و... كان الشعر القديم يبدو لي خطابي الطابع، جهير الأسلوب. وبدا لي أيضا أن ألفا وخمسمائة سنة من التقاليد الشعرية لابد أن تحفر طابعها في ذهنية الشاعر ووجدانه ولو كان يعيش في عصرنا هذا، ويطمح إلى أن يصل إلى أكبر قدر من المعاصرة. فيخيل إلي أن مجرد اختيار الشكل الشعري القديم للكتابة يدفع الشاعر من حيث لايدري إلى إختيار قاموس هذا الشكل ولاختيار طريقة هذا الشكل في الأداء والتصور. أذكر مرة أنني كتبت قصيدة من البحر الطويل، قصيدة دالية ، وما كدت أخط بعض أبياتها حتى وجدت قلم المتنبي الغليظ يزاحم قلمي . أذكر بعض أبياتها ، القصيدة في الغزل و كنت أريد أن أكتب إحساسي أنا ، القصيدة أقول فيها:
هنا كانت الدنيا وباحت لنا المنى بأسرارها واخضل من مائها الوجد
هنا كم رعينا الحسن بالنظرة التي يلوح نديا في محاجرها الصلد
حنانيك يا نفسي فأنتي ألوفة هبي دمعة هذي الطلول لنا تبدو
تهاوى بها النجوى كطير ذبيحة عن العش زيدت لا ترف ولا تشدو
ويمشي بها الحب الكسير مجرحا وينزف منه الإثم واليأس والحقد
ويجثو على أطلالها الشك ناعبا ملاحن في أجوافها يصرخ الرعد
تحول عنها الماء فالظل لافح وغام شروق الشمس فالصبح مربد
فما نب(؟!) إلا وتحكي خطيئة ولا غصن إلا ما جفى عوده الورد
وما بسمة الا وروحي تقيئها وما خطوة إلا ودربي لها ضد
فديتكي أصداء الغرام الذي مضى وحنت إليك النفس والليل مسود
بنفسي ذاك الجسم ريان ناضرا بروحي ذاك الجيد والخصر والنهد
أقل حنينا أيها القلب إنني رأيتك تصفي الود من لا لها ود
ومن إن دنت تأني عن النفس نفسها ومن إن نأت لم يدكر عهدها العهد
تنازعني نفسي إليها ألوفة وروحي ولكن ليس من هجرها بد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق