الجمعة، 8 يناير 2021

فرخ الرومي

مصر منذ تسعين سنة - ترجمة ديمتري نقولا
مصر منذ تسعين سنة


ولما وصلنا إلى البلد ادخلنا الرجل إلى منزلهِ وامامهُ ساحة واسعة ازدحم فيها الاهالي 
رجالاً ونساءً وغلمانًا فاستقبلونا بالزغردة والاناشيد كأَني في اغسطس قیصر يدخل رومية ظافرًا .

فدخلت زینب إلى غرفة حريم الريس ثم أخذ بيدي واجلسني على فراش امام رجل 
شیخ ذي لحية بيضاء وعرفني بهِ وقال لي انهُ ابوهُ وانهُ يعرف كثيرين من رجال الحملة 
الفرنسوية و يفهم شيئًا من هذه اللغة . فسررت جدًّا من هذا التعارف الَّا اني وجدت ان 
هذا الشيخ لا يفهم من لغتنا سوى بضع كلمات التقطها من افواه الجنود في الشوارع . وحدثت 
نفسي بان استأجر حمارًا وارجع إلى القاهرة عن طريق شبرا فاقضي السهرة في مكتبة 
مدام بونوم وأًلهو بقراءة الجرائد و مطالعة الكتب دفعًا للملل ولكن التفاف القوم حول 
حلقة الرقص والاناشيد الوطنية على وقع المزمار والطبل أَلهاني عن هذا القصد . وطاف 
اناس يوزعون القهوة والتبغ على الحاضرين ووزعت « البوظة » في قصاع من خشب على 
النوبيين والبرابرة وكانوا حول حلقة الرقص وحدهم . والبوظة تصنع من نقيع الشعير 
وكانت معروفة عند المصريين الأقدمين وقد وصفها هيرودوتس في كتابهِ عن مصر بانها 
« خمير الشعير »

ثم التفت نحو رفيقي الشيخ لالهو معهُ بالحديث وقلت لهُ هل رأيت نابوليون لما كان 
بمصر . فنظر اليَّ ببلاهة وظهر لي أنهُ لم يفهم ما اقول وهز رأْسهُ مستفهمًا . فقلت لهُ 
عجبًا الا تعرف نابوليون بونابرت وانت شیخ . فلما سمع كلمة بونابرت ابرقت اسار ير وجههِ 
وحنى رأسهُ كثيرًا الى الامام علامة الاحترام و بدأ ينشد نشيد عرييَّا بدؤُهُ « يا سلام 
بونابارته » بالنغم الفرنسوي فعلمت أن هذا الجنرال لم يكن معروفًا في مصر الاَّ بهذا الاسم . 

فاغرورقت عيناي بالدموع بينما كان الشيخ ينشد نغمًا فرنسويًّا وطنيًّا . ولما ذكرت لهُ اسماء 
القواد العظام الذين كانوا في الحملة كمنو وکلیبر و برتولومي مدير الضبط والامن العام في مصر قال 
انه يعرف هذا الاخير وكان طويل القامة ضخم الجثة مهیب الطلعة والمصريون لا يحسنون 
النطق باسمهِ فكانوا يدعونهُ « فرخ الرومي » . و بدأ الشيخ بنشد نغماً عربيًّا كان شائعًا وقت 
الاحتلال هذه ترجمتهُ « حبيبي لابس برنيطة وعلى حزامه الشريط الاحمر . جيت ابوسه 
قال لي « آسبتَّا » ( توقف ) الله يحرس لي سواد عيونه . عيونه عيون الغزلان ياما 
احلى فرخ الرومي وفي ايده الفرمان بالعفو والامان »

المصدر: مصر منذ تسعين سنة (10) ، ترجمة ديمتري نقولا لرحلة جيرار دي نرفال للشرق، مجلة المقتطف، المجلد التاسع والاربعون، الجزء الخامس، 1 نوفمبر ( تشرين ثانٍ ) سنة 1916 — الموافق 5 محرم سنة 1335 (رابط).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق