الخميس، 28 أبريل 2022

مشاكل الحدود بين المحافظات : التحكيم الدولي .. أو الاستفتاء العام ! بقلم : عباس الطرابيلي

مشاكل الحدود بين المحافظات لعباس الطرابيلي
مشاكل الحدود بين المحافظات لعباس الطرابيلي


لكل المصريين
مشاكل الحدود بين المحافظات :
التحكيم الدولي .. أو الاستفتاء العام ! 
بقلم : عباس الطرابيلي

ونحن نحتفل بذكرى انتصارات اكتوبر، بعد ان اعاد التحكيم الدولي آخر نقطة فيها 
كانت في يد الاحتلال هي طابا . يعز علينا أن نتحدث عن حاجتنا الى تحكيم آخر لحسم 
نزاعات الحدود . وهى نزاعات ليست على خلافات حدودية بين مصر والسودان مثلا في 
اقصى الجنوب . او جراح قديمة على خلافات حدودية بين مصر وليبيا فى أقصى الغرب
عند جغبوب .. ولكنها للأسف خلافات حدود بين المحافظات المصرية 

وأرجو أن يصدقني القراء عندما اؤكد وجود خلافات حدودية رهيبة بين معظم 
محافظات مصر، وبعضها البعض . وهي قضية حقيقيه ولها ملفات تتضخم كل يوم في 
دهاليز مجلس الوزراء . وفي وزارة الحكم المحلي . . وفي مصلحة المساحة . وبالطبع في  
المحافظات المعنية . وهى ليست وليدة اليوم، بل قديمة قدم التقسيم الإداري الذي 
صاحب انشاء نظام الإدارة المحلية أو الحكم المحلي منذ حوالي 30‏ عاما . 

وإذا كانت الحدود بين الدول ترسم وتُعلم وتسجل حماية للتراب الوطني والمصالح 
القومية .. فإن الحدود بين المحافظات مجرد حدود إدارية الغرض منها حسن توفير 
الخدمات للمناطق السكانية حسب القرب أو البعد عن المدن الكبرى . حتى لا يتحمل 
المواطن أعباء فوق طاقته في سبيل تسهيل حصوله على المرافق والخدمات .. ولكن بعد 
أن نشأت صناديق الخدمات . وأصبحت هناك مصايف ومشاتٍ وموانئ. وأراض 
«تُسقّع» وبالتالي مصالح للمحافظة : حكومة ومحكومين . بدأَ الصراع يشتد على 
الحدود . خصوصا اذا لمعت في الأفق بادرة مصلحة هنا لهذا الحوت أو ذاك . 
وأصبحت مشاكل الحدود بين المحافظات تناقش علنا فى اجتماعات الحزب الوطني 
الحاكم بكل مستوياته .. لأن القضية أصبحت تتعلق «بمصالح» هذه المحافظة 
بالذات أو بمطامع كبار أهلها .. وهي مرتبطة أساسا بمدى قوة هذا المحافظ ، أو قربه 

وسأضرب مثلا واحدا عشته منذ سنوات هو مشكلة الحدود بين محافظتي دمياط 
والدقهلية . وهى قضية عمرها من عمر التقسيم الإداري الذى تحدثت عنه .. وبحكم 
«شطارة» الدمايطة ‏- خصوصا في إنشاء وإدارة المصايف ‏- فكر الدمايطة في انشاء 
مصيف توأم لرأس البر .. واختاروا موقعا للمصيف المختار عند قرية جمصة داخل 
حدود محافظة دمياط . وبدأت دمياط فى خطوات تحويل هذه المنطقة من مجرد قرية 
للصيادين الي مصيف جديد . وبدأت عمليات شق الطرق ومد شبكات المرافق ووضع 
البنية الأساسية . وفجأة تحركت محافظة الدقهلية . قالت ان دمياط لديها مصيفها 
المشهور ‏- رأس البر -‏ فلماذا لا يكون لنا مصيفنا ؟ وكان على رأس محافظة الدقهلية 
محافظ كان سكرتيرا لأول رئيس جمهورية لمصر - اللواء محمد نجيب -‏ وكان قريبا من 
عبدالناصر . وترضية لهذا المحافظ استجاب عبدالناصر واصدر أمرا بسحب أرض 
مصيف جمصة من محافظة دمياط ، وضمها لمحافظة الدقهلية ؟!
 
ومع فكرة شق ترعة السلام التي ستوصل مياه النيل من عند فرع دمياط إلى سيناء. 
ومع تنفيذ الفكرة تم تجفيف مساحات هائلة من أراضي بحيرة المنزلة . وتم «تسقيع» 
مساحات اخرى . وبدأ لعاب «حيتان» الأراضي يتحرك .. فالبعض يتحدث عن الحدود 
القديمة عندما كانت دمياط محافظة وليست مديرية .. والبعض يتحدث عن ضرورة 
استعادة هذه الأرض ، أو تلك . وإذا كانت قضية الحدود هذه بين المحافظتين قد 
خمدت بعض الشيء في عهد المحافظ السابق ، إلا أنها حُرِّكت من جديد بمجرد تولي 
المحافظ الجديد للسلطات فقد أصدر المحافظ قرارا بضم قرية الاسكندرية الجديدة الى 
محافظة الدقهلية . ونزعها عن محافظة دمياط . وفوجئ أهالي المنطقة بأنهم أصبحوا 
رعايا لمحافظة جديدة لم تقدم لهم أي خدمات ٠‏ ونزعت عنهم «رعوية» المحافظة التي 
وفرت لهم كل الخدمات . وأسرع الأهالي إلى رئيس مجلس الشعب . قالوا له لقد 
انتخبناك نائبا عن دمياط . ولم نعطك أصواتنا إلا لأننا تابعون لدمياط فكيف تقبل أن 
ينزعوا من دائرتك هذه المنطقة , بل ماذ! يحدث لو تم حل مجلس الشعب وأجريت 
انتخابات جديدة .. هل سنستمر ندلي بأصواتنا وننتخب - كما كنا - مرشحي دمياط .. 
أم سوف ننتخب مرشحي الدقهلية الذين لا نعرفهم ؟! 

ولم تهدأ محافظة دمياط . فعلى قدر علمي اتصل الدكتور أحمد جويلي محافظها 
بمحافظ الدقهلية الجديد مهنئا بتعيينه في منصبه الجديد. بحكم الجوار . وفتح معه 
موضوع الحدود وموضوع اسكندرية الجديدة . وقال ان الصالح العام يقتضي تجميد 
هذه القضايا الهامشية .. ولكن المساعي الحميدة فشلت . 
فأرسل محافظ دمياط رسالة مكتوبة إلى الدكتور عاطف صدقي رئيس حكومة كل
المحافظات طالبا منه سرعة التدخل ، يناء على مطالب أبناء المنطقة . بل وطلب المحافظ 
احالة الموضوع كله على لجنة تحكيم تدرس الموضوع وتبحث في الوثائق .. 

ويتهكم الدمايطة الآن وهم يبحثون في سجلاتهم عن أفضل المرشحين ليمثلوهم في 
لجنة التحكيم .. هل يكونون من العواجيز الذين عاشوا الماضي حتى يدلوا 
بشهادتهم .. ام يكونون من رجال القانون . وهل من الصالح أن يطالبوا بحكم 
سويسري أو هولندي .. وهل تعقد جلسات التحكيم فى جنيف أو لاهاي حيث مقر 
محكمة العدل الدولية .. أم تعقد في محافظة الوادي الجديد التى لا مصالح لها في 
دمياط ولا في الدقهلية . وهل يذهب وفد الى مصلحة المساحة للتنقيب في خرائطها ، كما 
فعلت كل من مصر وإسرائيل عندما بحثتا عن خرائط طابا وسيناء سواء فى المكتبة 
الوطنية البريطانية . أو في دار الوثائق العثمانية. وهل تفجر دمياط القضية القديمة 
الخاصة بمصيف جمصة . أم يكون التحرك مرحليا فقط، بحيث اذا نجحت لجنة 
تحكيم اسكندرية الجديدة في اعادتها إلى دمياط . تكون الخطوة التالية هى المطالبة  
بجمصة .. ام تعود اسكندرية الجديدة لدمياط مقابل التغاضي عن جمصة !!! 

قضية لعن الله من فجرها. ومن حفرها .. سواء من حيتان الأراضي الجديدة . أو 
بعض الذين في نفوسهم هوى . هو بالقطع ليس في صالح كل المصريين .. 

واذا كان الدمايطة الذين اتصلوا بي ليشرحوا قضية اسكندرية قد أشاروا إلى 
مطامع أخرى لمحافظة الدقهلية عند الزرقا والسرو وكفر سعد - وكلها مراكز تابعة 
لدمياط - إلا أنني أعلم أن قضايا الحدود أبعد من أن تكون مجرد مشكلة بين دمياط‎  
والدقهلية .. بل تكاد تكون هناك مشاكل حدود بين معظم المحافظات. ومادامت القضية‎ 
كذلك فلماذا لا تكون هناك لجنة دائمة عليا برئاسة رئيس الحكومة نفسه تعرض عليه 
نزاعات الحدود هذه . ليس بصفته وزيرا للحكم المحلي. ‏ ولكن بصفته رئيسا لحكومة 
كل المحافظات ٠‏ على أن تدرس اللجنة قرارات التقسيم الإداري وتحسم الأمر قبل أن  
يستفحل .. وتقرر، قبل إن يطالب السكان باستفتاء سكان المناطق المتنازع عليها . أو  
على الأقل قبل أن يحتكم الحيتان الجدد للسلاح . مادام الأمر يتعلق بالمصالح المالية ..

افتحوا ملف مشاكل الحدود، قبل أن تتمادى بعض المحافظات وتعلن الاستقلال، أو 
على الأقل تطالب بالتحكيم الدولي !!!

المصدر: الوفد - الخميس 5 ربيع الأول 1410 هـ - 5 أكتوبر 1989 م - 25 توت 1706 ق - العدد 292 - السنة السادسة
الصفحة العاشرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق