الاعمال الابوانية ومدينة دمياط وأعمالها وتنيس وبحيرتها
ابوان وتونه سلوهه سمناوه بهرمس برمابه بشفا وبوره ومناها وشطا ودبقو وقيل دبيق
عبرتهم قديما خمسة آلاف دينار وهم الآن خراب داثر داخل البحيرة (وأما تنيس) فهي
مدينة قديمة وهي بكسر التاء المثناة من فوقها وكسر النون المشددة والياء المنقوطة باثنتين من
تحت والسين المهملة وسميت باسم تنيس بن حام بن نوح وقيل تنيس أخو دمياط وهي من
كورة الريف خرج منها جماعة من الفضلاء والعلماء والمحدثين والادباء وهي مدينة في جزيرة
في وسط بحيرة تعرف ببحيرة تنيس ولا زرع بها وهي الآن خراب داثر وتنيس مدينتان الاولى
والثانية فالاولى بنيت في زمن فيلمون بن اتريب وكان ينسج بها القماش الفاخر ومنها يسفر الى
سائر الارض ثم ان البحر غرقها فصارت بحيرة يصاد منها السمك وكان أوّلا بينها وبين البحر مدا
بعيدا وكان حولها الزروع والشجر والكروم والقرى ومعاصر الخمر وعمارتها لم يكن على
ضفة البحر أحسن منها وبنى فليمون في سطها مجالس وعمر عليها قباب وزينت بأحسن الزينة
وكان اذا جرى النيل انتقل اليها فأقام بها الى النوروز وكان له بها أمناء يقسمون المياه ويعطون
كل قرية قسطها وكان عليها وعلى قراها حصن يدور بقناطر وكان بعد ذلك كل ملك يأتي يأمر
بعمارتها ولزيادة فيها ويجعلها له منتزها وقال بعض العلماء أهل تنيس سادة المرابطين لانهم
في جزيرة محاصرين لا زرع ولا ضرع ويقال تنيس بعيدة الفتن قليلة المحن من كادها بسوء
عاد كيده في نحره قبل بلوغ ارادته وقال بعضهم أهل تنيس أطول أهل مصر أعمارا ويقال
أهل تنيس اذكا الناس صغارا وأوظبهم على فعل الخير كبارا وقال بعضهم تنيس حسرة
في قلوب الملوك وقال أبو خرزاد تنيس شجرة مثمرة بين شوك مؤلم وتنيس مخصوصة برقة الهواء
وقلة الغبار ونضارة وجوه أهلها وحسن زيهم ولطافة صناعتهم ويقال ان الجنتين التين
ذكرهما الله تعالى * العزيز في سورة الكهف كانا بها فلما افتخر عليه أخوه بكثرة المال والولد
أمر الله البحر فركبها وغرّقها جميعا وذلك وقد مضى لدقلطيانوس من ملكه مائتان وخمسون
سنة قبل أن يفتح المسلمون مصر بمائة عام وأما القرى التي كانت على الارتفاع من الارض
فبقيت منها تونه وسمناوه وهما اليوم كومان والماء محيط بهما وصاروا أهل هذه القرى وهم
عامرين ينقلون موتاهم الى تنيس واحدا فوق واحد وهي الآن هذه الاكوام الثلاثة التي تسمى
أبا الكرم قال العزيزي ومقدا بحيرة تنيس اقلاع يوم في نصف يوم وقال الحافظ جمال الدين
اليغموري وبتنيس ودمياط يعمل القماش الرفيع وان كانت شطا ودبيق ودميره وتونه
وما قاربهم من تلك الجزائر يعمل بها الرفيع من القماش وليس ذلك يقارب التنيسي والدمياطي
والشطوي وكان يحمل منها في كل سنة ما قيمته عشرون ألف دينارا الى ثلاثون ألف دينار تجهز
الى العراق فاستأصل ذلك الوزير أبو الفرج يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله العلوي العبيدي
بالنوائب ومازالت تنيس الثانية عامرة الى أن خربها السلطان الملك الكامل محمد بن ابي بكر بن
أيوب في شوال سنة أربع وعشرين وستمائة خوفا أن يملكوها الفرنج وكانت هذه البحيرة اذا مدّ
النيل في الصيف عذب مائرها واذا جزر في الشتاء ملح لان تهب الرياح الشمالية في الخريق فيدخل
ماء البحر اليها فتملح وقراها مثل الجزائر في وسط الماء ولا طريق الى واحدة منهم الا بالسفن قال
صاحب كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق وكان بمدينة تنيس ودمياط* يتخذ رفيع الثياب
من الشرب والمقصبات والتنيسي والدبيقي الذي ليس في جميع الارض ما يدانيها في الحسن
والقيمة وبما بلغ الثوب الواحد من ثيابها اذا كان مذهبا ألف دينار ونحو ذلك وما لم يكن فيه
يساوي المائة دينار والمائتين ونحوها وأصولها من الكتان وبحيرتها قليلة العمق يسار فيها بالمعادي
وتلتقي السفينتان فتتجانب احداهما الاخرى هذه صاعدة وهذه نازلة بريح واحدة وكلاهما
مملوءة القلاع بالريح وسيرهما في السرعة سواء قال والفقهاء والفلاسفة مجمعون على أنّ هذه
البحيرة اذا عذبت كانت أطيب المياه غذاء وأصحها هواء وأمرعها اهضاما لان النيل نهاية مدّه
الى هذه البحيرة لان ماءه ينصب اليها وهي مالحة وتهب عليها الرياح العواصف أحيانا فتذهب
غثاءه وما يجري معه من السواحل والاراضي فيذهب ويبقى ماء هذه البحيرة صافيا في أرض نقية
سليمة من الشوائب فيملؤن منها صهاريجهم ويقضون منها مآربهم وحوائجهم ستة أشهر
ثم يغلب الماء المالح عليها فيسترفق بما قد دخر من الماء فتبارك باعث ذلك ومجريه (والبحيرة)
المعروفة ببحيرة دمياط وهي بحيرة بني شبل وهي المجاورة للبحر الملح وكانت مقطعة قديما بما مبلغه
ستمائة دينار وما بها الا ساحل البحر وهي الآن استولى عليها البحر المالح والسافي (الجزيرة
المجاورة) للبحر المالح وهي الآن قصب غاب
(مدينة دمياط وضواحيها)
دمياط مدينة كانت مسورة مبنية على ضفة البحر الشامي من الجهة الشرقية بنيت في زمن فليمون
ابن اتريب على اسم غلام كانت أمّه ساحرة لفيلمون ودراع النيل ينصب اليها من الدراع النازل الى
مدينة تنيس وقد ورد في فضل دمياط ما روي عن المقداد بن الاسود الكندري الصحابي رضي الله عنه
قال * سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قال قلنا يا رسول الله على من تسلم قال على من محضته الطهارة من المرابطين بدمياط قال قلنا
يا رسول الله ودمياط بلد له قدر قال اللهم ارزقهم بركة عن يمين وشمال هم في ذمة الله ما دامت
الدنيا ليس لهم عدوّ الا علج أو علجه قال قلنا يا رسول الله أيما الافضل الرباط بعسقلان
أو بالاسكندرية أو بدمياط فقال النبي صلى الله عليه وسلم بدمياط أتدري يا ابن عباس لم سميت
دمياط قلنا الله ورسوله أعلم قال لان ادريس عليه السلام لما نزلت عليه الصحف كان أوّل
ما أنزل الله فيها أنا الله ذو الجبروت أنا مدبر المدبرين بأمري وصنعي أجمع بين العذب والمالح
والثلج والنار كل ذلك بعلمي ليتم بذلك الدال والميم والطاء وقال أبو الحسن الكرخي هي بالسريانية
دمط ومعناه قدرتي وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفتح لكم ثغر هو بلد
القدرة يسكن فيه الاوّلون من أمّتي رباط ليلة فيه خير من عبادة ألف شهر هو بلد القدرة
للمحتسب فيه نفسه قال أنس يا رسول الله وما بلد القدرة قال بلد الدال والميم والطاء وبهذا
الاسناد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ستفتح على أمّتي مصر الا فالزموا المدينة البيضاء
على شاطئ البحر تسمى دمياط المقبور فيها كالشهيد والراكب في بحرها كالمتشحط بدمه وقال
كعب الاحبار أهل تنيس ودمياط يعيشون سعداء ويموتون شهداء النائك فيها كالمتشحط في دمه
في سبيل الله والميت فيهما كالمقبور في السماء الاولى وعن حوشب قال خرج علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ودموعه تجري على لحيته فلت له نفديك* بالآباء والامهات ما بال دموعك
تتحدر على لحيتك قال ذكرت اخوانا لنا في ثغر يعمر بعد خراب اسمه بالعربية دمياط وفي التوراة
البيضاء وفي الانجيل الخضراء وفي الزبور الهرمه أو الهرومه لها بابان مفتوحان حيال العرش
من سكنها من أمّتي يدين بديني وهو على ملتي غفر له ما سلف من ذنوبه والذي نفس محمد بيده
لينزعن اليها قوم في آخر الزمان من غير أشر ولا بطر يدخل في شفاعة أحدهم مثل ربيعة ومضر
والنيل أكثر ما يزيد بهذه البلدة ذراعان وأكثر ما ينقص كذلك وفتحها المسلمون في سنة احدى
وعشرين وقيل سنة اثنين وعشرين للهجرة واستمرت بأيديهم الى ان ملكوها الفرنج في سنة ثمان
وثلاثين ومائتين بعد ان نازلوها مدة وفتحوها في يوم عرفه وقتل بها خلق كثير من المسلمين وسبى
النساء والاطفال وأهل الذمة ونفر اليهم عنبسة بن اسحاق أمير مصر من قبل المنتصر في عشي
يوم النحر فلم يدركوهم فأمر المتوكل ببناء حصن دمياط فبدئ في بنائه في يوم الاثنين
لثلاث خلون من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين ومائتين واستمرت في أيدي المسلمين الى ان
ملكوها الفرنج في شعبان سنة ست عشرة وستمائة بعد حصار كثير فأقامت معهم ثلاث سنين
فعمر الملك العادل المنصورة ونزلها وجاؤه اخوته المعظم عيسى والاشرف موسى بعساكرهما
فكانت وقعة عظيمة بين الكامل واخوته وبين الفرنج على البرلس فانكسروا الفرنج وانهزموا الى
دمياط وقتل منهم عشرة آلاف نفس وحاصروا دمياط الى ان ملكوها في سابع رجب سنة
ثمان عشرة وستمائة ثم أخذت دمياط وملكوها الفرنج في يوم الاحد ثالث عشري صفر سنة
سبع وأربعين وستمائة فأقامت معهم أحد عشر شهرا ثم ان المسلمين ملكوها في يوم الاربعاء
*مستهل المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وفي سنة تسع وأربعين وستمائة أمر الملك المعز ايبك
التركماني الجاشنكير الصالحي بتخريب مدينة دمياط فخربت أسوارها ونقلوا أهلها الى مصر
ثم اقطعت للامير ركن الدين بيبرس البدري واستمرت في أيدي المسلميت الى الآن ولله الحمد فعمرها
البدري بالقرب من المدينة الاولى التي خربت وعمره بعده عمارة عظيمة وسكنها كثير من التجار
وغيرهم وهي اليوم بندر كبير للمسلمين وفي دمياط زها عن ثلثمائة بستان ومستنزهات وهي بلدة
عامرة فيها أسواق وفنادق وجوامع ومدارس وبها جماعة كبيرة من التجار أصحاب الاموال وفي
أيام السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري وَعَرَّ فم البحر بقرابيص رماهم فيه
لئلا تدخله مراكب الفرنج وبدمياط داخل الفم بالقرب من المدينة الآن بين البرجين وهو كان
برجين شاهقين في الهواء في وسط النيل وبينهما سلسلة حديد تقفل في كل ليلة ودمياط من
شرقيه والبحيرة من غربيه ويقابله سور المدينة القديمة فلما خرب السور بقي منه برج وعلى جنبتي
البرج الشاهق سلسلتان عظيمتان من حديد تمتدا احداهما الى سور دمياط والاخرى الى سور
البحيرة ولم يبقى الا أثر وخارج هذا البرج من جهة الغرب مسجد البرزخ وهو مسجد له منارة
اذا صعد الانسان اليها وهزها اهتزت وبه قبور جماعة من الشهداء وبشرقيها مسجد الشطا حدث
بكر بن اسماعيل يرفعه ان بين دمياط وشطا رملة كمثل الكافور من سعى اليها وركع فيها ركعتين
فكأنه ركع بين الجنة والكرسي فاحرصوا على المسير اليها فانها بقعة مباركة من بقاع الجنة ا ه
ومن ضواحي دمياط منية بوسليم ومنية غالي والساحل الغربي والبستان ببوره
والاراضي المجاورة له ومنية الشيوخ ومناصب العصفور بحطين وعين الرمان والطينه
والحمام والترعة بظاهر تنيس وتعرف بالجزيرة المنشيه والقصب الفارسي * المجاور لبحيرة
تنيس وضمان البحيرة بتنيس ودمياط يعمل غريب الثياب الدبيقيه وغيرها ما يقارب
التنيسيه ودراع النيل ينصب اليها وقد كانت كرسيا للجروي ملك الساحل وله ينسب الرطل
الجروي وهي معقل يمنع بحر النيل أن تلج منه شواني العدوّ الى الديار المصرية ولاتبرح به شواني
المسلمين للحراسة والطراز الدمياطي مشهور في الارض وكذلك الشرب الدبيقي والبقايير
الجزء الرابع
من كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار
تأليف
العبد الفقير الى الله تعالى ابراهيم بن محمد بن ايدمر العلائي
الشهير بابن دقماق
عفا الله عنه ورحمه
آمين يارب العالمين
الطبعة الأولى
بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية
سنة 1309
هجرية
تحقيق برنارد موريتز (Bernhard Moritz)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق