الخميس، 28 أبريل 2022

محافظة X مركز دمياط! بقلم د. يونان لبيب رزق

 
محافظة X مركز دمياط!
محافظة X مركز دمياط!

محافظة X مركز دمياط!
د. يونان لبيب رزق
مركز تاريخ الأهرام، الأهرام ديوان الحياة المعاصرة 189


لماذا تقدمت دمياط على الإسكندرية في العصر العثماني؟
تجارة دمياط محصورة في أيدي الوطنيين ولا يوجد فيها بنك لتسليف النقود
الداخلية تحول دمياط من محافظة إلى مركز لتوفير مائتي جنيه!
المفتش الانجليزي : صاحب الرأي والكلمة العالية والادارة النافذة في مصر
الدمايطة يدفعون الحكومة لتعديل قرارها


مفتش إنجليزي بوزارة الداخلية لم تفصح الأهرام ولا غيرها من المصادر، عن اسمه، 
كتب تقريرا بعد جولة له في مديرية الدقهلية ومحافظة دمياط عام 1906 أوصى فيه 
بتحويل الأخيرة إلى مجرد مركز، وبعد أن اطلع المستر ميتشل مستشار الداخلية الإنجليزي 
على التقرير رفعه إلى وزير الداخلية مصطفي باشا فهمي، وكان في نفس الوقت رئيسا للنظار، 
كما كان معروفا أنه أداة طيعة فى أيدي سلطات الاحتلال، موصيا بقبول الاقتراح، وحدث المتوقع 
وأصدر فهمي باشا قرارا نظاريا متفقا مع وجهة النظر الإنجليزية دون أن يتنبه بأنه بهذه الفعلة قد 
انتهك كثيرا من معطيات التاريخ والجغرافيا. 

عبرت الأهرام عن ذلك بقولها «إن‏ هذا القرار الذي أقام البلاد وأقعدها هو نتيجة تقرير 
أحد المفتشين الذين رأوا الأشغال قليلة فى محافظة دمياط فأرتأى تحويلها إلى مركز 
فأطاعت الداخلية شارته وكأن ما قاله وحي من الله لا يغير»!

ولم يتنبه مصطفى باشا فهمي في استجابته للموظفين الإنجليز فى الداخلية أن دمياط 
ظلت أهم الموانئ المصرية، حتى قبل الأسكندرية، بامتداد العصر العثماني. فمنذ أن 
انضوت مصر تحت حكم الدولة العلية أخذت قيمة عروس البحر المتوسط تتضاءل بينما 
ظلت قيمة دمياط تتعاظم، وكان لذلك التحول أسبابه .

فمن جانب افتقرت الإسكندرية إل المياه العذبة ومن جائب آخر إلى وسيلة 
مواصلات سهلة إلى داخل البلاد ، وهو ما كانت تحظى به دمياط بحكم وجودها على 
مصب الفرع الذى تسمى باسمها، وكان لهذين الاعتبارين أهمية كبيرة . .

يكشف عن ذلك أن الحملة الفرنسية التى نزلت إلى الإسكندرية بقيادة نابليون بونابرت 
لم تلق من العنت فى الاستيلاء على المدينة بقدر ما لقيت فى تقدمها إلى القاهرة عبر 
الطريق الصحراوي. وهو عنت كان يكابده المسافرون العاديون بحكم وجود العربان على 
طول هذا الطريق مما جعله مفتقرا إلى كثير من أسباب الأمن، وبسبب عدم وفرة المياه
العذبة في رحلة تستغرق أياما لا ساعات . . وكان على الإسكندرية أن تنتظر إلى بناء
الدولة الحديثة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، وما تم في إطار عملية البناء
تلك من حفر ترعة المحمودية التي كانت بمثابة بعث جديد للثغر العديد. فقد وفرت له المياه
ووسيلة المواصلات. وأدى مد الخط الحديدي بينه وبين العاصمة خلال خمسينات القرن،
بعد أقل من ثلاثة عقود من إتمام حفر المحمودية، إلى مزيد من أسباب ازدهار الإسكندرية
. . وحدث عندئذ، وعندئذ فقط أن عاد هذا الميناء ليحتل مكان الصدارة بين الموانئ
المصرية، بعد ثلاثة قرون من شغل دمياط له.

على صعيد ثان ادن التحولات الاقتصادية التي نتجت عن اكتشاف طريق راس الرجاء 
الصالح والتحولات السياسية التي أعقبت سقوط الدولة المملوكية على أيدي العثمانيين عام 
1517 إلى زحف دمياط إلى مركز المقدمة. فبينما أدت التحولات الأولى إلى وهن العلاقات 
مع أوربا التي انشغلت بالطريق الجديد وما استتبعه من بناء الإمبراطوريات الاستعمارية 
الكبرى، البرتغالية والهولندية والإنجليزية والفرنسية ، الأمر الذي تحول معه البحر المتوسط 
إلى بحيرة شبه عثمانية. فقد أدت التحولات الثانية إلى تنامى العلاقة مع بقية أنحاء 
الإمبراطورية العثمانية . . وبينما كانت الإسكندرية بحكم التاريخ والجغرافيا لبنة للعلاقات 
المصرية الأوربية، وذلك منذ أن أنشأها الإسكندر‏ الأكبر وأضحت بعدئذ عاصمة للبلاد. فإن 
دمياط كانت الواجهة للعلاقات للمصرية مع الحوض الشرقي من البحر المتوسط . . في
سوريا والأناضول حيث الإمبراطورية الجديدة. وقد زاد من هذا الاستقطاب حالة العداء التي 
سادت بين الدولة العثمانية وبين أوربا، الأمر الذى دعا حكومة الأستانة إلى إغلاق موانيها 
أمام السفن الأوربية فى السياسة التي عرفت باسم سياسة العزلة.

وفى خلال تلك الفترة انحسرت العلاقات التجارية يبن مصر وأوربا لتقتصر على بعض المدن 
الإيطالية. وعدد من التجار الفرنسيين الذين استمروا يتاجرون من خلال الإسكندرية .
وحتى هؤلاء كانوا يعانون كثيرا من عجز الدولة العلية عن كفالة القدر المعقول من الأمن 
لسفنهم، خاصة فى فترات الفوضى التي تعددت من جراء الصراع بين العثمانيين والمماليك، 
ومعلوم آن الذريعة التي تحجج بها بونابرت فى غزو مصر كانت ما لقيه التجار الفرنسيون من 
سوء معاملة المماليك فيما جاء في مستهل منشوره الأول الذي وجهه للمصريين من أنه ما جاء 
إلى بلادهم إلا لتأديب المماليك «الذين يتعاملون بالذل والاحتقار فى حق الملة الفرنساوية ويظلمون 
تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي » .

بالمقابل فان الصناعة والتجارة قد انتعشت بشكل ظاهر فى دمياط إبان العصر 
العثماني. وهو الأمر الذي اعترف به الفرنسيون فى «وصف مصر » . .‏ السفر الضخم 
الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية. خصوصا فى الجزء الذي وضعه جيرار عن الحياة 
الاقتصادية في البلاد . .

يقول الرجل فى موقع من هذا الجزء «تمارس فى دمياط حرفة تصنيع الكتان والقطن 
والحرير  . . وقد اشتهرت المدينة على وجه الخصوص بالأقمشة الكتانية التي لها حواف من 
الحرير الملون والتى تصدر إلى سوريا وتصنع منها الشيلان والعمائم . . ويوجد فى دمياط 
وقرية المنية المجاورة حوالي 300 نول تعمل جميعها فى صنع الشيلان الكتانية». 

يتحدث فى موقع آخر عن نوع من المنسوجات الحريرية تقتصر صناعتها على دمياط وهي 
براقع (خمارات) النساء التي تكون عادة باللون الأسود أو القرمزي. فضلا عن صناعة 
أقمشة القلوع اللازمة للسفن الشراعية، بحكم حاجة السفن المترددة على الميناء لهذا النوع 
من الأقمشة.

وينبه الموسيو جيرار في هذه المناسبة إلى وجود طبقة تجار قوية فى دمياط لم يقتصر 
دورها على الاستيراد أو التصدير وانما تعداه إلى أبعد من ذلك فيما رواه عن صناعة 
المنسوجات فى المحلة بقوله «تتم التجارة بين المحلة الكبرى وسوريا عن طريق تجار من 
دمياط يقومون باستجلاب الحرير من سوريا ثم يعيدون إليها جزءا من هذا الحرير بعد أن 
يتم تصنيعه فى مصر». والمعلوم أن نشأة الرأسمالية فى أوربا فى العصور الحديثة قد تمت 
على أيدي هذه النوعية من التجار الوسطاء. والذين كانوا يلقبون بالتجار الأحرار لأنهم 
خرجوا عن القواعد التي سار عليها اسلافهم من تجار الطوائف. 

ويفسر ذلك حقيقة لا زالت تشكل قسمة أساسية للميناء العتيد، وهي غلبة العلاقات 
الإنتاجية الرأسمالية فى التعامل بين أبنائه، كذا في التعامل بين هؤلاء وبين غيرهم من 
المصريين للمقيمين خارجه، مما يستغربه أحيانا هؤلاء نتيجة لأنهم لا زالوا واقعين تحت تأثير 
العلاقات الإنتاجية الإقطاعية، ومما أعطى الدمايطة صورة خاصة فى الوجدان العام لبقية 
المصريين !

وقد أدى هذا الاختلاف بين الميناءين الكبيرين . . الإسكندرية باعتبارها همزة الوصل 
بين مصر وأوربا، ودمياط التي شكلت الجسر الرئيسي بين مصر والدولة العثمانية إلى 
اختلاف في البنية الاجتماعية لأبناء المدينتين والتي تأكدت قرب أواخر القرن التاسع عشر . 
فبينما تفرنجت الإسكندرية على نحو ملحوظ فقد احتفظت دمياط بطابعها العربي الإسلامي. 
وبينما تدافع الأوربيون على الثغر الأول حتى قيلت العبارة المشهورة «انك‏ لا تكاد تجد أمة 
في أوربا لم تبعث بممثلين عنها إلى الإسكندرية». فإن هؤلاء لم يجدوا مكانا لهم فى الميناء 
الشهير الآخر. ونرى أن سبباً أساسيا وراء ذلك أن الراسمالية المصرية في دمياط لم تتح أية 
مساحة للرأسمالية الأوربية تمارس فيها نشاطاتها الاقتصادية كما حدث بالنسبة 
للإسكندرية. 

عبر الدمايطة عن هذه الحقيقة في إحدى شكاواهم التي رفعوها للمسئولين. والتي جاء 
فيها: «مما يذكر عن هذه المدينة أن تجارتها كلها محصورة فى أيدي الوطنيين وأنه لا يوجد 
فيها حتى الآن (1906) بنك لتسليف النقود أو للرهن كالمنصورة ولا فرع للبنك الأهلي 
ولم تندفع البنوكة لإنشاء فروع لها لأن تجار دمياط لا يضاربون ولا يرابون فالتاجر منهم 
يشتغل بماله على قدر طاقته وتلك مزية لدمياط تفردت بها »‏ .

بقيت ملاحظتان حول الوضع الإداري لدمياط بامتداد العصر العثماني، ومع 
بدايات الدولة الحديثة ٠‏ 

١) أن‏ المدينة مع الإسكندرية والسويس كانت تشكل أقاليم إدارية خاصة تمتعت
بإدارة مستقلة عن باشا مصر، وكان الباب العالي يبعث بثلاثة «قبودانات» أحدهم 
للإسكندرية والثاني لدمياط ورشيد والثالث للسويس، وكانت مهمتهم «حفظ القلاع
وربط البنادر والحكم بين الرعايا بالعدل والشفقة. وعوائدهم مرتبة على الميري وعلى 
جانب التجارات المحضرة بالبنادر». 

٢) بعد أن نجح محمد علي فى الاستيلاء على الحكم وأخذ فى بناء السلطة المركزية 
سعى إلى إنهاء هذا الاستقلال الإداري ونجح فى ذلك من خلال مفاوضات مع الباب 
العالي. وفي التنظيم الإداري الجديد الذي وضعه هذا الباشا ضم إلى جانب المديريات 
التي شكلت المناطق الريفية خمس محافظات كانت دمياط إحداها. مما كان يعني 
أن المدينة والمناطق المحيطة ظلت تشكل وحدة إدارية متميزة تحت اسم قبودانة 
أحيانا وتحت اسم محافظة أخرى أحيانا أخرى . .

الواضح أن المفتش الإنجليزي الذي أوصى بتغيير هذا الوضع لم يكن قد قرأ 
كل هذا التاريخ. الأمر الذي عبرت عنه الأهرام بقولها «لا ندري ما هي الحكمة 
بتعلل الداخلية وإصرارها بل إن الجميع يستغربون ذلك ولا يجدون من يفسر 
لهم هذه الأحجية والذي يظهر لنا أن الحكومة تظهر في مثل هذه المسائل منتهى 
الأنانية ولا تشاء أن يعاد عن كلمة قالها أحد المفتشين كأن كلمة المفتش الإنكليزي 
في نظارة الداخلية نازلة من السماء وخارجة من فم الخالق جل وعلا» ٠‏ 

الأدهى من ذلك أن مصطفى فهمي باشا طاوعه فى هذا، مما تسبب في 
كتابة فصل فريد ومجهول في التاريخ المصري. وهو الفصل الذي روته 
صحيفتنا بين عامي 1906 و 1909 ويستحق الكشف عنه . 

نص القرار الذي أصدرته الداخلية والذي نزل بدمياط من موقع «المحافظة- 
الذي كان لها منذ نشأة نظام المحافظات إلى موقع المركز جاء فيه أن نظارة 
الداخلية قررت إلغاء مركز فارسكور وإنشاء مركز في دمياط تتبعه نقطة نقطة
بوليس بفارسكور. وفي محاولة لشرح الأسباب التي دفعت المسئولين إلى ذلك
قال بيان الداخلية . .

«لم يحصل هذا التغيير إلا بعد أمعان النظر في مصالح أهالي دمياط بعد أن
تحققت النظارة من أن لا ضرر مطلقا على هذه المدينة وسكانها وأنه في الوقت 
نفسه يحقق أمنية طالما تمناها أهالي مركز فارسكور الذين كانت بلادهم واقعة 
على بعد شاسع منه وهى راحتهم من العناء الشديد الذي كانوا يقاسونه في سفر 
تلك المسافات من وإلى مركزهم القديم وبلادهم 

وكان مستخدمو هذه المراكز يتكبدون أيضا مشقات عظيمة في التوجه إلى تلك البلاد الكائنة 
في شمالي دمياط لمساحة أراضي الحكومة والقيام بأعمال أخرى تتعلق بنظارة المالية ولم 
يكن تعبهم بأقل من ذلك بأشغال الضبط والأعمال الإدارية بينما كانت الأشغال المنوطة 
بمحافظة دمياط لا تكاد تذكر . أما الآن فقد قسمت الأعمال بطريقة عادلة يرتاح إليها الأهالي 
والمستخدمون معا إذا تتبع للمركز التي أنشئ فى دمياط 24 بلدة ولنقطة بوليس فارسكور 
19 بلدة فقد حصلت الفائدة العظيمة للأهالي الساكنين في شمالي دمياط». ولم يكن هذا 
رأي الدمايطة، ولا رأي الأهرام التي ساندتهم.

تحت عنوان «مناهضة الحكومة لدمياط» ذكّرت الصحيفة بالمدينة «باعتبارها بلد تاريخي 
وتجاري فى موقع جميل هو نقطة السمت من القطر المصري سابقته الإسكندرية فسبقته 
وأهملته الحكومة فأماتته وصاح سكانه يطلبون فتح بوغازه للبواخر فكان جواب الحكومة 
أنها ضربته الضربة القاضية إذ حولت هيئة الحكومة فيه من محافظة إلى مركز ..». 
وقد بحث الناس وراء السر في هذا التحويل فلم يجدوا سبباً وجيهاً سوى أن نظارة 
الداخلية أرادت أن توفر مائتي جنيه بالتمام والكمال (!). وفى مقابل ذلك كما تقول الأهرام 
«سيخسر الدمياطيون بنزول أثمان أملاكهم وضعف مدينتهم وضياع تجارتهم ألاف من 
الجنيهات».

تذكّر جريدتنا أيضا فى هذه المناسبة بصلات دمياط القديمة مع الشام والأناضول 
وقبرص وجزر البحر المتوسط «فعدد أهالي دمياط 50‏ ألفا يعيشون من التجارة فإذا ألغيت 
المحافظة ضاعت الثقة بها وتحول عنها التجار وزد على ذلك أن أهالي دمياط لم يتعلموا 
الزراعة بل التجارة والصناعة فبتحول التجارة منها تفقد المركز الصناعي، ومعظم دور 
دمياط للتجارة فإذا وقفت للتجارة ضاع دخل الدور». 

بعد عشرة أيام من هذا المقال دون استجابة كانت الاهرام تتوقعها من المسئولين كتبت 
مرة آخرى وتحت عنوان «العظة البالغة» مقالها الرئيسي في الصفحة الأولى من العدد 
الصادر يوم الأربعاء 1 يونية عام 1906 استهلته بقولها أن مسألة دمياط «كانت عظة بالغة 
للناس في كيفية سير الأحكام في هذه البلاد فمفتش قد لا يعرف من الأمور الاقتصادية 
والإدارية غير القليل ومساعد مفتش قد لا يكون درس شيئا من أحوال البلاد يستطيع بتقرير 
يقدمه وخاطر يخطر له أن يقلب رأس البلاد على ذيلها»

واستطردت تشخص الموقف بأن أحد المفتشين قد ارتأى «أن‏ يغير النظام في مدينة دمياط 
وهي المدينة التاريخية بل المدينة الثانية التجارية من مدائن الثغور فلم يناقش في رأيه ولم 
يحاسب عن عمله ولم يكن إلا ان دار دورته في فارسكور ودمياط ورقّم قلمه حلمه على 
الأوراق حتى قالت الداخلية آمين وأصدرت ذلك القرار الذي يهدد مدينة كبيرة ومصالح 
عظيمة ومرافق عزيزة»! 

ونصحت جريدتنا ولاة الأمور ألا يتخذوا قرارات بهذه الأهمية على مصالح البلاد والعباد 
إلا بعد أن تطرح المسائل على بساط التباحث بين العارفين «ففى كل مديرية مجلس وفي كل 
محافظة هيئة مكلفة بدرس أحوال البلاد وفى العاصمة مجلس شورى فلماذا لا تؤخذ أراء 
هذه الهينات في التغييرات الإدارية التي يرتأيها المفتشون حتى يظهر للحكومة بعد البحث 
والدرس صوابية عمل المفتشين من بطلانه»٠‏ 

وقد اغتنمت الأهرام الفرصة لتضع نظام «المفتشين» الذى أشاعته سلطات الاحتلال في 
سائر الإدارات المصرية موضع التساؤل، بل المساءلة 

رأتهم في جانب على «طريقة واحدة في كل عمل من وضع القوانين والشرائع حتى إدارة 
الحكم وتعيين المديرين فيصح لنا أن نسمي هذه الدولة بدولة المفتشين لأن المفتش هو صاحب 
الرأي والنهي وهو صاحب الكلمة العالية والإدارة النافذة»، ورأتهم في جانب اخر مفيدين إذا 
توقف عملهم عند حد المراقبة «حتى لا يجسر الحاكم والمأمور على ارتكاب الخطأ والتورط 
في الزلل»، ثم انها رأتهم فى جانب أخير يجمعون بين سلطة المدير والمأمور وضابط البوليس 
والعمدة والشيخ والخفير «ففقدت البلاد كل هذه القوات ولم تستعض عنها إلا بقوة واحدة 
هي قوة المفتش»! 

ولم يكن الدمايطة فى حاجة إلى التنبيه من جانب صحيفة أو أكثر فقد تحركوا فور أن 
وصلت إليهم أخبار تحويل محافظتهم العتيدة إلى مجرد مركز. وهو التحرك الذي شد 
اهتمام المصريين خلال صيف عام 1906. 
 
جاءت أول إشارة عن هذا التحرك بالخبر عن تكوين وفد من أعيان المدينة نزل إلى 
القاهرة وبدأ جولته بلقاء مع المستشار المالي، وتذكر الأهرام أن التلغرافات قد انهالت على 
أعضاء هذا الوفد من أبناء دمياط تطالبهم ألا يعودوا إليها «إلا بعد نيل أمنية الدينة ببقائها 
محافظة كما كانت دائما ».

وبينما يبعث الدمايطة بشكاواهم إلى الصحف لم يتركوا بابا إلا وطرقوه . ٠‏ للمعتمد 
البريطانى تلغراف يستحلفونه فيه «بآبائكم العظام وأنجالكم الكرام أن تقبلوا شكايتنا 
وتحققوا أمالنا» ولمستشار الداخلية يعربون عن تزايد القلق وانتظار الحل. ولمستشار المالية 
يشكرونه على استقبال الوفد الدمياطي وقبوله العريضة التي تقدم بها اليه. 

فى يوم 30 مايو نجح الوفد الدمياطي فى الالتقاء بالمستر ميتشل مستشار نظارة 
الداخلية، وكان لقاء عاصفا، فقد أبى الرجل أن يجيب مطلبهم بالإبقاء على الصلة المباشرة 
بين محافظة دمياط والنظارة دون وساطة مدير الدقهلية، الأمر الذي دعاهم إلى الخروج من 
لدنه قاصدين إلى دار المعتمد البريطاني الذى امتنع عن مقابلتهم وأرسل اليهم من يبلغهم أن 
شأنهم متعلق بالداخلية، مما دعا بعض أعضاء الوفد إلى التلويح بأنهم لن يسكتوا حتى لو وصل 
الأمر إلى أن يسافر بعضهم إلى لندن لرفع شكايتهم لوزارة الأحرار! 

بعد أن هدئوا قليلا قرر أبناء دمياط أن يستعيضوا عن لقاء العميد البريطاني بتلغراف مطول 
وجهوه إليه ونشرت الأهرام نصه . . كان مما جاء فيه: 

«نرفع إلى مسامعكم بمزيد الاحترام أن نظارة الداخلية أبلغتنا أنه لا يمكنها الرجوع عن قرارها 
بشأن دمياط وعليه جئنا نستغيث بفخامتكم طالبين منكم إنصاف مدينتنا . . إذ لا يطابق 
النظام الحالي في مصر أن تتجاهل مطالب مدينة بأسرها ويداس عليها . . لذلك جئناكم ضارعين 
فقرار نظارة الداخلية كما بلغ لنا عبارة عن خراب مدينتنا. إن أربعين ألف نسمة يصرخون إليكم 
طالبين منكم أن تعودوا فتقبلوا مقابلة وفدهم». وبعد ساعة من إرسال هذا التلغراف كانوا يقفون 
على باب دار المعتمد البريطاني وكلهم إصرار على مقابلة اللورد كرومر الذي وعد بإتمام هذا اللقاء 
بعد يومين!

قبل انقضاء المهلة المحددة وصل جواب اللورد ليبلغهم أن نظارة الداخلية اتخذت قرارا سوف 
يكون محل رضائهم وطلب منهم أن يضعوا في حسبانهم مراعاة صالح سكان المراكز الزراعية 
المجاورة لدمياط وليس مصالح مدينتهم فحسب. وأن الداخلية بعد البحث الدقيق وصلت إلى 
الحل المرضي «لمطالب سكان المناطق الزراعية بدون ما يكون ألحق أي ضرر بالمصالح التجارية 
لمدينتكم التاريخية الشهيرة». 

لم يستكن الدمايطة إلى هذا الرد المهدئ بل حزموا أمرهم وتوجهوا إلى الداخلية طالبين مقابلة المستر 
ميتشل. ومع أن الرجل تهرب من مقابلتهم إلا أن سكرتيره أبلغهم بالحل وكان: «إن‏ الحكومة قررت إبقاء 
محافظة دمياط وخزانة المحافظة وعدم تعيين عمدة لدمياط وإبقاء نقطة فى فارسكور مع إبقاء مركز فارسكور 
تابعا لدمياط وإبقاء محكمة فارسكور الشرعية وكل ما حفظته الداخلية من قرارها السابق أن محافظة دمياط 
تظل تابعة لمديرية الدقهلية إداريا فتخاطب الداخلية بواسطة المديرية » وقد قطع المستشار وعدا على نفسه 
بأنه إذا ظهر في المستقبل ضرر من ذلك فإن الداخلية لن تضن بإزالته.

تم في نفس الوقت توجيه التعليمات إلى محافظ دمياط بمضمون التغييرات التي حدثت في القرار الأول بأن يبقى 
اسم المحافظ والمحافظة كما كان من قبل وكذلك الخرينة كما كانت عليه، وأن تعطى للمحافظ حرية التصرف في 
أعمال البندر «بعد مخابرة مدير الدقهلية وكان أولا يخابر النظارة»

وبينما كان يسعى المسئولون فى القاهرة إلى إقناع الوفد الدمياطي بأصوبية هذا الحل الوسط كان محافظ الميناء 
يقوم بنفس المهمة مع أعيان المدينة، وهو ما لم يفلح فيه تماما. فقد بقي هؤلاء عند رأيهم أن إتباع المحافظة 
لمديرية الدقهلية يحط من شانها «ولتجار دمياط علاقة كبيرة بالتجارة الأجنبية فهم يستوردون كمية عظيمة من الفحم 
الحجري وزيت البترول وغير ذلك عن طريق بورسعيد وتستورد الأرياف هذه الأصناف من دمياط . . ولتجار الخشب في 
المدينة شأن يذكر فانهم يستوردون كمية عظيمة من خشب الأناضول ولهم مع سوريا علاقة تجارية عظيمة وبواسطتهم 
منع العسر الذي كان يهدد البلاد في العام الماضي إذ قلت الغلال فبادر التجار الدمياطيون لاستيرادها من جهات سوريا 
فإذا عرف تجار الأناضول وسوريا والتجار الأوربيون أن دمياط ليست بلدة رئيسية قلت أهميتها في نظرهم وعدلوا عن 
معاملتها». 

تبع ذلك أن والى الدمايطة الوفد الموجود فى القاهرة بتلغرافاتهم التي أعربوا فيها عن استيائهم من قرار الداخلية وطالبوا
أعضاءه بالمثابرة على موقفهم إلى أن تبطل الداخلية قرارها وتعيد المحافظة إلى مركزها الأول، ولكن يبدو أن الجميع قد 
وصلوا إلى طريق مسدود . . المحافظ يردد على الأعيان فى المدينة أقوالا تقول الأهرام أنه لم يكن مقتنعا بها، وأن حجة هؤلاء 
كانت أقوى كثيرا من حججه. وفي القاهرة يجري أعضاء الوفد هنا وهناك بينما يرى المسئولون فى الداخلية وفى دار المعتمد 
البريطاني أنهم قدموا لأعضائه أكبر تنازلات ممكنة. وفى تقديرنا أن هؤلاء لم يتمكنوا من الوصول إلى الإلغاء الكامل للقرار لما 
يمكن أن يتبعه من إضعاف هيبة الحكومة ومن القبول بسابقة يمكن أن تتكرر بالنسبة لقرارات أخرى تصدرها نظارة الداخلية 
أو غيرها. وكان مطلوبا بعض الوقت يستجيب بعده المسئولون لطلب الدمايطة ولكن بشكل يبدو معه وكأن القرار قرارهم. 
وأنه لم يتخذ تحت أي ضغط.

بعض الوقت هذا امتد لثلاث سنوات. والى شهر مايو عام 1909 على وجه التحديد، ففي 26 من ذلك الشهر بشرت الأهرام أهالي 
الميناء العتيد بأنه سيعود كما كان محافظة كاملة . . جاء في الخبر الذي طيره وكيل الصحيفة فى المنصورة ونشرته فى ذلك اليوم 
أن «نظارة الداخلية عزمت على إعادة محافظة دمياط كما كانت وإعادة المركز إلى فارسكور وقد حضر جناب مفتش الداخلية إلى 
المديرية وتفاوض مع سعادة المدير على بناء المركز لفارسكور وقد وقع اختيارهم على قطعة أرض من أملاك الحكومة بفارسكور 
لبنائها مركزا وبذلك تعود دمياط محافظة كما كانت فنهنئ أهالي البلدين». وبهذا العود الحميد انتهت تلك الفترة الاستثنائية في 
تاريخ محافظة من أقدم المحافظات المصرية. 


المصدر: الأهرام - السنة 121 - العدد 30393 ، الخميس 5 ربيع أول 1418 هـ - 10 يوليو 1997 - 3 أبيب 1713 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق