الأربعاء، 19 فبراير 2020

تعليقات قديمة

تعليقات على مدونات ترجع تقريبا لعام 2010 أو 2011، بدون تصحيح أو مراجعة.



من Random Thoughts ‎: اوباما: مستشرق أم لاعب سيرك بارع

ولما أخَذَت الدكتور صائب عريقات نوبة حماس وهو يعلق على الخطاب بهذه الكلمات الكبيرة: إن خطاب اوباما هو أوّل خطاب منذ القرن السادس عشر الميلادي يتقدّم فيه زعيم غربي ببرنامج عمل متكامل لمصالحة تاريخية مع المسلمين"!
أتمنى على كبير المفاوضين أن يمتعنا في برنامج حواري على أي فضائية و يتكرم و يشرح للجمهور العربي ما يعنيه بهذه الكلمات الكبيرة, أو لعله سمعها هكذا من أحد المحللين فلقى منه القول استحسانا فأحب أن يشارك الجمهور المتعطش بهذه الجملة الكبيرة.
ثم من هو هذا الزعيم الغربي ربيب القرن السادس عشر و الذي قدم برنامج مصالحة تاريخية مع المسلمين؟
حقيقة أتساءل بجدية, من باب حب المعرفة, و أتمنى أن أجد تلك الإجابة.
فبعد قليل، سيتلاشى صدى التصفيق الذي تردّد في أرجاء الصالة الكبيرة في القاهرة وستتبدّد مشاعر السرور والاسترخاء التي بعثتها تطميناته في نفوس البعض، ليحلّ مكانها معطيات الواقع القاتم والمشاكل والتعقيدات الكثيرة التي تنوء بها منطقتنا.
صدقت, فتطميناته كانت للبعض و لم تكن لغير هذا البعض, فلينعم هذا البعض قليلا ببعض الإطمئنان, أما شعوب البعض فلاتزال تعاني من هذا البعض, و لن يحل مشاكلها و تعقيداتها إلا سواعدها و اصرارها على النجاح و الخروج من أزمتها و الكف عن انتظار البعض ليحل لهم العقدة و يفك أسرهم من البعض.
رؤيتك للحدث و ماحوله عبرت عما في نفسي بصدق, تحياتي العميقة.


من Random Thoughts ‎: أين نحن من هذا الجدل ؟
تحياتي, 

تساؤل مهم جدا, لكني أود لفت انتباهك الى أن الجدل حول هذه القضية في الغرب و في أميركا تحديدا لم يكن ناشئا عن ترف فكري, أو خلو بال, بل جاء استجابة لتحديات تراها مجموعات كثيرة أنها ستهدد بنيان الدولة الأميركية, و بالتحديد الفقرة الأولى من الدستور و اللتي تنص على الفصل بين الدولة و الكنيسة, فنظرية التصميم الذكي (أو الخلق في تجل بثوب مختلف حسب أحد التوصيفات ) تدخل الدين في حصص العلوم, و هو ما يعتبر اخلالا كبيرا بالأساس التجريبي الهام للعلوم , حيث يرى معارضو النظرية (هناك اختلاف حول كونها نظرية) أنها لا تقدم أسلوب علمي يفسر نشأة و تطور الحياة, بحيث يصعب اجراء التجارب للتأكد من الأسس القائمة عليها, و بالتحديد الجزء الخاص بوجود مصمم للمخلوقات, بينما يرى مناصرو التصميم الذكي أن التطور بنفس الأسلوب لا يقدم أجوبة قاطعة حول منشأ الكائنات, هو يفسر التطور , لكنه لا يفسر المنشأ, بالحقيقة الجدل المتبادل بين الجانبين عميق و ممتد و به تفصيلات كثيرة جدا, عموما ما قصدت البه هو أن الجدل جاء استجابة لتحد حقيقي في المجتمع و نتيجة لشد و جذب بين أطراف الجدال (منشأ الخلاف يعود للنزاع داخل مدرسة في دوفر حول تدريس نظرية التصميم الذكي في حصة العلوم, و تطور الخلاف بصورة كبيرة جدا, و توسع ليشمل أنحاء اميركا) و مفهوم طبعا في هذا السياق أسباب تطور و اتساع الخلاف, فكل جانب لدية اعلامه و مؤسساته و الجمهور هو حلبة الصراع, لكن بعيدا عن هذا, هناك جدل عربي حادث حول هذه النظرية, لا أدري ان كنت تابعت الجدل حول كتاب آبي آدم, و كتب هارون يحيى, و جدل مثله كبير في أوائل القرن العشرين حول القضية, لكن لم لم يتطور الجدال, لا أظن أن النظرية عصية على العقل العربي أو المسلم أو عصية على جذب الانتباه, و لا أدري حقيقة لم لم تثر جدلا مستمرا؟ دعني أنضم اليك في التساؤل, و أتسائل , ما نتيجة الايمان بتلك النظرية على العقل العربي أو المسلم؟ هل ستضيف شيئا؟ أم هل ستطرح تصورا أفضل للمجتمع ؟ أم أم .... الخ
لو للنظرية تأثير حقيقي على المجتمع , أظن أنها ستثير حراكا ضخما, أما ما عدا ذلك ستظل ففي نطاق النقاش الأكاديمي.
تساؤلي حول علاقتها بالمجتمع, ناشئ من تأثير نظرية التطور الكبير على الفكر المادي الغربي.

ملحوظة تذكرتها الآن, في الغرب هناك مسيحيون و قساوسة يؤمنون بالتطور و لا يزالون على ايمانهم, و لا يرون أي تعارض في ذلك, مشكلة طرح نظرية التطور هنا و أيضا في الغرب, هو اختزالها في فرضية تطور الانسان من القردة العليا, و هو يبكر بالصدام المباشر دون الالتفات الى فرضياتها الأخرى


من Random Thoughts ‎: من أحاديث زوربا


ووضعت قليلا من التبغ في غليوني وأشعلته. إن كلّ شيء في هذا العالم له معان خفيّة. الرجال، الحيوانات، الشجر، النجوم.. إنها تبدو كالرموز الهيروغليفية لمن بدأ في حلّ رموزها ليكتشف خفاياها. وبعد مرور السنين وبعد فوات الأوان تفهم معناها الحقيقي.
ما أعمق تلك الجملة, حقا ان كل ما يحيط بنا و نحيط به له معان مختلفة, كل شئ يبدو كالرمز يشير لمعنى ما, كأسهم الأتجاهات,و أسر اللحظة يقف بنا كثيرا عن قنص المعنى, فنؤجل الفهم و الوعى, أو يستغرقنا الفهم و الوعي, فتمر اللحظة و قد ذاب عنها سحر رمزها الخفي, فننظر للخلف نتحسر عليها, و نتمنى عودتها من جديد لنعيشها باكتشافنا, لكننا لاندرك أن كل لحظة تحمل إشارة خفية خاصة بها.
حقيقة الأدب الصادق دوما يعبر عن الإنسان, مطلق الإنسان, لهذا تخترق الكلمات الصادقة كل الحواجز و السدود.

الخميس، 13 فبراير 2020

طنين

بعض مما نشر على صفحتي على الفيس بوك

السيد طه الغضبان
ساعات الساعات تمر في ثواني
وساعات الثواني تنسى تمر
وساعات الساعات تساع السخافة
وساعات الثواني تضيق ع المهم Ayman Alshayyal ساعات الساعات تمر في ثواني وساعات الثواني تقف لو فيه هم وساعات الساعات تساع السخافة وساعات الثواني تضيق ع المهم وساعات الساعات تبقي زي الدقيقة وساعات الدقيقة بنكتبها m وساعات الساعات تبقي عاملة منبه وساعات تبقي ديجيتال .. ماتضحك يا عم

الأربعاء، 5 فبراير 2020

مسايرة التخلف

- وكيف كان ذلك يا دكتور؟
- أقول لك: قد تتخذ قرارا بمسايرة التخلف فتفتتح عيادة
لعلاج جروح البشر بالتراب.. بعد لحظات يظهر لك منافس يعالج
نفس الجروح بالوحل، أي التراب المعجون بماء الورد فتضطر إلى
المزايدة عليه بإثبات أنك الأكثر تخلفا فتبيع الوحل في صيدلياتك بعد
ان تضيف إليه الزعتر والقرفة، عندها يفاجئك بنوع جديد هو الوحل
بالصلصة.. فترد عليه بعلاج جديد هو الوحل بالمايونيز.
- آه في هذه الحالة سأنتصر عليه.. لا أحد قادر على منافسة
المايونيز خصوصا إذا أضيفت إليه المسطردة.
- على العكس من ذلك ستكون هزيمتك محققة.. سيرد عليك
بحملة إعلامية يقول فيها: إن المايونيز ليس من تراث المنطقة، وأن
الغرب اخترعه للقضاء على الطرشي العظيم، وأن استخدام المايونيز
ليس أكثر من مؤامرة إمبريالية لحرمان المنطقة من هويتها، بدليل أن
المايونيز لا يصلح مع الفتة، وأن الكباب عدو للمسطردة..
في هذا المجال سيظهر معتدلون ومتشددون، الأخيرون
سيرفضون المايونيز رفضا قاطعا، والمعتدلون سيقبلون به في أضيق
الحدود، وبشرط أن يستخدم في شهر مايو فقط، ودليلهم على ذلك هو
الاسم نفسه "مايو نيز".. هذا لا يمنع بالطبع أنك ستجد باحثين
يثبتون أن المايونيز أصله عربي أو فرعوني أو فينيقي، وليس اختراعا
غربيا، وقد ينسبون "المسطردة" إلى العالم التركستاني الجليل
"مسطار".. وأصل الحكاية أن واحدا من تلامذته - وكان نظره
ضعيفا - شاهد شخصا يمر من بعيد، فسأل من حوله وكانوا من
الأعاجم: مسطار.. ده يا إخواني؟
فأجابوه: نعم، ده مسطار.. أو مسطارده.
حدث بعد ذلك تقصير للمد بالألف، كما هو الحال في نطق
الأعاجم، فأصبحت تنطق "مسطردة" ودليلهم على ذلك هو أن الكلمة
في الفرنسية مختلفة تماما، فهي موتار، وبذلك يكون أصلها عربيا.
ولكن الأمور ستتعقد عندما ينشر أحد الكتاب وثيقة سرية من ملفات
الكونجرس (وثيقة 175 ن. ص. ب) وفيها يثبت أن الرئيس روزفلت
قال لنابليون بونابرت على ظهر السفينة ماريانا يوم الخميس ظهرا في
يونيو 1942: مدافعك تقتل البشر ولا تقضي على الهوية.. اهجم
عليهم بالهمبورجر، سيطر عليهم بالمايونيز.. أذقهم طعم المسطردة.
وهكذا.. حلقة جهنمية خبيثة من التخلف والتخلف المضاد،
لا تنتهي إلا بظهور عيادة جديدة تعلن في شجاعة أنها تعالج الجروح
بالمضادات الحيوية.. وأن كل أنواع الوحل خطر على المصابين..

من كتاب: شواكيش ساخرة تأليف علي سالم، صفحات 151، 152

الثلاثاء، 4 فبراير 2020

متعة خاصة

وكان أيضا حسن الصورة جميل التقاطيع حلو القسمات
فضايقه ذلك كثيرا وقرر أن يكون قبيح الوجه فتم له ما أراد.
- كيف..؟ هل يستطيع الإنسان أن يكون قبيحا؟
- نعم، بنفس الطريقة التي يكون بها جميلا.. أي أن يكون
جميلا فيرى الوجود جميلا.. في هذه الحالة سينعكس الوجود الجميل
على وجهه وسلوكه جمالا.. ويستطيع أيضا أن يكون قبيحا بأن يردد
الألفاظ القبيحة ويعتنق الأفكار القبيحة، ويأتي من الأفعال بكل ماهو
قبيح.. عند ذلك يتحول لشخص قبيح ينفر منه الناس.
- لا تظلم الرجل، أليس من المحتمل أنه ضحية لظروف أرغمته
على ذلك؟
- هذا ما تصورته في البداية، ولكن بدراسة حالته جيدا أيقنت
أنه "يريد" كل ذلك، لا تصدق أن شخصا يتطوع بالكذب لأن هناك من
أرغمه على ذلك، هو يكذب لأنه كذاب، ويفخر بقوة أجداده لأن
الضعف طبيعته، ومزور لأنه يعشق التزوير، ويشوه الآخرين
لإحساسه بأنهم أفضل منه، هناك متعة خاصة في الصراخ والعويل
ولطم الخدود لا تعرفها سوى النائحات الندابات عاشقات اللطم في
الجنازات.
من الغريب أنه أضاع جزءا كبيرا من ثروته على المحاكم، فهو
يغير ويعدل ويبدل في اسمه كل عدة شهور، وتغيير الاسم ليس بالأمر
السهل، ففي كل مرة يضيف فيها لقبا جديدا إلى اسمه، لابد أن يرفع
قضية جديدة مما يستلزم مصاريف ورسوما وأتعاب محاماه و وقتا
ضائعا. كان في البداية تائها فقط، ثم أضاف عدة ألقاب جديد كبدته
خسائر فادحة. اسمه الرباعي الآن هو التائه الفقير الضعيف الضائع،
ولكنه بسبيله الآن لرفع قضية جديدة لجعل اسمه عشاريا، أي من
عشرة ألقاب، وليس أربعة كما يحتم القانون.
- ياله من مسكين.
- من هو المسكين؟ هو الآن في أفضل حالاته، قلت لك إنه يحب
ذلك.
- عموما لا بأس بشخص واحد أو حتى عدة أشخاص بهذه
الحالة.
- بالعكس.. الأمر أصبح الآن خطيرا جدا. مريدوه الآن بالآلاف
بعد أن بدأ يعمل بالكتابة في الصحف.. اقرأ الصحف الآن من كل
الاتجاهات.. ابدأ بالمفكر العظيم نزار قباني.. اعجن المقالات في بعضها
البعض، أدخلها كمبيوتر.. ستظهر على الشاشة مفردات تدور كلها
حول إحنا غلابة.. إحنا يتامى.. إحنا مهزومين.. إحنا متنيلين.. إحنا
ولاد الـ..... إحنا عجزة.. إحنا فاشلين.. إحنا ما نستحقش الحياة..
يلعن روح أبونا..
- لقد شوقتني ياسيدي لرؤيته والتعرف إلى أفكاره عن قرب،
يخيل إلي أن الرجل يستنهض همم الناس.. لعله تصور أنه بموقفه
هذا سيدفع الناس إلى التخلص من ضعفهم والسير في طريق القوة،
وأن اتهامهم بالكسل والعجز قد يدفعهم إلى النشاط، وأن الإحساس
بالعار والضعة سيدفعهم لاتخاذ موقف يعيد لهم الاعتبار ويجلب
لهم الإحترام.
- قد يكون ذلك صحيحا إذا قيل بنغمة أخرى وفي إطار
مختلف.. أما هذا التجريح وجلد الذات الذي يتم الآن على نطاق واسع،
فهو يشعر المرء أن وراءه إحساسا باللذة أو على الأقل باليأس المريح،
فهم يغلقون أمام البشر أي باب للأمل.. ومع ذلك روح قابله.
تمكنت بعد جهد شديد من معرفة مكانه، كان جالسا على
الرصيف وحوله مجموعة من أتباعه، نظروا لي في شك وريبة، صاح
أحدهم: قف.. من أنت؟
- واحد غلبان.
- كلمة السر؟
- الكسل العقلي اللذيذ، الضعف الممتع، احتقار الذات، رعاية
الجهل.
- أهلا وسهلا، تقدم واجلس بين إخوانك.
تقدمت وجلست بينهم، تكلم عبد ربه والدموع تسيل على
وجنتيه: أين العرب؟ أين السلام؟ أين الكبرياء؟ أين الهمة؟ أين
الشرف؟ أين الضمائر... كل حاجة راحت.
صاح واحد من المريدين بتعاسة: والأندلس كمان راحت
يا مولانا.
من الواضح أن عبد ربه لم يستمع لنشرات الأخبار منذ 500
سنة، لأنه صاح في دهشة: والأندلس كمان؟ ... طيب مش كان حد
يبلغني يا اخوانا..
قالها وأجهش في البكاء، تجرأت وقلت له: يا شيخي العزيز..
ما رأيك في أن نفعل شيئا .. أي شئ .. أن نزرع هذا الرصيف مثلا.
رد علي بسخرية: و هل سيسمح لك أحد بالزراعة يا جاهل؟
- أو نصنع فيلما جيدا، أو أغنية جميلة تأسر قلوب البشر.
- ولماذا نبذل جهدا يؤدي إلى نتيجة فاشلة؟!.. لن نتمكن من
ذلك لأن الغرب القذر سيقف لنا بالمرصاد.
- لماذا؟
- لأنه شرير.
- أوافق على أنه شرير.. ولكن شعوبا كثيرة أفلتت من شره،
ربنا فتح عليها. ما تيجي نفلت إحنا كمان.
- الجدع ده مدسوس علينا.. عاوزنا نشتغل.
- ده شرير، عاوزنا نفهم.
- مش كده وبس، ده عاوز يحرمنا من قعدتنا الحلوة دي..
وهنا صاح أحدهم في تهديد: قوم يا جدع انت .. ابعد عننا.
فنهضت من مكاني وابتعدت عنهم.. أمر خطير للغاية أن تحرم
التعساء من لذة الإحساس بالتعاسة.

من كتاب: شواكيش ساخرة تأليف علي سالم، صفحات 143، 144، 145، 146

شاكوش عم عبده تأليف علي سالم

صورة لنجار أويما من دمياط (من ويكبيديا كومنز)
صورة لنجار أويما من دمياط (من ويكبيديا كومنز)


شاكوش عم عبده

  تناول الأسطى عبده النجار الاصطباحة ثم طعام الإفطار
وحبس بعدة كراسي دخان معسل ثم وقف أمام البنك الخشبي في
ورشته الصغيرة وبسمل ثم دعا الله أن يعينه على الشقاء. أخذ
يستعرض قطع العدة أمامه ثم قال لصبيه: ياله يا حندق.. روح
للأسطى ابراهيم وقل له بيصبح عليك الأسطى عبده لو سمحت
تسلفنا الشاكوش بتاعك نص ساعة .. بس إجري .. أوعى تتأخر.

انطلق حندق يجري مسرعا وعاد يلهث بعد ساعة فقد كانت
ورشة الأسطى إبراهيم بعيدة قال: الأسطى إبراهيم بيقول لك إنه
شغال بالشاكوش في شغل لازم يسلمه النهارده.

طب روح للأسطى محمود وقل له بيصبح عليك الأسطى عبده
وبيقولك بأمارة ما شافك في السوق امبارح وسلم عليك، لو سمحت
تسلفنا الشاكوش بتاعك.. بس جري.

وانطلق حندق مسرعا وعاد بعد ساعة فقد كانت ورشة
الأسطى محمود بعيدة جداً، قال وهو يلهث: الأسطى محمود بيقولك
إن الإيد بتاعت الشاكوش انكسرت وبعته عند الخراط يعمل له إيد
جديدة.

لا حول ولا قوة إلا بالله.. طب اسمع، اطلع جري على الأسطى
خليل وقل له الأسطى عبده واقف عطلان والشاكوش عند واحد
زبون.. وبيطلب منك الشاكوش بتاعك ربع ساعة .. بس جري
يا حندق.. ما تتأخرش.

وانطلق حندق جاريا وعاد بعد ساعتين فقد كانت ورشة
الأسطى خليل بعيدة جداً.. جداً.. جداً وعاد وهو يكاد يموت من
التعب: الأسطى خليل بيتأسف لك قوي وبيقول لك إن الشاكوش
بتاعه خده الصنايعي يقفل بيه شغل عند واحد زبون.

طب اسمع.. استريح شوية وروح للأسطى عطية.. طب روح
للأسطى سيد، طب روح للأسطى أحمد.. طب روح للأسطى مسعد..
لا أمل، لا أحد يريد أن يستغني عن شاكوشه.

كان النهار قد انتهى تقريباً، استولى اليأس على الأسطى عبده.
فقال لصبيه حندق: عالم ماعندهاش مروءة.. أمرنا لله ناولني يا بني
الشاكوش بتاعنا.

* * *
  لماذا لم يبدأ الأسطى عبده يومه بأن يطلب من صبيه أن يناوله
الشاكوش بتاعهم؟ لماذا ضيع كل هذا الوقت؟ لماذا عذّب صبيه حندق
في مشاوير لا ضرورة لها طول النهار؟ لماذا أراق ماء وجهه عند زملائه
النجارين؟ لماذا عطل نفسه؟.

  ليس أصدق على الأرض من الحدوتة الشعبية القصيرة، هي
كتاب ومرجع، وهي قاعة محاضرات، وهي معمل للبحث العلمي، هي
الكتالوج الذي نتبين فيه ميكانيزمات العقل والسلوك البشري، هي
طرفة لمن يبحثون عن الطرافة، وهي هادية ومرشدة لمن يبحثون عن
الهدى والرشاد.

  هل الأسطى عبده لا يريد أن يستهلك العدة الخاصة بورشته؟
جائز، ولكن الشاكوش بالذات قطعة عدة تعمل لعشرات السنين دون
أن تفقد فاعليتها، بل إن الشاكوش بالذات ينتقل من الأجداد إلى
الأحفاد.

  ماذا تقصد هذه الحدوتة الشعبية القصيرة؟

  هي باختصار تلقي الضوء على خاصية في العقل البشري
تدفع بعض الناس إلى استهلاك كل الفرص المتاحة إلى أن ترغم على
اتخاذ القرار الصحيح والذي تعلم مسبقا أنه صحيح منذ البداية،
العقل البشري الطبيعي - إذا كان له وجود - يعمل بموجب مبدأ يقول
له، أفعل ما هو طبيعي وبديهي ... أنا الآن أقف أمام البنك لأعمل،
ناولني يا حندق الشاكوش.

  أما عقلية الأسطى عبده فهي تعمل بمبدأ يقول: لا بد أن يرغمني
أحد على أن أفعل ما هو صحيح. سأتجنب فعل ما هو صحيح وحتمي
إلى أن يرغمني أحد أو حدث أو شئ على الفعل الصحيح أو الاتجاه
السليم، ليس مهما الوقت الذي أضيعه، الزمن لا أهمية له، والعمل
والانجاز أيضا لا أهمية لهما، لا بد من الاستمتاع بالمحاولات العديدة
الفاشلة للحصول على شاكوش من الآخرين، الخسائر ليست مهمة
بالمرة.

أخيرا أبلغت حكومة العراق الأمم المتحدة أنها على استعداد
للتعاون التام فيما يختص بالأسلحة الكيماوية والجرثومية وبذلك
يحق لها أن تطلب رفع الحظر عليها، ذلك الحظر الذي كان نكبة على
العراق وحكومة العراق وشعب العراق. بعد خمسة أعوام من المماطلة
والمماحكة واللف والدوران، بعد خمسة أعوام من الضياع غير
المسبوق في التاريخ، بعد كل ذلك الكم من الخراب، الحكومة العراقية
تقول: ناولنا يا حندق الشاكوش بتاعنا

السؤال هو: هل في ثقافتنا العربية ما يجعل العقل يعمل
بموجب هذا المبدأ؟ مبدأ الشاكوش وعم عبده؟ ما هو الخطأ المسئول
عن ذلك في تراثنا أو تربيتنا؟ لما نسعي سعيا للإرغام، أم أن ذلك
السلوك تعبير عن انعدام الإحساس بالمسئولية؟ أو انعدام الرغبة في
العمل؟ لنواجه أنفسنا بشجاعة، هل العمل ممجد في تراثنا؟

من المؤكد أن العمل من ثوابت العقل عند المصريين، الزراعة،
الري، البناء، الحكمة، الدولة.. بالتأكيد كانت مصر تستيقظ في الصباح
الباكر كل يوم وتمسك بشاكوشها الخاص وتعمل. للأسف هارون
الرشيد لم يكن حاكما مصرياً، لذلك كان من حقه أن يقف في شرفة
قصره ناظرا لسحابة بعيدة وأن يقول لها: أمطري حيث شئت فسوف
يأتيني خراجك.

لم يكن العمل مطلوبا في ذلك الوقت، المطلوب فقط كان انتظار
الخراج القادم من أمطار بعيدة، ما العمل الآن والسحب تمطر فقط في
أوربا وأمريكا واليابان ولا يأتينا منها الخراج.. بل الديون. الناس في
العالم كله تعمل بينما نحن نتناقض طول الوقت باحثين عن الطريقة
المثلى للامتناع عن الفعل، طول النهار ننتظر شاكوشاً لن يأتي أبداً،
بعبقرية نادرة وبجهد جهيد نؤجل اللحظة التي نقول فيها: أمرنا لله
يا حندق.. ناولنا الشاكوش بتاعنا.. هيا يا حندق نزرع الصحراء..
تعال يا حندق نطعم كل هؤلاء البشر، تعال نملأ عقولهم بالعلم
وقلوبهم بالموسيقى، اقفل مخازن الكلام يا حندق..
نحن جزء مهم من هذا العالم، وعلينا أن نستخدم مفرداته،
علينا أن نحصل على احترامه وتقديره لكي يساعدنا ونساعده..
ناولني يا بني الشاكوش بتاعنا

من كتاب: شواكيش ساخرة تأليف علي سالم، صفحات 99 - 103

مفكرون قطاع عام

قال الوالي: تكلم
- المحتسب في شارعنا يمنعني من التفكير.
- هل قفز داخل عقلك .. وعطل عجلة التفكير فيه؟
- لا، ولكنه يخيفني.
- هذه مشكلتك أنت .. وليست مشكلته أو مشكلة الدولة .. ماذا
تريد بالضبط، أن أمنعه من إخافتك، أو أمنع الخوف عنك؟
- كلاهما يا مولاي.
- ماذا؟ .. ما هي مصلحتي في ذلك؟
- أنا واحد من رعاياك يا مولاي ومن .. ومن .. ومن ..
- دعني أكمل أنا .. من حقك علي أن أحميك...
- نعم يا مولاي أمد الله في عمرك
- لماذا .. ماذا سأستفيد عندما أحميك؟
- سأفكر بحرية يا مولاي.
- ماذا سيعود علي من حرية تفكيرك؟
- سيتدعم نظام الحكم..
- هاها .. العب غيرها .. أنا لست أحكم بفضل أفكاركم .. ولكن
بفضل أدواتي ..
- حسنا يا مولاي .. لأكن صريحا .. اعتبرني شحاذ حرية تفكير
مثل شحاذ الغرام .. اعتبرني شحاذا جئت أطلب كسرة خبز لعقلي ..
وليس لبطني.
- انتم مفكرون مدللون، أفسدكم الحكم الشمولي .. مفكرون
قطاع عام .. تريدون ممارسة حرية التفكير على حساب الحكومة..
تريدون أفكارا بلا أخطار .. التفكير في العالم الثالث خصوصا لعبة
خطرة .. لابد أن تدفع ثمن ما تفكر فيه..
- ولكنها لعبة جميلة يا باشا.
- جميلة لمن يمارسها ويقدر عليها ... ولكن لاتنس أنها تبعث
بالحقد والفزع في قلوب كل العاجزين عن التفكير ... دعك من لعبة
الكلمات .. ماذا تريد بالضبط؟
- أنا أنتمي للبحر الأبيض يا مولاي.
- والنيل؟
- يصب في البحر الأبيض.
- ماذا يعني هذا الانتماء؟
- أريد أن أتمتع بكل ما يتمتع به سكانه من حقوق. وعلي
استعداد للقيام بكل ما يطلب مني من واجبات.
- مجانا؟
- ماذا تقصد يا مولاي؟
- يعني ببلاش... هل تريدني أن أصدر فرمانا الآن بأن مصر
دولة بحر أبيض ... وأن الحياة بداخلها ستكون مماثلة تماما للحياة في
إيطاليا واليونان مثلا؟
- نعم يا باشا .. أرجوك.
- يالك من مفكر غريب.. هل تعتقد أن شعوب البحر الأبيض
وبقية شعوب أوروبا حصلت على ما تتمتع به الآن من حقوق الإنسان
لأن فرمانا صدر بذلك؟ أو لأن واحدا أو مجموعة من البشر أرادت
ذلك.. أو فكرت في ذلك مثل سيادتك؟.
- لست أفهم ما ترمي إليه يا مولاي..
- أيها المفكر المدلل، لماذا تفكر في أنك بحر أبيض، دون أن تفكر
في الثمن الذي دفعته شعوب هذا البحر؟ كيف تتخلص الشعوب من
الأفكار الخاطئة؟ لابد أن تعتنقها في البداية وتتحمس لها وتسعد بها
وتغني من أجلها وترقص. هل كانت توجد فكرة على الأرض قادرة
على إقناع الشعب الألماني بأن هتلر كان نصابا يقود شعبه إلى الجحيم
وبلاده إلى الدمار؟ كل الأفكار المؤدية للجحيم لذيذة وسهلة الهضم،
وتغري بالتخلي عن الحرية، وبعد ذلك تأتي الفاتورة، فتدفع
الشعوب الثمن لكي تسترد حريتها ولا تفرط فيها بعد ذلك.. أما حكاية
"أعطني حريتي أطلق يديا" فهي ليست أكثر من أغنية. لا أحد يعطي
لأحد الحرية.. أما زلت تطلب حرية التفكير.
- نعم يا مولاي..
- حسنا.. فكر بحرية وفي حرية، وادفع الثمن.. واجه
المحتسب.. حارب المحتسب .. قاوم المحتسب.. وإلا كنت لصا يستولي
على سلعة دون أن يدفع ثمنها.

من كتاب: شواكيش ساخرة تأليف علي سالم، صفحات 11، 12، 13