ووكالة ، وفيها أسواق صغيرة ، ولا وجود فيها لحمام ولا سبيل ، وتجاهها فى أرض الغربية : مدينة المنصورة وهى فى الجانب الشرقى ، وقد عبرنا إليها ، وتجاوزناها خمسين ميلا وبلغنا مدينة سرسه.

ومن الجزء الأول:


مسار رحلة أوليا جلبي في مصر ، كما وردت في رحلته

القاهرة ـ شبرا ـ بطن البقر ـ قنطرة الملك الطاهر ـ مصر خيم ـ عفريت ـ تفاحية ـ مبهوم ـ شبرتين ـ زفتي ـ ميت غمر ـ سرسنه ـ منوف ـ سرسنه ـ طوخ النصارى ـ طنطا ـ محلة مرحوم ـ ايبار ـ نهاريه ـ بلدة القبيلة ـ بلدة الفرزدق ـ محلة صال (محلة قلبية) ـ محلة أبوعلى ـ بلدة المجنون ـ دسوق ـ مرقص ـ رحمانية ـ داودية ـ سنهور ـ دمنهور ـ حوش عيسى ـ مدينة العقّاب ـ دمنهور ـ جبل قاسم بك ـ بصطيره ـ رزقون ـ زاوية الجنزال ـ ناصرية ـ سنتاويه ـ برسك ـ نحل ـ أبو خضر ـ قراوي ـ قافلة ـ دشوش ـ بركه ـ رويجب ـ لقون ـ بركه ـ جريون ـ مولّضفي ـ اقريش البستلقون البيضا ـ جنان ـ الإسكندرية ـ أبو قير ـ ادكو ـ رشيد ـ الإسكندرية ـ عزبة المغدي ـ هدية ـ محلة الأمير ـ برمبال ديّه ـ ادفينا ـ محلة مطوبس ـ جمشيره ـ فزاده ـ ديروط ـ سنديان ـ عاطف ـ فوه ـ شرف ـ شرمباي ـ مالك ـ شموخزاد رحمانية ـ إبراهيم الدسوقي ـ أبو على ـ مركز ـ دية البير ـ شبراخيش ـ شبريش ـ ميت جناح ـ كفر جديد ـ نقله ـ فرزدق ـ اشلميه ـ طاهريه ـ كفر الزيات ـ شبوج ـ سلمون ـ كفر النحا ـ كفر جديد ـ أبو أحمد ـ البحيرة ـ زايره ـ طنوب ـ طيرنه ـ علقمة أبو الجاوي ـ طماليه ـ جزي ـ طراره ـ زاويّة ـ أبو نشانه ـ إشمون جريس ـ كفر شركس ـ قوطه ـ أم دينار ـ شيراوي ـ دراري ـ بارودخانه ـ شبرا ـ الورّاق ـ امبابة ـ بولاق ـ العزبه ـ عزبة الحاج ـ البرلس ـ بلطيم ـ السنانية ـ دمياط ـ تينه ـ فرص فارسكور ـ كفر السليمانية ـ شرباص ـ ميت أبو غالب ـ رأس الخليج ـ أبو عبد الله ـ طهربة ـ بشاط ـ دنجي ـ مساط ـ شربين ـ بدوي ـ بترا ـ درمبال ـ دياسط ـ خياريه ـ قاش ـ المنصورة ـ المنزله ـ طلخا ـ الشيخ رمضان ـ ميت خميس ـ ميت الغرقي ـ ميت ويش ـ ميت عساس ـ ميت نورسي ـ ميت المنيا ـ سمنهود ـ أبو على قيطاس ـ أغا ـ محلة الكبير (المحلة الكبرى) ـ سمنود ـ أبو الحارث ـ أبو صير ـ ميت برقع ـ بريه ـ المنظره ـ ميت بدر ـ ميت دمسيس ـ ميت أنسا ـ سنباط ـ شرنجي ـ دنهور ـ غمار ـ رفتي ـ المعصرة ـ غريب ـ صهريج ـ مسيد ـ صيد ـ عز ـ هارون ـ صفين ـ تغني ـ سندي ـ بريّ ـ أشمون ـ مويش ـ ملاو ـ بنها ـ بطاي ـ رمبلي ـ أبو الطوافتي ـ العطار ـ سيدي ـ خصر ـ عطف ـ طخلا (طلخا) ـ جوخ (طوخ) ـ عفيف ـ طنط ـ برشمس ـ برسوم ـ أبو شعره ـ قليوبية ـ شبرا ـ شروي ـ شبرا ـ القاهرة ـ البساتين ـ المعدية ـ محنط ـ قهوه خانه ـ دلي حسين باشا ـ الزاوية ـ كوم الدير ـ ميمونه بني سويف ـ الفشن ـ أبو جرجو ـ كليس (قيس) ـ سمنود سعيد ـ المنيا أشمونين ـ ملاوي ـ دار شيد ـ صنبو ـ منفلوط ـ أسيوط ـ شطوب ـ جبل الطير (طيلمان) ـ أبوتيج ـ الشيخ بن عابد ـ طما ـ الجزيرة ـ سوهاج ـ المنشية ـ جرجا ـ خالد ـ جمادي ـ مزار ـ بلابيش ـ فوحة على ـ قنا ـ القصير ـ أنبوت ـ قوص ـ شمونين ـ طوت ـ شفارس ـ أم على ـ حجيزه ردسي ـ شبيكه ـ سلسلة ـ إدفو ـ ـ كوم سياه ـ كوم امبو ـ سنباص ـ أسوان ـ الشلال الأول ـ علوي ـ باب النوبه ـ قلعة إبريب ـ كنوزين ـ مهريه ـ كلابشه ـ أبو خور ـ سنيال ـ قشطامينه ـ كورد ـ وادي العرب ـ أزرق ـ إبريم ـ وادي حلفا ـ إبريم ـ سبوع ـ كنوز ـ طمانيس ـ رقبه ـ كرخ عرباني ـ حمام فرعون ـ باجه ـ إدفو ـ حجيزه ـ جعفري ـ كلخ ـ فرشوط ـ سمنهو ـ برديس ـ أسيوط ـ هركه ـ قلمون ـ ألواح ـ البهنسا ـ لاحون ـ الهوارة ـ الفيوم ـ كاميا ـ خان القهوة ـ أطفيح ـ الجيزة ـ القاهرة ـ الإسكندرية ـ القاهرة ـ سبيل علام ـ المطرية ـ عين شمس الخانكة ـ مشيره ـ دراعم بابيس ـ رني ـ قرين ـ ستاره ـ الصالحية ـ قرين ـ على ـ القاهرة ـ الإسكندرية.

المواضع المذكور فيها دمياط في الجزء الأول

من الأرز و () (١) قنطارا من السكر و () (٢) وسبعين رزمة من البن و () (٣) أردب من العدس ، وذلك من مدن دمياط وفراسكور ورشيد ، وينزلون هذا إلى ميناء رشيد وتحمل فى زوارق وتوضع فى المخازن بمدينة الإسكندرية ، وعلى ذلك الأمير إرسال هذا كله إلى الأستانة فى أيام مناسبة. 

وبعد ذلك قضاء دمياط ويحصّل ثلاثين كيسا. ثم قضاء مزاحمتين.

إلا أن قضاة مصر ممن تولوا القضاء فى المحاكم الست العليا مثل الغربية ودمياط ورشيد واسكندرية والمنصورة يمنحون منصب المولوية فى الأناضول والروملى وذلك بناء على قانون السلطان سليم. وتنتهى مناصبهم فى مصر إلا أنهم شبكة عظيمة.

سكن السلطان سليم عليه الرحمة والغفران مدينة مصر ودمياط ورشيد والإسكندرية تسعة أشهر بتمامها. وقد ذكرنا هذا آنفا على ما ينبغى أن يكون. وتحدثنا عن الجند والعلماء والصلحاء وذلك طبق قانون السلطان سليم فى كل تفاصيله. وقد ضيف العلماء وكبار أولياء الله وأحسن إليهم ، وشرف بدعائهم له وسمح لهم بالسفر إلى بلاد الترك ، كما زار أضرحة الأولياء. وأمر بختم القرآن الكريم مائة مرة فى مشهد الإمام الحسين فى يوم واحد. وكان يطلب المدد من أرواح جميع الأنبياء والأولياء.

وداخل هذه المخازن () (١) مائة ألف أردب من القمح ، و () (٢) مائة ألف أردب من البقول و () (٣) مائة ألف أردب من الشعير ، وهذه الغلال ترد من صعيد مصر العالى (أى جرجا) ، ولا ترد مصر حبة قمح واحدة من رشيد ودمياط لأن إنتاجها من القمح لا يكفيها لأن محاصيلهم هى القصب والحناء والقطن والكتان والأرز أما الغلال فهى قليلة.وجملة القول أن مصر أم الدنيا هى ولاة الصعيد العالى ، فهى أم مصر التى تطعمها. وهذه الغلال المذكورة محسوبة إلى خزانتين مصريتين لصالح السلطان.

أهم المدن الواقعة على فرع دمياط

أولا مدينة ميت غمر فى كشوفية المنصورة ، وقبالتها قصبة زفته فى أرض الغربية ، ومدينة المنصورة شرق النيل ، وقصبة سمنود فى الغربية ، ومدينة فراسكور شرق مدينة المنصورة ، ثم مدينة دمياط وهى ميناء عظيم فى الجهة الشرقية من ضفة النيل. ثم يبلغ النيل موضعا يسمى «مرج البحرين» حيث يصب فى البحر الأبيض وتختلط مياههما.المدن التى يمربها فرع دمياط بعد تفرعه من «بطن البقر»أولها محلة طنوب ، ومحلة بشير ، ومحلة أبى على ، وتقع هذه القرى فى أرض الغربية وكذلك محلة مالك ، ومحلة مطوبس ، ومحلة الأمير على ، ومدينة رشيد التى تقع فى أرض البحيرة. ويعبر النيل رشيد وتختلط مياهه بالبحر الأبيض فى الموضع الذى يسمى «مرج البحرين».وهذه المدن السالف ذكرها تقع على جانبى نهر النيل وعددها مائة وستون مدينة. وحتى قلعة صاى وبمسيرة ثلاثة أشهر تقع ألف وثمانمائة قرية معمورة جميلة ، أما عدد القرى الواقعة على ضفتى النيل فالله أعلم بعددها الحقيقى.وبحساب الفرسخ فإن طول النيل من منبعه حتى مصبه فى البحر الأبيض يبلغ ثلاثة آلاف فرسخ.

أما المناطق المستبحرة العمران فتمتد من قلعة الصاى ومدينة در وقلعة إبريم وولاية الشلال ، وأسوان ، وإسنا ، ومدينة قوص ، ومدينة قنا ، وتوره ، وجرجا وبقية المدن سالفة الذكر حتى مدينة القاهرة ومدن دمياط ورشيد. وهذه المدن جميعا واقعة على ضفتى نهر النيل.وقد وردت أماكن العمران فى مصر وتضاريسها برا وبحرا فى كتب الهيئة لبابا مونطه وأطلس ومينور وفى تواريخ الخطط.

طائفة بائعى الصوبية :لهم () (٢) دكانا ، يعمل بها ٧٠ بائعا ، وما يطلقون عليه فى مصر اسم «الصوبية» بوزة كاللبن يصنعونها من أرز دمياط وفراسكور والمنزلة ، ويوضع فيها القرفة والقرنفل والجوز وتحلى بالسكر. ومنها نشوة خفيفة ودفىء ، وتبعث فى الجسم القوة والعافية ، وتلطف حرارة الجسم.

الفصل الثانى والعشرون

فى بيان أحوال الطعام والشراب الذاهبة إلى المطبخ السلطانى ومخزن الطعام والشراب الخاص عند تحصيل هذا المال السلطانى لا يسير موكب للجنود المصريين إلا أن وزير الأمراء المصريين يقوم بإلباس أمير مخزن الطعام والشراب السلطانى خلعة. ولا يؤمر أى شخص بهذا سوى أمين مخزن الطعام والشراب السلطانى ومعه خمسمائة رجل يقومون بتحصيل المأكولات من قضاء فرسكور ومدينة المنزلة وبندر دمياط وقضاء برميجال وبندر رشيد ، حيث يقومون بإحضار مائة ألف أردب أرز خمس مرات من الأماكن التى يجمع فيها الأرز والشعير ، وألفى قفص سكرى وعمادى ، وثلاثمائة فرد من القهوة ومائتى ألف أردب عدس ومائتى ألف أردب حمص ومائة حفنة من الحنة وخمسمائة زنبيل تمر ناضج وسائر المأكولات.

سياحتنامه مصر

النص التالي من نفس الكتاب "سياحتنامه مصر"، من ترجمة محمد علي عوني، تحقيق الدكتور عبد الوهاب عزام والدكتور أحمد السعيد سليمان ، تقديم ومراجعة الدكتور أحمد فؤاد متولي،  طبعة دار الكتب والوثائق القومية عام 2016، ترقيم دولي  5-1239-18-977-978 ، المجلد العاشر ص 183

الفصل الرابع عشرفي سفر السلطان سليم إلى جهات دمياط ورشيد والإسكندرية


لما جاء الأسطول الهمايوني المؤلف من مائتي قطعة من السفن الحربية وألقى
مراسيه في بولاق مصر ناشرا أعلام الزينة والفرح ومعالم السرور على ساريات سفنه عمد
السلطان إليها وأركبها عشرة آلاف من الجنود المنتخبين بالمجهزين بالأسلحة الكافية
وتوجه معهم إلى "دمياط" بعد أن أطلق المدافع والبنادق أثناء مغادرته بولاق وسار في
النيل مارا بمائتي بلدة ومدينة واقعة على فرع النيل الذي تقع عليه دمياط حتى وصل
بندر دمياط وقلعتها مسافة خمسمائة ميل. وضرب خيمته العالية بجوار الشيخ أبي الفتح
حيث قدمت له زهاء عشر خزائن مصرية هدايا وتحف من أعيان المنطقة فقابل السلطان
ذلك بتوزيع الحلوى والكساوي والهدايا والإنعامات عليهم وعلى الناس. ثم أطلقت المدافع
والبنادق إيذانا بالفرح والسرور إعلاما بالرحيل، من القلعة المذكور إلى (مرج البحرين)
حيث اغتسل به فقصد المكان الذي التقى به موسى والخضر عليهما السلام وزاره وصلى
به ثم عاد إلى المدينة مرة أخرى وشرع في زيارة الشيخ شطا وسائر كبار الأولياء مستمدا
من روحانياهم القوة والمدد. وبعد ذلك استأنف السير عن طريق البحر المالح إلى مدينة
رشيد فوصلها بعد يوم كامل فقوبل بالتجلة والإكرام والتهليل وإطلاق المدافع من قلعة
التينة الواقعة على شاطيء البحر. وما أن استقر به المقام حتى تقدم أعيان البلد بهداياهم
وتحفهم مسلمين مفاتيح القلعة للسدة الملكية. وقد قام السلطان بعد ذلك بزيارة (كوم
الأفراح) وكبار أولياء الله، كما أنه دخل حمام عباد الله واغتسل به ولازالت المقصورة
التي اختصها بالاغتسال بذلك الحمام موجود وهي مقفلة لا تفتح إلا للمرضى الذين
يقصدونها للاستشفاء، فيجدون الشفاء بإذن الله، ومن هنا ركب السلطان الزوارق
والمراكب الخاصة وقصد ملتقى بحر رشيد والبحر المالح وشرب من مائه الصافي ثم
واصل السير والسفر حتى دخل قلعة الإسكندرية الواقعة على مسيرة ستين ميلا، ولم
يكد يدخلها حتى شرعت سفن الأسطول العثماني المؤلف من سبعمائة قطعة مختلفة
الحجم، والحصون الخمسة التي بها تطلق نيران مدافعها وطلقاتها المدوية، إيذانا بقدوم
السلطان سليم؛ بحيث ظهرت الإسكندرية كأنها شعلة نار أو أنها "سمندل" في نار
نمرود. وقد أقام السلطان سرادقه العظيم فيما بين المينائين من الأرض وقابل بها أعيان

في النص التركي، شيخ شطا تكتب هكذا "Şeyh Şata".
اضغط هنا لمشاهدة نتائج البحث عن شيخ شطا في النص التركي من موقع أرشيف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق