الجمعة، 9 أكتوبر 2020

تاريخ الصفر

مُثل الصفر على هيئة نقطة في مخطوطة بخشالي فيما يعتقد أنه لأول مرة في التاريخ
مُثل الصفر على هيئة نقطة في مخطوطة بخشالي فيما يعتقد أنه لأول مرة في التاريخ (مصدر الصورة)



المقالة هنا ترجمة بتصرف لمقالة بعنوان A history of Zero من تأليف: J J O'Connor و E F Robertson

من الأسئلة الشائعة التي يسألها قراء هذا الأرشيف هي: من اكتشف الصفر؟ لماذا إذاً لم نكتب مقالاً حول الصفر لنبدأ به هذا الأرشيف؟ السبب هو صعوبة إجابة هذا السؤال بصورة مرضية. لو كان أحدهم جاء بمفهوم "الصفر" وتوافق الجميع على أنه اختراع مبهر ودخل الرياضيات منذ ذلك الوقت للآن، فإن إجابة السؤال ستكون كافية حتى لو لم نعرف مخترعه العبقري. مع ذلك يُظهر السجل التاريخي مساراً مختلفاً. يظهر الصفر مرات كظل ثم يختفي كما لو كان الرياضيين يبحثون عنه ورغم ذلك لم يلحظوا أهميته البالغة حتى بعد أن رأوها.

أول ما يقال عن "الصفر" أنه له استخدامين مهمين ومختلفين. أول استخدام كمؤشر لخلو المكان في نظام الأرقام المعتمد على القيمة حسب الموضع. من هنا رقم ك 2016 اُستخدم فيه "الصفر"  لينضبط موضع الرقمين 2 و 1. بوضوح 216 رقم مختلف تماماً. الاستخدام الثاني للصفر هو كرقم بذاته على صورته كـ 0. توجد نواحي أخرى للصفر في هذين الاستخدامين، بالتحديد المفهوم، والشكل، و الاسم. ("الصفر" مشتق من الكلمة العربية "صفر" ومنها أيضا اشتقت كلمة "شفرة".)

ليس لكلا الاستخدامين بالأعلى تاريخ يسهل وصفه. فقط لم يحدث أن شخصاً ما اخترع الأفكار، ثم بدأ الجميع في استخدامها. أيضاً من العدل أن نقول أن الرقم "ًصفر" كمفهوم غير بديهي. المشاكل الرياضية تبدأ كمشاكل 'واقعية' أكثر وليست كمشاكل مجردة. كانت الأرقام في العصور التاريخية المبكرة تُبحث بصورة أكثر واقعية أكثر من الصورة المجردة التي عليها أرقامنا اليوم. وثب العقل البشري وثبات هائلة للانتقال من خمسة خيول ل خمسة "أشياء" ثم للفكرة المجردة "خمسة". لو أن القدماء حلوا مشكلة عدد الخيول التي يحتاجها الفلاح فلن يتضمن الحل أرقاما ك 0 أو -23.

يظن المرء أنه بمجرد وجود نظام رقمي قيمة-موضع إذاً الصفر كعلامة على خلو المكان سيكون من الأفكار المطلوبة، لكن البابليون كان لديهم نظام رقمي قيمة-موضع بدون هذه الخاصية لأكثر من 1000 سنة. أكثر من ذلك لا يوجد مطلقاً أي دليل أن البابليين واجهوا أي مشكلة مع الالتباس الناتج عن غياب "الصفر". جدير بالذكر أن النصوص الأصلية من فترة الرياضيات البابلية وصلت لنا. كتب البابليون على ألواح من طين طري، مستخدمين الطريقة المسمارية (cuneiform). كانت الرموز تُضغط في ألواح الطين الطري بالحد المائل لإبرة الكتابة ومن هنا ظهورها بشكلها  المدبب (ومن هنا الاسم الكتابة المسماري "cuneiform"). بقي العديد من الألواح من 1700 ق. م. وباستطاعتنا قراءة النصوص الأصلية. بالطبع رموز الأرقام مختلفة (وليست عشرية بل ستينية) لكن ترجمتها لرموزنا لن  تبين الفارق بين 2106 و 216 (السياق سيبين القصد). استمر هذا لحوالي 400 ق. م. عندما وضع البابليون رمزين لوتدين في المكان المقصود به الصفر للتفرقة بين 216 أو 21II6.

لم يكن الوتدين الترميز الوحيد المستخدم، فعلى لوح وُجد في كيش، وهي مدينة قديمة في بلاد الرافدين كانت شرق بابليون فيما يعرف الآن بوسط جنوب العراق، اُستخدم ترميز أخر. هذا اللوح،  المؤرخ بحوالي 700 ق. م.، يستخدم ثلاثة خطاطيف للدلالة على خلو المكان في نظام الأرقام بالموضع. ألواح أخرى من نفس الفترة استخدمت خطاف واحد للإشارة لخلو المكان. هناك خاصية اشتركت فيها كل العلامات المختلفة المستخدمة للدلالة على خلو المكان. وهي الحقيقة بأن هذه العلامات لم تأت أبداً في نهاية الأرقام بل دوما بين رقمين. لذا حتى لو وجدنا  21II6 لن نجد  أبداً 216II. على المرء أن يفترض أن الشعور القديم بأن السياق كافٍ لتوضيح المقصود لايزال مطبقاً في هذه الحالات.

لو أن هذه الإشارة للسياق تبدو سخيفة إذاً من الضروري أن نُشير إلى أننا لانزال لليوم نستخدم السياق لتفسير الأرقام. لو أنني أركب الباص لبلدة قريبة وأسأل ما الأجرة وعلمت أن الإجابة "هي ثلاثة وخمسين" وتعني ثلاثة جنيهات وخمسين بنس. مع ذلك لو نفس الإجابة أعطيت لسؤال عن تكلفة رحلة من إدنبره لنيويورك سأعرف أن ثلاثمائة وخمسين جنيهاً هو المقصود.

بإمكاننا أن نرى من هذا أن الاستخدام المبكر للصفر لم يكن كرقم بل لتوضيح خلو المكان، فقط كعلامة ترقيم لتفسير الأرقام بصورة صحيحة.

الإغريق القدماء بدؤا اسهاماتهم الرياضية حوالي نفس الفترة التي بدأ فيها الرياضيون البابليون استخدام الصفر كعلامة على خلو المكان. بالرغم من ذلك لم يستخدم الإغريق نظام رقمي موضعي. أهمية هذه الحقيقة تستحق التأمل. كيف للإغريق بإسهاماتهم الرياضية الرائعة ألا يستخدموا نظام رقمي بكل المميزات التي في نظام قيمة-الموضع البابلي؟ الإجابة الحقيقة على هذا السؤال أكثر تفصيلا عن الإجابة البسيطة التي سنعطيها، لكن بالأساس الإنجازات الرياضية للإغريق كانت معتمدة على الهندسة. بالرغم من أن أصول أقليدوس احتوت على كتاب عن نظرية الأعداد، ولكن بالاعتماد على الهندسة. بصورة أخرى الرياضيون الإغريق لم يحتاجوا إلى تسمية الأرقام لأنهم عملوا مع الأرقام على أنها أطوال الخطوط. الأرقام التي احتاجت للتسمية في السجلات كان يستخدمها التجار، وليس الرياضيون، ومن هنا لم يحتاجوا لنظام أرقام بارع.

هناك استثناءات لما ذكرناه الآن. الاستثناء كان الرياضيون المشتغلون بتسجيل البيانات الفلكية. هنا نجد أول استخدام للرمز الذي نعرفه اليوم كرمز للصفر، حيث بدأ الفلكيون الإغريق باستخدام الرمز O. هناك نظريات عديدة لتفسير إستخدام هذا الرمز تحديداً. بعض المؤرخون يفضلوا تفسير أن هذا الرمز هو الحرف اليوناني أوميكرون، وهو أول حرف من الكلمة اليونانية ouden (باليونانية: ουδέν) بمعنى لا شيء. ومع ذلك نيجباور لا يرجح هذا التفسير لأن الإغريق استخدموا أوميكرون بالفعل كرقم - فهو يمثل 70 (استند نظام الأرقام اليوناني على الأبجدية). تفسيرات أخرى قُدمت تتضمن حقيقة أنه يعبر عن "obol" (باليونانية: ὀβολός)، وهي عملة بلا قيمة تقريباً، وتظهر عند استخدام العدادات للعد على ألواح الرمل. الاقتراح هنا أن حذف عداد لعمل عمود خالي كان يترك أثراً في الرمل يشبه الرمز O.

بطليموس في كتابه المجسطي المكتوب حوالي 130 ق. م. استخدام النظام الستيني البابلي مع رمز المكان الخالي O. وقتها استعمل بطليموس الرمز بين رقمين وفي نهاية الرقم وربما أغرانا هذا للظن بأنهم أخيرا توصلوا لاستخدام الصفر كرمز للمكان الخالي. مع ذلك هذا الظن أبعد ما يكون عما حدث. عدد بسيط من الفلكيين المتميزين استخدموه وسيتوقف استخدامه مرات أخرى عديدة قبل أن يعود من جديد. فكرة الصفر كمكان خالي (بالتأكيد بطليموس لم يستخدمه كرقم واعتبره كعلامة ترقيم) ستظهر لاحقا في الرياضيات الهندية.

ننتقل بالمشهد الآن للهند حيث يحق أن نقول أنها مهد ولادة الأرقام ونظامها وتطورهم إلى أن وصلت لشكلها الحالي المُتقدم المُستخدم حالياً.  بالطبع هذا لا ينفي أن النظام الهندي لا يدين بشيء للأنظمة السابقة عليه وكثير من مؤرخي الرياضيات يعتقدوا أن الاستخدام الهندي للصفر نشأ من استخدام الفلكيين اليونانيين له. هناك أيضا مؤرخون يبدوا أنهم يحاولوا التقليل من إسهام الهنود بطريقة غير منطقية، وهناك أيضا من يدعي ادعاءات حول اختراع الهنود للصفر  تذهب بعيداً، بعيداً جداً. على سبيل المثال مخيرجي في [6] يدعي:-
المفهوم الرياضي للصفر ... كان أيضاً حاضراً في الشكل الروحي من 17000 سنة من قبل في الهند.
المؤكد أنه حوالي 650 ق. م. اُستخدم الصفر في الرياضيات الهندية. استخدم الهنود أيضا نظام قيمة-موضع واستخدم الصفر لتوضيح خلو المكان. في الحقيقة هناك دليل على وجود مُثْبِتْ خلو المكان في الأرقام الموضعية يعود ل 200 ق. م. في الهند لكن بعض المؤرخين يرفضوا هذا على أنه تزييف متأخر. دعونا نفحص هذا الاستخدام لأخير أولاً لأنه يتضمن التطور الموصوف بالأعلى.

حوالي 500 ق. م. ابتكر أريابهاتا نظام أرقام لم يكن فيه الصفر بعد لكنه كان نظاماً موضعياً. استخدم كلمة "كا"   للموضع وستستخدم لاحقاً كاسم للصفر. هناك دليل على استخدام نقطة في المخطوطات الهندية القديمة لترميز موضع خالي في النظام الموضعي. المثير للاهتمام أن نفس الوثائق استخدمت نقطة أحياناً لترميز قيمة مجهولة كما نستخدم "x" س لذلك. الرياضيون الهنود لاحقاً أطلقوا أسماءًا على الصفر في النظام الموضعي ولكن بدون رمز. أول وثيقة مؤرخة ومتفق على صحتها من الجميع لاستخدام الهنود للصفر كُتبت في 876.

لدينا نقش على لوحة صخرية يحتوي على تاريخ ترجمته هي 876. النقش يخص مدينة قاليور وهي على بعد 400 كم جنوب دلهي، وفيه يُذكر أنهم زرعوا في حديقة مساحتها 187 في 270 هاستاس، ومتوقع لها أن تثمر زهوراً كافية لإعطاء 50 إكليلاً من الزهور يومياً للمعبد المحلي. كلا الرقمين 270 و 50 مكتوبان تقريباً بنفس الشكل الذي نعرفه حالياً عدا أن الصفر أصغر ومرتفع قليلاً.

نأتي الآن لاعتبار أول ظهور للصفر كرقم. دعونا في البداية نذكر أنه بأي حس لا يعتبر رقم طبيعي. منذ العصور القديمة والأرقام هي كلمات تشير لمجموعات من الأشياء. بالتأكيد فكرة الرقم أصبحت أكثر تجريداً  وهذا التجريد جعل اعتبار الصفر والأرقام السالبة ممكناً وهم لا يظهروا كخصائص لمجموعات من الأشياء. بالطبع ظهرت المشكلة التي تظهر عندما نعتبر الصفر والسوالب أرقاماً هي سلوكهم في العمليات الحسابية كالجمع والطرح والضرب والقسمة. في ثلاثة كتب مهمة حاول الرياضيون الهنود براهماجوبتا، ماهافيرا، وبهاسكارا الإجابة على هذه الأسئلة.

براهماجوبتا حاول أن يعطي كل قواعد العمليات الحسابية المحتوية على صفر وأرقام سالبة في القرن السابع. فشرح أنك لو طرحت رقم من نفسه سيكون الناتج صفر. وسرد قواعد جمع الأرقام مع الصفر:-
جمع صفر ورقم سالب يكن سالب، جمع رقم موجب وصفر يكن موجب، مجموع صفر وصفر يكن صفر.
الطرح أصعب قليلاً:-
رقم سالب مطروح من صفر يكن موجب، رقم موجب مطروح من صفر يكن سالب، صفر مطروح من رقم سالب يكن سالب، صفر مطروح من رقم موجب يكن موجب، صفر مطروح من صفر يكن صفر.
براهماجوبتا بعد ذلك يقول أنه عند ضرب أي رقم في صفر يكن الناتج صفر ولكنه يعاني عندما يأتي الأمر للقسمة:-
عند قسمة رقم موجب أو سالب بصفر يكن كسراً فيه المقام صفر. قسمة صفر برقم موجب أو سالب يكن إما صفر أو يُمثل بكسر بسطه صفر والقيمة المنتهية كمقام. صفر مقسوم بصفر يكن صفر.

بالحقيقة براهماجوبتا لم يقل كثيراً عندما اقترح أن قسمة س بالصفر ناتجها س/0. من الواضح أنه عاني هنا. ومن المؤكد أنه كان على خطأ في ادعائه أن قسمة صفر بصفر ناتجها صفر. مع ذلك هي محاولة رائعة من أول شخص نعرفه حاول أن يطور الحساب ليشمل أرقام سالبة وصفر.

في 830، بعد حوالي 200 عام من كتاب براهماجوبتا الرائع، كتب ماهافيرا "جانيتا سارا سامجراها" गणितसारसंग्रह وهو ملحق لتحديث كتاب براهماجوبتا. يقرر التالي بصورة صحيحة:-

رقم مضروب بصفر يكن صفر، والرقم يظل كما هو عند طرح صفر منه.

ومع ذلك محاولته لتحسين ما قاله براهماجوبتا عن القسمة على صفر يبدو أنها قادته لخطأ. حيث يكتب:-

الرقم يظل كما هو عند قسمته على صفر.

ولأن هذا خطأ واضح، فإن استخدامي لجملة "يبدو أنها قادته لخطأ" ربما بدت محيرة. السبب وراء هذه الجملة هي أن بعض المعلقين على ماهافيرا حاولوا عذره في جملته الخاطئة.

كتب بهاسكارا بعد 500 عام من براهماجوبتا. ورغم مرور السنين كان لايزال يعاني محاولاً شرح القسمة على صفر. كتب:-

القيمة المقسومة على صفر تصبح كسراً مقامه صفراً. هذا الكسر يسمى قيمة لانهائية. هذه القيمة التي قسمها الصفر لا تتغير، بالرغم من إمكانية إدخال أو إخراج الكثير منها؛ كما لا يطرأ تغير على الإله الثابت اللانهائي بخلق وتدمير العوالم، بالرغم من نشوء وفناء خلقٌ كثير.

إذاً بهاسكارا حاول حل المعضلة بكتابة  
\large\frac{n}{0}\normalsize = ∞
. لأول وهلة ربما يغرينا الظن لتصديق أن بهاسكارا توصل للحل الصحيح، لكن بالطبع لا. لو كان هذا صحيحاً لكان 0 × ∞ مساوياً لكل رقم n، ولأصبحت كل الأرقام متساوية. الرياضيون الهنود لم يقووا على الاعتراف بأنهم لا يمكنهم القسمة على صفر. مع ذلك بهاسكارا ذَكَرَ محقاً خصائص أخرى للصفر كتربيع الصفر يساوي صفر، والجذر التربيعي للصفر يساوي صفر.

ربما ينبغي علينا أن نذكر عند هذه النقطة أنه كانت هناك حضارة أخرى طورت نظام أرقام قيمة-موضع يحتوي على الصفر. كانوا هؤلاء هم شعب المايا الذي عاش في أمريكا الوسطى، قاطناً المساحة التي هي حالياً جنوب المكسيك، جواتيمالا، وشمال بليز. كانت تلك حضارة قديمة لكنها ازدهرت تحديداً بين 250 و 900 ق. م. نعرف أنهم عام 665 ق. م. استخدموا نظام أرقام قيمة-موضع وقاعدته الرقم 20 مع رمز لتمثيل الصفر. مع ذلك استخدامهم للصفر يعود لما قبل ذلك وكان مستخدماً قبل أن يقدموا نظام أرقام قيمة-موضع. كان هذا إنجازاً كبيراً لكن للأسف لم يأثر في الشعوب الأخرى.

يمكنك قراءة مقالة منفصلة عن رياضيات شعب المايا.

انتقلت أعمال الرياضيين الهنود البارعة للرياضيين العرب والمسلمين في الغرب. جاء الانتقال مبكراً لأن الخوارزمي كتب "فن الحساب الهندي للخوارزمي" "Algoritmi de numero Indorum" وفيه وصف نظام الأرقام قيمة-موضع الهندي للأرقام المعتمدة على 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 8، و 0. في هذا الكتاب فيما يعرف الآن بالعراق ذُكر لأول مرة الصفر كعلامة على مكان في نظام الأرقام الموضعي. كتب ابن عزرا في القرن الثاني عشر ثلاث مقالات عن الأرقام نبهت بعض المتعلمين في أوروبا لفكرة وشكل الكسور العشرية الهندية. في "سفر الرقم" "ספר המספר" يصف النظام العشري للأرقام الصحيحة مع قيم موضعية من اليسار لليمين. في كتابه يستخدم ابن عزرا الصفر ويسميه جلجل גלגל (بمعنى دولاب أو دائرة). بعده قليلاً في القرن الثاني عشر كان السمؤال يكتب*:
 وإذا نقّصنا زائدا من مرتبة خالية بقي فيھا ذلك العدد بعينه ناقصا ... وإذا نقصنا الناقص من مرتبة خالية بقي فيھا ذلك العدد زائداً
انتشرت الأفكار الهندية شرقا في الصين وغرباً في الدول الإسلامية.  في 1247 م الرياضي الصيني كين جيوشاو  كتب "مقالات رياضية في تسعة أقسام" 數書九章  وفيها استخدم الرمز O للصفر. بعد ذلك بقليل في 1303 م كتب زو شيجيه كتابه "المرآة النفيسة في العناصر الأربعة" 四元玉鉴 وفيه أيضاً استخدم الرمز O للصفر.

كان فيبوناتشي من أهم من استقدموا لأوروبا هذه الأفكار الجديدة عن نظام الأرقام. كما كتب المؤلفون في [12]:-
كان الرياضي الإيطالي فيبوناتشي الوصلة الهامة بين نظام الأرقام الهندي-عربي والرياضيات الأوروبية.

وصف فيبوناتشي في كتابه "كتاب الحساب" "Liber Abaci" الرموز الهندية التسعة مع علامة 0 للأوروبيين حوالي 1200 ولكن لم تُستخدم على نطاق واسع لفترة طويلة بعد هذا. من المُلاحظ أن فيبوناتشي لم يكن جريئاً بالقدر الكافي ليعامل 0 معاملة الأعداد الأخرى 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9 لأنه تحدث عن "علامة" الصفر والرموز الأخرى كأعداد. مع أن تقديمه الأرقام الهندية لأوروبا كان هاماً جداً لكننا نرى في معاملته للصفر أنه لم يكن لا في براعة الهنود براهماجوبتا، ماهافيرا، وبهاسكارا ولا براعة الرياضيين العرب والمسلمين كالسموأل. 

ربما تظن أن تطور نظم الأرقام بالعموم والصفر بالخصوص سيكون ثابتاً بعد هذا التاريخ. لكن لم يحدث هذا. كاردان حلَّ معادلات تكعيبية ورباعية بدون استخدام الصفر.  ولو فعل لوجد أن ذلك كان سيسهل جهوده كثيراً في عقد ال 1500 ولكن الصفر لم يكن جزءاً من أدواته الرياضية. بحلول عقد ال 1600 بدأ الصفر ينتشر استخدامه فقط بعد أن واجه الكثير من المقاومة.

بالطبع لا تزال توجد إشارات على مشاكل سببها الصفر. مؤخراً احتفل العديد من الناس حول العالم بالألفية الجديدة في 1 يناير 2000. بالطبع هم احتفلوا فقط برحيل 1999 عاماً لأن بداية التقويم لم تكن العام صفر. بالرغم من أننا يمكننا غفران الخطأ الأولي، إلا أنه لا يثير الدهشة أن معظم الناس يبدو أنهم لم يستوعبوا لما الألفية الثالثة والقرن 21 بدأوا 1 يناير 2001. لايزال الصفر مسبباً للمشاكل!

مراجع:

  1. R Calinger, A conceptual history of mathematics (Upper Straddle River, N. J., 1999).
  2. G Ifrah, From one to zero : A universal history of numbers (New York, 1987).
  3. G Ifrah, A universal history of numbers : From prehistory to the invention of the computer (London, 1998).
  4. G G Joseph, The crest of the peacock (London, 1991).
  5. R Kaplan, The nothing that is : a natural history of zero (London, 1999).
  6. R Mukherjee, Discovery of zero and its impact on Indian mathematics (Calcutta, 1991).
  7. S Giuntini, A discussion concerning the nature of zero and the relation between imaginary and real numbers (Italian), Boll. Storia Sci. Mat. 4 (1) (1984), 25-63.
  8. R C Gupta, Who invented the zero?, Ganita-Bharati 17 (1-4) (1995), 45-61.
  9. P Mäder, "Wie die Puppe ein Adler sein wollte, der Esel ein Löwe, die Äffin eine Königin - so wollte die Null eine Ziffer sein!" Ein Überblick zur Geschichte der Zahl Null, in Jahrbuch Überblicke Mathematik, 1995 (Braunschweig, 1995), 39-64.
  10. R N Mukherjee, Background to the discovery of the symbol for zero, in Proceedings of the Symposium on the 1500th Birth Anniversary of Aryabhata I, New Delhi, 1976, Indian J. Hist. Sci. 12 (2) (1977), 225-231.
  11. K Muroi, The expressions of zero and of squaring in the Babylonian mathematical text VAT 7537, Historia Sci. (2) 1 (1) (1991), 59-62.
  12. L Pogliani, M Randic and N Trinajstic, Much ado about nothing - an introductive inquiry about zero, Internat. J. Math. Ed. Sci. Tech. 29 (5) (1998),729--744.
  13. S Ursini Legovich, The origin of the zero in Central American civilization. Comparative analysis with the Hindu case (Spanish), Mat. Enseñanza No. 13 (1980), 7-20.
  14. M Ja Vygodskii, L'origine du signe de zéro dans la numération babylonienne (Russian), Istor.-Mat. Issled. 12 (1959), 393-420.

ملاحظات:
* النص منسوخ من اقتباس من كتاب السموأل "الباهر"، لم أعثر على النص الأصلي لكن النص المذكور هنا منسوخ من الورقة البحثية "نصوص مختارة من علم العدد" لمهدي عبد الجواد، منشورات الجمعية التونسية للعلوم الرياضية، 2010، ص42 (رابط).

📗 طالع أيضاً:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق