السبت، 2 يناير 2021

قصة قصيرة

 اليوم الأربعاء - ليلة أحد الليالي - زمن ما من ضمن تلك الأزمنة التي تتوالى فلا نبالي أتت أم مضت أم لا زلنا ننتظر فلا تأتي أبداً
يطول الانتظار ولا ينقطع بك الأمل

اليوم هو الأربعاء؛ على شط النهر كنت واقفاً في صمت، دوماً صمت؛ قطرات النهر الكثيرة الجارية في نشاط مريب لا تتوقف عن المجئ، ونور الشمس لا يزال ينسال على وجهي وكتفاي؛ وظلي لا يزال متجها نحو تلك الجهة التي لا أدريها.

كنت قد غادرت المعسكر منذ ما يقرب من زمن مضى يستطيع أحدهم قياسه؛ ولا أستطيع (لا أرغب). 
أحدهم يبحث عني الآن، ولعلهم منهمكون في تتبع الأثر، وفي الأغلب كل الكلاب قد استطاعت التقاط رائحتي بكل سهولة؛ بكل سهولة غادرت المعسكر، فقط انتصبت قامتي، وشفطت نفس هواء عميق، استرخيت وسرت نحو الباب؛ لم أدهش لأن الحراس اندهشوا أو لم يندهشوا، فقط بكل عدم الاندهاش والجدية والاسترخاء اشرت اليهم أن افتحوا الباب.
تراخت المدافع
غيروا وضع الوقوف
ولدهشتي التي لم تظهر وقتها، وقتها فتحوا الباب لي أنا غير المندهش وغير المبالي وغير المكترث!
بتلك السهولة المتناهية بدلت خطواتي صعوداً وهبوطاً على الأرض حتى وصلت الى تلك الأرض، ذاك الشريط الرفيع الفاصل بين أرض المعسكر وأرض لا تنتمي إلى ذاك المعسكر بل تنتمي إلى المعسكر الآخر؛ المعسكر الآخر استقبلني فور أن انتهيت من تبديل خطواتي فوق الشريط الرفيع الفاصل بين المعسكرين.

لم أحضر حقيقة عملية هروب بمثل تلك السهولة، بدا فجأة وكأني وضعت في نفق زمني خاص بي، يبدأ من داخل المعسكر الأول وينهي في المعسكر الآخر؛ في طرفه الأول لا يزال المساجين واقفون في الطابور، يستمعون لخطبة قائد المعسكر، وفيه فجأة ينسل من بينهم شخص (تحديداً أنا هو ذاك الشخص) وبكل هدوء يضع يديه الاثنتين في جيب بنطاله (هل كانت هناك جيوب فعلا في ذاك البنطال؟) وكالطيف وبكل هدوء يسير نحو البوابة، ويأمر الحراس بفتح الباب ولدهشتهم وعدم دهشته يفتحون؛ ما يضايقني الآن هو أنني لم التفت لأرى شكل وجوههم، ردة فعلهم.

هل يبحثون عني الآن؟! ولماذا ينبغي عليهم؟! كيف وأنى لهم أن يكتشفوا غيابي! وهل اكتشفوا وجودي؟! هل أحصوا الأعداد؟ هل اهتموا أساساَ، لم أعد أتذكر لطول المدة.


ولكن تمضي الأيام بطيئة وثقيلة؛ لم أستدل على طريقي بعد، وما ظننته المعسكر الآخر لم يكن إلا طريق لا يوصل إلى شيء؛ أم كان يوصل إلى شيء وأني لم أهتم فيه بالسير على خطى السابقين؟! لا أدري! الأيام تمضي ثقيلة ورداء الزمن يضيء ويظلم وبهز فروع الشجر وأغصان الزهور وحشاش الأرض ويلمس بطرف ردائه صفحة النهر الطويل اللا نهائي؛ حتما سأقلل من السير في لحظة ما، ولكن أتمنى أن تكون تلك اللحظة حين الوصول للمعسكر الآخر المجهول؛ لا يزال مجهولاً.


الأيام؛ ما معنى الأيام؟ هل للشجر المحيط بي زمنه الخاص به؟ وإن كان هل يموت الشجر؟ وإن كان لا يموت فما معنى الزمن؟ وما معنى انتظاره؟ هل الشجر بانتظار شيء ما؟! هل من سبيل لسؤال الشجر والحديث معه؟!  يا الله يكاد عقلي ينفجر، صخب الأشجار والطبيعة والنهر والحيوانات يصم أذني ولا أحد يحادثني؛ الأشياء تحادث الأشياء من حولي، الأشجار تتهامس والنهر ينقل الأخبار والحيوانات تتراسل وتتخاطب والطير لا يكف عن الثرثرة؛ وأنا الوحيد في كل هذا الصامت، أكلم نفسي؛ الجميع حي ويتظاهر بالسكون والجمود وأنا الحي المجبر على الصمت. هل أصرخ فيهم طلباً للحديث والأنس؟! وهل لا تزال بي قوة للصراخ؟!


الشمس تطل علي في قلب السماء، تتحسس أخباري ثم تنصرف لتنقلها للجانب الآخر من العالم؛ لا ليست الشمس لعلها الريح؛ لا ليست الريح لعله السحاب؛ لا لا لا أحد؛ لا أحد يهتم بأخبارك يا معتوه، ألم تلاحظ أن أحداً ما لم يتعقبك؟ألا ترى؟! هل من أحد خلفك؟!

كتبتها أول مرة بتاريخ 14 ديسمبر 2008 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق