قال الوالي: تكلم
- المحتسب في شارعنا يمنعني من التفكير.
- هل قفز داخل عقلك .. وعطل عجلة التفكير فيه؟
- لا، ولكنه يخيفني.
- هذه مشكلتك أنت .. وليست مشكلته أو مشكلة الدولة .. ماذا
تريد بالضبط، أن أمنعه من إخافتك، أو أمنع الخوف عنك؟
- كلاهما يا مولاي.
- ماذا؟ .. ما هي مصلحتي في ذلك؟
- أنا واحد من رعاياك يا مولاي ومن .. ومن .. ومن ..
- دعني أكمل أنا .. من حقك علي أن أحميك...
- نعم يا مولاي أمد الله في عمرك
- لماذا .. ماذا سأستفيد عندما أحميك؟
- سأفكر بحرية يا مولاي.
- ماذا سيعود علي من حرية تفكيرك؟
- سيتدعم نظام الحكم..
- هاها .. العب غيرها .. أنا لست أحكم بفضل أفكاركم .. ولكن
بفضل أدواتي ..
- حسنا يا مولاي .. لأكن صريحا .. اعتبرني شحاذ حرية تفكير
مثل شحاذ الغرام .. اعتبرني شحاذا جئت أطلب كسرة خبز لعقلي ..
وليس لبطني.
- انتم مفكرون مدللون، أفسدكم الحكم الشمولي .. مفكرون
قطاع عام .. تريدون ممارسة حرية التفكير على حساب الحكومة..
تريدون أفكارا بلا أخطار .. التفكير في العالم الثالث خصوصا لعبة
خطرة .. لابد أن تدفع ثمن ما تفكر فيه..
- ولكنها لعبة جميلة يا باشا.
- جميلة لمن يمارسها ويقدر عليها ... ولكن لاتنس أنها تبعث
بالحقد والفزع في قلوب كل العاجزين عن التفكير ... دعك من لعبة
الكلمات .. ماذا تريد بالضبط؟
- أنا أنتمي للبحر الأبيض يا مولاي.
- والنيل؟
- يصب في البحر الأبيض.
- ماذا يعني هذا الانتماء؟
- أريد أن أتمتع بكل ما يتمتع به سكانه من حقوق. وعلي
استعداد للقيام بكل ما يطلب مني من واجبات.
- مجانا؟
- ماذا تقصد يا مولاي؟
- يعني ببلاش... هل تريدني أن أصدر فرمانا الآن بأن مصر
دولة بحر أبيض ... وأن الحياة بداخلها ستكون مماثلة تماما للحياة في
إيطاليا واليونان مثلا؟
- نعم يا باشا .. أرجوك.
- يالك من مفكر غريب.. هل تعتقد أن شعوب البحر الأبيض
وبقية شعوب أوروبا حصلت على ما تتمتع به الآن من حقوق الإنسان
لأن فرمانا صدر بذلك؟ أو لأن واحدا أو مجموعة من البشر أرادت
ذلك.. أو فكرت في ذلك مثل سيادتك؟.
- لست أفهم ما ترمي إليه يا مولاي..
- أيها المفكر المدلل، لماذا تفكر في أنك بحر أبيض، دون أن تفكر
في الثمن الذي دفعته شعوب هذا البحر؟ كيف تتخلص الشعوب من
الأفكار الخاطئة؟ لابد أن تعتنقها في البداية وتتحمس لها وتسعد بها
وتغني من أجلها وترقص. هل كانت توجد فكرة على الأرض قادرة
على إقناع الشعب الألماني بأن هتلر كان نصابا يقود شعبه إلى الجحيم
وبلاده إلى الدمار؟ كل الأفكار المؤدية للجحيم لذيذة وسهلة الهضم،
وتغري بالتخلي عن الحرية، وبعد ذلك تأتي الفاتورة، فتدفع
الشعوب الثمن لكي تسترد حريتها ولا تفرط فيها بعد ذلك.. أما حكاية
"أعطني حريتي أطلق يديا" فهي ليست أكثر من أغنية. لا أحد يعطي
لأحد الحرية.. أما زلت تطلب حرية التفكير.
- نعم يا مولاي..
- حسنا.. فكر بحرية وفي حرية، وادفع الثمن.. واجه
المحتسب.. حارب المحتسب .. قاوم المحتسب.. وإلا كنت لصا يستولي
على سلعة دون أن يدفع ثمنها.
من كتاب: شواكيش ساخرة تأليف علي سالم، صفحات 11، 12، 13
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق