الخميس، 31 ديسمبر 2020

تاريخ دمياط منذ أقدم العصور - ضواحي دمياط - رأس البر

خريطة مصيف رأس البر
خريطة مصيف رأس البر


 ٥ — رأس البر
ليس « رأس البر » بالبلد القديم ذي التاريخ المجيد ، أو بالقرية الحديثة ذات 
الخطر الجديد ، فيؤرخ لحياتها المؤرخون ، ويتناقل أخبارها الرواة والمصنفون . .
وإن هو إلا مصيف هادئ سعيد ، جدير بأن يشيد بذكره الشعراء والفنانون . . بله 
أنه مصيف يختلف عن جل المصايف — مصيف موسمي مؤقت ، لا بقاء له في غير 
أربعة أشهر الصيف ، ثم تزول دولته، ويبرحه أهله ، ليعودوا إليه مع الصيف
التالي ..

ومع هذا فقد أصبح لهذا المكان شهرة عالمية في دنيا الاصطياف والسياحة  
ويكاد لا يخلو كتاب يتحدث عن دمياط من ذكر « رأس البر » كضاحية متممة لهذه 
المدينة ، يطرقها في كل صيف حوالي سبعين ألفا من الناس .

أما تاريخ هذا المصيف بمعناه الحديث فيبدأ مع مستهل القرن التاسع عشر ..

هو لسان مثلث الشكل ، يبلغ طوله نحو كيلو مترين ، ومساحته نحو كيلو متر 
مربع من الأرض الرملية السهلة المنبسطة . . محصور بين ضفة النيل الغربية وشاطئ 
البحر الأبيض ، وهناك يصب فرع دمياط ماءه في البحر ، وتمتزج مياهه العذبة بمياه 
البحر الملحة .

وتتكون تربة المصيف من رمال البحر الناعمة الصفراء ، التي تحيلها أشعة الشمس 
إلى ما يشبه التبر اللامع . . وتمتزج هذه الرمال أحياناً بأصداف البحر ، وأخرى 
بغرين النيل .

ويتدرج هذا المثلث — أو شبه الجزيرة — في الارتفاع تدريجيا من مستوى 
سطح البحر عند المكان المعروف « باللسان » ، إلى أن يبلغ من الأرتفاع ستة أمتار 
عند « طابية الشيخ يوسف » في جنوب المصيف .


وكذلك يتدرج انحدار شاطىء البحر الأبيض تدريجا طفيفاً نحو العمق . . 
ولا تعترضه صخور ولا أعشاب .

وفي معظم شهور السنة تطغى مياه البحر الملحة على مجرى النيل ، في المسافة بين 
دمياط والمصب ، حين تعاد أقامة السد في عرض النهر ، أما في موسم الفيضان ، 
وعند ما يقطع هذا السد في شهر أغسطس ، فتتدفق مياه النيل العذبة زاخرة، محملة 
بالغرين ، وتدفع أمامها مياه البحر إلى مسافة بعيدة عن المصب ، ويظل ماء النهر في 
تدفقه حتى يعاد بناء السد ثانية في آخر الخريف .

وفي الشتاء حينما تشتد الأنواء ، تطغى أمواج البحر على « رأس البر » فتغطيه 
وتغسله ، وتهيؤه للصيف القادم ، نظيفاً نقيا ، وقد انحسر عنه الماء ، وجففته أشعة 
الشمس .

ويبعد شاطىء البحر الأبيض عن دمياط ، من الضفة الشرقية للنيل ، ۱٥ کیلو 
متراً وعن فارسكور ٣٤ كم، وعن المنصورة ۹۹ کم وعن قناطر الدلتا ۲٤۲ کم.

ويتصل المصيف بسائر أنحاء الأقليم المصري ، بالقطار ، والسيارة ، والطائرة، 
والمراكب النيلية . مما ساعد على ازدحامه بالمصطافين والزائرين ، ولو أن وسائل 
الاتصال به ما زالت في حاجة إلى أصلاح وسرعة وتحسين ..

ذلك هو المصيف المؤقت الذي تتم منشآته في مدى أسبوعين عند ما يهل الصيف، 
فأذا به مدينة صغيرة بها ما بسائر المدن الحديثة من شوارع ومساكن ، وفنادق ، 
وأسواق ومعابد، وملاه ، ومطاعم ، ومقاه . . فأذا ما أدبر الصيف ، زالت معالم 
هذه المدينة العامرة ، فيما عدا بعض المباني الثابتة والشوارع الممهدة، وعاد المصيف في 
جملته مساحة خالية من الرمال المعرضة لمد البحر وهطول المطر .

ولهذا المصيف خريطة هندسية سنوية يضعها مهندسو المصيف في شهر مارس من 
كل سنة، مبيناً عليها مواقع العشش و أرقامها ، ومواضع الفنادق والأسواق وغيرها .

وتقام العشش عادة على مساحة تتراوح بين المائة والأربعمائة متر مربع ، في 
نظام يكفل لكل عشة أن تطل على الشوارع من جهاتها الأربع . وعرض كل 
شارع منها ۱۸ مترا .

ثم تعرض الخريطة على الطلاب ، ليختار كل القطعة التي تروقه ، والموقع الذي 
يريده ، ومتى تم التعاقد على أيجار الأرض مع أدارة المصيف ، بدأ الاتفاق مع 
المقاول المختص بأقامة العشش بعد تحديد ع دد الغرف والشرفات ، طبقا للرسم 
المطلوب ... و يتكفل المقاول عادة بأحضار معظم الأثاث الضروري ...

وتشيد عشش المصيف من قوائم وألواح خشبية ، تعلو عن الأرض ثمانين 
سنتيمتراً أما الجدران والسقوف فأكثرها من حصر البردي المعروفة بالأکياب . 

وهذه تسمح للهواء بالتخلل في الغرف كلها . وهي ميزة صحية يمتاز بها « رأس البر » 
عن جل المصايف ... وقد تبني قواعد العشش بالمسلح لتبقى إلى صيوف قادمة ...

ويتمشى تاريخ ذلك الساحل الذي قام عليه المصيف ، مع تاريخ أمه دمياط . 

فعليه يتردد الصيادين والملاحون في أوقات السلم ، وهو ساحة قتال في فترات 
الحروب والغزوات ...

ولم تحتفظ هذه المنطقة الساحلية بشكلها ومساحتها دائما ... فقد ظلت خاضعة 
في مر الأجيال لعاملين طبيعيين : أولهما — مد البحر وتآكل الشاطئ بفعل الأمواج 
ودفع الرباح لها ... وثانيهما — ما يتركه النيل عليه من غرين ورواسب ... ولما كان 
العامل الثاني أقوى أثراً وأكثر نظاما و استمرارا . فقد أخذ هذا اللسان من الأرض 
في الامتداد التدريجي داخل البحر منذ قديم الزمان ، بل أن دلتا النيل كلها نشأت عن 
تلك الرواسب والغرين ...

وإذا ماعدنا لحظة إلى الوراء ، سمنا المؤرخ هيرودوت يقول إن فرع دمياط ، 
ويسميه فرع البوكولي ( أي فرع المراعي )، مجری صناعي حفره الفراعنة ، ثم 
اتسع تدريجياً وعرف بالفرع الفاتميتي ، ولما ردمت سائر الفروع زاد فرع دمياط 
اتساعاً وأهمية ملاحية ... وعند مصبه نشأت مدينة تامحيت الفرعونية وهي تامياتس 
الأغريقية ، ودمياط العربية ... وأخذت تزداد عمرانا ورحابة كما أمتدت أسوارها 
وأبراجها إلى قرب الساحل ...

فرأس البر هذا كان منذ أن نشأت دمياط ضاحية من ضواحيها، تارة يأتيها
صيادو الاسماك والسماني و يقيمون عليها عششهم ، وتارة يقيم عليها الحراس والجنود 
ثكناتهم ، وقد يأتي إليها سكان دمیاط في المراكب للنزهة والصيد والرياضة ...

و « رأس البر » أسم حديث . وكان العرب في القرون الوسطى يطلقون على هذه 
المنطقة « جيزة دمياط » ... والجيزة هي الناحية أو ما يجاز إليه ... رلا زارها المقریزي 
في القرن الخامس عشر دعاها في قصيدته : « مرج البحرین » ...

ثم شهد « رأس البر » في العصور الصليبية أحداثا رهيبة . ففي عام ۱۱٦۹ م وكان 
صلاح الدين الأيوبي لا يزال وزيرا للخليفة الفاطمي العاضد ، وصلت إلى ساحل 
دمياط أساطيل الصليبيين في نحو ألف مركب تحمل عشرات الألوف من الفرسان 
والمشاة ، ونزلوا إلى البر ثم حاصروا دمياط ثلاثة وخمسين يوما ، وقاتلهم صلاح 
الدين إلى أن أجلاهم عن دمياط بعد أن غرق لهم هناك عدد من المراكب ...

وفي شهر يونيه ۱۲۱۸ م وصل أسطول ضخم أمام رأس البر يحمل نحو سبعين 
ألف مقاتل بقيادة جان دی بريین ثم نزلت إلى « جزيرة دمياط » وعسكروا أمام 
المدينة ، وحفروا حول معسكرهم خندقا ، وأحاطوه بالأسوار و « المتاريس » . 
ثم حاصروا المدينة ستة عشر شهراً واثنتين وعشرين يوما ... ودخلوها في نوفمبر 
۱۲۱۹م ، ثم تنتهي القصة المعروفة بخروج الغزاة من دمياط بعد أن قضوا فيها وعلى 
شواطئها هذه ثلاث سنين وأربعة أشهر ...

وبعد ثلاثين عاما ... في يونيه ۱۲٤۹ وقف أمام رأس البحر أسطول كبير 
يحمل لويس التاسع وجيشه وفي اليوم التالي نزلوا إلى البر ، وزحفوا إلى دمياط 
وعبروا الجسر واستولوا عليها بلا قتال ... و تتهي القصة أيضا بجلائهم بعد الهزيمة .

وتدور عجلة الزمن وإذا بالشيخ تقي الدين المقريزي ، المؤرخ المشهور ، يقف 
عند « اللسان » برأس البر — وكان يسمى مرج البحرین ، وذلك في يوم رائق من 
أيام القرن الخامس عشر ، فتأخذه محاسن الطبيعة هناك وينظم فيها أبياتا من الشعر 
منها :
وفي « مرج البحرین » جم عجائب        تلوح و تبدو من قريب ومن بعد
كأن التقاء النيل بالبحر إذ غدا              ملیکان سارا في المحافل من جند 
وقد نزلا للحرب واحتدم اللقا                ولا طعن إلا بالمثقفة الملد

وفي ۳۱ اکتوبر ۱۷۹۹ يری جیش أنجليزي يقوده السير سدني سميت ، ينزل
من البحر إلى رأس البر  ويحتل برجاً قديما أمام عزبة البرج ، ثم يتحصن في تلك 
الناحية وينصب المدافع ، وبعد قليل تتبعه فرقة تركية من أربعة آلاف من الأنكشارية 
مع مدافعهم ، وينزلون أمام رأس البر ، ولكن جنود نابليون يردونهم إلى البحر ...

ثم يبدأ تاريخ المصيف مع مستهل القرن التاسع عشر ، وقد نسيت أهوال 
الغزوات والحروب التي اجتاحت تلك الناحية الجميلة ... فعمها الهدوء والاستجمام ... 
وغسلت أمواج البحر آثار المواقع والدماء ... وأقبل صيادو الأسماك والسماني 
بقواربهم وشباكهم ، وراحوا يترددون على تلك الشواطىء زرافات ووحدانا ...

وكان مشايخ الطرق الصوفية وأتباعهم بدمياط ، إذا ما فرغوا من احتفالهم 
بمولد أبي المعاطي ليلة الخامس عشر من شعبان ، انتقلوا إلى الاحتفال بمولد الشيخ 
علي الصياد على الشاطىء الغربي للنيل — وهو المواجه الآن للمدرسة الصناعية — 
وكانوا بعد ذلك ينتقلون إلى مسجد الشيخ سديد بالسنانية حيث يحتفلون أيضا بمولده ، 
ثم تسير جموعهم نحو الشمال مع النيل إلى المكان المعروف « بالجربي» ... و تقع قرية 
الجربي الحديثة جنوبي رأس البر وأمام عزبة البرج ... وقيل إنها كلمة فرنسية محرفة 
منذ عهد الحروب الصليبية يوم كان جنود جان دی بريين يطلقون عندها الحمم ... 
فكان مشايخ الطرق يحتفلون بها بمولد « الشيخ الجربي » وكان له مقام هناك ... 
وبعد ذلك يحيون مولد « الشيخة خديجه » بين طابية الشيخ يوسف والجربي ...

وإذ كانوا يعتقدون أن أرواح الشهداء الذين قتلوا في الحروب الصليبية مازالت 
تطوف بالمكان المسمى اليوم « بين الموجتين » حيث استشهد الكثيرون هناك ، فقد 
كانت الجموع تنتقل إلى رأس البر وتقيم بها حفلات « المولد » لذكرى أولئك 
الشهداء . وكانت تقوم لذلك قرية صغيرة مؤقتة بها ما بساحات الموالد اليوم ...

ويقص الأستاذ حسن كامل زاهر ما سمعه عن أبيه بشأن تلك المواد التي كانت 
تقوم برأس البر ويقول : « كان والدي الحاج عثمان زاهر رحمه الله يستضيف مشایخ 
الطرق بصفة نائب سجادة السادة الرفاعية بمركز شربين ... وكان من أهالي دمياط
كثير من التجار الذين يملكون السفن الشراعية التي تحمل البضائع بين مصر وسوريا 
والأناضول ، وكان منهم في ذلك الوقت علي المرقبي ، و الحاح عبد الرازق اسماعیل ، 
ومحمد شاكر المرقبي . وكان لهؤلاء تجارة واسعة بين دمياط وهذه الأقطار . فكانوا 
يقدمون إلى رأس البر لمقابلة سفنهم عائدة من رحلاتها . وهنا شاهد هؤلاء التجار 
أول طلائع المصيف ممثلة في هؤلاء المتصوفين ، واستمرأ الجميع الأقامة في هذا المكان 
الهادئ الجميل الذي يبعث في النفس روعة التأمل وطمأنينة التعبد ... ... »

وفي القرن التاسع عشر أثري كثير من التجار ، وشيد بعضهم قصوراً بدمياط واقتنى 
المراكب ، وكان قصر وسيلي فخر قرب عزبة البرج مزاراً لكبار الأجانب في زمن محمد 
علي ، كما كان قصر أغا المدينة « المحافظ » أمامه على الضفة الغربية وكانت هناك قصور أخرى 
وكان من عادة تلك الأسر أن تخرج في بعض أيام الصيف في سفن شراعية على النيل 
وترسو أمام رأس البر ، و تقضى النهار في التنزه ... 

وكان بعض أعيان المدينة قد أموا رأس البر عام ١۸۲۳ للصيد والرياضة ، 
فراقهم جوها ومناظرها . وشيدوا لهم أكواخا من الأكياب والحصير ، كما أنشأوا 
سرادق كبيرة ، وما لبثوا أن اتخذوا هذا المكان مصيفا لهم ، وتبعهم غيرهم ، وأخذ 
المصيف يتطور عاما بعد عام ، ويتدرج من عشش قليلة متفرقة إلى صفوف منظمة 
بين شاطىء النيل والبحر ...

وكان الخديو عباس الأول مولعاً برأس البر ، يذهب إليها في ذهبية فاخرة تحمله مع 
حاشيته على النيل ، وكان قد تولى الحكم ( من نوفمبر ۱۸٤۸ إلى يولیه ۱۸٥٤ ) فحضر 
مرة إلى دمياط وقصد رأس البر ، وكان غريب الأطوار ، فعلم هناك أن الشيخ محمد 
الخضري الكبير أحد علماء دمياط ، له إلمام ودراية بعلوم الميقات والهيئة وأحكام 
النجوم ، فدعاه إليه ، وحضر الشيخ ومعه تلميذه الشيخ عبد الوهاب الحمامصي ليكون
واسطة في ترجمة الكلام بينه و بين الوالي ، فأن الشيخ الكبير كان فاقد السمع ، وكان  
تلميذه يترجم له بطريقة أشارية تستخدم فيها أصابع اليد التفاهم ... وفي تلك المقابلة
طلب الوالى أن « يأخذ له الشيخ طالعاً » في مسألتين شخصيتين ، واتفق معه على أن 
تكون الإجابة بعد مهلة على يد محافظ المدينة بكتابة مختومة ! !

وفي عام ١٨٧٠ في حكم الخديو اسماعيل أنشئ أمام رأس البر على الضفة الشرقية
منارة دمياط « الفنار » التي ترتفع عن مستوى البحر ١٨٠ قدماً وهي على شكل برج
من الحديد ذي ثلاثة أرجل سوداء اللون ، يعلوه مصباح أسود به خطوط رأسية
بيضاء ـ ونوره أبيض يرى على مسافة عشرين ميلا في البحر إذا كان الجو صافياً .
ومدة دورته دقيقة واحدة ... وقد أنشئ بجوار المنارة بيوت ومكاتب لموظفيها .
وأصبحت منطقة « الفنار » مزاراً للمصطافين الذي اعتادوا الصعود إلى قمته للتمتع
بالمناظر الطبيعية من ذلك العلو الشاهق ...

وكان الخديو توفيق عقب الثورة العرابية ( ١٨٨٢ ) يزور رأس البر أحياناً
في باخرة نيلية ، وكان يصحبه في هذه النزهة عدد من ذهبيات الباشاوات وكبار
الموظفين وبواخر مفتشي الري من الأنجليز . وكانت الأنوار التي تنبعث منها
تكسوها زينة ولألاء ...

وواظبت الأسر المسيحية الكبيرة بدمياط مثل عائلات كحيل وسرور وفخر وقصيري
وبحري وخوري ورزوق وعنحوري ... الخ ، على الأصطياف في عشش برأس البر في النصف 
الثاني من القرن التاسع عشر ، ولما هاجرت من دمياط إلى المنصورة وطنطا والقاهرة ، 
لم تنقطع عن الحضور في الصيف إلى هذا المصيف والإقامة في عشش رحبة من 
الأكياب والبوص وكانت تتسابق إلى حجز المكان قبل الصيف . وكان الماء والطعام 
ينقل إليهم كل يوم من دمياط وعزبة البرج في المراكب .

وفي عام ۱۸۸۳ جاء رأس البر العالم الألماني « كوخ » الذي انتدبته الحكومة 
المصرية خبيراً على أثر انتشار الكوليره بمصر فوضع تقريراً جاء فيه : « إن مصيف 
رأس البر قد يصبح يوماً ملك المصايف وأشهرها . إذ يمتاز بموقعه الجميل ، وهوائه 
النقي الجاف ، وشواطئه الذهبية ، وبعده عن الضوضاء ... وهو أقل رطوبة من 
جو الشواطىء المصرية الأخرى ، وتكثر في هوائه كمية اليود ... »

ثم أخذ المصيف يحتل مكاناً في كتب القرن التاسع عشر ، فيكتب عنه علي 
مبارك عام ۱۸۸۸ في « الخطط » : « ... وفي جهتي البوغاز شرقاً وغرباً قلعتان 
أنشئنا في زمن الفرنساوية وكانت قلعة الغرب مبنية بشكل سور مستدير محیط
بالبرج القديم المستدير الذي به مقام الشيخ يوسف في مكان يعرف برأس البر ... »

وفي عام ۱۸۹۱ يصفه « دلیل وادي النيل » : « وبها مصيف يسميه أهل 
دمياط برأس البر يشبه رمل الأسكندرية ، يقصده أهل المدينة في مدة الصيف ، 
وتأتي إليه الناس أيضاً من سائر بلاد مصر . وهو يبتعد عن مدينة دمياط مسافة
ساعتين بحراً بالزوارق »

ثم ظهر الفندق الأول عام ۱۸۸٦ بعد أن كانت الذهیات والسفن الشراعية 
تقوم مقام الفنادق ، لا سيما للأغنياء الذين لم يشيدوا عششاً ... ففي ذلك العام أنشأ 
رجلان من تجار القطن هما سليم نجار و نخله عيسى أول « لوكاندة » برأس البر ذات 
أسرة من الجريد و فرش من قش الأرز وأثاث ساذج

وفي عام ۱۸۹۱ وفد على رأس البر رجل فرنسي اسمه « مسيو بكلان » وسيدة 
فرنسية تدعى كورتيل ، فأنشأ مطعماً و بارا قرب طابية الشيخ يوسف ، وكان 
على مصائد بحيرة المنزلة وقتذاك مدير أسمه اسماعیلون بك اعتاد أن يقيم الولائم 
في هذا المطعم لكبار رجال القصر ولغيرهم من الأجانب ، فحفزهما ذلك على إنشاء 
فندق في وسط الصيف أمام « الفنار » ، كان أول فندق راق برأس البر ، ولما رحل 
باکلان من مصر ترك الفندق لمدام كورتيل يعاونها شاب مصرى برع في الطهي 
هو المرحوم مرسي سرحان ، وما لبث أن جذب هذا الفندق كبار المصطافين ، كما 
دفع آخرين إلى أنشاء عدد آخر من الفنادق ... وما جاء عام ١٩٤٥ حتى كان 
برأس البر ۲۰ فندقا بين كبير وصغير ...

وبدأ العمران وما يتبعه من مرافق ، يزحف على المصيف . ففي عام ۱۸۹٥ عين 
به قوة من البوليس مؤلفة من جاویش وشرطيين وخفيرين ، كما أنشئ به مکتب 
صغير للبريد ...

وفي سنة ۱۸۹۸ بدئ بتأجير أرضه بفئات تتراوح بين أربعة ميلمات و نصف 
مليم للمتر المربع .

وكان الشيخ أمين أبو يوسف المحامي الدمياطي أول من أنشأ برأس البر عشة 
على أرضية خشبية مرتفعة وذلك عام ۱۸۹۷ وكان يدعو إليها أصدقاءه ، وكان ذلك
منه دعاية حسنة للمصيف ، وكان بينهم الشيخ محمد عبده وحفني ناصف وسعد زغلول 
ولكن قلما عنى أحد بتسجيل ذكريات ذلك المصيف وطرائفه ، حيث كان الناس 
جميعاً يتركون النفوس على سجيتها ... ومما سجل أن المنشاوي باشا نزل مرة بعشة 
الحاج عثمان زاهر  — نائب سجاد السادة الرفاعية — وقد ظل يقيمها في ناحية
« اللسان » نحو اثني عشر عاماً — والتي كان يستعيرها أحيانا محافظ دمياط ، محمد 
أنور ، وهناك كتب المنشاوي وقفيته المشهورة على يد الشيخ محمد عبده .

وكان من عملوا على تحسين المصيف وأصلاحه ، باسیلي عريان ، وکان « ملتزماً » 
لمصائد الأسماك في بحيرة المنزلة وشواطىء البحر الأبيض ... فأنشأ برأس البر داراً 
للضيافة كان يدعو إليها كبار الموظفين ومشاهير المطربين في ذلك العهد ومنهم عبده 
الحامولي ، ويوسف المنيلاوي ، وعبد الحي حلمي ، وأمين بزري ، ومحمد سالم ... 
وكانت فرقهم تقيم السهرات في ذهبية علي باشا ثابت مدير الشرقية الذي كان من 
عادته الأصطياف برأس البر في ذهبية فاخرة ، ويدعو إليها أصحابه ...

ويتضح من ذلك أن رأس البر كان مصيف الأرستقراطية في القرن التاسع عشر . 
ثم تدرج إلى مصيف شعبي على مر السنين إلى أن أصبح اليوم مصيف الشعب كله 
على مختلف طبقاته ...

واستهل القرن العشرون بمشروعات مختلفة ، متفاوتة في الأهمية ، ترمي إلى 
أصلاح المصيف ... نذكر بعضها مرتبة على توالي السنين :

ففي عام ۱۹۰۱ وضعت به نقطة بوليس ثابتة لحفظ الأمن ، ولو أن المصيف 
ظل طوال حياته مضرب الأمثال في الأمن وقلة الحوادث ... وفي سنة ۱۹۰۲ 
رسمت له أول خريطة . وتقرر تأجير أرضه قطعاً صغيرة تحيط بها الشوارع بأجر 
زهيد . كما أضيئت طرقه بالفوانيس واکتریت باخرة نيلية لنقل المصطافين 
والبريد من محطة دمياط إلى رأس البر ، و بالعکس . وفي عام ۱۹۰۳ — انتدبت 
الحكومة محافظ دمياط للأشراف على المصيف ، ووضع القواعد واللوائح الرسمية 
لأستغلاله ، وكان أول محافظ ولي « رأس البر » هو محمد أنور الذي شجع أهالي
دمياط على العمل كمقاولين لبناء العشش ... وفي عام ١٩٠٤ تشكلت فرقة من 
السقائين لنقل الماء من الليل إلى العشش والفنادق ... وفي عام ١٩٠٥ وضع للمصيف 
تخطيط بسيط للعشش والفنادق ، فجعل ثلاثة صفوف ، ووضعت لكل صف أرقام 
مسلسلة تبدأ من « اللسان » كما أنشئ مکتب للتلغراف وآخر للبريد ، وعشة خاصة 
بالمحافظ ، وديوان يؤدي فيه عمله ...

وكانت التعريفة التي وضعتها الحكومة لأيجار الأرض يبلغ أقصاها جنيهاً واحداً 
للقطعة . كما كانت تكاليف أقامة العشة الكبيرة لا تزيد عن سبعة جنيهات . .

وفي سنة ۱۹۰٦ — وضعت أدارة المصيف أول ميزانية لرأس البر ، وأنارت 
المصيف بغاز الكيروسين ، وزادت إيجار القطع التي تقام عليها العشش ؛ وخصصت 
فرقا لنقل الفضلات إلى حفر بقرب بحيرة المنزلة ، كما أقامت سوقا في منتصف 
المصيف . .

وفي عام ۱۹۰۸ — أنشات على شاطىء النيل عددا من « الفناطيس » تجلب 
إليها المياه المرشحة من دمياط في بخاريات ذات خزانات ( استرنات ) ، وكان 
السقاءون ينقلون هذه المياه من ( الفناطيس ) إلى العشش ، بعد أن كانوا يجلبونها في 
براميل من عزبة البرج أو من النهر مباشرة .. وفي هذه السنة زادت صفوف العشش 
إلى خمسة . .

وكانت ( الكازینات ) لا تشيد إلا على شاطىء النيل مباشرة ، فجلت أدارة 
المصيف تشجع أصحاب الفنادق على أقامتها على شاطىء البحر الأبيض أيضا ، 
بمنحهم الأرض اللازمة بلا مقابل ، وتنافس أصحابها في أقامتها في السنة التالية حتى 
اضطرت الإدارة إلى تأجير الأرض التي تقام عليها بالمزاد العلني . .

وأخذ عدد المقاولين الذين يعهد إليهم ببناء العشش يزداد مع تضاعف الرواد 
حتى بلغ عددهم العشرة ، ثم أخذ عددهم في الازدياد حتى بلغ نحو الخمسين مقاولا .. 
وكان أول متعهد لأنشاء العشش هو مصطفى الدرس ، بعد أن كان كل مصطاف يقيم 
کوخه على حسابه وتحت أشرافه . .

وفي عام ۱۹۱۲ صنعت أبواب العشش و نوافذها من الخشب ، بعد أن كانت
تصنع من الأكياب وتفتح و تقفل بجذب الحبل . .

ومنذ عام ۱۹۱۲ اخذ شاطىء رأس البر يتآكل من الجهة الشمالية عند ( اللسان) 
بسبب مد البحر وجزره ، واتجاه سير التيارات البحرية ، واستمر هذا التآكل إلى 
عام ۱۹٣۸ حين تقرر تشييد حاجز على الساحل الشمالي لوقايته من التناقص .. فقد 
كان المصيف يمتد حتى عام ۱۹۱۲ إلى ما يقرب من الثلاثة كيلو مترات أبتداء من 
طابية الشيخ يوسف إلى اللسان ، ولكن هذا الامتداد يبلغ اليوم نحو کیلو متر 
واحد ، حتى صارت طابية الشيخ يوسف تقع الآن في منتصف المصيف . وقد كان 
لامتداد المصيف داخل البحر من قبل فوائده على المصطافين ، لابتعاد عششهم عن 
المناطق الزراعية وعن عزبة البرج مما يجعلهم في مأمن من البعوض والذباب . .

وكان من نتائج قيام الحرب العالمية الأولى ( ۱۹۱٤ – ۱۹۱۸ ) أن حرم 
الكثيرون من السفر إلى الخارج ، فاشتد الإقبال على رأس البر ، ( كما حدث مثل 
ذلك في خلال الحرب العالمية الثانية ) .

ونجم عن ذلك أدخال الكثير من التحسينات ، كما زادت حال المصيف 
الاقتصادية رواجا . . ففي سنة ۱۹۱٥ أنشئ هناك مكتب بريد منظم ، وآخر 
للتلغراف ، ينتدب إليهما بعض الموظفين من دمياط — وفي عام ۱۹۱۷ كان برأس 
البر مسرح دائم للتمثيل ، وكانت فرقتا عكاشة ، والشيخ الشامي ، تقیمان علیه حفلات 
التمثيل كل ليلة فيذهب المصطافون لسماع زکي عکاشه و تمثيل أخيه عبد الله عكاشه 
ومنولوجات محمد عبد القدوس .

ومن صور رأس البر الاجتماعية في سني الحرب العالمية الأولى وما قبلها ، 
الصورة التالية التي رسمها المرحوم سليمان نجيب ، وهي من القليل الباقي لذكريات 
هذا المصيف :
« .. وأعود إلى تلك الأيام و تقف بي الذاكرة عند رأس البر ، مصيف أصحاب 
المزاج وعشاق البهجة — صف من الذهبيات الأنيقة النظيفة على الشاطيء الجميل . . 
حيت يقيم سادة البلد وخلاصة طبقته الراقية . . لم تكن هذه الذهبيات سکناً فحسب ، 
وإنما كانت مصيفاً كاملا ، ومتعة متحركة . . كانت تأتي إلى رأس البر من القاهرة ،
وقد جهزت بكل ما تحتاج إليه حياة المصيف و ترفه . . خرين السمن وصناديق 
الشراب والحلوى والمكسرات وآلات الطرب والمغنى والتخت والجواري والخدم 
والحشم ! . . .

وفي رأس البر كانت سهرات المرحوم محمد البابلي ، ومن هذه السهرات 
خرجت أروع فكاهاته التي نرويها اليوم .

« وعرفت رأس البر في تلك الأيام أسماء ضخمة ، كانت لا ترضى عنها بديلا 
بالرفييرا كله ، كان محافظ دمياط في تلك الأيام رسمي باشا ، وكان يجتذب إليها 
الكبراء بما كان يضفيه عليها من كرمه ... كان يدعو العظماء والأدباء والموسيقيين ، 
وكان يحيي السهرات الراقصة ، وينفق عليها من ماله دعاية للمصيف .

« وأما رأس البر في النهار . . رأس البر الحمامات والبحر فأشهد الله أنها هي 
لم تتغير . . كانت السيدات يستحممن في الصباح الباكر حتى السابعة والنصف أو 
الثامنة . . وكان الرجال يستحمون بعد هذا الوقت . وفي ساعة العصر ، وكما تقول 
الأغنية ، ساعة الفسحة على رأس البر ، كنت ترى مواكب المصيفين تتريض . 
السيدات و فوق وجوههن الحجاب ، وخلفهن وأمامهن حراسهن يحمونهن من 
العيون . . عيون الرجال التي لا تستحي ! . »

وفي سني الحرب العالمية الأولى انتشرت في كل أنحاء مصر أغنية ، كان يغنيها 
الرجال والنساء والأطفال . . كما كان يغنيها العوالم ومطربات الملاهي ومطلعها :
« ياما حلى الفسحة ياعيني في رأس البر ! . . 
والفنار بينور ياليلي على موج البحر ! ۰۰»

وفي الفترة بين ۱۹۱۹ و ۱۹۲۹ عنيت إدارة المصيف بأصلاح الطريق 
الزراعي الموصل إلى رأس البر من الجهة الشرقية . وكان الطريق الوحيد قبله هو 
طريق النيل والمراكب .

وأنشأت هذه الأدارة مكاتب منظمة للصحة وللبريد وللتلغراف والتلفون،
ووسعت نقطة البوليس ومركز المطافئ ودار المحافظة . كما أنشأت صيدلية . . 
وغيرت الأنارة من غاز الكيروسين إلى ( البترومكس ) . . ومنعت أقامة عشش 
الاستجمام على ساحل البحر کی تفسح رقعة الشاطئ ، وحددت وقتاً لاستحمام 
السيدات وخصصت فرقة للانقاذ من مهرة السباحين ، وأخرى للاسعاف ... وفي عام 
۱۹۲۱ تألفت ( لجنة صحية ) لمراقبة الصحة العامة بالمصيف . وفي عام ۱۹۲٤ 
انشئت محكمة للنظر في القضايا الخاصة بالمصيف . .

وبدأت السيارات منذ سنة ۱۹۲٥ تسير في الطريق الزراعي بین دمياط ورأس البر 
على الضفة الشرقية ، فتقطع المسافة في ثلث ساعة .

وفي سنة ۱۹۲۷ شیدت منارة الجربي جنوبي رأس البر وهي ذات مصباح واحد ، 
نوره أخضر براق يرى على مسافة خمسة أميال . وهي منارة على شكل برج هرمي 
أرتفاعه ۱۲ قدما ، وليس به عمال .

وفي ۱۹۲۸ شکات هيئة من محافظ دمياط رئيساً وأعضاء مجلس دمياط البلدي 
لتنظيم شئون المصيف ، ووضع ميزانية لأيراداته ومصروفاته ، وفحص المقايسات 
والعطاءات ، ومراقبة سير الأعمال ونحوها . .

وأنشئ عام ۱۹۲۹ فوق الطابية التي تتوسطه ، خزان كبير للمياه المرشحة 
والمنقولة إليه من دمياط ، بدلا من ( الفناطيس ) الصغيرة المقامة على شاطىء النيل . 
ومدت منه أنابيب إلى معظم جهات المصيف لتوزيع المياه بالثمن من حنفيات عامة . 
وفي العام التالي بدئ في ادخال فروع من أنابيب الماء من هذا الخزان العام إلى 
العشش رأسا لمدها بالماء النقي بالعدادات . .

وفي عام ۱۹۳۰ فتح ( کوبري ) دمياط فربط بين ضفتي النيل ، وسهل الاتصال 
بالمصيف بالسيارات . .

وفي ۱۹۳۱ استؤجرت سكة حديدية صغيرة لنقل الفضلات والقمامة ليلاً إلى 
مكان يبعد عن جنوبي المصيف بنحو كيلو متر . ولنقل المتنزهين في أثناء النهار . .

وفي ۱۹۳۲ اشترت إدارة المصيف الخط السالف الذكر ، كما اشترت آلتين 
للمطافئ ...

وفي ۱۹۳۳ ، خصصت « لنشين » لنقل المصطافين بين محطة دمياط والمصيف . 
وعرضت بمسرح المصيف أفلاماً سينمائية ناطقة .

وفي ۱۹۳٦ بلغ عدد المصطافين ۱٢٦۳۰ يقيمون في ۳۸۲ عشة وسبعة فنادق .

وفي ۱۹۳۸ أقامت مصلحة المواني و المناثر رصيفاً من الأسمنت المسلح طوله ۲٥۰ 
متراً منها ۱۷۰ متراً داخلة في مياه البحر و ۷٥ متراً فوق الرمال ، وعرضه متران 
ونصف متر ، وذلك لوقاية الساحل الشمالي من التآكل المستمر عاماً بعد عام .

ولما شبت الحرب العالمية الثانية عام ۱۹۳۹ واستهدفت الأسكندرية وبعض 
المدن الأخرى للغارات الجوية ، وامتنع على الناس مبارحة البلاد إلى المصايف 
الخارجية، ازدحم رأس البر بمختلف الطبقات ، وانتقل العمران إلى الضفة الشرقية 
أيضاً المواجهة للمصيف ...

وكانت هناك فكرة قديمة تقول بأنشاء مدينة ثابتة في رأس البر لاتزول بانقضاء 
الصيف . وكانت بعض الشركات الأوربية عرضت استعدادها للاضطلاع بهذا العمل ، 
على أن يسبق هذا المشروع ، أقامة حاجز حجري عند ( اللسان ) يمتد في البحر 
لحمايته من التآكل ، وأنشاء أفريز و ( کورنیش ) على شاطىء البحر الأبيض على 
طول المصيف . فيحمي هذا الأفرير المصيف لا سيما في الشتاء من غارة الأمواج .. 
ولكن هذا المشروع لم يتم ..

وفي عام ١٩٤٤ وضع مشروع جديد لتخطيط رأس البر بحيث يكون مدينة ثابتة ، 
تباع فيها الأراضي قطعاً صغيرة لأنشاء « فيلات كبيرة » ومتوسطة وصغيرة ، على أن 
تخصص بها منطقة لأقامة عمارات للسكن ذات طباق ، وألحق بهذا المشروع تخطيط
جدید آخر على نظام العشة لتعذر أقامة المباني مرة واحدة ، غير أن هيئة مجلس دمياط 
البلدي لم توافق على هذا المشروع ورأت العدول عنه لما فيه من نظام الاحتكار . 

ثم اقترح محافظ دمياط تأليف لجنة من المصطافين للنظر في تخطيط المصيف وتجميله . 
فرأت اللجنة أن التخطيط القديم هو الوضع الذي يناسب رأس البر ، ووافقت هيئة 
المجلس البلدي على هذا الرأي ، وأرسلت القرار إلى « اللجنة العامة لتحسين المصايف »

ولكن في فبراير ١٩٤٦ اجتمعت تلك اللجنة وقررت تنفيذ هذا المشروع الذي 
يجعل من المصيف مدينة ثابتة . ونص هذا التخطيط الجديد على أقامة ۱۳ فندقاً بدلا
من ٢٤ وعلى ألا يسمح بأنشاء فنادق في الشوارع الواقعة خلف الشارع المحاذي للنيل 
ولا بوجود داكاكين على النيل ووضعها في جهة الطابية ، ونقل السوق العامة قريبة 
من شارع المحافظة ... ولكن بتنفيذ هذا المشروع ، يتحتم على أصحاب الفنادق 
والدكاكين أن يهدموا جميع المباني التي أقاموها في الأعوام السابقة ...

ولم ينفذ مشروع المدينة الثابتة برأس البر إلى اليوم ، ولو أنه يسير بطيئا على 
الضفة الشرقية حيث شيدت أبنية كثيرة ، وحيث لا تتعرض هذه الضفة لمد البحر 
وتآكل الشاطىء ...

والمعارضون لفكرة المدينة الثابتة، يرون في رأس البر ، مصيف الحياة البسيطة 
الطبيعية الهادئة ، الخالية من التكلف والتقيد وضجيج الحضارة وآلاتها .. بينما يرى 
المؤيدون أن الطريقة البدائية التي يحتفظ بها هذا المصيف منذ وجد ، لم تعد تتمشى 
مع مقتضيات العصر الحديث ، ولا مع سنة التقدم العمراني السريع . وأن هذه 
الحياة الفطرية التي كان يعيشها المصطافون القدماء لم تعد تناسب خمسين ألفا من رواد 
المصيف على مختلف طبقاتهم وطباعهم ...

وثمت مشروع هام آخر هو وصل رأس البر بدمياط بخط حديدي طوله نحو 14
١٤ كم، وهذا يعني وصله مباشرة بالقاهرة ... وسوف يحاذي هذا الخط شارع معبد 
مرصوف يمتد على الضفة الغربية كما يمتد على الضفة الشرقية فيما بين دمياط ورأس البر .

ولما أنشئ في يناير ١٩٤٦: « مجلس السياحة والمصايف والمشاتي » واعتمد 
له مبلغ ٤۸۰ ألف جنيه لانفاقها على تحسين المصايف المصرية في مدى ثلاث سنوات، 
أختص رأس البر منها بمبلغ ١۷۰ ألفاً .. ثم خرجت فكرة أصلاح رأس البر 
تدريجياً في مدى خمس سنوات . تمتد فيها أنابيب الماء النقي ، وينتهي مشروع المجاري، 
وتضاء العشش والشوارع جميعا بالكهرباء ، ويرصف الطريق الغربي ، وغيرها . . 
وقد تم معظم هذه المشروعات وأنير المصيف بالكهرباء ومد بالماء، ولم تزل هناك 
اصلاحات كثيرة .. ولم يزل الطريقان الشرقي والغربي في حاجة إلى الأصلاح والتعبيد ..

وفي أغسطس ١٩٤٦ احتفل بافتتاح مسجد رأس البر بعد أن جمعت له التبرعات 
من الأفراد والهيئات .

وظل رأس البر جزءاً من دمياط جغرافياً و أداريا . . وكانت القرارات 
والمراسيم تصدر بأختصاص المجلس البلدي بدمياط بأدارة المصيف ، وتوزيع أراضيه 
وعششه على مستأجريها من المصطافين . . ثم أصدرت وزارة التجارة والصناعة في 
أبريل ٤ قراراً وزارياً بتشكيل لجنة فرعية دائمة يطلق عليها أسم « لجنة مصيف 
رأس البر » ... وكان هذا القرار خاصاً بمصيف رأس البر دون غيره من المصايف . 

وكانت تلك اللجنة تيألف من محافظ دمياط رئيساً ، ووكيل مصلحة السياحة ، ومندوب 
من وزارة الصحة ، ومندوب عن إدارة البلديات ، وعضو ينتدبه مجلس السياحة 
والمشاتي ، و أثنين من أعيان دمياط بصفة أصلية ، وأثنين بصفة أحتياطية . على أن 
تجتمع هذه اللجنة مرة على الأقل كل شهر بدعوة من رئيسها ، لوضع خريطة تخطيط 
المصيف و اقتراح النظام الواجب الأتباع لادارة المصيف و تقرير المشروعات و توزیع 
الأرض والعشش .

ورأى الدمياطيون في قرار وزارة التجارة هذا ، ما يؤدي إلى تنازع الاختصاص. 
فأن مجلس دمياط البلدي هو الذي تسلم أرض المصيف من مصلحة الأملاك ، وأن 
المختص بتخطيط المدن هو أدارة البلديات . هذا إلى تعقيد الأجراءات بدلا من 
تبسيطها .. ورأى الدمياطيون وجوب أدماج المصيف ببلدية دمياط طبقا لقرار 
وزارة الصحة عام ۱۹٣۸ ، وأنه ليست هناك علاقة قانونية بين مجلس دمیاط ووزارة 
التجارة ، فبلدية دمياط هي أولى الهيئات بأدارة المصيف لأنها عاصرته منذ وجد ، 
وأكسبتها أدارته طوال تلك السنين خبرة خاصة ، ولأن دمياط تربطها برأس البر 
مصالح كثيرة ، ومن الممكن أن تمد الحكومة البلدية بالمال اللازم بدلا من أن تمدها 
لجنة المصايف .

وفي ۲۸ ديسمبر ١٩٤٧ أصدر وزير الصحة قراراً بفصل مصيف راس البر عن 
دائرة اختصاص مجلس بلدي دمياط ، وذلك بعد أن تعهدت وزارة التجارة بتدبير 
المال الذي قد يحتاج إليه المصيف ، وكان الغرض من هذا القرار خدمة وزارة التجارة
في القضية التي رفعها أعضاء مجلس دمياط البلدي أمام مجلس الدولة مطالبين بإلغاء 
القرار وتطبيق القانون رقم ١٤٤ لسنة ١٩٤٥ الذي أعطى المجالس حق إدارة 
المصايف .

وكان التطور يسير في مجراه الطبيعي . ففي عام ۱۹٤۷ زاد عدد العشش من 
خمسمائة إلى ۷٥۰ عشة ورفضت طلبات ۳۰۰ لعدم وجود أرض فضاء . ولذلك 
اشترت بلدية دمياط من مصلحة الأملاك ..٤ فدان في المنطقة التي بها المطار ، کی تمهد 
وتشيد عليها عشش جديدة . . ورصفت بالأسفلت خمسة عشر شارعا وكان بالمصيف 
شارعان أثنان معبدان بالأسفلت ، ثم حددت الأسعار في الفنادق و المطاعم وخاطب 
مجلس دمیاط ، شركة مصر للطيران في شأن أنشاء مطار برأس البر ، و تنظیم خط 
جوي بينه وبين القاهرة ، ولم ينفذ هذا المشروع الأخير ..

وفي فبراير ۱۹٤۸ — اجتمعت لجنة إدارة رأس البر ، برئاسة محافظ دمياط 
في مصلحة السياحة بوزارة التجارة ، وقررت زيادة أرقام العشش ، وجعلها جميعا 
مرتفعة من الأرض وخاضعة للشروط الصحية ، وزيادة المبلغ المخصص للأنارة 
الكهربية و لعملية المجاري ، ومنح إعانة سنوية لأصحاب السينما والمسرح ، وعمل 
دلیل لرأس البر .

وفي العام التالي ألغي نظام التروللي واستبدل بقطارين من قطر العرض الصغيرة .
وعرض موضوع إمداد رأس البر بأنابيب المياه عن طريق السنانية الغربي ، 
وموضوع مكافحة الذباب والبعوض .

وفي ذلك العام ، وقد انتهت الحرب العالمية الثانية ، فقد عادت منافسة المصايف 
الأوربية ، ولبنان وجزر البحر الأبيض ، لمصيف رأس البر ، فهجره إليها الألوف 
ممن اعتادوا إرتياده في سني الحرب وما قبلها ... وبدت الحاجة إلى الدعاية 
بمختلف الوسائل ...

وكان المنتظر أن تتم وقتئذ الأنارة الكهربية جميع المصيف لا سيما وقد اشتريت 
الآلات اللازمة لذلك ، وكذلك الاصلاحات الأخرى . ولكن كان التنفيذ بطيئاً .

ومع ذلك فقد أقبل الشعب على هذا المصيف حتى بلغ عدد المصطافين والزائرين
في صيف ١٩٤۹ خمسة وأربعين ألفاً .

وفي عام ۱۹٥۰ شقت بالمصيف طرق جديدة متسعة طولا وعرضا ، وأعدت 
عربات خاصة لتيسير الانتقال ، و نفذ مشروع المجاري ، و مهد معظم الطريق الغربي ، 
ومدت شبكة جديدة من أنابيب المياه إلى المنطقة الجنوبية للمصيف ، و أنشئت وحدة 
جديدة للمطافي ، وصيدليتان جديدتان ...

حتى إذا ما حل عام ۱۹٥۲ و بدأ عهد الثورة والأصلاح ، كان رواد هذا 
المصيف ما زالوا يطالبون باصلاحه ، ومما رغبوا فيه :
ا — أن تؤسس شركة وطنية مساهمة تسير على قواعد و نظم موضوعة 
تأخذ على عاتقها أقامة العشش والمحال العامة ، فلا يترك الأمر لتحكم بعض المقاولين.
۲ — ألا تترك مسألة مياه الشرب تجري على أساليب قديمة بل تمد أنابيب 
الماء من البر الشرقي إلى المصيف تحت النيل .
٣ — اتمام تعبيد الطريقين الشرقي والغربي على جانبي النيل وتوسيعهما 
٤ — مد الخط الحديدي من دمياط إلى رأس البر 
٥ — تنظيم الأسعار ومراقبتها في كل المصيف 
٦ — القضاء التام على الذباب والبعوض وأسباب انتشارها 
۷ — مكافحة الضجيج ، والعمل على نشر الهدوء في أرجاء المصيف 
۸ — الأكثار من عمال الأنقاذ ووضع علامات كثيرة في البحر ، وشراء 
قوارب للنجاة . 
٩ — تحدید رکاب قوارب المعدية والنزهة . 
۱۰ — الدعاية للمصيف بشتى الوسائل و بينها السينما . 
۱۱— أنشاء مسرح للبلدية ، متسع أنيق ، تؤجره للفرق المشهورة.
۱۲ — العناية بالقطر الحديدية المؤدية إلى دمياط حتى تقطع المسافة بين القاهرة
ودمياط في وقت قصير وسفر مريح .

ولقد دخل رأس البر ، كما دخلت دمياط في عهد جديد من النهضة ، ولسوف 
يكون لهذا المصيف نصيب وافر من التجميل والتحسين والأصلاح . .

وتدل الشواهد أن هذا المصيف ستتسع رقعته ، وسيمتد نحو الجنوب وعلى 
الضفة الشرقية حيث تنشأ هناك مدينة ثابتة .

ولما كانت هناك مصايف كثيرة في الاقليمين الشمالي والجنوبي من الجمهورية 
العربية المتحدة ، غير المصايف الأجنبية الوافرة ، فسيظل رأس البر في حاجة إلى 
الدعاية والتشويق والتعريف .

المصدر: كتاب تاريخ دمياط منذ أقدم العصور تأليف نقولا يوسف (رابط)، الصفحات من 499 حتى 517. 

📗 طالع أيضا:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق