المقالة هنا ترجمة بتصرف لمقالة بعنوان Indian numerals من تأليف: J J O'Connor و E F Robertson
من الجدير أن نستهل هذا المقال بنفس الاقتباس من لابلاس المستخدم سابقا في مقالة "نظرة عامة على الرياضيات الهندية".
كتب لابلاس :-
الوجه الثاني لنظام الأرقام الهندي والذي سنبحثه هنا هو القيمة الموضعية لها، وكما أشار لابلاس في تعليقه بالأعلى ، يبدو "بسيطا جدا لدرجة أن تأثيرها وأهميتها الشديدين لم يعدا محل تقدير". وعلينا أن نلاحظ أيضا شيء مهم جدا لهذين الوجهين هو أن نظام الأرقام الهندي حصريا هو نظام عشري الأساس، وليس ستيني كالنظام البابليوني.
لو بدأنا مع الأرقام نفسها، سنعرف بالتأكيد أن شكل الأرقام أصبح قريبا لما هي عليه الآن حوالي القرن الخامس عشر في أوروبا. وكان اختراع الطباعة المساهم الرئيسي في ايجاد شكل قياسي لتلك الأرقام. لكن علينا ألا ننسى أن بلدانا كثيرة تستخدم أرقام لها شكل مختلف عن 0, 1, ,2, 3, 4, 5, 6, 7, 8, 9، وان لم يتعلم المرء هذه الأشكال فلن يستطيع تمييزها كما هو الحال في الأبجدية اليونانية لشخص غير ملم بها.
أحد أهم مصادر ما نعرفه عن الأرقام الهندية يأتي من البيروني. خلال حقبة العشرينات من القرن الحادي عشر الميلادي زار البيروني الهند عدة مرات. قبل أن يذهب البيروني للهند كان على معرفة بعلوم الهند الرياضية والفلكية من خلال ترجمات عربية لبعض النصوص السنسكريتية. في الهند درس البيروني بالتفصيل الفلسفة الهندية وفروع أخرى من العلوم والرياضيات الهندية. كتب البيروني 27 كتابا حول الهند وعلومها المختلفة. بالتحديد ما كتبه عن علم الفلك والرياضيات الهندية يعتبر إضافة قيمة لتاريخ العلوم الهندية. في إشارته للأرقام الهندية في كتاب مشهور كتب حوالي 1300 كتب البيروني:
من المنطقي أن نسأل من أين أتت الأشكال المختلفة لتلك الأرقام والتي أشار لها البيروني. قام المؤرخون بتتبعهم كلهم الى الارقام البراهمية والتي ظهرت حوالي منتصف القرن الثالث قبل الميلاد. الآن هذه الأرقام البراهمية لم تكن فقط رموز للأرقام مابين 1 الى 9، الموضوع أعقد من هذا بكثير لأنها لم تكن نظام موضعي للأرقام لأنه وجدت رموز لأرقام أخرى عديدة. أيضا لم يكن هناك رمز خاص للرقم 2 او 3، كلا الرقمين نشئا من رمز الرقم 1.
هذه هي الأرقام البراهمية ل واحد، واثنان وثلاثة
الطريقة المبتكرة للتعبير عن أي رقم باستخدام مجموعة من عشر رموز (كل رمز له قيمة موضعية وقيمة مطلقة) بدأت من الهند. تبدو الفكرة الآن بسيطة جدا لدرجة أن تأثيرها وأهميتها الشديدين لم يعدا محل تقدير. بساطتها تكمن في الطريقة التي سهلت بها الحساب و وضعت علم الحساب في الصدارة مع الاختراعات المفيدة. تتجلى أهمية هذا الاختراع عندما ندرك أن رجلين من عظماء القدماء ك أركيميدس وأبولونيوس لم يصلا إليه.الغرض من هذه المقالة هي محاولة في المهمة الصعبة لوصف كيف طور الهنود نظام أرقامهم المبتكر. سنفحص عن قرب وجهين لهذا النظام. الأول سنفحص تطور أشكال هذه الأرقام من 1 إلى 9 للشكل المعروف حاليا. بالطبع علينا أن ندرك أنه حتى للآن لاتوجد طريقة معتمدة لكتابة هذه الأرقام بشكل موحد. فالخطوط المختلفة الموجودة على جهازك الحاسب بإمكانها رسم أشكال هذه الأرقام بطرق عديدة، ولو أنها كلها سهل التعرف على تلك الأرقام لكن كلها مختلفة، حتى طريقة كتابتي اليدوية لتلك الأرقام من الصعب تمييزها بخطي.
الوجه الثاني لنظام الأرقام الهندي والذي سنبحثه هنا هو القيمة الموضعية لها، وكما أشار لابلاس في تعليقه بالأعلى ، يبدو "بسيطا جدا لدرجة أن تأثيرها وأهميتها الشديدين لم يعدا محل تقدير". وعلينا أن نلاحظ أيضا شيء مهم جدا لهذين الوجهين هو أن نظام الأرقام الهندي حصريا هو نظام عشري الأساس، وليس ستيني كالنظام البابليوني.
لو بدأنا مع الأرقام نفسها، سنعرف بالتأكيد أن شكل الأرقام أصبح قريبا لما هي عليه الآن حوالي القرن الخامس عشر في أوروبا. وكان اختراع الطباعة المساهم الرئيسي في ايجاد شكل قياسي لتلك الأرقام. لكن علينا ألا ننسى أن بلدانا كثيرة تستخدم أرقام لها شكل مختلف عن 0, 1, ,2, 3, 4, 5, 6, 7, 8, 9، وان لم يتعلم المرء هذه الأشكال فلن يستطيع تمييزها كما هو الحال في الأبجدية اليونانية لشخص غير ملم بها.
أحد أهم مصادر ما نعرفه عن الأرقام الهندية يأتي من البيروني. خلال حقبة العشرينات من القرن الحادي عشر الميلادي زار البيروني الهند عدة مرات. قبل أن يذهب البيروني للهند كان على معرفة بعلوم الهند الرياضية والفلكية من خلال ترجمات عربية لبعض النصوص السنسكريتية. في الهند درس البيروني بالتفصيل الفلسفة الهندية وفروع أخرى من العلوم والرياضيات الهندية. كتب البيروني 27 كتابا حول الهند وعلومها المختلفة. بالتحديد ما كتبه عن علم الفلك والرياضيات الهندية يعتبر إضافة قيمة لتاريخ العلوم الهندية. في إشارته للأرقام الهندية في كتاب مشهور كتب حوالي 1300 كتب البيروني:
وليسوا يجرون على حروفهم شيئا من الحساب كما نجريه على حروفنا في ترتيب الجمل ، وكما أن صور الحروف تختلف في بقاعهم كذلك أرقام الحساب و تسمى انك ،والذى نستعمله نحن مأخوذ من أحسن ما عندهم ولا فائدة في الصور اذا ما عرف ما وراءها من المعاني. وأهل كشمير يرقمون الأوراق بأرقام هي كالنقوش أو كحروف أهل الصين لاتعرف إلا بالعادة و كثرة المزاولة ولا تستعمل في الحساب على التراب ؛ ومما اتفق عليه جميع الأمم في الحساب هو تناسب عقوده على الأعشار فما من مرتبة فيه الا و واحدها عشر واحد التي بعدها و عشرة أضعاف واحد التي قبلها.
من المنطقي أن نسأل من أين أتت الأشكال المختلفة لتلك الأرقام والتي أشار لها البيروني. قام المؤرخون بتتبعهم كلهم الى الارقام البراهمية والتي ظهرت حوالي منتصف القرن الثالث قبل الميلاد. الآن هذه الأرقام البراهمية لم تكن فقط رموز للأرقام مابين 1 الى 9، الموضوع أعقد من هذا بكثير لأنها لم تكن نظام موضعي للأرقام لأنه وجدت رموز لأرقام أخرى عديدة. أيضا لم يكن هناك رمز خاص للرقم 2 او 3، كلا الرقمين نشئا من رمز الرقم 1.
هذه هي الأرقام البراهمية ل واحد، واثنان وثلاثة
الأرقام البراهمية ل واحد، واثنان وثلاثة
هناك رموز براهمية منفصلة ل 4، 5، 6، 7، 8، 9 ولكن يوجد أيضا رموز لكل من 10، 100، 100، ... نفس الحال ل 20، 30، 40، ... ، 90، و 200، 300، 400، ...، 900. وجدت الأرقام البراهمية منقوشة في الكهوف وعلى العملات المعدنية في مناطق قريبة من بونه، بومباي، و أتر برديش. تأريخ تلك الأرقام يخبرنا أنها كانت مستعملة على مدى زمني طويل وصولا الي القرن الرابع بعد الميلاد.
بالطبع النقوش المختلفة لكل منها طابعه المميز لهذه الرموز.
هذا نموذج لأحد أشكال الأرقام البراهمية.
أرقام براهمية حوالي القرن الأول الميلادي.
|
علينا الآن أن ننظر في كلا الاتجاهين قبل وبعد ظهور الأرقام البراهمية. بعد ظهورها سنجد أنها اتخذت أشكالا عدة، ولكن علينا أن نختار المسار الذي ساهم في ظهورها بالشكل المعروف حاليا. ولكن بداية سنفحص عدة نظريات حول منشأ الأرقام البراهمية.
لا توجد مشكلة في فهم رموز 1، 2، 3. بالرغم من ذلك فإن رموز 4 الى 9 لا تحمل دلالة واضحة على الأرقام التي تمثلها. وضع المؤرخون نظريات عدة لتفسير أصل هذه الأرقام.يورد إفراه في المرجع رقم 1 عدد من تلك الفرضيات المطروحة:
- الأرقام البراهمية جاءت من ثقافة وادي السند حوالي 2000 ق. م.
- الأرقام البراهمية جاءت من الأرقام الآرامية.
- الأرقام البراهمية جاءت من الأبجدية الخروشتية.
- الأرقام البراهمية جاءت من الأبجدية البراهمية.
- الأرقام البراهمية جاءت من نظام أرقام أبجدي قديم، ربما مصدره بانيني*.
- الأرقام البراهمية جاءت من مصر.
بالأساس كل هذه الفرضيات عبارة عن نوعين: الأول أن هذه الأرقام جاءت من أبجدية ما بنفس الطريقة التي جاءت بها الأرقام اليونانية من الحروف الأولية لأسماء تلك الأرقام. النوع الثاني من الفرضيات أنها مشتقة من نظام أرقام سابق من نفس النوع العام كالأرقام الرومانية. على سبيل المثال نظام الأرقام الآرامية في الفرضية الثانية أعلاه قائم على إن الرمز | يمثل الرقم واحد، و X تمثل الرقم أربعة.
I, II, III, X, IX, IIX, IIIX, XX.
فحص إفراه كل من هذه الفرضيات الست ورفضهم جميعا، ولكن علينا أن نشير هنا إلى أن رفضه جاء من نقص دلائل الإثبات وليس بسبب توفر أدلة نفي عليها.
من جانبه اقترح إفراه نظرية في المرجع رقم 1، تقول:-
... أول تسعة أرقام براهمية تشكل بقايا ترميز أرقام استخدمه السكان الأصليون قديما، حيث كان يتم تمثيل التسعة أرقام بما يقابلها من خطوط رأسية ...لتسهيل كتابة هذه الأرقام بسرعة لحفظ الوقت، تطورت مجموعات الخطوط هذه كما حدث مع الأرقام الفرعونية القديمة. وبأخذ في الحسبان نوع المادة المكتوب عليها في الهند على مر القرون (لحاء الشجر أو أوراق الشجر) ومحدودية أدوات الكتابة (**قلم قصب أو فرشاة)، أصبح شكل الأرقام أكثر تعقيدا مع ***الأربطة الكتابية العديدة، حتى أصبحت الأرقام لاتحمل أي تشابه مع أشكالها الأصلية.
إنها نظرية جيدة، و بالقطع يمكن أن تكون حقيقية، لكن بكل تأكيد لا يوجد دليل إيجابي لصالحها.
لايزال المرء يأمل في دليل كاكتشاف أرقام في مكان ما في نفس مسار تطورها. لكن، يبدوا أننا لن نجد أبدا برهان مقنع على نشأة الأرقام البراهمية.
لو تفحصنا المسار الذي أوصلنا من الأرقام البراهمية إلى الرموز الحالية (مع تجاهل النظم الأخرى العديدة التي تطورت من الأرقام البراهمية) عندئذ سنصل إلى رموز جوبتا.
فترة حكم جوبتا والتي حكمت خلالها أسرة جوبتا مملكة ماجادها في شمال شرق الهند، وكان ذلك من بداية القرن الرابع الميلادي حتى أواخر القرن السادس الميلادي. أرقام جوبتا تطورت من الأرقام البراهمية ونشرتها إمبراطورية جوبتا في غزواتهم.
أرقام جوبتا حوالي القرن الرابع الميلادي.
أرقام جوبتا تطورت لتصبح أرقام ناجاري، وأحيانا يطلق عليها أرقام ديفانجاري. هذا الشكل تطور من أرقام جوبتا بداية حوالي القرن السابع الميلادي واستمر في تطوره من القرن الحادي عشر ومابعده. الاسم حرفيا يعني "كتابات الآلهة" ويعتبر الأجمل في كل الأشكال التي ظهرت.
على سبيل المثال كتب البيروني:-
والذي نستعمله نحن مأخوذ من أحسن ما عندهم ولا فائدة في الصور اذا ما عرف ما وراءها من المعاني.
أرقام ناجاري حوالي القرن الحادي عشر الميلادي.
اشارة البيروني في قوله "أحسن ماعندهم" تعود على أرقام ناجاري، والتي كانت قد انتقلت في عصره إلى العالم العربي. الطريقة التي انتقلت بها الأرقام الهندية لبقية العالم ما بين القرن السابع الميلادي الى القرن السادس عشر نوقشت بالتفصيل في مرجع رقم 7. في هذه الورقة البحثية، يزعم جوبتا أن الأرقام الهندية بلغت جنوب أوروبا بنهاية القرن الخامس الميلادي ويعتمد في هذا على كتاب "هندسة بوثيوس" والمعروف عنه الآن أنه نسخة مزيفة ترجع الى النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي. من المستبعد بصورة كبيرة أن تكون الأرقام الهندية قد وصلت لأوروبا مبكرا كما اقترح جوبتا.
الآن نعود للمظهر الثاني لنظام الأرقام الهندي والذي نود فحصه في هذه المقالة، وهو حقيقة أنه كان نظام قيم-موضعي حيث كل رقم يأخذ قيمة مختلفة بناءا على موضعه بالنسبة للأرقام الأخرى. على الرغم من أن نظام أرقامنا منحدر مباشرة من نظام الأرقام الهندي، لكن علينا أن نذكر بوضوح أن الهنود ليسوا أول من طوروا نظام كهذا. البابليون كان لديهم نظام قيم-موضعي يرجع للقرن التاسع عشر قبل الميلاد ولكن النظام البابلي كان يستخدم القاعدة الستينية. الهنود كانوا أول من طور نظام موضعي يستخدم القاعدة العشرية، و مقارنة بتاريخ النظام البابلي، بكل تأكيد جاء النظام الهندي متأخرا جدا.
أقدم نص هندي مؤرخ يحتوي على رقم مكتوب بطريقة قيمة-موضع المستخدم اليوم هو وثيقة شرعية مؤرخة ب 346 في التقويم الهندي القديم (the Chhedi calendar) المقابل لسنة 594 ق. م. في تقويمنا. هذه الوثيقة عبارة عن قائمة تبرعات من الملك دادا الثالث (Dadda III) حاكم سانخيدا (Sankheda) في مقاطعة بهروش (Bharukachcha). المشكلة الوحيدة هنا هو زعم بعض المؤرخين أن التاريخ اضيف اليها لاحقا في عملية تزوير. بالرغم من أنه أمر غير مستبعد أن يتم تغيير تواريخ قائمة تبرع كهذه حتى يحصل أشخاص آخرون على قيمة التبرع، فإنه لا يوجد سبب معقول يبرر تزوير التاريخ على هذه الوثيقة. ولهذا وبالرغم من تلك الشكوك، فإننا متاكدون أن هذه الوثيقة تقدم دليل على أن نظام قيمة-موضع الرقمي كان مستخدما في الهند بنهاية القرن السادس عشر.
قوائم تبرع أخرى عديدة وجدت وهي مؤرخة ومستخدم فيها نظام قيمة-موضع إما للتاريخ أو لأي أرقام أخرى داخل النص. هذه القوائم تتضمن:
- قائمة تبرع ديهينكي (Dhiniki) مؤرخة بسنة 794 في تقويم فيكراما (Vikrama) ويقابلها سنة 737م في تقويمنا.
- نقش دافيندرافارمان (Devendravarman) مؤرخ بسنة 675 في تقويم شاكا (Shaka) ويقابلها سنة 753م في تقويمنا.
- قائمة تبرع دانيجورجا (Danidurga) مؤرخة بسنة 675 في تقويم شاكا (Shaka) ويقابلها سنة 737م في تقويمنا.
- قائمة تبرع شانكاراجانا (Shankaragana) مؤرخة بسنة 715 في تقويم شاكا (Shaka) ويقابلها سنة 793م في تقويمنا.
- قائمة تبرع ناجبهاتا (Nagbhata) مؤرخة بسنة 872 في تقويم فيكراما (Vikrama) ويقابلها سنة 815م في تقويمنا.
- نقش باوكا (Bauka) مؤرخ بسنة 894 في تقويم فيكراما (Vikrama) ويقابلها سنة 837م في تقويمنا.
كل هذه الوثائق زعم بعض المؤرخين أنها مزيفة لكن من الممكن أن يكون بعضها، أو كلها، وثائق أصلية.
أول نقش مؤرخ ولا يوجد حوله خلاف هو نقش في قاليور (Gwalior) يعود لسنة 933 في تقويم فيكراما (Vikrama) ويقابلها سنة 876 م في تقويمنا. تفاصيل أكثر عن هذا النقش وردت في مقالة الصفر.
هناك دليل غير مباشر على أن الهنود طوروا نظام أرقام موضعي بداية من القرن الأول الميلادي. الدليل وجد في نقوش في بلاد خارج الهند إلا أن تلك البلاد كانت متأثرة ب ومحاكية للثقافة الهندية. مصدر آخر وهو مخطوطة بخشالي (Bakhshali) و المحتوية على أرقام مكتوبة بنظام قيمة-موضع. المشكلة هنا في تأريخ المخطوطة، وهو ما ناقشناه بالتفصيل في مقالتنا عن مخطوطة بخشالي.
يتبقى لنا بالطبع أن نسأل لم طور الهنود نظام مبتكر كهذا ولم لم يقم اليونانيون القدماء بالتوصل إليه. طرحت عدد من النظريات حول هذا السؤال. يعتقد عدد من المؤرخين أن نظام قيمة-موضع الستيني البابلي انتقل للهنود عن طريق اليونانيون.
في مقالنا عن الرقم صفر علقنا بأن الفلكيين اليونانيون استخدموا نظام قيمة-موضع الستيني البابلي مع رمز o الشبيه لرمز الصفر الحالي. النظرية هنا تقول أن هذه الأفكار انتقلت للهنود وهم بدورهم ضموها لنظامهم العشري والذي كان معروفا في الهند من فترة طويلة.
الفرضية الثانية تقول أن فكرة قيمة-موضع في نظام الأرقام الهندية جاء من الصينيين. بالتحديد الصينيون كان لديهم نظام عصي أرقام شبه موضعي والذي يزعم البعض أنه أساس النظام الموضعي الهندي. هذا الرأي على سبيل المثال اقترحه لاي يونج لام (Lay Yong Lam) طالع على سبيل المثال مرجع 8. يناقش لام أن النظام الصيني قد احتوي على ما يسميه:-
... ثلاث خصائص رئيسية لنظام أرقامنا: (i) تسع علامات و مفهوم الصفر، (ii) نظام قيم بناءا على الموضع و (iii) وقاعدة عشرية.
فرضية ثالثة طرحها جوزيف في المرجع 2. تقول فكرته أن القيمة-الموضع في نظم الأرقام الهندية طورها الهنود بالكامل. لديه نظريته المثيرة عن لم لجأ الهنود لتلك الفكرة. السبب، وكما يؤمن جوزيف، يعود لولع الهنود بالأعداد الكبيرة. هانز فرودنثال مؤرخ آخر من داعمي نظرية أن هذه الفكرة جاءت بالكامل من داخل الهند.
لنرى بوضوح ولع الهنود بالأرقام الكبيرة، نستطيع أن نلقي نظرة على اللاليتافيستارا (Lalitavistara) وهي قصة حياة جوتاما بوذا (Gautama Buddha). من الصعب تأريخ هذا العمل بسبب التطورات المستمرة التي جرت له على مدى زمني طويل، لكن بشكل معقول يمكننا تأريخه بالقرن الأول أو الثاني الميلادي. في اللاليتافيستارا (Lalitavistara) وعندما كان جوتاما (Gautama) شابا يافعا، أُختبر في الرياضيات. سُئل أن يسمي كل المراتب العددية بعد كوتي (koti) الذي هو العدد (10 أس 7) فقام بعد كل قوى الرقم 10 حتى 10 أس 53. فقال ممتحنوا جوتاما (Gautama) :-
أنت، ولست أنا، الرياضي الأستاذ.
قصص كهذه وأخرى مثلها عديدة، أقنعت جوزيف أن ولع الهنود بالأعداد الكبيرة دفعهم لإختراع نظام يمكنهم من التعبير عنها بسهولة، بالتحديد تدوين القيمة بالموضع. كتب جوزيف في المرجع 2:-
الاستخدام المبكر لأعداد كبيرة قادهم لاحقا لتبني سلسلة أسماء لكل الأعداد المتلاحقة المرفوعة بالرقم 10. أهمية أسماء الأعداد هذه لا يمكن المغالاة فيها. نظام كلمات الأعداد (لاحقا اُستبدل بنظام هجائي)، كان النتاج الطبيعي لاستخدام أرقام مضاعفة من العشرة ... نظام القيمة الموضعية العشري تطور حينما ارتبط ميزان عشري بقيمة مكان الأرقام المرتبة من اليسار لليمين أو العكس. وبالتحديد هذا ماحدث في الهند ...
بالرغم من هذا، فإن نفس القصة في اللاليتافيستارا (Lalitavistara) أقنعت كابلان (طالع مرجع 3) أن فكرة الهنود عن الأرقام جاءتهم من اليونانيين، بالنسبة له القصة هي النسخة الهندي من قصة أركيميدس في عد الرمل. كل ما نعرفه أن نظام القيمة الموضعية الهندي، مهما كان أصله، انتقل للعرب وبعدها لأوروبا، حيث اكتسب، كما قال لابلاس، أهمية عميقة في تطوير الرياضيات.
- G Ifrah, A universal history of numbers : From prehistory to the invention of the computer (London, 1998).
- G G Joseph, The crest of the peacock (London, 1991).
- R Kaplan, The nothing that is : a natural history of zero (London, 1999).
- L C Karpinski, The history of arithmetic (New York, 1965).
- K W Menninger, Number words and number symbols : A cultural history of numbers (Boston, 1969).
- D E Smith and L C Karpinski, The Hindu-Arabic numerals (Boston, 1911).
- R C Gupta, Spread and triumph of Indian numerals, Indian J. Hist. Sci. 18 (1) (1983), 23-38.
- L Y Lam, Linkages : exploring the similarities between the Chinese rod numeral system and our numeral system, Arch. Hist. Exact Sci. 37 (4) (1987), 365-392.
- J S Pettersson, Indus numerals on metal tools, Indian J. Hist. Sci. 34 (2) (1999), 89-108.
- R K Sarma, A note on the use of words for numbers in ancient Indian mathematics, Math. Education 7 (1973), A44-A45.
- K Vogel, Uses of letters and Indian numerals in Byzantium (Greek), Neusis No. 5 (1996), 75-81; 170.
* بانيني: ولد حوالي 520 ق. م. - توفي حوالي 460 ق. م. بانين كان عالم نحوي في اللغة السنسكريتية، وضع نظرية علمية مفصلة في الصوتيات، الأصوات، والصرف.
** الكلمة المستخدمة هي calamus، وهي من الكلمة اليونانية (kalamos (κάλαμος ولعل أصلها من اللغة السنسكريتية من كلمة कलम, kalama وتعني قلم قصب.
*** الأربطة الكتابية (Orthographic ligature) وهي عبارة عن دمج حرفين أو أكثر معا، وهي ظاهرة معروفة في أكثر من أبجدية.
📗 طالع أيضاً:
- طالع ترجمة لمقالة نظام الأرقام العربية.
- طالع ترجمة لمقالة تاريخ الصفر.
- طالع ترجمة لمقالة الأرقام المصرية.
- طالع ترجمة لمقالة رياضيات المايا.
- طالع ترجمة لمقالة الأرقام البابلية.
- طالع ترجمة لمقالة أنظمة الأرقام اليونانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق