الجمعة، 15 أبريل 2022

وصية أبو حنيفة ليوسف بن خالد السمتي

الحرم الداخلي في مسجد أبو حنيفة النعمان في الأعظمية في بغداد، العراق
الحرم الداخلي في مسجد أبو حنيفة النعمان في الأعظمية في بغداد، العراق (مصدر الصورة)



من كتاب: أبو حنيفة حياته وعصره - آراؤه وفقهه، تأليف الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي،  ص 206، 207


۲٥ - وآراء أبي حنيفة في الناس والاجتماع، وعلاقة العالم بالمجتمع 
الذي يعيش فيه آراء عالم خبير بأحوال النفوس ، دارس لها ، متعمق في 
دراستها ، فاحص لأحوالها ، قد ذاق حلوها ومرها ، وقد اشتملت وصيته 
التي ودع بها تلميذه يوسف بن خالد السمتي على شيء كثير من محكم تفكيره ، 
و ننقل لك زبداً منها فقد جاء فيها :

« اعلم أنك متى أسأت عشرة الناس صاروا لك أعداء ، وای كانوا لك 
أمهات وآباء ، وإنك متى أحسنت عشرة قوم ليسوا لك بأقرباء صاروا لك 
أمهات وآباء كأني وقد دخلت البصرة ، وأقبلت على المخالفة بها ، ورفعت 
نفسك عليهم ، و تطاولت بعلمك لديهم ، وانقبضت عن معاشرتهم ومخالطتهم ، 
وهجرتهم و هجروك وشتمتهم وشتموك ، وضللتهم وضللوك وبدعوك . واتصل 
ذاك الشين بنا ، وبك ، واحتجت إلى الحرب والانتقال عنهم . وليس 
هذا برأي ، إنه ليس بعاقل من لم يدار من ليس له من مداراته بد ، حتى 
يجعل الله مخرجاً . . إذا دخلت البصرة استقبلك الناس وزاروك وعرفوا 
حقك : فأنزل كل رجل منزلته ، وأكرم أهل الشرف . وعظم أهل العلم 
ووقر الشيوخ ، ولاطف الأحدات ، وتقرب من العامة ودار الفجار ،
واصحب الأخيار ، ولا تتهاون بسلطان ، ولا تحقرن أحداً ، ولا تقصرن 
في مروءتك ، ولا تخرجن سرك إلى أحد ، ولا تثق بصحبة أحد ، حتى 
تمتحنه ، ولا تخادن خسیساً ، ولا وضيعاً ، ولا تألفن ما ينكر عليك في 
ظاهره وإياك والانبساط إلى السفهاء . . . وعليك بالمدارة و الصبر والاحتمال 
وحسن الخلق وسعة الصدر ، وأستجد ثياب کسوتك ، واستفره دابتك ،
وأكثر استعمال الطيب . . . وابذل طعامك . فإنه ما ساد بخيل قط ، ولتكن 
لك بطانة تعرفك أخيار الناس . فمتى عرفت بفساد بادرت إلى صلاح . ومتى
عرفت بصلاح أزددت فيه رغبة وعناية ، واعمل في زيارة من يزورك . 
ومن لا يزورك ، والإحسان إلى من يحسن إليك أو يسيء ، وخذ العفو وأمر 
بالمعروف ، وتغافل عما لا يعنيك ، واترك كل ما يؤذيك وبادر في إقامة 
الحقوق ، ومن مرض من إخوانك فعده بنفسك ، وتعاهده برسلك ومن 
غاب منهم افتقدت أحواله ، ومن قعد منهم عنك فلا تقعد أنت عنه . 
وأظهر تودداً للناس ما استطعت ، و أفش السلام . ولو على قوم لئام .. ومتى 
جمع بينك وبين غيرك مجلس أو ضمك وإياهم مسجد ، وجرت المسائل ، 
وخاضوا فيها بخلاف ما عندك ، لم تبد لهم خلافاً ، فإن سئلت عنها أخبرت 
بما يعرفه القوم ، ثم تقول : فيها قول آخر ، وهو كذا وكذا ، والحجة له كذا . فإن 
سمعوه منه عرفوا مقدار ذاك ومقدارك ، فإن قالوا هذا قول من؟ قل بعض 
الفقهاء. إذا استمروا على ذلك وألفوه ، عرفوا مقدارك وعظموا محلك ، 
وأعط كل من يختلف إليك نوعاً من العلم ينظرون فيه ، ويأخذ كل واحد 
منهم بحفظ شيء منه ، وخذهم بجلي العلم دون دقيقه ، و آنسهم ومازحهم 
أحياناً ، وحادثهم ، فإن المودة تستديم مواظبة العلم وأطعمهم أحياناً ؛ 
واقض حوائجهم ، واعرف مقدارهم ؛ وتغافل عن زلاتهم ، وارفق بهم 
وسامحهم ، ولا تبد لأحد منهم ضيق صدر أو ضجر ؛ وكن كواحد منهم . 
واستعن على نفسك بالصيانة لها ، والمراقبة لأحوالها . . . ولا تكلف الناس 
ما لا يطيقونه ، وارض لهم ما رضوا لأنفسهم ، وقدم إليهم حسن النية ، 
واستعمل الصدق ، واطرح الكبر جانباً ، وإياك والغدر ، وان غدروا بك ؛ 
وأد الأمانة وإن خانوك ، وتمسك بالوفاء ، و اعتصم بالتقوى ، وعاشر أهل 
الأديان ، وأحسن معاشرتهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق