الثلاثاء، 9 أغسطس 2022

من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة

من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة
من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة



من بحث بعنوان "من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة" للدكتور رمضان عبد التواب:

ومن الأمثلة التي تؤيد ما نذهب إليه ، من أن اللهجات المعاصرة 
ليست إلا امتداداً لشيء من اللهجات العربية القديمة أيضاً ، ما يشيع 
في بعض للهجات العربية الحديثة ، في مصر وغيرها ، من استعمال 
اسم المفعول من الفعل الأجوف اليائي على التمام ، أي على وزن مفعول ، 
دون إعلال يطرأ عليه ؛ فيقول الناس في مصر مثلا : فلان مدیون ، أي : 
عليه دين ، ومريوح ، أي ضعيف لا يقدر على حمل الأثقال ، ومطیور ، أي : 
متسرّع في عمله ، ومخيول ، أي : منشغل بما في خياله من أوهام . كما 
يقال في بعض البلاد العربية عن الثوب إنه مخيوط ، وعن فلان من الناس 
: إنه مهيوب ، وعن الشيء : إنه معیوب ومبيوع ، وعن الحَبِّ إنه مكيول .. 
وغير ذلك .

والعربية الفصحى تُعِلُّ هذه الأسماء وما يشبهها بما يسمى الإغلال 
بالنقل ؛ فتقول مثلاً : مَدین ومَخِيط ، ومَعِيب ، ومَكِيل ، ومَبيع .. 
وغير ذلك .

غير أن هذا الذي قد شاع في اللهجات العامية المعاصرة ، ليس إلا لهجةً 
لقبيلة تميم من القبائل العربية القديمة . 

قال عبدالقادر البغداديّ في التعليق على قول العباس بن مرداس السُّلَمي :
قد كان قومك يحسبونك سيداً  وإخال أنّك سيّد مغيونُ : 
« قوله : مغبون ، جاء على لغة تميم . ولغة غيرهم : مَغِین ... ومغبون بالغين
المعجمة - اسم مفعول ، من قولهم : غِينَ على قلبه ، أي غُطِّي عليه . 
وفي الحديث : وإنّه لَيُغَانُ على قلبي . ولكن الناس ينشدونه بالباء ، وهو
تصحيف . وقد رُوي بالعين غير المعجمة ، أي : مصابٌ بالعين . والأول هو
الوجه . وكلاهما مما جاء فيه التصحيح . وإن كان الاعتلال فيه أكثر ، لقولهم :
طعام مزيوت ، وبُرٌّ مكيول ، وثوب مخيوط . والقياس : مَغين ، ومَزِيت ، 
ومَكِيل ، ومَخِيط » 

وقد اشار سيبويه إلى هذه اللغة ، وإن لم ينسبها إلى تميم ، فقال : « وبعض 
العرب يُخْرُجهُ على الأصل ؛ فيقول : مخيوط ومبيوع » . وكثير من 
هذه الكلمات السابقة ، تذكر في بعض المعاجم العربية ، بالتصحيح والإعلال ، 
جنباً إلى جنب ، دون نسبة إلى قبيلة معينة .

ومن الظواهر اللغوية الشائعة في اللهجات المعاصرة ، وهي امتداد للقديم 
كذلك : ظاهرة سقوط الهمزة في غير أول الكلمة كثيراً ، مثل قولنا في 
لهجات الخطاب : بير ، وياكل ، وراس ، ويملا ، ويقرا ، وريّس ، 
وخطيّة ، وروس ، وفوس ، وعباية ، وملاية ، ويودّي ، وجينا ، ومروّة ، 
ونحو ذلك ، بدلا من : بئر ، ويأكل ، ورأس : ويملأ ، ويقرأ ، ورئيس 
وخطيئة ، ورؤوس ، وفئوس ، وعباءة ، وملاءة ، ويؤدي ، وجئنا ، ومروءة ، 
وغير ذلك في العربية الفصحى .

كما يقع الهمز من أوائل بعض كلمات العامية في حالات قليلة ، مثل : 
سنان، في : أسنان ، وسبوع ، في : أسبوع، وإيه اللي صابك ؟ في: أصابك ، 
وبراهيم ، وسماعین ، في : إبراهيم وإسماعيل ، ويوم الحدّ ، في : يوم 
الأحد ، وغير ذلك .

وليست هذه الظاهرة في اللهجات المعاصرة إلا امتدادا لما كان عند الحجازيين 
القدماء في نطقهم لهذه الكلمات و أمثالها .

وصوت الهمزة هو صوت أصيل في اللغات السامية كلها ، وهو صوت 
حنجري شديد مهموس ، ينطق بأن يلتقي الوتران الصوتيان ، أحدُهما بالآخر ، 
التقاء محكماً ، يَحْبِس خلفهما الهواءَ الخارج من الرئتين ، حتى إذا زال 
هذا الالتقاء فجأة ، سمعت للهواء المحبوس انفجاراً ، هو صوت الهمزة .
ويطلق على الهمز في اللغة العربية عند القدماء ، اسم « النّبْر » . 

قال ابن السِّكّيت : « والنّبْرُ مصدرُ : نبرت الحرفَ نبراً ، إذا همزته ، وإن كان 
الخوارزمي يخصَّ النّبرة « بالهمزة التي تقع في أواخر الأفعال والأسماء ، نحو : 
سبأ . وقرأ وملأ » . كما يقول ابن منظور : «والنّبْر : همز الحرف » .

المصدر: 
من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة
د. رمضان عبد التواب
أستاذ العلوم اللغوية ووكيل كلية الآداب جامعة عين شمس
مجلة المجمع العلمي العراقي
المجلد الخامس والثلاثون - الجزء الأول
ربيع الثاني 1404 هـ - كانون الثاني 1984 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق