الجمعة، 1 يناير 2021

تاريخ دمياط منذ أقدم العصور - موقع دمياط القديمة

جزء من خريطة الدلتا زمن الحملة الفرنسية
جزء من خريطة الدلتا زمن الحملة الفرنسية


موقع دمياط القديمة

كان حادث تخريب الأمراء المماليك لدمياط عام ۱۲٥۰ م ، وما أعقبه من 
انشاء مدينة جديدة ، سبباً في اختلاف آراء الباحثين في موقع البلدة القديمة . فذهب 
بعضهم إلى أن موقع دمياط القديمة هو في مكان المدينة الحالية نفسه ، وهو على 
مسافة خمسة عشر كيلو متراً من البحر ... وذهب البعض الآخر إلى أن المدينة الجديدة 
تبعد عن الأولى ثلاثة أميال أو أربعة نحو الجنوب ، ومن هؤلاء من يقول إن 
دمياط القديمة كانت في المكان الذي تشغلة اليوم «عزبة البرج » الواقعة شمال المدينة 
الحالية ، على الضفة اليمنى للنيل وعلى بعد تسعة كيلومترات منها ...

ولكل من أصحاب تلك الآراء حججه التي يبديها بطريق الاستنتاج . وسنعرض 
هنا مختلف تلك الآراء کی نخرج منها بالرأي الصواب ...

وعلينا أن نذكر أولا أن أكثر الكتاب القدماء الذين كتبوا عن دمياط قبل 
حادث التخريب ، لم يحددوا موقعها تحديدا دقيقا بحيث يصبح هذا التحديد فصل 
الخطاب ، بل كانوا يكتفون بقولهم إنها ثغر على البحر ، أو بقرب مصب النيل . 
ومن ذكر منهم أنها كانت تقع على ساحل بحر الروم ، لم يوضح ما إذا كانت تلاصق 
الساحل أو كانت إلى الداخل ، بينما كانت بعض ضواحها أو قلاعها على شاطىء
البحر ...

فاليعقوبي الذي كتب في القرن التاسع الميلادي يقول : « دمياط ، وهي على 
ساحل البحر ، وإليها ينتهي ماء النيل ، ثم يفترق من دمياط ، فيخرج بعضه إلى بحيرة 
تنیس ، ويجري باقي ماء النيل إلى البحر الملح »

والمقدسي البشاري الذي عاش في القرن العاشر للميلاد يقول : « وبحر الروم منها 
( أي من دمياط ) على صيحة ، ودور القبط على ساحله ، وثم يفيض النيل في البحر »

وقول أبي الفدا في أوائل القرن الرابع عشر : « ودمیاط كانت مدينة مسورة 
على البحر عند مصب النيل الشرقي ، ثم خربت وبني بالقرب منها بليدة تسمى 
المنشية . وخربت دمياط سنة ٦٤٨ هـ »

ومع ذلك فالمنشية التي ذكر أبو الفدا وابن دقماق والمقريزي أن بعض فقراء 
الناس أنشأها على النيل جنوبي المدينة الجديدة ، وسكن أخصاصها ، لم تكن أصل 
المدينة الجديدة بل ضاحية صغيرة لها .

أما القائلون بأن موقع المدينة القديمة كان إلى شمال المدينة الحالية وقريبا من البحر ، 
فكثيرون . ولكنهم تناقلوا هذا الرأي بعضهم عن البعض الآخر ، دون دلیل ...

من ذلك ما ذكره أميلينو بكتابه : « جغرافية مصر في العهد القبطي » في كلمته 
عن دمياط : « إن موقع المدينة الحالية ليس في موضع المدينة القديمة التي يجب البحث 
عنها بالقرب من البحر »

ويقول كاتب رحلات مندفیل عام ۱۳۳۸ م : « کانت دمياط يوما حصينة 
جداً ، وقد استولى عليها المسيحيون مرتين ، ولذلك هدم ( المسلمون ) أسوارها . 
ومن أسوارها وأبراجها شيدوا مدينة أخرى أكثر بعداً عن البحر ودعوها 
بدمياط الجديدة . وعلى ذلك لا يسكن اليوم أحد مدينة دمياط القديمة » !

وكذالك يؤمن المؤرخ بتلر بهذا الرأي إذ يقول: « وأما تامیاتس القديمة وهي 
المقصودة هنا ( أي بالفتح العربي ) فقد كانت أبعد الى الشمال »

ثم تكاد تتفق دوائر المعارف على هذا الرأي أيضا . فاء بدائرة المعارف 
الاسلامية : « وقد هدم المماليك دمياط عام ۱۲٥۰ م وخربت المدينة ما عدا 
المسجد الذي ظل وحده قائما . وقامت مدينة جديدة غير حصينة أبعد من الأولى 
نحو الجنوب »

وفي دائرة المعارف البريطانية : « وكانت المدينة الأصلية أقرب إلى البحر بأربعة 
أميال من المدينة الجديدة . ولقد سد السلطان بیبرس ، أحد المماليك ، فرع دمياط 
حوالي سنة ۱۲٦۰ م وهدم دمياط القديمة و نقل سكانها إلى المكان الذي تقع فيه 
دمياط الحديثة »

وبدائرة المعارف الفرنسية الكبرى : « إن المدينة الحالية على مسافة ما من 
جنوبی تامیاتس القديمة » .

وبدائرة معارف جريشام الجديدة : كانت دمياط القديمة أقرب إلى البحر من
مكانها الحالي بنحو خمسة أميال . ولكنها خربت في القرن الثالث عشر وشيدت 
المدينة القائمة اليوم عام ۱۲٦۰ م » .

وفي قاموس لاروس الجديد : كانت دمياط تقع أولا على البحر نفسه . وكانت 
تسمى تامياتس في العهد اليوناني الروماني . ولم تكن غير بلد صغير يومذاك ثم هدمت 
وبنيت في مكانها الحالى عام ۱۲٥۱م » .

وفي « قاموس الجغرافيا اليونانية والرومانية » الذي وضعه الدكتور ولیم سميث 
« إن دمياط الحالية في الواقع لا تشغل مكان تامیاتس لانه كما جاء عن أبي الفدا أن 
المدينة الأصلية خربت عام ٦٤٨ هـ نظراً لموقعها المعرض للغزوات . ثم شيدت في 
مكان جنوبي الأولى على مسافة تبعد عن البحر مما كانت بمقدار خمسة أميال » .

وفي « القاموس العام للتاريخ والجغرافية » : « ومن أنقاض المدينة شيدت المدينة 
الحديثة على مسافة ستة كيلو مترات جنوبي المدينة القديمة » .

وفي عام۱۷۷۷ زار دمياط الرحالة الفرنسي المسيو سافاري ، و تردد على المكان الذي 
تشغله اليوم « عزبة البرج » وفحص ما وجده هناك ، ثم حاول البرهنة على أن دمياط 
القديمة كانت قائمة عند عزبة البرج هذه . وذكر رأيه هذا في كتابه المسمى : « رسائل 
من مصر » — قال بعد أن ترجم كلمتي أبي الفدا والمقريزي عن حادث تخریب دمياط 
وبناء « المنشية » :
« لسنا نجد یا سیدی ، في الواقع ، من آثار دمياط الأولى إلا ما نراه باقيا على 
طول فرسخ و نصف فرسخ من « قرية العزبة » . فان المدينة الحديثة التي سميت أولا 
باسم « المنشية »  — كما يخبرنا أبو الفدا — قد احتفظت بذکری نشأتها في مكان 
ما زال يطلق عليه اسم المنشية » . وجل الكتاب خلطوا بين هاتين البلدتين بأن
نسبوا للأولى ما وجب أن ينسب للثانية .

« و تبين لنا الملاحظات التالية ، كم من المراجع زادت هذا الموضوع ابهاما :

« فالأب سیکار يقول عن المدينة التي هدمت — تبدأ بحيرة المنزلة من مكان 
يبعد نصف فرسخ عن دمياط التي كانت تسمى فيما سلف تامیاتس .

« والسائح بوكوك — بعد أن تحدث عن دمياط الحديثة ، يضيف قائلا : « يری
على الطرف الشمالي لهذه المدينة برج ضخم مستدير ، مشید من أحجار خشنة قوية 
البناء ، أقامه ولا شك المماليك بعد أن استردوا دمياط من الصليبيين » .

« يقع كل من بروسبر ألبان ، والمسيو دي ماييه ، والدكتور توماس سکو ، 
في خطأ أكبر ، بوضعهم دمیاط مكان بیلوز القديمة ( تل الفرما ) فان دمياط تبعد 
عن خرائب بيلوز بنحو ۲۲ فرسخا !!

وأخيراً نرى الرحالة نيبوهر يخلط أيضا بين دمياط الحالية ودمياط التي خربت 
في القرن الثالث عشر بقوله : « ولم أجد أقل أثر لأسوار دمياط ، ولكن المكان 
الذي يقال إنه كانت تسده سلسلة يمكن تمييزه الآن بسهولة ، إذ يوجد على الضفة 
الشمالية بداخل المدينة برج قدیم مرتفع . ولا يبلغ النهر في هذا المكان أكثر من 
مائة قدم في العرض ! وما زال يرى في مواجهته على الضفة الغربية برج مشابه له قد 
تهدم كل ما ظهر منه على الأرض » .

« ولكن هذين البرجين اللذين جعلا الكتاب يخلطون بين دمياط القديمة 
والجديدة — شيدهما المماليك للدفاع عن المدينة الجديدة . ولما لم يروا فيهما نفعا هدموا 
واحداً منهما ، واستخدموا أنقاضه في تشييد الحصن الصغير الموجود عند مصب النهر . 
ويرى إلى اليوم مسجد كبير عند قرية العزبة على الضفة الشرقية للنيل ، على 
مسافة فرسخ واحد من البحر . ولقد قمت بعشر رحلات في تلك الناحية ، وفحصت 
تلك البقعة بانتباه ، فلاحظت هناك أسس جدران دمياط القديمة ، وقوس القنطرة 
أو قبواً من الآجر ، وبناء عتيقا لعله كان يحمل رأس جسر بارز أمام هذه المدينة 
وبرجا قديما مهدما ، وخرائب أخرى لا تدع شكا في موقع المدينة هناك .

« أما عن المسافة بين العزبة والبحر ، وقدرها فرسخ واحد ، فهي المسافة التي امتدتها 
الدلتا في البحر خلال ستمائة سنة ( أي منذ حادث التخريب إلى زمن الرحالة ) وهذه 
الزيادة أرغمت المماليك على أن يقيموا حصنين صغيرين بعد العزية لحماية مدخل النهر 
فالحصن الذي يقع على الضفة اليسرى قد بعد عن البحر مسافة نصف فرسخ في البر ، 
والحصن الآخر وهو أحدهما يؤيد ذلك أيضا لأن الشاطىء الذي شيد عليه يتقدم 
مسافة ثلاثة فراسخ في البحر ، ولما كان مغموراً في الماء تقريبا فانه سيصبح في أقل 
من قرن لسانا متداً في البحر ! » .

وللعالم الفرنسي ب . جوليان بحث نشره بالفرنسية في مجلة المجمع العلمي المصري 
بالقاهرة عام ۱۸۸٦ تحت عنوان : « مذكرة عن موقع دمياط القديمة » نذكره هنا 
لما يتضمنه من أدلة مفيدة ، قال بعد أن نقل روایتي أبي الفدا والمقريزي عن 
تخریب دمياط. وانشاء قرية المنشية :

« يحاول الرحالة سافاري في ( رسائله عن مصر ) المطبوعة عام ۱۷۸۹ — البرهنة 
على أن دمياط القديمة — كانت قائمة في المكان الذي شيدت عليه فيما بعد «عزبة 
البرج » ... وهو يقول إنه رأى هناك أسس جدران دمياط القديمة وأثراً لقبو 
يحتمل أن يكون رأس الجسر الممتد أمام المدينة ، و برجا قديما مهدما إلى نصفه ، 
وخرائب أخرى لا تدع شكا في موقعها .

« ويلوح أن هذا الرأي قد صار عاما . فان میشو في كتابه « تاريخ الحروب 
الصليبية ، ورينو في « مختارات من مؤرخي العرب » وبوجولا « في مراسلات من 
الشرق » وأميل ایزانبير في كتابه « دلیل مصر » وغيرهم ، يكررون القول إن دمياط 
التي استولى عليها يوحنا دي بريين ، والقديس لويس ، كانت عند عزبة البرج .

فالغرض من هذه المذكرة هو أن نبين ما هناك من خطأ في القول ، بأن مكان 
دمياط القديمة يقع في شمال المدينة الحديثة :

« فأولا : إذا طاف الإنسان في تلك الجهة ، تراءت لخاطره اعتبارات شتى تثير 
الشك في أن عزبة البرج تشغل مكان دمياط التي غزاها الصليبيون ، فهو لا يرى أمامه 
شيئا من ركام الهدم الذي كثيراً ما يدل على أمكنة المدن الدارسة بمصر . ففي بيوت 
تلك القرية أو في جدران مساجدها ، قلما يجد المرء مواد قديمة ، أو يصادف أثراً
منحوتا ، أو حجراً من صنع الغابرين ولا يبقى من تلك الخرائب التي يتحدث عنها 
سافاري ، غير بضع كتل من الآجر لا شكل لها ولا يمكن التثبت من تاريخها 
والغرض منها ، ومع ذلك فلقد كانت دمياط يوم حاصرها حنا دي بريين عام ( ۱۲۱۸ 
— ۱۲۱۹م ) مدينة بها سبعون ألف نسمة . وكانت أسوارها الخاصة بالأبراج 
تكون ثلاثة حواجز من جهة البر ، واثنين من ناحية النهر . وكان جيش السلطان 
المدافع عن طرف المدينة الجنوبي يمتد حتى قرية العادلية . وكان نجم الدین ابن
السلطان يقيم في العادلية ويسير إلى المدينة ثلاث مرات في اليوم ، ليشرف على الدفاع 
وينظمه . ولما كانت العادلية على مسافة سبعة عشر كيلو مترات من عزبة البرج ، 
صعودةاً في النهر ، كانت هذه المسافة شديدة البعد .

« وقد عرف أن اللسان الرملي لرأس دمياط وهو الذي يفصل النهر عن البحر ، 
قد استطال منذ ابتداء هذا القرن بمعدل ۱۲ متراً في السنة أي ۱۲۰۰ مترآ في مدى 
قرن واحد .. ومع أن كميات الغرين كانت مختلفة المقدار في القرون السالفة ، فقد 
تعذر القول إنه في خلال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر قرنا المنصرمة — أي منذ 
العصر الذي أسس فيه الإغريق دمياط القديمة عند مصب النهر (١) ، لم يتقدم الغرين 
غير خمسة أو ستة كيلو متر ، وهي المسافة التي تفصل عزبة البرج عن البحر . ونلاحظ 
أيضا أن زيادة ۱۲ مترا في السنة منذ العصر المفروض تأسيس دمیاط فيه يجعل 
شاطىء البحر قريبا جدا من المدينة الجديدة .

وثانيا : ما يثير الشك أكثر من أي اعتبار آخر فيما قيل عن موقع دمياط 
القديمة في مكان عزبة البرج ، أننا لا نجد هناك أثراً ما لذلك المسجد الفحم الذي بقي 
بعد تخریب دمياط . فقد كان من أجمل الآثار الاسلامية ، وكان مزدانا من الداخل 
بعدد وافر من الأعمدة المصنوعة من أبدع أنواع المرمر . وقد اتخذ جان دي بريين 
من هذا المسجد كنيسة ، كما جعل منه سان لويس عام ( ۱۲٤۹ م ) كتدرائية 
لتكون أبروشية جديدة بمصر . فلا يعقل أن بناء كهذا قد محي ، وأن جميع مواده 
قد نقلت إلى مكان بعيد . ولا يستطيع أحد أن يعين الزمن الذي خرب فيه . فما 
الذي آل إليه هذا المسجد ؟ إن عبارة من مقالة المقريزي في كتابه « الخطط والآثار » 
توضح لنا ذلك فهو يقول : « ... و بدمياط حيث كانت المدينة التي هدمت ، جامع 
من أجل مساجد المسلمين تسمية العامة « مسجد فتح » وهو المسجد الذي أسسه 
المسلمون عند فتح دمياط أول ما فتح الله أرض مصر على يد عمرو بن العاص . وعلى
بابه مکتوب بالقلم الكوفي أنه عمر بعد سنة خمسمائة من الهجرة . وفيه عدة عمد 
من الرخام منها ما يعز وجود مثله . وانما عرف بجامع فتح لنزول شخص يقال له فاتح 
به ، فقالت العامة جامع فتح ، وانما هو فاتح بن عثمان الأسمر التكروري ... » (٢)

ونحن عندما نخرج من الناحية الشمالية الشرقية لدمياط الحديثة ، ونجتاز آخر 
المنازل ، نصل إلى مكان فسيح خال ، يقوم عند طرفه مسجد فاتح ، ويلوح آن مئذنته 
المنيفة مبنية منذ سنوات قلائل . ورواقه الخارجي ذو بناء عادي صامد ، لا ينسجم 
مع بقية البناء . أما الكتابة الكوفية الموضوعة فوق الباب ففي حال سيئة تصعب معها 
قراءتها . ويذكرنا داخل المسجد بجامع عمرو الشهير بمصر القديمة ، غير أن الأعمدة 
هنا اکثر ارتفاعا وجمالا ، وبينها عمودان بلون أخضر قديم ، وأعمدة أخرى من 
المرمر الرمادي المعرق ، وأخرى من المرمر الشرقي وغيرها . أما رءوس الأعمدة 
فمن المرمر الأبيض ، وهي على الطراز الأغريقي . ولعلها كانت تخص كنيسة شيدت
في العهد اليوناني .

وثالثاً : يطلق على الميدان الواقع أمام المسجد « بحر الدم » ويرى المرء على 
مقربة منه بقایا میدان يسمى « الشهداء » . ويقول سكان المدينة إن هذه الأسماء 
تذكر بالمعارك الدامية التي استشهد فيها عدد كبير من كبار المسلمين تحت طعنات 
فرسان الأفرنج . وترى من المسجد والنهر كثبان من الأنقاض تدل ولاشك على 
موقع المدينة القديمة وتؤيد أقوال سكان دمیاط ما نحن بصدده .

« فدمیاط في عهدي الأغريق والصليبين ، كانت عند هذا الحطام ، وحول هذا 
المسجد القديم القائم في شمال دمياط الحديثة »

ومن تلك الآراء السالفة الذكر نرى أن الخلاف محصور كما تقدم في ثلاثة آراء : 
أولاها إن موقع دمياط القديمة هو مكان المدينة الحديثة ، لم يتغير في مر القرون
وتوالي الحوادث . وثانيها : إن دمياط القديمة كانت في البقعة التي تشغلها عزبة البرج 
الآن . وثالثها أن المدينة القديمة كانت على ساحل البحر مباشرة ...

غير أن أقرب هذه الآراء إلى الحقيقة هو الرأي القائل بأن موقع دمياط القديمة 
هو الموقع نفسة التي تشغله اليوم حول مسجد فاتح القديم والذي كان يقع في جنوبی 
المدينة القديمة . وأما ما يرى في عزبة البرج من أنقاض فهي بقايا الأسوار القديمة 
وما كان بها من أبراج ...

وهذا لا يمنع من القول إن دمياط كانت ذات ضواح وأرباض ومصايف على 
شاطىء البحر الأبيض المتوسط . وأنه كانت في تلك الأطراف قلاع وثكنات 
للجنود ومراسي للسفن . فلقد كانت دمياط ثانية المدن المصرية بعد القاهرة ، حتى 
قدر بعضهم عدد سكانها قبيل الحروب الصليبية بسبعين ألف نسمة ! .

وأخيراً لا يبقى أمام الباحث في هذا الموضوع ، إلا أن يضيف بعض الشوارد 
الواردة في كتب البلدانيين أو المؤرخين الذين كنوا قبل حادث التخريب أو عاصروه 
وحاولوا تحديد المسافات . ومن هؤلاء الشريف الإدريسي — الجغرافي — الذي 
يقول في كتابه « نزهة المشتاق في اختراق الآفاق » عام ۱۱٥۰م — أي 
قبل تخریب دمياط مائة سنة — :
« وأما دمیاط فأنها مدينة على ضفة البحر وبينهما مسافة ... فمن شاء النزول 
إليها من مصر سار على ما وصفنا من القرى والمدن حتى يصل طرخا ( طلخا) فيأخذ 
في الذراع الغربي الواصل إلى دمياط ، فينحدر إلى مدينة دميرة ١٠ أميال ومنها إلى 
شرمساح ۲۰ ميلا ، وألى فارسكور ... ومن فارسكور إلى بوره وهي قرية جامعة 
١٥ میلا ومن بوره إلى دمياط ۱۳ میلا ... فذلك من طرخا إلى دمياط ۱۰٥ 
میل ... ... »

وقد ذكروا أن الأدريسي كان يعتمد في تحديداته على تقارير يدونها رجال ندبوا 
للسفر إلى شتى البلاد لجمع المعلومات . أما عن مقياس الطول هذا وهو الميل ، فأن 
صاحب « المصباح يعرفه هكذا : « الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف 
ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع . والفرسخ عند الكل ثلاثة أميال » . 
فيكون الميل على هذا الأساس ۱۹۲۰ مترا وفي تقديرات عربية أخرى ۱۸۰۰ مترا .

فأذا رجعنا إلى المقاييس العصرية ، وجدنا أن دمياط الحالية تبعد عن البحر 
الأبيض ، عن طريق الشاطىء الشرقي ، نحو تسعة أميال و نصف میل . و تبعد عن 
فارسكور نحو ۱۲ ميلا . وما يهم هنا أن المسافة بين بوره الواقعة على بحيرة المنزلة 
شمال فارسكور ودمياط تقرب اليوم من ۱۳ میلا فلو أنها كانت تقع يومذاك 
على ساحل البحر لاختلفت تلك المسافات .

وأخيرا ينقل أبو الفدا في آخر القرن الثالث عشر عمن تقدموه أن دمياط من 
حيث العرض ۳۱ درجة وكسر . ويقول ياقوت في القرن الثاني عشر إن عرض 
دمياط ۳۱ درجة وربع وسدس . ويحدد بطليموس الجغرافي ( ۹۰ — ۱٦۸م ) 
مصب دمياط بخط عرض ۳۱ درجة و ٥٥ . أما بقياسنا الحالي فأن دمياط. تقع على 
خط عرض ۳۱ درجة و٢٥ شمالا ، ويقع المصب على خط عرض ۳۱ درجة و ٥١ — 
فاذا أمكن جمع كل ما ورد عن خط عرض دمياط القديمة ومقارنتها بخط العرض 
الحديث ساعد ذلك أيضا على القول بأن الموقع لم يتغير ...


(١) ليس ثمت دليل على أن الإغريق هم أول من أسس دمياط كما يقول المسيو 
جوليان : إذ المشهور أنها وجدت بشكل ما في عهود الفراعنة ثم ورد ذكرها في العصر 
البيزنطي كما تقدم .
(٢) خطط المقریزی ج۱ ص ۳٤٤ — ۳٦٥ وقد ذكر المقريزي أن فاتحا 
الأسمر كان مقيما بهذا المسجد ودفن بجواره عام ۱۲۹٦ م وأن المسجد كان منذ 
خربت دمياط عام ۱۲٥۰ م لا يفتح إلا يوم الجمعة .

المصدر: كتاب تاريخ دمياط منذ أقدم العصور تأليف نقولا يوسف (رابط)، الصفحات من 32 حتى 40. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق