- وكيف كان ذلك يا دكتور؟
- أقول لك: قد تتخذ قرارا بمسايرة التخلف فتفتتح عيادة
لعلاج جروح البشر بالتراب.. بعد لحظات يظهر لك منافس يعالج
نفس الجروح بالوحل، أي التراب المعجون بماء الورد فتضطر إلى
المزايدة عليه بإثبات أنك الأكثر تخلفا فتبيع الوحل في صيدلياتك بعد
ان تضيف إليه الزعتر والقرفة، عندها يفاجئك بنوع جديد هو الوحل
بالصلصة.. فترد عليه بعلاج جديد هو الوحل بالمايونيز.
- آه في هذه الحالة سأنتصر عليه.. لا أحد قادر على منافسة
المايونيز خصوصا إذا أضيفت إليه المسطردة.
- على العكس من ذلك ستكون هزيمتك محققة.. سيرد عليك
بحملة إعلامية يقول فيها: إن المايونيز ليس من تراث المنطقة، وأن
الغرب اخترعه للقضاء على الطرشي العظيم، وأن استخدام المايونيز
ليس أكثر من مؤامرة إمبريالية لحرمان المنطقة من هويتها، بدليل أن
المايونيز لا يصلح مع الفتة، وأن الكباب عدو للمسطردة..
في هذا المجال سيظهر معتدلون ومتشددون، الأخيرون
سيرفضون المايونيز رفضا قاطعا، والمعتدلون سيقبلون به في أضيق
الحدود، وبشرط أن يستخدم في شهر مايو فقط، ودليلهم على ذلك هو
الاسم نفسه "مايو نيز".. هذا لا يمنع بالطبع أنك ستجد باحثين
يثبتون أن المايونيز أصله عربي أو فرعوني أو فينيقي، وليس اختراعا
غربيا، وقد ينسبون "المسطردة" إلى العالم التركستاني الجليل
"مسطار".. وأصل الحكاية أن واحدا من تلامذته - وكان نظره
ضعيفا - شاهد شخصا يمر من بعيد، فسأل من حوله وكانوا من
الأعاجم: مسطار.. ده يا إخواني؟
فأجابوه: نعم، ده مسطار.. أو مسطارده.
حدث بعد ذلك تقصير للمد بالألف، كما هو الحال في نطق
الأعاجم، فأصبحت تنطق "مسطردة" ودليلهم على ذلك هو أن الكلمة
في الفرنسية مختلفة تماما، فهي موتار، وبذلك يكون أصلها عربيا.
ولكن الأمور ستتعقد عندما ينشر أحد الكتاب وثيقة سرية من ملفات
الكونجرس (وثيقة 175 ن. ص. ب) وفيها يثبت أن الرئيس روزفلت
قال لنابليون بونابرت على ظهر السفينة ماريانا يوم الخميس ظهرا في
يونيو 1942: مدافعك تقتل البشر ولا تقضي على الهوية.. اهجم
عليهم بالهمبورجر، سيطر عليهم بالمايونيز.. أذقهم طعم المسطردة.
وهكذا.. حلقة جهنمية خبيثة من التخلف والتخلف المضاد،
لا تنتهي إلا بظهور عيادة جديدة تعلن في شجاعة أنها تعالج الجروح
بالمضادات الحيوية.. وأن كل أنواع الوحل خطر على المصابين..
من كتاب: شواكيش ساخرة تأليف علي سالم، صفحات 151، 152
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق