حكاية المصري الغريب - من كتاب علم الدين لعلي مبارك |
المسامرة التاسعة والثلاثون
حكاية المصري الغريب
قال الناقل وبينما هم كذلك اذا بانسان هرم دخل عليهم فسلم
بلسان عربي فصيح فرد عليه الشيخ وولده وحياه الانكليزي على
حسب العادة واذنوا له بالجلوس فجلس ثم تأملوا في هيأته ولغته
فعرفوا انهُ ليس من اهل البلدة فقال الشيخ لعلكم من اهل مرسيليا
قال لا وانما انا ساكن بها منذ مدة طويلة وانا من جهة مصر
ومسقط راسي القاهرة ولي بها اقارب ولا اعلم الان ما فعل الله بهم
وكانت اقامتي معهم بمصر في خط الازبكية ولي حكاية غريبة في
سبب مفارقتي لهم فقال الانكليزي اظنك ممن كان حضر مع نابليون
بونابرت حين خرج من مصر فقال نعم فقال له كيف تبعته وتركت
عائلتك واهل بيتك قال الرجل في مدة اقامة الفرنساوية بمصر
كان قد اختلط بهم بعض اهلها حتى دخلوا تحت طاعة الفرنسيس
وانضموا اليهم فمنهم من كان في خدمتهم ومنهم من دخل في عسكرهم
وقليل منهم شاركهم في التجارة فكنت ممن دخل في العسكرية
فاقمت فيها مدة الى ان حصل الصلح بينهم وبين المصريين وكان
في من كتب اسمهم في العسكرية كثير من القبط المصريين ونصاری
الشام ومن بقي من المماليك الذين كانوا بها قبل دخول
الفرنسيس اليها ولما وقع الصلح وتأهب جيش الفرنسيس للرحيل
خرج من العسكرية من خرج وبقي من بقي فكنت ممن بقي وكان
عمري از ذاك قريبًا من ثلاثين سنة وكان السبب في بقاء من
بقي مع الفرنساوية ان اهل مصر كانوا يتوعدون كل من دخل
في زمرة الفرنساوية بالقتل وبغيره فلذلك اخترت البقاء معهم
والمهاجرة الى بلادهم وعلى اي حال فالقسمة غلبت وخرج معهم
من خرج الى ان وصلنا مرسيليا فمنا من اقام بها ومنا من بقي في
العسكرية وسار مع نابليون فكنت ممن اقام بمرسيليا فرتب لنا من
جانب الحكومة مرتبات لكنها لم تكن كافية فاخذنا في الاسباب
كل على حسب اقتداره وتزوجنا من نسائهم وتخلقنا باخلاقهم
وتهيأنا بهياتهم واكتسب كل منا على حسب سعيه وكده واعاننا
على الكسب في هذه المدينة انها مينا واشغالها كثيرة وامور السعي
والعمل والكسب فيها متيسرة وبهذه الكيفية تيسرت معیشتنا
ورضينا بقضاء الله وقدره وان كان حب الوطن لا يبرح من
بالنا وافكارنا لا تفتر عن ذكر اهلنا وبقينا على هذه الحال إلى ان
تعصبت الدول على دولة فرنسا واتفقوا على خلع الامبراطور
واشخاصه إلى جزيرة الب للاقامة بها ورد الحكومة الى الملك لويز
الثامن عشر من ملوكهم فعند ذلك حصل لنا ولكل من كان قد
انتمى اليه من الذل والاهانة ما كان سببًا في مفارقتنا لمرسيليا ولو
كنا نعلم الغيب لكنا جميعا هاجرنا من هذه البلاد قبل ان ينزل
بها ما نزل من المقدور وما هو في علم الله مستور ومسطور فكنا
نحو اربعمائة نفس بعيالنا وكانوا يسوموننا كل يوم من العذاب ما
لا اقدر على وصفه الى ان حصلت الحادثة التي رجع فيها بونابرت
الى السلطنة مدته الأخيرة المعروفة عند اهل هذه البلاد بحكومة
مائة يوم لانه لم يقم بها الاَّ هذه المدة فلما انقضت حصل لنا ولجميع
من انتسب اليه غريبًا كان او غير غريب ما يعجز عن استيفائه
اللسان ويكل في حصره البيان وحاصل الامر ان جميع المماليك
والمهاجرين الذين كانوا معنا وعيالهم واولادهم قتلوا في وسط
حارات مرسيليا وشوارعها بكيفيات يشمئز منها الطبع ويمجها السمع
ولولا اني كنت غائبًا في ذلك الوقت لقتلت فيمن قتل ولما عدت
وجدت عيالي جميعًا قتلوا مع والدتهم وشرح ما حصل في تلك
الايام طويل ولو مكثت طول عمري اذكر لك من اخبارها لكان
ما اذكره بالنسبة لما اتركه اقل من القليل
فقال الشيخ اود ان اعلم كيف كان قتل المساكين الاغراب
وكيف سلمت الحكومة في ذلك فان مثل هذا لم يسمع به في بلاد
البربر ولا بين سكان البادية فكيف يكون في الملل المتمدنة ام
كيف يحصل من ملة يقال فيها انها بلغت من التمدن غايته
فقال ذلك الرجل ان طباع هذه البلاد غريبة جدًا لانهم
دائمًا في فتن ومحن ويودون دائمًا تغير صورة حكومتهم وديانتهم
كما يغيرون ملابسهم فان شئت وتفضلت عليّ انت ومن تحب
بالزيارة في منزلي فهناك نتروح بذكر البلاد واتلو عليك شيئًا مما
وقع في هذه الحادثة من الصلاح والفساد فسكت الشيخ فنظر ذلك
الرجل الى الانكليزي فقال اما انا فقد دعيت عند بعض الاحباب
ووعدته في هذا اليوم بالذهاب واود ان اخذ معي برهان الدين
وان اراد حضرة الشيخ أن يتوجه معك ويصطحب يعقوب معه
فالراي له فاتفقوا على ذلك وقاموا جميعًا فذهب الشيخ ويعقوب
مع الرجل الى منزله فقابلتهم زوجته احسن المقابلة وحيتهم تحية
الاكرام والمجاملة واجلستهم في المكان المعد للضيفان وامرت باحضار
القهوة والدخان فشربوا ثم شرعوا في التبسط بانواع الكلام الى ان
وصلوا الى ذكر حوادث الايام فقال الشيخ للرجل ارجوك ان تفي
بما وعدت به انفًا من حكاية ما حصل في قتل اولئك المساكين
الاغراب وما حصل بهم من انواع العذاب والعقاب فتنفس الرجل
الصعداء وقال ان اهل مرسيليا وما جاورها من البلاد بل اهل
فرنسا على الاطلاق منقسمون فرقًا فمنهم في السلطنة الملوكية ومنهم
من يميل الى الامبراطورية ومنهم من يحب الجمهورية ولكل قوم
كلام في ترجيح رايهم ليس هذا محله وكل فرقة من هذه الفرق مع
الاخرى في فرنسا كسعد وحرام في مصر والقيسية واليمانية في بلاد
الشام فمتى كانت الحكومة امبراطورية كانت الغلبة لمن يتبعها والعكس
بالعكس من ذلك لا ينقطع من بينهم عرق الشقاق ولا تزال الدماء
بينهم تراق في الحارات والاسواق ومن ذلك مسألة الاغراب التي
سمعتها فانها انما نشات من تلك التعصبات وذلك ان اهل مرسيليا
كانوا اول من نصب لواء العصيان في القومة الأولى على بونابرت
فلحقها مدة حكومته ما لحقها من الذل وضياع المزايا التي كانت
بميناها زمن الحكومة الملوكية لانها كانت وقت ذاك معافاة من
الكمارك والعوائد وكان ذلك من اقوى اسباب ثروتهم وسعة
تجارتهم فلذلك كانوا يتمنون عود الحكومة الملوكية حتى انهم من
شدة كراهتهم له ولمن اتبعه لما شاع الخبر بانحطاطه في سنة الف
وثمانمائة وأربعة عشر للميلاد وفي سنة ۱۲۳۰ للهجرة قاموا جميعًا
وقام معهم اهل البلاد والمديريات التابعة لها ففعلوا باتباعه أفعالاً
شنيعة وقتلوا كل من كان له ميل اليه بالقوة وشاع ذلك حتى
كان امرًا مشهورًا وتاريخًا على طول الزمن مذكورًا وهجموا على
محلات رجال الحكومة فقتلوهم وقتلوا أتباعهم ولم ينجُ مدير المديرية
من ايديهم الاَّ بالفرار الى ميدان الفسحة وهجموا على هيكل
الامبرور الذي كان منصوبًا في ميدان المدينة فكسروه ورموه
واقتلعوا جميع ما كان في ذلك الميدان من الأشجار والنبات
والازهار وحرقوا ما كان به من انواع الزينة والزخرفة وبالجملة
فلم يحترموا تربة كانت هناك وان كانت لاحد مشاهير رجالهم بل
حفروها ودمروها حتى لم يبق لها اثر هذا والسبب في تغالي اهل
هذه المدينة في الميل إلى الملك ان عائلته كانت دائمًا تعدهم برد
المزايا التي فقدوها وتشوقهم برجوع مزايا اخرى كانت لهم من قبل
وسلبتها منهم حكومة بونابرت فلما خلع من الملك اول مرة جمعوا
من رجالهم حزبًا عظيمًا عينوه لترغيب من يريد الدخول في
العسكرية فانضم اليهم اهل الشقاوة والمفسدون واخلاط من
العَمَلة والفعَلَة واستمروا على ذلك نحو احد عشر شهرًا من خلعه
ولهذا لما بلغ هولاء الاشرار خروجه من جزيرة الب ودخوله ثانيًا
ارض فرنسا خافوا على انفسهم من عاقبة فسادهم وايقنوا بحلول
العقاب بهم دفعة واحدة ورفعوا لواء العصيان ورغبوا اهالي
المدينة ومن حولها وخصوصًا العمال في المعامل وفي المخازن
العسكرية وكذلك كل من وجدوه من الفقراء والمساكين فتجمع
من هذه الجموع المختلفة الاف مؤلفة وانتشروا في المدينة وشبوا
في طرقاتها نار الفتن التي احلت بهم القضاء وهجموا على فريق
العسكر واكرهوه على ان يقوم معهم لمنع الامبرور من دخول ارض
فرنسا فخرج معهم بعسكره وساروا لتعطيل الامبرور عن الخروج
من البحر لكن الله قدر خروجه من البحر قبل وصولهم اليه فلم يبلغوا
مقصدهم ورجعوا إلى المدينة خائبين فصاروا يقوّون جموعهم
فعظمت قوتهم وازداد كرب الأهالي المنقطعين لاشغالهم من تعديهم
وظلمهم لهم وكانوا يزعمون ان الملك اذا قام بجيوشه يقاوم حزب
الامبرور نابليون ولم يخطر ببالهم ان الامبرور متی وضع قدمه
بارض فرنسا اجتمع حوله خلائق كثيرة من عساكره القديمة والجديدة
وغيرهم استمالهم اليه ما كان له من الشهرة وكثرة الفتوح والنصرة
فكان الامر على خلاف ما زعموا ولم يقاومهُ حزب الملك بل فرّ
بعائلته ودخل نابليون ارض فرنسا واخذ بعنان الحكومة كما كان
فتضعضع راي هولاء الاشرار وتفرق شملهم وترتب على نزول الملك
عن سرير الملك وخروجه من باريس تغير جميع حكام الجهات
والمديرين ومن جملتهم حكام المديرية التي مركزها مرسيليا فتغير
حاكمها وحضر لقيادة العساكر بها رئيس غير الاول وكان يجب
الصلح والاصلاح فاجتهد في منع اسباب الفساد وقمع اربابه بطريق
الانصاف والمساواة وتسكين الفتن حتى انحسمت الامور ومع هذا
كان المفسدون كلما وجدوا للفتنة فرجة اوسعوها او فرصة للشر
ابتدروها فكانوا يوقدون نيران الفتن خفية ويلقنون كل من
وجدوه كراهة الحكومة الامبراطورية واتباعها حتى انهم اكثروا من
الطعن في حق راس العساكر المحافظين بمرسيليا حيث كان هو
المانع لما يقصدونه من الفساد وكثيرًا ما اخبر باقوالهم ومقاصدهم
وانهم يتمنون حيلة لسفك دمه وهو مع ذلك لا يخرج عن الطريق
الذي الزم نفسه بسلوكه من الرفق في المعاملة وحسن الخلق والمجاملة
بل استمر على استعمال ما يوجب الصلح والاصلاح لاطفاء الفتن
وحصول الامن بين الرعية وكثيرًا ما راى بعينه تعدي بعض
هولاء الاحزاب وفتح ابواب الشر بالنزاع والمخاصمة مع عساکره
من غير مقتضٍ لذلك فكان لا يستفزه الغضب ولا يغير طبعه
معهم ما يقع منهم ظنًا منه انهُ على طول الايام اذا تمهدت قواعد
الحكومة على اصول من العدل متينة تنجلي قلوب الاحزاب ويزول
ما في نفوسها من الضغينة فانهم جميعًا امة واحدة وابناء وطن واحد
فلا بد ان يصفو البال وتحسن الاحوال قال ولم يعلم بما خفي
في خبايا الغيب فاخطأ ظنه وخاب امله وضاع عليه تدبيره وعمله
وذلك انه لما وقعت الواقعة المشهورة بجهة ( واترلوا ) انهزم فيها
جیش نابليون فانتشرت الاخبار في جميع نواحي المملكة ومن الجملة
جهة مرسيليا فشاع فيها الخبر يوم الاحد لعشر بقيت من شهر جونيو
سنة ١٨١٥ للميلاد وهي سنة ۱٢۳۱ للهجرة وذلك بعد ستة أيام من
تاريخ الواقعة فخاض في حديثها الناس واشتغلوا بها فكنت لا تجد
احدًا منهم الاَّ رايته مهتمًا بهذا الأمر مشغولاً به فلا يجتمع منهم
اثنان فاكثر الاّ على الخوض في حديث هذه الحادثة سواء كان
ذلك في محلات النزهة والفسحة ومواضع القهوة او الكنائس والدور
والازقة والميادين بحيث لم يبق فيما اظنه احد من الفرنساوية الاّ
تكلم في هذه المادة وما يترتب عليها من النتائج المؤلمة والعواقب
الوخيمة فغلب الوهم على قلوبهم لاعتقادهم جميعًا انه لا بد من
دخول العدو باريس وتصرفه في اهلها بالغلبة والقهر وهذا
الخوف كان عامًا لجميعهم ما عدا حزب الملك ومن اتبعه فانهم
وجدوا فرصة لاظهار ما في نفوسهم وبابًا للوصول الى اغراضهم فهبوا
من نومهم وقاموا من مهد خمولهم واجتمع عليهم كل من اراد الانتماء
والانضمام اليهم او رغب في السلب والنهب معهم فاجتمع بهم اهل
الشر والفساد جميعًا فلم يبقَ قاتل ولا لص ولا قاطع طريق الاّ
انضوى اليهم واختلط بهم وانتشروا في ارجاء المدينة فكان اول
ما فعلوه انهم هجموا على العساكر ورموهم بالرصاص وقابلهم العسكر
بمثل ذلك بحكم الضرورة فقتل من الفريقين خلق كثير واخر
الامر انهزمت شرذمة العسكر فخلا الجو لاولئك الثائرين ولم يبق
لهم ممانع وهجموا على البيوت وعلى الدائرة البلدية فجرى منهم من
الرذائل والمفاسد ما لا يدخل تحت حصر واخذوا بيرق الجمهورية
وحرقوه في ميدان كان منصوبًا به هيكل نابليون الاول ثم سطوا
على ذلك الهيكل فكسروه وداسوه تحت ارجلهم ثم داروا في الازقة
متجاهرين بالاقوال الفظيعة والتحريض على قتل كل من ينتمي الى
نابليون او عائلته او يميل للجمهورية وهجموا على مواضع كثيرة من
جملتها محل كان به نحو ثلثمائة من الضباط الضعفاء المعروفين
بالسقط اصحاب المعاش فاخذوهم عن اخرهم وذبحوهم ذبح البقر
وكذلك فعلوا بنحو اربعمائة من طائفة المماليك فقتلوهم عن اخرهم
ولم يرقوا لاطفالهم ونسائهم بل الحقوهم برجالهم وابائهم ولم يكن لذلك
من سبب سوى ان هولاء المساكين كانوا اظهروا الفرح عند عودة
نابليون فبقي ذلك في نفوس القوم وحقدوه عليهم حتى بطشوا بهم
في هذه الواقعة وفعلوا معهم امورًا شنيعة واحوالاً فظيعة تقشعر
منها الجلود ويكاد يرق عندها الجلمود فمن ذلك انهم كانوا عند
قتلهم للواحد منهم يقطعونه اربًا يلقونها في الطريق وكانوا ياخذون
الواحد فيوثقونه بالحبال ويضربونه بالعصي والخناجر فلا يموت
حتى يذوق انواع العذاب واشد العقاب
ثم قال ذلك الرجل وكان في جملة من مات الاولاد
( يعني اولاده ) وامهم قال وكان من يمر في اي طريق من طرق
المدينة وما حولها حينئذ انما يمر بين رمم القتلى ويخوض في دماء
الجرحى حتى اختلطت رمم الرجال برمم النساء وكان أولئك
المفسدون في خلال ذلك يتكلمون بكل ما تشمئز منه النفوس
وفعلوا ما لم يفعله المجوس فكانوا يطوفون حول القتلى راقصين
مسرورين فرحين مستبشرين رافعين اصواتهم بالاغاني والاشعار
المتضمنة للمباهاة والافتخار بما فعلوه من القبائح وارتكبوه من الفضائح
ومع ذلك لم تكن هذه الاهوال خاصة بمرسيليا واهلها بل كانت
في جميع جهات المملكة باسرها فكم من بلدة حرقت وضيعة خربت
وقرية نهبت قال فما كان احد يسمع في تلك الأوقات عن جهة
من الجهات الاَّ ما يسؤ الفوأد ويحرق الاكباد
فلما وصل الرجل من حكاية حديثهم الى هذا المحل قال
يعقوب ( وكان مع الشيخ ) سبحان الله العظيم قد قدر الله على طائفة
المماليك بهذا العقاب فاصابهم في كل جهة من الارض فان ما
حصل لهولاء بمرسيليا حصل مثله لاخوانهم بمصر وامثالهم الينكجرية
بالقسطنطينية سواء بسواء وكان ذلك في اوقات متقاربة فان ما
وقع مصر كان في سنة ۱٢٢٦ من الهجرة وما حصل بمرسيليا كان
في سنة ۱٢۳۱ منها كما مر والذي حصل في القسطنطينية كان
سنة ۱٢٤۱
فعند ذلك قال الشيخ هذا ما وعد الله ورسوله وصدق
الله ورسوله قال الله تعالى ( ذلك بان الله لم يك مغيرًا نعمة
انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) وقال ( وسيعلم الذين
ظلموا اي منقلب ينقلبون ) قال بعض الحكماء من سلب نعمة غيره
سلب غيره نعمته والحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه
والله لو ان الجنة وهي دار البقاء اسست على حجر من الظلم لاوشك
ان تخرب حكي ان بعض الوزراء جلس يومًا للمظالم فلما انقضى
المجلس رای رجلاً جالسًا فقال له ألك حاجة قال نعم ادنني
اليك فاني مظلوم وقد اعوزني العدل والانصاف قال ومن
ظلمك قال انت ولست اصل اليك فاذكر حاجتي قال وما
يحجبك وقد ترى مجلسي مبذولاً قال يحجبني عنك هيبتك
وفصاحتك قال ففيمَ ظلمتك قال في ضيعتي الفلانية اخذها مني
وكيلك غصبًا بغير ثمن فاذا وجب عليها خراج اديته باسمي لئلا
يثبت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي فوكيلك ياخذ غلتها وانا
اؤْدي خراجها وهذا لم يسمع بمثله في المظالم فقال هذا كلام تحتاج
معه الى بينة وشهود واشياء فقال ذلك الرجل أيؤْمني الوزير
من غضبه حتى اجيب قال نعم قد امنتك قال البينة هم الشهود
واذا شهدوا فليس يحتاج معهم الى شي اخر فيها معنى قولك بينة
وشهود واشياء واي شي هذه الاشياء ان هي الاَّ الجور وعدولك
عن الحق فضحك الوزير وقال صدقت والبلاء موكل بالمنطق
واني لا ارى فيك مصطنعًا ثم وقع له برد ضيعته وان يطلق له
مائة دينار يستعين بها على عمارة ضيعته وصيره من اصحابه وكان
من امر ذلك الرجل قبل أن يتوصل الى الانصاف واعادة ضيعته
له اذا قيل له يا فلان كيف الناس يقول بشر بين مظلوم لا ينصر
وظالم لا ينتصر فلما صار من اصحاب الوزير وردت عليه ضيعته
وانصفه قال له الوزير ليلة كيف الناس الان قال بخير قد
اعتمدت معهم الانصاف ورفعت عنهم الاجحاف ورددت عليهم
المغصوب وكشفت عنهم الكروب وانا ارجو لهم ببقائك نيل كل
مرغوب والفوز بكل مطلوب
المصدر: علم الدين لحضرة العالم الفاضل صاحب السعادة علي باشا مبارك ناظر الأشغال العمومية المصرية سابقا، الجزء الثاني طبع في مطبعة جريدة المحروسة بالأسكندرية سنة 1299 هـ، 1883م (رابط).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق