الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

وصف تنيس من كتاب سفرنامة لناصر خسرو

 

من الترجمة العربية لكتاب سفر نامة لناصر خسرو علوي، ترجمة د. يحيى الخشاب، وتصدير د. عبد الوهاب عزام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993، الصفحات من 91 حتى 95.


وصف مصر
ثم عزمت على أن أغادر بيت المقدس الى مصر ، بطریق 
البحر ، ثم أغادرها الى مكه [1] ولكن كانت الريح معاكسة 
وتعذر السفر بالبحر ، فسرنا عن طريق البر ، ومررنا 
بالرملة ، ثم بلغنا مدينة تسمى عسقلان [2] ، بها سوق 
وجامع جميل . رأيت بها طاقا قديما ، قيل انه كان مسجدا ، 
وهو طاق من الحجر الكبير ، لو أرادوا هدمه للزمهم انفاق 
مال كثير . وخرجت من هناك فوجدت في الطريق قری 
كثيرة ، ومدنا يطول وصفها فحذفته اختصارا . وبلغنا مكانا 
يسمى طينة ، وهو مرفأ للسفن ، يذهب منه إلى تنیس ، وقد 
ركبت السفينة اليها .
تنيس جز يرة ومدينة جميلة ، وهي بعيدة عن الساحل 
بحيث لا يرى من أسطحها . والمدينة مزدحمة ، وبها أسواق 
فخمة وجامعان ، وقد يبلغ عدد الدكاكين بها عشرة آلاف 
دکان ، منها دکان عطار . وهناك في فصل الصيف يبيعون 
الكشكاب [3] ، فان الجو حار وتكثر الأمراض في المدينة .
وينسج بتنیس القصب الملون من عمامات ووقايات ومما 
يلبس النساء . ولا ينسج مثل هذا التصمب في جهة غير 
تنیس .
والأبيض منه ينسج في دمياط . وما ينسج منه 
في مصانع السلطان لا يباع ولا يعطى لأحد . وقد سمعت 
أن ملك فارس أرسل رسله الى تنیس بعشرين الف دينار 
ليشتري له حلة من كسوة السلطان ، وقد بقى رسله هناك 
عدة سنين ولم يستطيعوا شراءها . و بتنیس صناع مختصون 
بنسيج ملابس السلطان . وقد سمعت أن عاملا نسج عمامة 
السلطان ، فأمر له بخمسمائة دينار ذهب مغربي ، وقد رأيت 
هذه العمامة ، ويقال انها تساوي أربعة آلاف دينار مغربي .
وينسجون في مدينة تنيس هذه البوقلمون ، الذي 
لا ينسج في مكان آخر من جميع العالم . وهو قماش يتغير 
لونه بتغير ساعات النهار . وتحمل أثوابه من تنيس الى 
المشرق والمغرب . وسمعت أن سلطان الروم كان قد أوفد 
رسولا ليعرض على سلطان مصر أن يعطيه مائة مدينة على 
أن يأخذ تنیس ، فلم يقبل السلطان ، كان قصده من هذه 
المدينة القصب والبوقلمون [4] .
حينما يزيد ماء التيل يبعد الماء المليح من حول تنیس ، 
بحيث يصبح ماء البحر عذبا حتى عشرة فراسخ حولها . 
وقد بنوا بجزيرة تنيس ومدينتها صهاريج عظيمة تحت 
الأرض وهي قوية البنيان وتسمى المصانع . فحين يزيد ماء 
النيل ويطرد الماء الملح من هناك ، تملأ هذه المصانع من ماء 
النيل الذي يجرها اليها . وماء هذه المدينة من تلك المصانع 
التي تمتلىء وقت زيادة النيل ، و يستعمل السكان هذا الماء 
حتى السنة التالية . وكل من لديه ماء فوق حاجته ، يبيع 
الفائض لغيره .
وبتنیس مصانع كثيرة موقوفة ، يعطى ماؤها للغرباء . 
وسكانها خمسون ألفا . ويرابط حولها، دائما ، الف سفینه ، 
منها ما هو للتجار وكثير منها للسلطان . و يجلب لهذه 
الجزيرة كل ما تحتاج اليه ، اذ ليس بها من خيرات الأرض 
شيء ، وتجرى المعاملات فيها بالسفن ، لأنها جزيرة .
ويقيم بتنيس جيش كامل السلاح ، احتیاطا ، حتی 
لا يستطيع أحد من الفرنج أو الروم أن يغير عليها ، وسمعت 
من الثقات أنه يصل منها لخزانة سلطان مصر ، يوميا ، الف 
دينار مغربي ويصل ذلك المقدار مرة واحدة ، يحمله شخص 
واحد ، پسلمه أهل المدينة اليه في وقت معين [5]، و هم
يسلم للخزانة ، فلا يتأخر منه شيء ، ولا يجبی شيء بالعنف 
من أي شخص .
وما ينسج للسلطان من القصب والبوقلمون يدفع ثمنه 
كاملا، بحيث يعمل الصناع برضاهم للسلطان ، لا كما في 
البلاد الأخرى حيث يفرض الديوان والسلطان السخرة على
الصناع. وتصنع أستار هوادج الجمال ولبود سروج الخيل ، 
الخاصة بالسلطان ، من البوقلمون .
ويؤتى بالفاكهة والأغذية لتنيس من قری مصر . 
و يصنعون بها آلات الحديد ، كالمقراض والسكين وغيرهما . 
وقد رأيت مقراضا في مصر ، صنع في تنیس ، ثمنه خمسة 
دنانير مغربية ، يفتح اذا رفع مسماره و يقص اذا أنزل .
وتصيب النساء هناك ، أحيانا ، علة كالصرع ، فيصحن 
مرتين أو ثلاثا ، ثم يعدن بعد ذلك الى صوابهن . وكنت 
سمعت في خراسان ، عن جزيرة تموء فيها النساء كالقطط ، 
وذلك على النحو الذي ذكرت .
وتذهب السفينة من تنيس الى القسطنطينية في عشرين 
يوما . وقد سرنا بجانب مصر ، وحين بلغنا شاطى البحر ، 
سارت السفينة في النيل . حين يقترب نهر النيل من البحر ،
يصير فروعا تصب متفرقة فيه . ويسمى الفرع الذي سرنا 
فيه فرع الروم . سارت السفينة حتى بلغنا مدينة تسمى 
الصالحية . وهي مدينة كثيرة النعم والخيرات ، وتصنع بها 
سفن كثيرة ، حمولة كل منها مائتا خروار [6]، وهي 
تنقل البضاعة الى مدينة مصر حتى أبواب دكاكين البقالين . 
ولو لم تكن وسائل النقل كذلك لتعذر نقل المؤمن فيها على
ظهور الدواب ، لكثرة الزحام الذي بها. وقد نزلت من 
السفينة إلى الصالحية . ثم بلغت قرب القاهرة في تلك 
الليلة ، وفي يوم الأحد السابع من صفر سنة ٤٣۹ 
(٤ أغسطس ۱۰٤۷)، وهو يوم هرمرذ من شهر يور القديم،
كنا في القاهرة .


[1] تفيد أنه لم يكن في نيته اطالة اقامته في مصر .
[2] قال الهروي في كتابه الزيارات ( ورقات ۲۷ ، ۲۸ ) أن راس الحسين بن علي 
ظلت في مشهد عسقلان الى أن استولى الفرنج على المدينة فنقلت الرأس الشريفة الى مصر 
سنة ٥٤٩ (١١٥٤) (Schefer ص ۱۰۹).
[3] الكشكاب صنفان : صنف منعش غير مسكر يشبه ما يسمي في تركيا ايران وهو
يشرب في ايران أيضا . يتكون من اللبن الزبادي المضروب مع الماء ، وصنف آخر مسکر 
يتكون من « السوبيا » المخمرة مضافا اليها بعض العناصر الأخرى ويسمي هذا الصنف 
الفقاع ، ويقصد ناصر الصف الأول .
رضا قولي خان في فرهنك ناصری . Schefer ص ۱۱۰ .
[4]  كانت تنيس من أجل المدائن وكانت بالقرب من دمياط قال المسعودي کان طول 
مدينة تنيس من الجنوب الى الشمال ثلاثة آلاف ذراع ومائتي ذراع وكان عرضها من المشرق 
الى المغرب ثلاثة آلاف ذراع وخمسة وثمانين ذراعا بالعمل ، وكان لها تسعة عشر بابا 
مصفحة بالحديد ، وكان بها عدة مساجد نحو مائة وستين مسجدا وبكل مسجد منارة ، 
وكان بها ستة وثلاثون حماما. وكان بها مائة معصرة للزيت والشيرج والقصب ، و كان 
بها مائة وستون طاحونا وكان بها من الحوانيت ألفان وخمسمائة حانوت برسم البضائع 
وكان بها من المناسج للقماش نحو خمسة آلاف منسج يصنعون بها الثياب الشرب التي لا يصنع 
مثلها في الدنيا وكانوا ينسجون بها اثوابا تسمى البدنة تنسج بالذهب صناعة محكمة 
يباع الثوب منها بمائة دينار و كانت تحمل منها الى بغداد ، وكان يعمل بها طراز من الكتان 
بغير ذهب يباع كل طراز منها بمائة دينار وهو بغير ذهب ۰۰۰ ولم تزل مدينة عامرة 
الي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ( ۱۱۷۷) حتى جاء اليها نحو اربعين مركبا موسوقة 
جماعة من الفر نج فحاصروا أهلها فلما أشرفوا على أهل المدينة هرب أهلها الى ثغر دمياط 
وتركوا المدينة فاستولى عليها الفرنج وملكوها ونهبوا ما فيها ثم الفوا فيها النار فاحترقت 
كلها ثم أخذوا ما قدروا عليه من الغنائم وتركوا المدينة خرابا ورحلوا عنها واستمرت
على ذلك الى سنة أربع وعشرين وستمائة (۱۲۲٦) في دولة الملك الكامل محمد بن أیوب 
فأمر بهدم ما بقي من سورها و بیوتها واستمرت خرابا من يومئذ إلى الآن .
تاريخ مصر لابن ایاس ج ١ طبعة بولاق ص ٤٩ –٥٠
وقال أبو القاسم ابن حوقل النصيبي في كتابه صورة الأرض طيع ليدن ۱۹۳۸ 
ص ۱٥۲ :
و من جلیل مدنها ( مصر ) و فاخر خواصها ما خصت به تنیس ودمياط وفيهما يتخذ 
ويعمل رفيع الكتان وثياب الشرب والديبقي والمصبغات من الحلل التنيسية التي ليس 
في جميع ما في الأرض ما يدانيها في القيمة والحسن والنعمة والترف والرقة والدقة 
وربما بلغت الحلة من ثيابها مائتين دنانير اذا كان فيها ذهب وقد يبلغ ما لا ذهب فيه 
منها مائة دينار وزائدا و ناقصا . . . وان كانت شطا ودبقوا ودميرة و تونة وما قاربهم 
بتلك الجزائر يعمل بها الرفيع من هذه الأجناس فليس ذلك بمقارب للننيسي والدمياطي 
والشطوي مما جعل الحمل على عهدنا يبلغ من عشرين ألف دينار إلى ثلاثين لجهاز العراق •
وراجع أيضا : یاقوت في المعجم ج ۲ ص ٤١٩ وما بعدها والمقريزي ج ا ص ۱۷٦ 
وما بعدها ، طبعة بولاق .
وأما القول بوجود مصانع تنسج ما يريده الخليفة من كسائه وما ينعم به على حاشيته 
من ملابس ، فهذا نظام معروف منذ أيام الساسانيين . فقد كان « الطراز » ينسج في 
مصانع أعدت له في قصر کسری . فلما قامت الدولة الأموية نقلت هذا النظام عن الساسانيين 
ثم توسع فيه العباسیون من بعدهم فكثرت هذه المصانع الملكية، وأصبح مكانها يقوم حيث 
تكون المادة الأولية الأساسية في الصناعة .
وقد امتازت مصر بصنع الكتان فاشتهرت به تنيس ودمياط و الاسكندرية . وكانت 
الدولة تشرف على هذه المصانع و كان كثير من العمال من القبط الذين احتفظوا بدينهم .
راجع : تاريخ القرون الوسطى
Histoire du Moyen-Age, Charles Diehl , G. Marçais
( ج ۳ ص ۳٦٤ ) حيث رجع المؤلفات الى دائره المعارف الاسلامية مادة طراز (Grohmann) 
والى في حضارة الاسلام Die Reniaissance Des Islam ص ٤۳۱ من النسخة 
والی مساجد القاهرة Les mosquées du Cairo ص ۹۳ وما بعدها لمؤلفه الأستاذ 
فيت wheit مدير دار للآثار العربية بالقاهرة .
[5] لكي يجد القاريء صوره لما كان تغله مصر للولاه أذكر ما جاء في كتاب صوره 
الأرض لأبي القاسم بن حوقل النصیبی ص ۱۳٥ حيث يقول :
وجدت بخط أبي النمر الوراق في أخبار الحسين الخصيبي . قال حدثني أبو حازم 
القاضي قال قال لي أبو الحسن ابن المدبد : لو عمرت مصر كلها لوفت بأعمال الدنيا . 
وقال : تحتاج مصر الى ثمانية وعشرين ألف ألف فدان وانما يعمر منها ألف ألف فدان . 
قال وقال له انه كان ينقلد الدواوين بالعراق يريد ديوان المشرق والمغرب ، وقال ولم 
ابت قط ليلة من الليالي وعلي عمل أو بقية منه و تقلدت مصر فكنت ربما بب وقد بقي 
علي شيء من العمل فاستتمه اذا أصبحت ، قال و قال له ابو حازم القاضي :
جبا عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اثنى عشر ألف ألف دينار ، 
فصرفه عنها عثمان لعبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف دينار . وقال 
أبو حازم ، ان هذا الذي جباه عمرو وعبد الله بن أبي سرح انما كان من الجماجم خاصة 
دون الخراج وغيره . 
وجاء في Memoires geographiques sur l ' Egypte ج ١ ص ۳۲۰، ۳۲۱ 
أنه في زمن البطريق Denys de Telmahar كان على كل نصراني ، غنيا أو فقيرا ، أن 
يدفع خمس قطع ذهبية ، فتوسط Deny لدى عبد الله بن طاهر ليخف الضريية فأمر 
بأن يحصل من الغني ٤٨ درهما و ٢٤ من متوسط الحال و ۱۲ من الفقير Schefer
 ص ۱۱۳ ) .
[6] خروار : حمل حمار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق