الجمعة، 25 ديسمبر 2020

اجتياز البحر سباحة من دمياط إلى رأس البر



اجتياز البحر سباحة 
من دمياط إلى رأس البر
خطاب انطون افندي الجميل 

« يسرنا أن نعلن بملء الابتهاج والسرور النجاح الباهر الذي احرزه الشاب 
القدير اسحاق بك حلمي نجل المرحوم عبد القادر باشا حلمي وزير الداخلية 
والحربية والبحرية سابقا اذ قطع المسافة بين دمياط ورأس البر سابحاً رغماً 
عن اشتداد الريح والأمواج والتيار ، وهي تقرب من الخمسة عشر كيلو 
مترا قطعها بدون أن يستريح لحظة وفي مدة احدى عشرة ساعة و نصف اذ قام 
من دمياط في الساعة الخامسة و نصف صباحا ووصل امام دار المحافظة برأس البر 
في الساعة الخامسة بعد الظهر . وكانت الجماهير على طول الطريق تهتف له هتافا
شديدا كما قوبل عند وصوله رأس البر أحسن استقبال . وكانت الموسيقات 
والطبول تنتظره امام المحافظة لتحيته عند وصوله وقد أعجب الجميع بهذا النجاح 
الباهر الذي هو الاول من نوعه وقد لازمته طول الطريق لجنة انتدبت لهذا 
الغرض منها الدكتور اللوزي بك ومعاون البوليس ونجاتي بك اباظه وكانت 
اللجنة في زورق سائر بالقرب منه من وقت نزوله البحر الي وقت وصوله » 

هذا نص التلغراف الذي أرسله حضرة محمود رسمي بك محافظ دمياط الى 
الصحف فى 8 اغسطس الغابر . ولا شك في ان العمل الذي قام به اسحق بك 
حلمي هو اعظم حادث في عالم الرياضة في هذا القطر . وهو يذكرنا بالعوامة 
الشهير « برجس » الذي قطع بحر المانش سباحة بين فرنسا وانجلترا 

اما بطل هذه الحادثة — حلمي بك — فهو شاب فى الثالثة والعشرين من 
عمره طويل القامة عريض الكتفين يبلغ وزنه ١٣٥ كيلو جراما . وهو على 
جانب عظيم من الدعة ولين الجانب ؟ وقد اكتسب صداقة جميع المصطافين في 
رأس البر ، فرأوا ان يقيموا له حفلة اكراما له وتنويها ببسالته فتألفت لجنة 
لهذا الغرض أدبت له مأدبة شائقة في فندق «مارين » المشهور لاصحابه عطا 
الله وخوري تراسها محافظ دمياط يحف به جمهور كبير من اعيان المصطافين 
وادبائهم من مصريين وسوريين واجانب . وكان لصديقنا انطون افندي الجميل 
كلمة شائقة فى تلك الحفلة نثبتها فيما يلى . 

اذا وجدت مجال القول ذا سعة     وقد وجدت لسانا قائلا فقل 

ياسعادة المحافظ ويا سيداتي وسادتي 
انني وايم الحق قد وجدت مجال القول ذا سعة في هذه الحفلة الحافلة 
التي نقيمها اكراما لفتى نبيل نشيط مقدام ، وقد تفضل سعادة المحافظ 
برآستها يحيط به رهط من الافاضل والادباء من وطنيين وأجانب ، وقد
زانتها فضليات العقائل وكرائم الاوانس وهن كالبدور في الافلاك أو 
الجواهر في الاسلاك

نعم انني أجد مجال القول ذا سعة ولكنني لا اجد اللسان القائل 
البليغ ليقول . وقد جئت الى هذا الشاطيء الهادىء بقريحة جامدة خامدة 
ولسان يكاد يكون معقولا اتجاعا لراحة الجسم والعقل في هذه البقعة 
الساكنة المطمئنة

ولكن اخوانا لا يمكن رد طلبهم ابوا الا أن أقول كلمة في هذه 
الحفلة البهية فلم يسعني الا الامتثال لطلبهم معتمدا على عذركم والعذر من 
شيم الكرام امثالكم

بل اذا لم يكن بد من الجهر بالحق فاقول بكل صراحة اني انذرت 
اليوم انذارا بل هددت تهديدا بانني اذا امتنعت أو تلكأت عن الكلام 
يكلف اسحق بك ان يضغط بيده على كتفي وانتم ادرى بالعاقبة . لذلك 
وجدت الكلام اسلم عاقبة كيفما كان

ايها السادة 
قرأت منذ اسبوع وانا في القاهرة ، كا قرأ الالوف غيري ، التلغراف 
الذى بعث به سعادة محافظ دمياط الى الجرائد مفصلا فيه الرحلة المائية 
الكبيرة التي قام بها حضرة المحتفل به من دمياط الى رأس البر فشكرنا 
لسعادته اهتمامه باذاعة هذا الخبر ، واعجبنا ايما اعجاب ببسالة بطل هذه
الحادثة الذي قطع مسافة ١٥ كيلو مترا مسابقا الزوارق فى جريانها، مجاريا
الاسماك في ميدانها ، وهي مأثرة لا أعرف أن أحدا سبقه اليها في 
ربوعنا الشرقية 

قد يعجب البعض من اهتمام الناس واهتمام الجرائد بهذه الحادثة . 
ولكن لا يتعجبن متعجب فالالعاب الرياضية — والسباحة منها — كانت 
ولا تزال ركنا كبير ا في نهضة الامم والشعوب . ذلك لانها تربي الجسم 
وتقوي العضلات ، ومعروف ان العقل الصحيح في الجسم الصحيح 
فاذا شئتم ان ينشأ ابناؤكم اصحاء النفس والعقل فربوا اجسامهم لتكون 
سليمة صحيحة قوية 

ادرك ذلك الاقدمون فاقاموا حفلات شاقة خاصة بالرياضة على 
اختلاف انواعها من عدو وملاكمة ومصارعة وسباحة وما شاكل تشجيعا 
للناس على تقوية اجسامهم وانماء قواهم البدنية 

كانت بلاد الاغريق قديما تقيم حفلات الالعاب الاولمبية فيؤمها 
الفتيان من كل حدب وصوب ويستعدون لها اكبر استعداد فيقرب 
الكهنة الذبايح والقرابين للآلهة وتقبل العذارى منشدات اهازيج 
الفرح واناشيد الابتهاج حول المبرزين في المضمار . وقد كان من شأن 
تلك الالعاب انها كانت عندهم انهم جعلوها مقياسا للزمان لانها كانت 
تقام كل اربع سنوات فكانو يؤرخون بها حوادثهم ويتغنى بها الشعراء 
في شعرهم ولدينا الشىء الكثير من ذلك في كتب الاقدمين 

وقد تنبه المحدثون لذلك فأحيوا تلك الالعاب بعد اندثارها واخذوا
يقيمون لها عن جديد حفلات خاصة في المدن الكبرى يشترك فيها أعضاء
أندية الرياضة من كل الاقطار . وباتت عواصم اوربا الكبرى تتسابق لتأخذ 
دورها في اقامة تلك الحفلات وقد وقع الاختيار اخيراً على باريس لتكون 
مقراً للالعاب الاولمبية في سنة ١٩٢٤ . وشرعت تلك العاصمة تأخذ 
هبتها لذلك منذ الآن حتى ان مجلسها البلدي يتباحث اليوم على ما روت 
جرائد البريد الاخير في فتح اعتماد قـدره ٤٠ مليون فرنك لبناء المحل 
الخاص بتلك الالعاب

وقد عرفتم كلكم أي شأن كان لنزال كاربنتيه لدمبسي حتى انه أنسى 
العالم مسألة سيليزيا العليا وشغل دوائر السياسة نفسها عن مسائل الشرق 
الادنى والاقصى

فاذا كان هذا شأن الالعاب الرياضية في العالم قديماً وحديثاً حق لنا 
ان نبتهج ونسر لما أحرزه الوطني الكريم اسحق بك حلمي من النجاح 
الباهر في هذا المضمار ، بل وجب علينا ان نضفر على جبهته اكاليل الثناء 
والفخار وعسى أن لا تكون حالتنا هذه الصغيرة الا مقدمة لحفلة كبيرة 
تقام له في العاصمة .

ايها الكريم الفاضل
لم يسعدني الحظ بمشاهدتك يوم وصولك وانت تمخر في البحر 
كالبارجة الحربية أو كنبتون اله البحار . ولكن أسعدني الحظ بعد ذلك 
بمعرفتك فرأيت فيك الادب الناصع والثغر الباسم والشمائل الغر والخصال 
الحسان . رأيت فيك القوة والنشاط والبسالة والاقدام . رأيت كيف 
يكون الساعد المفتول والعضد المجدول . ولما كانت بضدها تتميز الاشياء 
لم أتمالك من تذكر قول الشاعر
كفى بجسمي نحولا انني رجل لولا مخاطبتي اياك لم ترني 
أو قول الآخر :
ان في برذي جسما ناحلا لو توكات عليه لانهدم 

أما أنت فقد آثرت وساعدتك الطبيعة على ذلك - أثرت أن تكون
الذي يتوكا فيهدم لا الذى يتوكل عليه فينهدم وذلك يذكرني أيضاً بحكاية
لطيفة أرويها لكم على سبيل الفكاهة 

يروى أن احد التجار أراد ان يروض ابنه الفتى على الاعمال . فسلم 
اليه بعض السلع وأرسله يتجر بها في البلاد . فسار الشاب على بركة الله . 
وبينما هو يجتاز احدى الغابات رأى ثعلبًا هزيلا . واذا بأسد قد هجم على 
فريسة فصرعها واكل منها شبعته وانصرف . فقام الثعلب واقبل على 
فضلات الاسد يتقوت بها ويسد منها رمقه . فقال الفتى في نفسه « وعلام 
السعي وراء الرزق ؟ ان الله قيض لهذا الثعلب أسداً يترك له ما يشبعه . 
انا ان عشت لست أعدم قوتاً واذا مت لست أحرم قبرا » 
قال ذلك وعاد الى ابيه يقص عليه ماجرى . فانتهره أبوه وقال. 
«يا بني أريد أن تكون الاسد يترك فضلاته الثعلب لا الثعلب ينتظر 
فضلات الاسد » 

هذا المثل هو مثل شباب مصر الناهض . شبابها المتطلع الى المعالي 
والفخار ، شبابها المتعطش الى الحرية والاستقلال ، شبابها الذي يريد ان 
يكون الاسد يترك للغير فضلاته ، لا الثعلب ينتظر فضلات الغير 
فبارك الله في هذه العواطف الشريفة ! وبارك الله في هذه الاماني 
النبيلة ! وانها لمحققة في القريب العاجل ان شاء الله .. »

المصدر: مجلة سركيس العدد 20 و 21 السنة العاشرة، مصر في 15 أكتوبر (تشرين أول) وأول نوفمبر (تشرين ثاني) سنة 1921 (رابط).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق