دمياط - يوسف شكور |
دمياط
منذ برهة ذهبت الى دمياط قاصدًا التنزه والتفرج
على تلك المدينة القديمة والمشهورة بحسن الموقع وجودة
الهواء في فصل الصيف . فرأيت فيها اكثر مما سمعت
عنها ولذلك كتبت اليكم بهذه الرسالة . ولست بقاصد
الكلام عن المدينة القديمة اذ انها قد باتت مندرسة
واثارها قليلة تدل على ان موقعها كان في شمالي المدينة
الحالية في مكان يبعد اربعة اميال بالقرب من بلد
يقال لها الان العزبة . وفي مكان يبعد اربعة اميال
عن هذه البلدة في الجهة الشمالية اي عند مصب شطر
النيل الشرقي في مكان يقال له راس البر وهو قطعة
ارض من رمال واقعة بين شطر النيل المذكور والبحر
المالح . وفيه سمك كثير وطيور مختلفة الاجناس وياتيهِ
كثيرون في الصيف من جهات مختلفة وعلى الخصوص
من دمياط للتنزه وتبديل الهواء ومنهم من يصرف
فصل الصيف كلهُ فيهِ ببناء بيوت خشبية . والمظنون
ان ذلك المكان كان مينا دمياط القديمة على انهُ ما
من اثار تدل على ذلك . اما مدينة دمياط الحالية
فهي مبنية على شاطي شطر النيل الشرقي وهيئتها نصف
هلال ممتد من الشمال الى الجنوب ومنظرها من
النهر جميل جدًّا . وموقعها احسن موقع رايتهُ في
القطر المصري وهي شبه جزيرة ففي الغرب شطر
النيل الشرقي وهي المبنية على شاطيهِ وفي الشمال
على بعد ثمانية اميال منها البحر المالح وفي الشرق بحيرة
المنزلة وابنيتها غير منتظمة الانتظام المناسب لحسن
موقعها واسواقها في حالة متوسطة وليس فيها غير سوق
واحدة ممتدة من اول المدينة الى اخرها من الشمال
الى الجنوب. وهي محتاجة الى بعض التنظيف ولاسيما
عند شاطي اليل فانهُ عوضًا عن ان تكون ساحات
ذلك المكان للتنزه هي لجمع الاقذار . وهذا يفسد
الهواءَ . اما تربتها فخصبة واكثر محاصيلها الارز .
وكانت قبل فتح ترعة السويس ذات تجارة متصلة
مع بلدان كثيرة غير انها قد انحطت الان وهي تكاد
تنحصر في الارز والخشب الذي يرد اليها من محلات
مختلفة . ولو تعاون اهلها بالغيرة على التماس
المساعدة من الحضرة الخديوية السنية التي لا تألو
جهدًا عن ترقية اسباب العمران والتقدم لنالوا ما
يقدمهم ويرجع مدينتهم الى اكثر ما كانت عليهِ من
الرونق والاهمية . اما عدد سكانها فهو من ٢٥ الى
ثلثين الف نفس واكثرهم اسلام وثانيهم في الكثرة
الاقباط ثم الروم ثم الكاثوليك واكثرهم على جانب عظيم
من الرقة واللطف ، وفيها وكلاءِ قناصل لاكثر
الدول الاجنبية منهم حضرة الخواجا ميخائيل سرور
وهو وكيل للانكليز ولالمانيا ولايطاليا ولاسبانيا .
وحضرة الخواجا باسيلوس فخر الذي اطال الاقامة
في بلاد الانكليز وهو فيس قونسلوس فرنسا. وحضرة
الخواجا سليم سلامه فيس قونسلوس البرازيل وحضرة
والده الخواجا ميخائيل فيس قونسلوس البلجيك. وحضرة
الخواجا انطون كحيل وكيل للنمسا ولهولاندا وللدانمرك
وحضرة الخواجا اسكار لاتو لروسيا وحضرة الخواجا
حنا سرور لامركا وغيرهم من الذين لم اتمكن من
مقابلتهم وقد حملت من لطفهم حملاً ثقيلاً. ومن
الامور المحتاجة اليها هذه البلدة فتح مدرسة لتعليم اللغة
العربية مع فروعها واللغة الانكليزية والفرنساوية .
وبما انني قد رايت رغبتهم الشديدة في ذلك لفائدة
اولادهم وغيرهم قد انشات مدرسة وعينت لها معلمين
فيهم الكفاءة. والمامول انهُ في مدة قصيرة اتم الترتيب
اللازم بواسطة مساعداتهم وهكذا تكون هذه المدرسة
الاولى التي فتحت في تلك البلدة على النظام المذكور
وما ذلك الا بالعناية السنية الخديوية فان كل مرغوبها
ترقية اسباب تقدم المعارف والواسطة لذلك المدارس
فبناءً على ما لحضرته المعظمة من المقاصد الخيرية
قد انشات تلك المدرسة الخيرية ولا ريب في انها بواسطة
همم حضرته العلية وما لها من الايادي البيضاء تفوز
المدينة مع تلك المدرسة بما هما في احتياج اليهِ . هذا
واغتنم هذه الفرصة لاشكر اهالي تلك المدينة اذ رايت
منهم من اللطف والموانسة ما لا مزيد عليهِ
يوسف شكور رئيس مدارس الانكليز في مصر
مجلة الجنان - الجزء الثالث عشر - 1 تموز سنة 1874 - ص 444، و 445 (رابط)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق