من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة |
من بحث بعنوان "من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة" للدكتور رمضان عبد التواب:
ومن الأمثلة التي تؤيد ما نذهب إليه ، من أن اللهجات المعاصرة
ليست إلا امتداداً لشيء من اللهجات العربية القديمة أيضاً ، ما يشيع
في بعض للهجات العربية الحديثة ، في مصر وغيرها ، من استعمال
اسم المفعول من الفعل الأجوف اليائي على التمام ، أي على وزن مفعول ،
دون إعلال يطرأ عليه ؛ فيقول الناس في مصر مثلا : فلان مدیون ، أي :
عليه دين ، ومريوح ، أي ضعيف لا يقدر على حمل الأثقال ، ومطیور ، أي :
متسرّع في عمله ، ومخيول ، أي : منشغل بما في خياله من أوهام . كما
يقال في بعض البلاد العربية عن الثوب إنه مخيوط ، وعن فلان من الناس
: إنه مهيوب ، وعن الشيء : إنه معیوب ومبيوع ، وعن الحَبِّ إنه مكيول ..
وغير ذلك .
والعربية الفصحى تُعِلُّ هذه الأسماء وما يشبهها بما يسمى الإغلال
بالنقل ؛ فتقول مثلاً : مَدین ومَخِيط ، ومَعِيب ، ومَكِيل ، ومَبيع ..
وغير ذلك .
غير أن هذا الذي قد شاع في اللهجات العامية المعاصرة ، ليس إلا لهجةً
لقبيلة تميم من القبائل العربية القديمة .
قال عبدالقادر البغداديّ في التعليق على قول العباس بن مرداس السُّلَمي :
قد كان قومك يحسبونك سيداً وإخال أنّك سيّد مغيونُ :
« قوله : مغبون ، جاء على لغة تميم . ولغة غيرهم : مَغِین ... ومغبون بالغين
المعجمة - اسم مفعول ، من قولهم : غِينَ على قلبه ، أي غُطِّي عليه .
وفي الحديث : وإنّه لَيُغَانُ على قلبي . ولكن الناس ينشدونه بالباء ، وهو
تصحيف . وقد رُوي بالعين غير المعجمة ، أي : مصابٌ بالعين . والأول هو
الوجه . وكلاهما مما جاء فيه التصحيح . وإن كان الاعتلال فيه أكثر ، لقولهم :
طعام مزيوت ، وبُرٌّ مكيول ، وثوب مخيوط . والقياس : مَغين ، ومَزِيت ،
ومَكِيل ، ومَخِيط »
وقد اشار سيبويه إلى هذه اللغة ، وإن لم ينسبها إلى تميم ، فقال : « وبعض
العرب يُخْرُجهُ على الأصل ؛ فيقول : مخيوط ومبيوع » . وكثير من
هذه الكلمات السابقة ، تذكر في بعض المعاجم العربية ، بالتصحيح والإعلال ،
جنباً إلى جنب ، دون نسبة إلى قبيلة معينة .
ومن الظواهر اللغوية الشائعة في اللهجات المعاصرة ، وهي امتداد للقديم
كذلك : ظاهرة سقوط الهمزة في غير أول الكلمة كثيراً ، مثل قولنا في
لهجات الخطاب : بير ، وياكل ، وراس ، ويملا ، ويقرا ، وريّس ،
وخطيّة ، وروس ، وفوس ، وعباية ، وملاية ، ويودّي ، وجينا ، ومروّة ،
ونحو ذلك ، بدلا من : بئر ، ويأكل ، ورأس : ويملأ ، ويقرأ ، ورئيس
وخطيئة ، ورؤوس ، وفئوس ، وعباءة ، وملاءة ، ويؤدي ، وجئنا ، ومروءة ،
وغير ذلك في العربية الفصحى .
كما يقع الهمز من أوائل بعض كلمات العامية في حالات قليلة ، مثل :
سنان، في : أسنان ، وسبوع ، في : أسبوع، وإيه اللي صابك ؟ في: أصابك ،
وبراهيم ، وسماعین ، في : إبراهيم وإسماعيل ، ويوم الحدّ ، في : يوم
الأحد ، وغير ذلك .
وليست هذه الظاهرة في اللهجات المعاصرة إلا امتدادا لما كان عند الحجازيين
القدماء في نطقهم لهذه الكلمات و أمثالها .
وصوت الهمزة هو صوت أصيل في اللغات السامية كلها ، وهو صوت
حنجري شديد مهموس ، ينطق بأن يلتقي الوتران الصوتيان ، أحدُهما بالآخر ،
التقاء محكماً ، يَحْبِس خلفهما الهواءَ الخارج من الرئتين ، حتى إذا زال
هذا الالتقاء فجأة ، سمعت للهواء المحبوس انفجاراً ، هو صوت الهمزة .
ويطلق على الهمز في اللغة العربية عند القدماء ، اسم « النّبْر » .
قال ابن السِّكّيت : « والنّبْرُ مصدرُ : نبرت الحرفَ نبراً ، إذا همزته ، وإن كان
الخوارزمي يخصَّ النّبرة « بالهمزة التي تقع في أواخر الأفعال والأسماء ، نحو :
سبأ . وقرأ وملأ » . كما يقول ابن منظور : «والنّبْر : همز الحرف » .
المصدر:
من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة
د. رمضان عبد التواب
أستاذ العلوم اللغوية ووكيل كلية الآداب جامعة عين شمس
مجلة المجمع العلمي العراقي
المجلد الخامس والثلاثون - الجزء الأول
ربيع الثاني 1404 هـ - كانون الثاني 1984 م
(رابط)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق