الجمعة، 10 ديسمبر 2021

المحامل العربية

المحامل العربية
المحامل العربية



المحامل العربية
Les Incunables arübes.

ا — توثير 

لله درك ، ايتها اللغة العربية ! كلما شاخت اللغات ، وهرمت ، وولت ، 
تألق نور شبابك ، وغض اهابك ، وتجلى وئامك لرقي معارف ابناء العصر ! 
وكلما قدمت تلك الالسنة ، وعتقت ، وبلیت ، زدت جدة ، ورخوصة . 
وبضوضة !

كنا نظن انك تقصرين في تأدية النطق ببعض الالفاظ التي لم يتصور انك 
تجدين لها مقابلا في كنزك اللغوي ، لان تلك الامور او تلك المعاني او تلك 
الاوضاع لم تكن تخطر على بال المنتمين اليك ، واذا بك تؤدين تلك المصطلحات 
احسن تأدية ، وتوفينها حقها من الضبط والاحكام والاتقان ، حتى لنظن ان 
مصطلحك خير من مصطلحهم .

عند الافرنج كلمة « انکنابل Incunable » ويراد بها کتاب برز إلى 
عالم الوجود في اول عهد الناس بالطباعة . والكلمة الافرنجية مشتقة من اللاتينية 
Incunabulum ومعناها المهد . كأن الكتاب وجد في زمن كانت الطباعة في 
مهدها .

وكنا نظن اننا لا نلقى لها ما يقابلها في لغتنا الضادية . و الحال اننا وجدنا في 
المخصص لابن سيده ، قوله في باب الكتاب وآلاته ( ۱۳ : ٤ ) : المحمل 
( اي وزان مجلس ) : الكتاب الاول . وهو وصف يوافق لما نريده كل 
الموافقة .

فالكتب المطبوعة يوم كانت صناعتها في مهدها ، هي الكتب الاولى ، 
بالنسبة الى ما جاء من بعدها ، ولهذا صح ان نقابل بها ما يسميها الافرنج 
« انكنابل » ، ولا سيما لأن في أصل مادة ح م ل ما يساعد على اتخاذ هذا 
اللفظ ؛ فكأن النسخ الجديدة المطبوعة بعد هذه النسخ القديمة الامات تعتمد 
عليها في وقوفها أو في انتظامها اعتماد الجديد الضعيف على القديم القويم الراسخ 
القدم . اذ من معاني المحمل المعتمد. والمحمل ايضا موضع تحميل الحوائج وهو 
كذلك، اذ عليه تقر وتقوم جميع المطبوعات كما يقوم اعلى البناء على الاساس 
الذي هو موضع قوام البناء .

ومن معاني المحمل ايضا : الهودج ( وهو في هذا المعنى يأتي على وزن منبر 
ومجلس ) و هو يوافق ايضا للمعنى الذي ننشده هنا . ولا سيما لانه يكاد يلائم 
الحرف الافرنجي في الوضع ، فكما أن الافرنج سموا مسماهم باسم متخذ من 
المهد ، كذلك يجوز لنا إن نسميه بما سموه هم ، اي بلفظ يكاد يعني المهد 
لان الطفل يحمل فيه . والهودج يتخذ له او لكل ضعيف مثله لا يقوى على 
السير البعيد الشاق .

وعليه سمي الكتاب الاول بالمحمل ( اي بالهودج ) لانه كان يومئذ كأنه 
يوضع في هودج لحداثة وجوده او لطفولته او لضعفه. وكل ذلك من باب المجاز 
الواسع المدخل .

فانت ترى ان هذه الكلمة كيفما قلبتها ، انقلبت بين يديك على احسن 
وجه لما تريده . كانها تقول لك في كل وجهة وجهتها : أنا المعنية بقولك : 
انكنابل .

۲ — المحامل الافرنجية 

يعتبر « محملا » عند الافرنج ، کل کتاب طبع قبل سنة ۱٥۰۰م 
والمحامل عندهم على قسمين ؛ محامل خشب، او نقر. ومحامل حروف
فمحامل النقر، او محامل الخشب، ما طبع منها في ذلك العهد، وكانت حروفها 
منقورة او محفورة على الواح من خشب .

و محامل الحروف هي ما صفت حروف كلمها ، متخذة من مواد متحركة 
كانت من خشب في اول الامر ، ثم من مواد معدن كالرصاص وغيره بعد ذلك.

فمن محامل الخشب ما عرفوه باسم : «توراة الفقراء» و « الدوناتس » (وهو 
كتاب في نحو اللغة اللاتينية ) لمؤلفه اليوس دوناتس من نحاة المائة الرابعة 
للميلاد ، وكان تصنیفه معروفا في جميع المدارس کالاجرومية في الديار العربية 
اللسان . « و مرآة الخلاص » وهو باللاتينية ايضا ، وهذه التآليف سابقة 
لسنة ،١٤٤ .

ومحامل الحروف كثيرة . الا اننا نجتزیء بذکر اقدمها وهي : توراة
مازارين وقد طبعت بين سنة .۱٤٥و ۱٤٥٥ ، وتوراة شيشرن وهي من سنة ۱٤٦۱ 
على اقل ما يقال عنها ، واغلب الباحثين يظنون انها لغوتنبرغ نفسه — ومرصوصة 
( او براءة بابوية ) الغفران لنقولا الخامس ( سنة ۱٤٥٤ ) وزبور سنة  ۱٤٥٧ 
وزينة الفروض الالهية لدوران ( سنة ۱٤٥۹ ). 

واغلب هذه المحامل النادرة لا توجد اليوم إلَّا في خزائن الكتب العامة منذ 
عهد بعيد .


٣ — المحامل العربية

المحامل العربية هي التي طبعت في سنة ١٥١٤ في رومة الى سنة ۱٥٥۱ في 
فروق وما جاء بعد هذه السنة لا يعد محملا . وان كان مما يحتفظ به ( راجع لغة 
العرب ٤ : ۱٤۹) .

وقد رأينا عند صديقنا البغدادي الدكتور ناجي بك الاصيل کتابا مطبوعا 
في اللغتين العربية واللاتينية غير معروف عند الوراقين او صرعى الكتب القديمة 
ودونك وصفه :



في الصفحة الاخيرة من هذا الكتاب وهي الصفحة الاولى على طريفة الافرنج 
مکتوب في رأس الوجه Heidelbergae وهي كلمة لاتينية معناها « في
هيدلبرغ » أي طبع في هيدلبرغ وهي مدينة في دوقية بادن (المانية) وفي اسفل 
الوجه هذه الكلمات Excudebat Iacob Mylius. — M. D. xxciii ومعناها 
طبعه يعقوب ملیوس سنة ۱٥۸۳ وبين هذين السطرين اللذين في رأس الصفحة 
واسفلها نقش ختم کبير يمسكه اثنان من الملائكة وفيه صورة قد رسم فيها 
يد قابضة على اكليل متخذ من انواع الازهار مضفورة على ظهر حية وقد كتب 
حول هذا كله هذه الكلمات باللاتينية :

Jacobus Mylius. Coronas annum benignitate tua: Psalm 65.





ومعناها : يعقوب مليوس. تكلل السنة بكرمك. المزمور 15 » فالظاهر من هذا 
الكلام ان الطابع نشر الكتاب المذكور في اوائل سنة ١٥٨٣ و يطلب الى الله 
ان يباركه فيها ويجعلها ميمونة عليه . وقد وجد في المزمور الخامس والستين 
( وهو على الحقيقة الرابع والستون ) آية توافق هذا الدعاء وهي الأية الثانية 
عشرة منه ونصها : بارك اكليل السنة بكرمك وفي ظهر هذه الورقة حروف
الهجاء باللغات العبرية واللاتينية والعربية، ويظهر ان الطابع كان يجهل كل الجهل 
صور الحروف العربية لانه ابتدا برسم حروف الهجاء العربية مبتدئا بالياء وخاتما 
اياها بالالف . مع انه وضع باز انها الحروف العبرية واللاتينية بوضعها المألوف 
كما في العربية . فالبائن ان الطابع قلب عمود الحروف العربية فجاء ما كان في 
الاول آخرا وما كان في الآخر اولا . اي ان الذنب اصبح رأسا والرأس ذنبا 
بخلاف حروف اللغتين العبرية واللاتينية فان الترتيب فيهما على احسن مايرام.






وبعد هذه الحروف ذكر في الصفحة التالية هذه الكلمات العربية مع ترجمتها 
اللاتينية وهي : اربعة رحال ( بمعنی اربعة رجال ) . ثلثة عسر رجلا ( اي ثلاثة 
عشر رجلا ) ثلاثة ماءية رجل ( أي ثلثمائة رجل ) وفي الصفحات التالية ذكر 
الارقام بموجب ترتيبها اي اول ثان ( وكتبها ثاني ) ثالث . . . ثم بموجب العد 
اي احد ثنين ثلاثة. . . وهكذا سار في طريقه من ذكر حروف العطف والجر 
والظرف الى ذكر الفاظ مختلفة




اما اذا فتحت الكتاب من أوله على الطريقة العربية فانك ترى في مستهله : 
« بسم الاب والابن والروح القدس اله واحد »
«رسالة بولس الرسول الى اهل غلاطية . » ثم ذكر ترجمة هذه الألفاظ 
الى اللاتينية .

وبعد ذلك قال في تلك الصفحة باللاتينية ما معناه : وفيها ايضا ( اي في الرسالة 
المطبوعة : ستة فصول الديانة المسيحية وهي الفصول الاولى باللغة العربية. وقد 
اضيف اليها في الاخر خلاصة النحو العربي لمؤلفها ر ثغرس سبي .

وفي تلك الصفحة الاولى آية من كتاب دانيال النبي من الإصحاح السابع 
بالحرف العبراني ثم آية من القديس بولس الى اهل فيلبي مأخوذة من الاصحاح 
الثاني مدرجة بحرفها اليوناني .

وفي الصفحة التي تلي هذه الورقة الاولى مقدمة طويلة عريضة يوجهها المؤلف 
الى صاحب السمو والشهرة البد. ( اي البرنس ) لویس ( او لودوفيکسن ) دوق 
بڤارية يذكر له فيها سبب تأليف هذا الكتيب وهو ان اللغة العربية هي من 
اللغات القديمة و يجب تعلمها لانها توصلنا الى اتقان اللغة العبرية التي هي اول
اللغات واقدمهن . وان اصحاب اللغات الشرقية بقوا مجاورين بعضهم لبعض بعد 
الطوفان ، ولهذا تتشابه لغاتهم . بخلاف اصحاب سائر اللغات فانهم تفرقوا في 
انحاء المعمورة منذ اول عهد البشر بالمهجرة والظعن ، فاختلفت لغاتهم، وتباينت 
لهجاتهم الى يومنا هذا . ثم يقول: يحسن بنا ان نتقن لغات الشرق لنشر الديانة 
المسيحية بين اولئك الذين يجهلونها ، او لا يعرفون محاسنها ، وعلى هذا الوجه 
نستفيد ونفيد . فموضوع المقدمة انن ديني لغوي تاريخي .





والمقدمة طويلة في ١٤ صفحة ثم يليها صفحة ونصف وفيها كلام عنونه 
« الى القارئ » وبعد ذلك آيات بالعبرية والعربية مكتوبة في وجهين وبعد ذلك 
يبتدئ کتابه بقوله : « رسالة إلى اهل غلاطية . وهي من العدد الرابعة ( كذا) 
ثم ينتقل إلى ذكر تلك الرسالة على صفحتين : صفحة عربية وصفحة لاتينية. 
وهو ينقل باللاتينية المكتوبة على الصفحة اليسرى من القابض على الكتاب ما جاء 
في النص العربی سطرا بسطر . وخط النص العربي قبيح المنظر كتبه احد 
الافرنج بقلم سيء البري ، او بريشة افرنجية القظ . والكلمات كلها منقورة في 
الخشب وليست مركبة من حروف متقطعة متنقلة ، وهذا ما يتبين لك اذا ما 
انعمت النظر في تركيب الكلم واتصال حروفها بعضها ببعض .

وعلى اوراق الكتاب كله ٤۲ أي ما يساوي ٨٤ صفحة وطول الصفحة ١٩ 
سنتيمترا في عرض ۱٥ سنتيمترا . وهو مغلف غلاف اربد ( رمادي اللون ) احمر 
الاطراف . اشتراه صاحبه في المانية لغرابته وندرته .

ومن العجيب ان العلامة كرستيانس فريدريكس دي شنوزر الالماني صاحب 
کتاب خزانة الكتب العربية الذي ذكر فيه انواع الكتب العربية المطبوعة في 
العالم منذ اول عهد الطباعة لم يذكر هذا المصنف في باب كتب النحو ولا في 
باب النصرانيات ولا في اي باب كان . وهذا مما يحملنا على الظن ان هذا الكتيب 
لم يطبع منه نسخ كثيرة او لم يذع في اوربة مما يجعله ذا ثمن عند الادباء 
الوراقين . وكذلك لم يذكر هذا الكتاب كل من بحث عن تاريخ المطبوعات 
العربية في اول عهدها كجرجي زيدان وغيره ، ولهذا اشبعنا الكلام في وصفه .

المصدر: لغة العرب، السنة الرابعة، تشرين الثاني 1926، ص 250 - 254.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق