السبت، 10 أبريل 2021

تاريخ دمياط منذ أقدم العصور - الشعر والشعراء

صحيفة منبر الشرق لعلي الغاياتي
صحيفة منبر الشرق لعلي الغاياتي


الشعر والشعراء

أسلفنا الحديث عما للبيئة الدمياطية من مؤثرات بيولوجية وسيكولوجية 
واجتماعية ، في سكانها ، كغيرها من مختلف البيئات ، فموقعها على الشواطىء ، وجوها 
المعتدل ، ومحاسنها الطبيعية ، وتراثها التاريخي والروحي ، كلها تسم الناس بسمات خاصة 
تبدو واضحة في النتاج الفني عامة والشعر خاصة . ولهذا ظهر بدمياط منذ القديم 
عشرات من الشعراء ، إلى جانب نفر كثير من الكتاب والفنانين وعلماء الدين
والصوفية وغيرهم .

ولكن قليلا من هؤلاء الشعراء من عنى بجمع شعره في دواوين .. وكثيراً منهم 
من خلف أشعاره مبعثرة في الصحف والمجلات ، أو من ترك شعره يتبخر في الهواء .. 
ولهذا نسمع عن أسماء شعراء نشأوا في هذه المدينة ، ولكنا لا نسمع عن شعرهم . 
ومن هؤلاء فئة اتخذت نظم الشعر هواية ، وما لبثت أن جرفها الاشتغال بالتجارة 
أو الصناعة ..

أما من لم يتح له وافر من التثقف واتقان اللغة ، فقد عمد إلى نظم المواويل 
والأغاني . ولقلما تجد ملاحاً في مياه دمياط لا ينشد المواويل في الفضاء كما يفعل 
الكروان ، وقلما كنت تجد مقهى شعبياً لا يتردد عليه شاعر الرباب .

ولقد طبعت هذه البيئة شعرها بذلك الطابع الواضح من السهولة في التعبير ، 
والبساطة في الأداء ، والبعد عن الغموض والتعمق، و الميل إلى الشعر الوجداني والوصفي 
والغنائي ، مع سماحة في المديح والتهنئة ، أو المباسطة والمداعبة . . هذا إلى نزعة 
تدينية تسفر وتتقنع . .

ولا يخفى ما هناك من المصاعب التي يصادفها المتحدث عن هؤلاء الشعراء القدماء 
منهم والمتحدثين ، فان منهم من احتجب اسمه في ضبابة الزمن ، أو في تيه الذاكرة ، 
ومنهم من وصل إلينا اسمه وضاع شعره ، ومنهم من وصل الينا اسمه وبعض شعره ثم
خفي تاريخ حياته كله أو بعضه .. ولقد أحصي مرة شاعر دمیاطي معاصر من عرفهم 
من شعراء بلدته في هذا القرن الحالي فكانوا ثلاثين شاعراً ، وقال إنهم كانوا يومذاك
يبحثون عن جريدة تجمع شملهم وتنشر شعرهم ، فلما وجدت الجريدة لم يعثر عليهم !.

ولسنا هنا في سبيل البحث عن أشعارهم ونقدها ودراستها ، بل غايتنا هنا التاريخ 
وحده .. للراحلين منهم ..

ابن قادوس الدمياطي المتوفى عام ۱۱٥٦م
وفي النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي ، ذاع صيت الشاعر ابن 
قادوس الدمياطي . وكان من أشهر شعراء الدولة الفاطمية وكتابها . وترك ديواناً من 
الشعر في مجلدين وكثيراً من النثر . غير أن دیوانه ضاع كما ضاعت أكثر أخباره 
وترجمة حياته ..

وهو أبو الفتح محمود بن القاضي الموفق اسماعیل ، بن حميد الدمياطي، المعروف 
بابن قادوس ، والملقب « بالقاضي المفضل ، كافي الكفاة ، وشیخ القاضي 
الفاضل » ..

عاش بالقاهرة مدة وشهد عصر الأفضل بن بدر الجمالي ، ثم كان من المقربين في 
بلاط الملك الصالح طلائع بن رزيك ، الذي تولى الوزارة بعد قتل الخليفة الظافر 
عام ۱۱٥٤م .

ويبدو مما ذكره عنه أدباء عصره وغيرهم ، أنه بلغ في حياته مكانة اجتماعية 
ملحوظة، وشهرة أدبية واسعة . فقد نوه به أمية بن أبي الصلت في رسالته ، كما قال 
فيه العماد الأصفهاني : « أشعاره محكمة النسج ، كالدر في الدرج » وقال عنه ابن میسر : 
« كان من أماثل المصريين وكتابهم ، مقدماً عند ملوكهم » . وقدمه السيوطي في
« حسن المحاضرة » بقوله : « محمود بن أسماعيل بن قادوس ، أبو الفتح الدمياطي ، 
كاتب الأنشاء بالديار المصرية ، وشيخ القاضي الفاضل ، وكان يسميه ذا البلاغتين ، 
ذكره العماد الكاتب في الجريدة ، مات سنة ٥٥١ هـ »

وكان له ديوان من الشعر ذكره حاجي خلیفة في « کشف الظنون » . ولكن هذا 
الديوان ، كما تقدم ، ضاع حين أحرق الأيوبيون الكثير من كتب الفاطميين 
ودواوينهم ، خشية أن يكون بها مديح للأئمة ، أضف إلى ذلك أن الأحداث التي 
عصفت بمصر ولا سيما في عهد المستنصر بالله الفاطمي إبان المحنة الكبرى ، وفي
الصراع بين شاور و ضرغام في أواخر العصر الفاطمي ، كانت كلها من أهم الأسباب 
في ضياع الكثير من دواوين الشعراء وكتب العلماء ، ورسائل الأدباء ..

وما وصل إلينا من ذلك النذر من شعر ابن قادوس وأخباره ، أنما جاء مبعثراً 
في بعض الكتب القديمة . ومنها عرفنا أنه كان من تولوا ديوان الإنشاء في عهدي 
الحافظ والعاضد . و أنه كان مقرباً في مجلس الوزير طلائع بن رزيك . وكان هذا 
مولعاً بالشعر والشعراء والعلم والعلماء . فكان هؤلاء يجتمعون لديه يتناشدون 
الشعر ، ويتناظرون في بعض المسائل الأدبية والعلمية ، وكان بين هذه الجماعة أديب 
يدعي الرشيد بن الزبير ، يدعي العلم و توقد الفهم فداعبه ابن قادوس يوما مرتجلا :
إن قلت من نار خلقـ         ـت وفقت الناس فهما !
قلنا : صدقت فما الذي أطفاك حتى صرت فحما ! 

وتوفي ابن قادوس في سابع المحرم سنة ٥٥١ هـ ( ۱۱٥٦م ) في حكم الفائز 
نصر الله الفاطمي ، وقيل إن الوزير طلائع بن رزيك حضر من القاهرة إلى مصر 
للصلاة عليه ومشى في جنازته إلى تربته عند مسجد الأقدام

صدر الدين ابن المرحل ( ۱۲٦۷ — ۱۳۱٦ م ) 
وهو الأمام الشيخ صدر الدين أبو عبد الله ، محمد بن زين الدين ، الشهير بأبن 
المرحل ، وابن الوكيل، الشافعي ، الفقيه ، الشاعر الأديب ..

ولد بدمياط في شوال سنة ٦٦٥ هـ ( ۱۲٦۷م ) في حكم ركن الدين بيبرس . 
والأرجح أنه رأى فاتح الأسمر أبا المعاطي يسقي الماء بأسواق دمياط احتسابا . فقد 
كان صبيا في الثانية عشرة حين قدم أبو المعاطي إلى دمياط حوالي عام ۱۲۷۹ م . كما 
كان معاصراً للحافظ شرف الدين الدمياطى .

وكان صدر الدين ابنا العالم فقيه ، ومن أسرة ظهر منها أدباء وفقهاء . فقد ذكر 
السيوطي في « حسن المحاضرة » أن « أباه ، ابن المرحل أبا حفص عمر بن مکي ، كان 
من علماء زمانه ، دینا ، متمسكا بطريقة السلف . تفقه با بن عبد السلام ، وسمع من
المنذري وقرأ الأصلين ، ودرس وأفتى . و ناظر ، وولي خطابة دمشق ووکالة 
بيت المال بها . ومات في ربيع الأول سنة ٦۹۱ هـ ( ۱۲۹۲ م ) .

ويقول أيضا إن « أبن أخيه زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زین الدین 
عمر، كان عالما فاضلا في الفقه والأصلين ولد بدمياط ، وتفقه على عمه « صدر 
الدين » وغيره ومات في رجب منه ۷۳۸ هـ ( ۱۳۳۸ م ) .

واشتغل الشيخ صدر الدين بن المرحل بالتدریس ، بالقاهرة ودمشق . ودرس 
بالمشهد الحسيني و الناصرية وغيرهما وأفتى وعمره أثنتان وعشرون سنة . وكان
يشتغل في الفقه والتفسير والنحو ، وبالطب في آخر حياته . وكان ممن خدموا الناصر 
محمد بن قلاوون .

وعاش نحو خمسين سنة وكانت برفقته في ٢٤ ذي الحجة سنة ٧١٦ هـ ( ۱۳۱٦ م ) 
بالقاهرة ، في السنة السابعة من ولاية محمد بن قلاوون الثالثة على مصر .. ودفن 
بقرافة القاهرة في تربة الفخر ناظر الجيش .

ويصفه بن تغري بردي : « كان فريد عصره ، ووحيد دهره . کان أعجوبة في 
الذكاء والحفظ . وكان بارعا ، مدرسا ، مفتنا .. وكان حسن الشكل ، حلو المجالسة 
وعنده کرم مفرط »

ويقول عنه السيوطي : « كان إماما جامعا للعلوم الشرعية والعقلية واللغوية » .

وترك صدر الدين ديوانا من الشعر ، أو أكثر ، وكتابا . وقد يكون له آثار 
أخرى لم تصل إلينا .

ومن آثاره : « ديوان الموشحات » التي يقول عنه ابن تغري بردي : « وأحسنها 
موشحته التي عارض بها السراج المحار . وقد ذكرناها بتمامها في ترجمته في تاريخنا 
« المنهل الصافي » ، وقطعة جيدة من شعره ۰۰ »

كما له كتاب ( الأشباه والنظائر ) ، ويقول السيوطي أنه « جمعه ومات قبل 
تحریره ، فحرره وزاد عليه ابن أخيه .. »

ثم مجموعة شعره ، الذي وصفه ابن تغري بردي أيضا بقوله : « له الشعر الرائق .
الفائق في كل فن من ضروب الشعر » .

محمد يوسف عبد القادر الدمياطي ( ۱٦۰٥ م )
نشأ بدمياط ثم رحل إلى القاهرة ، ولازم شيوخ الحنفية ، واشتغل بالتدريس 
والأدب والفقه ، وتأليف الكتب ، ونظم الشعر ، وكانت وفاته في السابع عشر 
من ربيع الثاني سنة ۱۰۱٤ هـ ( ۱٦۰٥ م ) في عهد الحكم العثماني بمصر ، وفي فترة 
سادت فيها الفوضى والغلاء والأوبئة ..

ومع أن تاريخ حياته مازال غامضا ، فأن القليل الذي ذكره عنه بعض المؤرخين 
يشير إلى ما كان الرجل من مكانة رفيعة ، وشخصية بارزة في مجتمعه ، فمما قال عنه 
محمد المحبي صاحب « خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر  » : ( المفتي الأمام ، 
المقدم على أقرانه ، البارع في أهل زمانه ، مفتي مذهب النعمان بالقاهرة ، والمبدي في 
تحريراته التحقيقات الباهرة ، فاق في الفضائل جميعها ، وبهر في تأصيل المسائل 
وتفريغها « وتكلم في المجالس ، وأظهر من درر بحره النفائس ، وجمع وألف ، 
وكتب وأفاد ، وأرسل فتاويه طائرة أجنحة ورقها إلى سائر البلاد .. وتصدر
التدريس ، ونفع الناس ... »

ومن قصيدة له بعث بها إلى صديق 
أفائق أهل العصر في كل ما يبدي وأوحد هذا العصر في الحل والعقد
ومن فاق سحبانا وقا فصاحة ومن نظمه المشهور بالجوهر الفرد
نظمت قريضا في حلاوة لفظه وفي الصوغ أزرى بالنباتي والورد
ملكت أساليب الكلام بأسرها فأنت بارشاد إلى طرقها تهدي

مصطفى أسعد اللقيمي الدمياطي المتوفى عام ۱۷٦۰ م
وهو أحد الأخوة الأربعة — عمر ومحمد وعثمان ومصطفى — أولاد أحمد بن 
محمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي ، الشافعي .. وكلهم شعراء ..

ويظهر أن الشيخ مصطفي كان تاجراً سريا ، كثير الأسفار . أقام وقتا بغزه ، 
وبغيرها من مدن الشام ومصر ، كما أقام طويلا بالقاهرة وهناك اتصل بأدبائها ، 
وبالأمير رضوان کتخدا عزبان الجلفي ، أحد بكوات المماليك الحكام في القرن الثامن
عشر . وكان ذلك الأمير قد اتخذ من قصره بالقاهرة ندوة لشعراء ذلك العصر و ادبائه ، 
ومالبث أن أصبح الشيخ مصطفى صديقا حميما ونديماً مقربا لهذا الأمير ..

فكانت تلك الندوة الأدبية من بواعث إقباله على النظم و كتابة المقامات ، 
فالأمير كان يشجع هذا الإنتاج ويجزل العطاء ، والأدباء يتبارون في تلاوة منظومهم 
ومنثورهم في ذلك المجلس الحافل ...

وسجل الجبرتي تاريخاً مسهبا لحياة رضوان کتخدا ومجالسه وذكر بعض ندمائه 
وأصحابه ، كما اختص الشيخ مصطفى اللقيمي بنحو عشرين صفحة من كتابه ، و نقل 
إحدى مقاماته برمتها ، ثم أورد له مقتطفات شتى من نظمه و نثره . ومع ذلك فلم تزل 
الحياة الخاصة لهذا الشاعر مطوية غامضة ..

ويصف الجبرتي شاعرنا هذا بقوله أنه : « أفضل النبلاء ، وأنبل الفضلاء ، 
بلبل دوحة الفصاحة وغريدها ، من انحازت له بدائعها ، طريفها وتليدها ، الماجد 
الأكرم ، مصطفی أسعد اللقيمي الدمياطى ... » !

أما آثاره فأولها مقامته : ( المدامة الأرجوانية في المقامة الرضوانية ) التي أنشأها 
في مدح رضوان کتخدا ، ويتخللها كثير من الأبيات ..

وله مقامة أخرى صغيرة أسماها : (سح سحب الأدب ، البديع المعاني ، بسوح 
روض الآداب البديع الرضواني . وقد كتبها تلبية لطلب الأمير ، كي تكون مقدمة 
أو متممة لكتاب ( روض الآداب ) الذي ألفه ابراهيم البلبيسي ..

ثم مقامة ثالثة صغيرة وضعها لتهنئة الأمير بالبرء والسلامة وسماها ( نشر نفحة 
الصفاء ، ببشر الصحة والشفاء )

أما ديوان أشعاره فقد تبعثرت منظوماته . وذكر الجبرتي منها عدداً من الأبيات 
والمقطوعات ..

ويقول الجبرتي أيضا أن من مؤلفات المترجم رحلته المسماة ( موانح الأنس 
برحلتي لوادي القدس ) . وقد عثر حديثا على جزء من هذا المخطوط بدار الکتب
الظاهرية بدمشق .

وكان من عادة مصطفى اللقيمي إذا نزل بدمياط ، أن يجتمع في غرفة داخل ( جامع 
البحر ) بأدباء المدينة وعلمائها في مجلس مذاكرة ومناشدة ، وكانت تدعوه تجارته 
الواسعة إلى السفر للأقطار الشقيقة وخاصة فلسطين ، حيث كانت له صلة بعلمائها ، كما كان 
له صلة بتجارها ، يزورونه في دمياط كما كان يزورهم في بلادهم .. وتوفي عام ۱۱۷٣ هـ
(۱۷٦۰ م ) .

ونشأ بدمياط في القرن التاسع عشر عدد من الشعراء ، منهم : المرحوم سلیمان عياد ، 
من أسرة عياد بالسنانية ، ويرجح أنه ولد حوالي عام ١٨٤٥ وعاش نحو ثمانين سنة 
وتوفي بدمياط حوالى عام ۱۹۲٥ . وأمضى فترة من حياته بالقاهرة مشتغلا بالتعليم 
إذ كان ناظرا لمدرسة المعلمين بها . فلما أحيل إلى المعاش عام ۱۹۱۸ عاد إلى مسقط 
رأسه وقضى هناك بقية حياته . وكان شعره متداولا بين أصدقائه ، ومعظمه من النوع 
المسمى بالأخوانیات و شعر المحافل والمناسبات .

ومع أنه نظم كثيرا من الشعر وقد ضاع أكثره ، فأنه لم يشتهر بين أخوانه 
إلا بشعره الفكاهي وبدعاباته التي لم يزل يتندرون بها . ومن ذلك أنه سكن مرة 
بيتا قديما الرجل أسمه العزوني فوجد به حشرات كثيرة الأنواع . فنظم في ذلك قصيدة 
على طريقة الملاحم ، تصور فيها نشوب المواقع الحربية بينه و بين تلك الحشرات . 
وظلت الحرب سجالا حتى أرغم في النهاية على التسليم !.

وفيها يقول . 
للّله أشكو منزل « العزوني » یا قوم عزوني به عزوني ! 
بيت كأن البق فيه عقارب ویلي بلسع ذبانه المسنون !

وفي عام ۱۹۲۳ توفي الشاعر الخطيب محمد منیعم في شرخ الشباب ، وكان من 
تلامذة علي العزبي ، ثم رحل إلى القاهرة ودخل الأزهر ، ولما شبت ثورة ۱۹۱۹ 
ساهم فيها بشعره و نظم في أحداثها القصائد . ومن ذلك قصيدته في رثاء شهداء 
الثورة وفيها يقول :
خطوا لهم بين الكواكب مضجعا فالقلب أمسى بالحوادث مترعا

وكان ينشر شعره الوطني بجريدة ( النظام ) . ولكنه لم يعمر طويلا ، وأقيم 
له بجامع البدري بدمياط حمل تأبین حضره من القاهرة بعض شيوخ الأزهر ..

وكان من زملائه ومعاصريه : الشاعر الدمیاطي محمد محمد عبد الرازق الذي 
عاش بالقاهرة فترة طويلة إذ كان موظفا بوزارة الأوقاف ، وكان والده الشيخ 
محمد عبد الرازق من علماء الدين ، وعاصر ثورة ۱۹۱۹ وتأثر بها إلى حد أنه كان 
لا يمر يوم دون أن ينظم في حوادثها ورجالها بعض الأبيات ، ثم طبع دیوانه عام 
۱۹۲۲ فخرج هذا الديوان مرآة للحركة الوطنية في ذلك العهد .

وكان إلى جانب وظيفته بوزارة الأوقاف محرراً بجريدة « البلاغ » في سني تلك 
الثورة ، وكان ينشر بها وبجريدة النظام معظم قصائده . .

ثم توفي عام ۱۹۳۰ ولم يبلغ الأربعين ودفن بدمياط .

وكانت هناك أسرة تتوارث نظم الشعر جيلا بعد جيل ، ولم تزل على هذه الحال 
إلى اليوم . وهي أسرة « النشار » الدمياطية القديمة ..

وكان رأس هذه الأسرة الحاج علي النشار من شعراء دمياط في عهد محمد علي . 
وكان ينظم الشعر بالعربية والتركية ، وورث حمدى النشار ( ۱۸۷۳ — ۱۹۲۳ ) 
عن أبيه ملكة الشعر ، وقضى معظم حياته موظفا بمحكمة دمياط ثم بمحكمة الأسكندرية 
حينما انتقل والده إلى المعهد الديني بها . ونشر دیوانه الأول حوالي عام ۱۸۹۳ ثم 
أتبعه بجزئه الثاني عام ۱۹۰٥ والثالث عام ۱۹۱۰، وقد نفدت هذه الدواوين 
الثلاثة ونسيها الناس .. و تمتاز أشعارها بالسهولة والجزالة ..

وبدمياط أنشأ الصديقان حمدي النشار ومحمد فريد وجدي جمعية أدبية ، ضمت 
عددا من أدباء ذلك العصر منهم الشاعر باسیلي سرور الذي مات في الشباب ولم يجمع 
شعره ، وعلى العزبي ، وعبد السلام خفاجي ، وحسين الحمامصي وكان الأخير تاجراً 
سريا يتخذ الأدباء من متجره ندوة أدبية يتطارحون فيها الشعر ..

ولحمدي النشار قصيدة طويلة في وصف ( رأس البر ) يقول فيها :
وما أحسن البحرين عذبا ومالحاً قد انتظما بالماء منها النواحيا 
إذا التقيا وجها لوجه تصافحا وعادا إلى عهد التفرق ثانيا 
كأن الليالي سطرت لكليهما على صفحات الماء أن لاتلاقيا 
وعهدي بأكواخ هناك ضئيلة تفوق لدى نفسي القصور العواليا

وله كذلك عدد من المقالات وترجمات لبعض القصص والأشعار الأنجليزية ..

وولد ابنه الشاعر عبد اللطيف النشار بدمياط عام ۱۸۹٥ ، ثم رحل مع أبيه 
إلى الأسكندرية ، وتوظف في شبابه بمحكمتها حتى أحيل إلى المعاش عام ۱۹٥٥ 
فانتقل إلى القاهرة . وله ديوانان من الشعر ، وعدد وافر من الكتب والروايات 
المترجمة .. وقد ورثت عنه كريمته رفيعة النشار موهبة الشعر ..

علي الغاياتي :

الحكم على محمد وفريد وعلي الغاياتي
الحكم على محمد وفريد وعلي الغاياتي (رابط)


وفي عام ۱۸۸٥ ولد بدمياط الشاعر علي الغاياتي ، وتلقي بها تعليمه الأولي .
واشتغل بالتعليم ، ثم رحل إلى القاهرة عام ۱۹۰۷ وعمل محررا بجريدة ( الجوائب ) . 
وانضم إلى الحزب الوطني و تعرف بالزعيم مصطفى كامل . وراح ينشر قصائده 
ومقالاته في جريدة ( اللواء ) صحيفة الحزب الوطني آنذاك . حتى عام ۱۹۱۰ حين 
جمع قصائده الوطنية في ديوان سماه ( وطنيتی ) وكتب كل من محمد فريد وعبد العزيز 
جاویش مقدمة لهذا الديوان . وما كاد يصدر حتى هاجت السلطات وصادرت الديوان ، 
وقدم ثلاثتهم للمحاكمة ، وتوقع الشاعر الحكم بالسجن فخرج متخفيا في زي أوربي 
من الأسكندرية إلى استنبول . وحكم عليه غيابيا بالحبس سنة مع الشغل . كما حكم على 
محمد فريد بالسجن ستة أشهر ، وعلى عبد العزيز جاويش بالحبس ثلاثة أشهر ..

وأقام علي الغاياتي نحو خمسة أشهر باستنبول ثم سافر إلى سويسره ، وأقام 
بجنيف نحو سبعة وعشرين عاما ، وتزوج هناك عام ۱۹۱۲ وأسس أسرته وتعلم اللغة 
الفرنسية ، وأخذ يكتب ويراسل الصحف العربية والفرنسية . ثم أنشأ عام ۱۹۲۲
بجنیف جريدته ( منبر الشرق ) للدفاع عن قضايا العالم العربي . وظلت هذه الجريدة تناصر
قضايا العروبة والشرق إلى سنة ۱۹۳۷ حين التقى الشاعر بوفد مصر إلى مؤتمر مونتريه 
وطلب إليه أن يعود إلى وطنه ، فعاد في صيف ذلك العام ، وأقام بالقاهرة وأعاد 
إصدار جریدته بها باللغة العربية ، كما طبع ديوانه القديم ( وطنيتي ) مرة ثانية عام
١٩٣٨ وخشي الأنجليز أن يكون الديوان دعاية سيئة لهم في خلال الحرب العالمية 
وأرادوا مصادرته فلم يجدوه . ثم طبعه للمرة الثالثة عام ۱۹٤۷ مشتملا على خمسين 
قصيدة ومقدمة تحكي قصة الديوان . .

وكان ينوي جمع بقية آثاره من مقالات وقصائد ، وذكريات غربته التي أراد 
أن يسميها « هجرتي » ، ولكنه توفي إلى رحمة الله في ۲۷ أغسطس ۱۹٥٦ بالقاهرة

علي علي العزبي :
وحوالي عام ۱۸۸۰ ولد بدمياط الشاعر علي العزبي ، وعاش بها طيلة حياته 
يمارس التعليم والصحافة ، ونظم الشعر ، وشب عصاميا يدرس ويثقف نفسه حتى 
توفاه الله في ۹ يناير ۱۹٤۲ .

وقد أسس بدمیاط مدرسة أهلية أبتدائية باسم « شمس الفتوح » في وقت لم يكن فيه 
بهذه المدينة غير عدد ضئيل من المدارس وكان يعلم بها سنوات طوالا . . ثم عاونه 
صديقه محمد عطية الحرايري في أصدار جريدة ( دمياط ) عام ۱۹۳٦ . وظل بقية 
حياته يكتب بها وينظم الشعر الجزل الذي لا يتكلف فيه ولايسف . ولم تجمع آثاره بعد . .

محمد البدري محمدين  :
وفي أواخر القرن التاسع عشر أيضاً نشأ بدمياط الشاعر محمد البدري ، وأمضى 
بها جل حياته إلى أن توفاه الله بها في ۱۹ مارس ۱۹٥٥ . ولم تشغله التجارة عن 
نظم الشعر الذي كان ينشره بجرائد دمياط المحلية ، وهو شعر سهل ، متنوع الألوان ، 
اصطبغ في أواخر أيامه بالألم والشكوى من الزمان ، وطبع عام ۱۹٤۷ مجموعة
صغيرة من شعره باسم « ملحمة الذكريات الأسلامية » كما نشر مجموعة من الرباعيات 
في الحكم . وكان يرتجل الشعر في كل مكان . . ولم يجمع دیوانه بعد أيضا .

محمد الاسمر :
ومن أسرة دمياطية قديمة نشأ الشاعر محمد الأسمر المولود بدمياط في ٦ نوفمبر 
۱۹۰۰ ، وتلقى تعليمه الأولي بمدرسة الحزواي وفي عام ۱۹۱٥ التحق بمعهد دمياط 
الديني ثم انتقل إلى القاهرة عام ۱۹۲۰ لمتابعة دراسته بالأزهر . واتخذ العاصمة 
منذ ذلك العهد حتى يوم وفاته في ٧ نوفمبر ۱۹٥٦ مقراً لوظيفته بمكتبة الأزهر .

وما أن نال عالمية الأزهر النظامية سنة ۱۹۳۰ ، حتى نزل إلى ميدان الصحافة ، وظل بقية 
حياته ينشر بها القصائد والمقالات و النقدات الأدبية والاجتماعية . وفي عام ۱۹٤٦ 
طبع أول مجموعة شعرية بأسم « تغريدات الصباح » نال عنها جائزة المجمع اللغوي 
في يوليه ۱۹٤۷ . كما أخذ ينظم الأناشيد الوطنية التي لحن بعضها وأذيع . وفي 
ديسمبر ۱۹٥۰ ظهر ( ديوان الأسمر ) في نحو سبعمائة صفحة .. وفي عام ۱۹٥٥ 
نشر له ( مع المجتمع ) وهو كتاب نثري يضم صوراً اجتماعية في دعابة ويسر ، . وكان 
يعد الجزء الثاني من دیوانه المسمى « بين الأعاصير » وقد طبع عام ۱۹٥۹ . كما كان 
في أواخر سنيه يتناول في شعره الاستعمار الغاشم ، والحزبية الفاشلة ، والاقطاع 
المستبد ، والأخلاق الهزيلة والرذائل المفضوحة .

وقبل موته ببضع سنوات توفي صديقه الشاعر علي محمود طه ودفن بالمنصورة 
فقال في رثائه : 
خلا الروض يا غريد إلا بقية تذوب على ( الوادي ) من الحسرات 
فيا صاحبي لبث قليلا فأنني مواف على نفس الطريق موات 
إذا كنت ( للمنصورة ) اليوم راحلا فأني إلى ( دمياط ) بعدك آت 
إذا مر نعشي يا صديقي مسلما عليك فسلم وادع بالرحمات

وقد قضى الأسمر نحبه بالقاهرة ونقلت رفاته إلى دمياط ومر نعشه على
المنصورة کما تنبأ ...

وكان من شعراء دمياط في الجيل الماضي : حسن الصفتي ، وحامد بكري ، 
وعبد الله بكري ، ومحمد كامل الحمامصي ، وحسين الحمامصي ، وحسن شاكر . 
وباسیلي سرور ، ومحمد الحسيني . و محمد جوده . وحسن الدرس . وحسين خفاجي،
وأحمد الشهاوي ، و أمين المعداوي ، وقد توفاه الله عام ۱۹٥٦ .

ومن شعرائها المعاصرين حسين كامل الصيرفي . وطاهر أبو فاشا . ومحمود 
عبد الحي ، ومحمد مصطفى الماحي . ومحمد طاهر الجبلاوي ، و فهيم القللي ، ومحمد 
کامل جبر ، و نسرين عبد الحي ، وغيرهم ..

ولجميعهم اليوم شهرة في عالم الشعر ، كما أن لهم دواوین مطبوعة ، ولبعضهم 
مؤلفات أخرى في الأدب والنقد خاصة . . وما برحوا ينظمون . ولكنا اقتصرنا 
على الترجمة للشعراء والأعلام الراحلين الذين أمسوا في ذمة التاريخ . .

المصدر: كتاب تاريخ دمياط منذ أقدم العصور تأليف نقولا يوسف (رابط)، الصفحات من 444 حتى 455. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق