الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

تاريخ دمياط منذ أقدم العصور - ضواحي دمياط - غيط النصارى

غيط النصارى - مصلحة الأسماك
غيط النصارى - مصلحة الأسماك


ضواحي دمياط
ا — غيط النصارى 

ضاحية على بعد كيلومترين من دمياط ... وهي ميناء دمياط على بحيرة المنزلة ...
يمكن الوصول إليها من دمياط على الأقدام أو بالعربات ، في طريق ريفي غرست على 
جانبيه الأشجار ، ويحلو فيه التنزه في أمسيات الصيف ... ويبدأ هذا الطريق من 
« باب الحرس » — أحد أحياء دمياط — وينتهي عند شاطىء البحيرة .. وكان 
« باب الحرس » هذا أحد أبواب المدينة يوم كان لها أسوار ذات حصون وأبواب ، 
ثم هدمت جميعاً وذهب حراسها ... وقد طال العهد على تعبيد هذا الطريق فأمسى في 
حاجة إلى تجديد ... وتصادفك في مسيرك بعض الحدائق الخاصة التي تغنى الرحالة 
بفاكهتها وعطورها في القرنين السالفين . وبعض الفيلات والأكواخ والسواقي . 

وتتكشف الأرض أمامك أحيانا فتبدو في الأفق أجراش النخيل ومساحات الحقول 
وكانت بركاً ثم جففت وزرعت بالخضر ... فأذا مضت نصف ساعة منذ بدء 
المسير ، رأيت أمامك بحيرة المنزلة ، هاجعة كعهدها منذ أجيال ، ترسو على شواطئها 
المراكب والقوارب ، كما تتنقل على صفحتها عشرات السفن ذات الشرع البيضاء ، 
تذكرك بما كتبه بلدانيو القرن العاشر الميلادي عن مراکبها و أسماكها وطيورها 
وجزرها ومدنها القديمة ، ومناسجها الذائعة الصيت ...

ولقد سميت هذه الناحية بغيط النصارى منذ أن أخذ بعض أهالي دمياط 
المسيحيين في القرنين الأخيرين يشترون مساحات من الأرض هناك لزرعها وسكنها .
وكان عدد سكان غيط النصاری ۲۹۳٤ نسمة في أحصاء ۱۹۳۷ ووصل اليوم 
إلى نحو أربعة آلاف ... ولم يكن بها مدرسة إلا منذ عهد قريب .

وهذا المكان هو منفذ تجارة دمياط عبر بحيرة المنزلة ولاسيما إلى بورسعيد 
والمطرية ، وهي محطة ملاحية يبدأ عندها خط الملاحة البخارية الذي يصل دمياط 
ببورسعيد شمالا و بالمطرية جنوباً ، وبدأ هذا الخط المنظم منذ عام ۱۹۰٥ وكانت 
تحتكره شركة الملاحة الأنجليزية للبحيرة ، وتسير به بخاريات صغيرة « لنشات » تحمل 
المسافرين في قناة أكثر عمقاً من سائر أنحاء البحيرة الضحلة ...

وبغيط النصارى أحدى حلقات الأسماك الكبيرة على البحيرة .. وتوجد الحلقات 
الأخرى بشطا والمطرية والقابوطي والكاب والروضة والجمالية والعزيزية وعزبة 
البرج ... ويباع في حلقة غيط النصارى كما في سائر الحلقات ، سمك البلطي ، والشبار ، 
والبوري بأنواعه من طوبار وجران ، وتعد هناك للتصدير في أقفاص من الجريد 
بعد أن يوضع فوقها الثلج . وأما الأسماك التي يفوتها التصدير اليومي ، فتجمع في أكوام 
عليها طبقات من الملح ، وتباع بالقنطار إلى تجار الفسيح .

وثمت « مصلحة لمصائد الأسماك » تشرف على حركة الصيد . وهي أهم « ماموریات » 
قسم مصائد المنزلة ... ويوجد مركز قسم المصائد بالمطرية و تتبعه مأموریتا غيط 
النصارى والقابوطي ، ونقط العنانية ، والبسارطة ، والرطمة ، والكاب ، والجميل 
والبلاطة ، وأم الريش ، وملاحة البلاسي ... وكلها من ضواحي دمياط ... وتوزع 
قوات خفر السواحل على هذه النقط ، ولكل وحدة منطقة حراسة في دائرة اختصاصها .
ويقع مبنى خفر السواحل والمصائد على شاطي البحيرة بغيط النصارى ، وبجواره 
مسجد حديث ، ومرسى للسفن والقوارب .

و مما يذكر أنه كان لمصلحة مصائد الأسماك بخيط النصارى في القرن التاسع عشر 
أهمية بالغة ، إذ كانت مصدر دخل عظيم للحكومة . ولهذا كانت تعين لها المحظوظين 
من رجال الخديو ومنهم اسماعیلون بك ، وكان رجلا نمسويا عظيم النفوذ لافي مصلحته 
أو في دمياط فقط ولكن في دوائر الحكومة جميعا ، ثم عين بعده محمد باشا كامل ... 
وكانت هناك ذهبيات يستقلها كبار الموظفين في رحلاتهم التفتيشية و نزهاتهم فوق 
البحيرة ، وكان الصيادون يقدمون إلى ركاب الذهبيات الأسماك الحية والطيور المختلفة 
الأنواع ... ولم تزل هذه الناحية ذات حركة متصلة ، سواء في تجارة الأسماك ، أم في 
نقل الناس والبضاعة عبر البحيرة ، أم في أصلاح المراكب الشراعية وبنائها ..

المصدر: كتاب تاريخ دمياط منذ أقدم العصور تأليف نقولا يوسف (رابط)، صفحتي 492 و 493. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق