الأحد، 4 أبريل 2021

لفظ الجيم عند العرب

لفظ الجيم عند العرب باب السؤال و الاقتراح رد على سؤال من ميشيل افندي عجيمي من الاسكندرية الهلال الجزء السادس السنة السادسة
لفظ الجيم عند العرب




باب السؤال والاقتراح

لفظ الجيم عند العرب
( الاسكندرية ) ميشيل افندي عجيمي

كيف كان لفظ الجيم عند العرب الذين اتصلت لغتهم الينا هل كانت تلفظ 
قريبة من الشين كما يلفظها السوريون او قريبة من القاف كما يلفظها المصريون 
فقد وقع جدال بهذا الشأن في مجلس ضمَّ جماعة من الأدباء وفيهم عدة من قراء مجلتكم 
ولما تناقضت الآراء أَقروا على استفتاء الهلال وانا بوني في مخاطبتكم بذلك فما رأيكم

( الهلال ) ان الجواب على سؤَالكم يستلزم الجواب على سؤَالين (۱) هل كان 
لفظ الجيم عند العرب حلقيًّا مثل لفظها المصري او شجریَّا مثل لفظها الشامي (٢)
كيف تحول احد هذين اللفظين الى الآخر مع تباعد المخرجين والابدالُ انما يقع بين 
الاحرف من مخرج واحِد كالسين والشين او مخرجين متقاربين كالتاء والثاء والبعد 
بين الحلق والشجْر شاسع لان الحلق في اقصى الفم والشجْر ما انفتح من منطبق الفم

وجوابنا على السؤال الاوَّل ان الأصل في لفظها حلقيٌ ثم صار شجريًّا قبل 
الاسلام في قريش وانتشر بانتشار الاسلام واليك البيان :

﴿ الادلة على انها كانت حلقية قبل الاسلام ﴾ 

( ۱ ) معلوم أن اللغة العربية احدى اللغات السامية او الشرقية . واشهر 
اخواتها منهن السريانية والعبرانية ومعنى الاخوَّة بينها ان هذهِ اللغات متفرعة عن 
اصل واحد . والجيم في اللغات السامية لا تلفظ الَّا حلقية كالكاف الفارسية على ان لها 
في السريانية و العبرانية حالين متقاربين فتكون اما كافًا فارسية او غينًا وكلاهما من 
مخرج واحد يسهل الابدال بينهما ، وليس في اللغات السامية بوجه الاجمال حرفٌ 
يلفظ لفظ الجيم الشامية او ما يقرب منها

( ۲ ) ان الابدال بین حروف اللغة امر طبيعي لا تخلو منهُ لغة في زمن من 
الازمان وهو يقع بين الاحرف من مخرج واحد او بين مخارج متقاربة وفي العربية 
من امثلة هذا الابدال ما لا يمكن حصره وقد فصلناه في باب الابدال من كتابنا 
« الفلسفة اللغوية » كابدال الحاء هاءً او عينًا كما في لحسَ ولمسَ ولعسَ وكلها بمعنى 
واحد وابدال اللام راء مثل فرقَ وفلقَ وعلى هذا النحو خبَّ وغبَّ و بزق و بصق 
وامثال ذلك كثيرة

فترى الجيم كثيرًا اما ابدلت قافًا او كافًا وخصوصًا في اقدم ازمان اللغة ويكون 
ذلك غالبًا في الالفاظ المهملة نحو جظَّ وكظَّ بمعنى واحد وجفجفَ وكفكفَ . وجلتَ 
وكلتَ . وجدجدَ وكدكدَ . وجعدبَ وکعدبَ . وجعمَ وكعمَ وجفاَّ وكفاَّ وجضمَ
وقضمَ . وجدَّ وقدَّ وقطَّ . وسج وسك ورتج ورتق . وبعض العرب يلفظون الجيم
کافًا فيقولون الجعبة بدلًا من الكعبة فلو كان لفظ الجيم اذ ذاك لفظها الشامي لما وقع 
الابدال بينها وبين القاف والكاف كما رأيت

( ٣ ) ان الالفاظ الفارسية الدخيلة على اللغة العربية قد عوَّض العرب في 
لفظها عن الكاف الفارسية بالجيم وذلك كثير مثل جمان فارسيتها كمان . وجزدان 
فارسيتها كزدان . والجزمازج = كزمازك . وجلنسرين = كل ( زهر) نسرین .
وجلنار = كل نار . والجهينار = کاهینار . والجوسق = کوسك . وجوشر = 
كواشير ونحو ذلك . ويلاحظ ايضا ان الهاء الواقعة في اواخر الالفاظ الفارسية 
يعبر عنها في اللفظ العربي بالقاف او الكاف مثل نيزك تعريب نيزه . وجردق تعريب
کرده . غير انهم قد يعوضون عن هذه الهاء ايضًا بالجيم مثل بنفسج فانها تعريب 
بنفشه . والدیباج تعريب دیبا . والفيروزج = فيروزه . والفالوذج = فالوذه 
وقس عليهِ اللوزينج والجوزينج والسكباج والاسفيذاج ونحوها . فترى الجيم قامت هنا 
مقام القاف ويدل ذلك على أنهما كانا من مخرج واحد

( ٤ ) يلاحظ في الالفاظ العربية المأخوذة عن حكاية الاصوات ان الجيم فيها 
تعمل عمل القاف او الكاف مثل حكاية قرقرة البطن فانهم يعبرون عنها بقولهم قرقرَ 
او كركرَ او جرجرَ فلو كانت الجيم على لفظها الشامي لما امكن لجرجرَ ان تكون حكاية 
قرقرة البطن . ومن هذا القبيل دجدج حكاية صوت الدجاجة وجعجع حكاية صوت 
الجمل . وجشَّ حكاية صوت الكسر مثل قصَّ ، وفي القاموس الجشش صوت غليظ
يخرج من الخياشيم فيهِ بحةٌ . ومثله جشأَ حكاية صوت الجشاء وهذه يجب ان تخرج من 
اقصى الحلق حتى تشبه الجشاءَ . والجعجعة حكاية صوت الرحی کالقعقعة وقس عليهِ

( ٥ ) في اللغة العربية الفاظ ترد فيها الجيم بازاء حرف يثقل لفظها معهُ الَّا 
كافًا فارسية مثل ورودها مع الشين نحو قولهم جشع وشجع وشجر واللغة العربية تبعد 
عادة عن مثل هذا الثقل في اللفظ وتعدل عنهُ الى الادغام او الابدال فوجود مثل 
هذه الالفاظ يدل على أن الجيم كانت تلفظ کافًا فارسية . ويعترض على هذا بان الفاظًا 
أُخرى يعكس فيها الحكم اذ يرافق الجيم فيها حروف لا يستقيم نطقها الَّا اذا لفظت جيمًا 
شجرية نحو جق للطائر بمعنى ذرقَ والجقَّة الناقة الهرمة والجقل اسم لابن آوی ومثل 
ذلك جكَّ وجكرَ والقجَّة وقجقج وكججَّ ونحوها فان لفظ الجيم حلقية فيها أثقلُ من لفظها 
شجرية في جشع وشجع . والجواب على ذلك ان تنافر الحروف على هذه الصورة لا يتخذ 
دليلًا قاطعًا على اصل لفظ الجيم او غيرها فقد يرد مثل هذا التنافر في كثير من 
التراكيب مثل ( فم ) ونحوها . والمعجم مجموع الفاظ كان يتكلم بها قبائل متعددة فربما
كان بعضهم يلفظ الجيم لفظًا يسهل النطق بهِ في هذه الالفاظ او لعل هذه الالفاظ دخلت 
اللغة بعد ان دخل فيها لفظ الجيم لينًا ولم نأت بهذا الدليل مع ضعفهِ الَّا اتمامًا للموضوع

﴿ من این اتت الجيم الشجرية ﴾ 

قلنا ان اللغة العربية احدى اللغات السامية وقد فصلت عن امها والجيم فيها 
حلقية فلما استقر اهلها في جزيرة العرب وتناسلوا وكثروا تشعبوا الى قبائل و بطون وافخاذ 
فتفرعت لغتهم الى لغات لكل منها خصائص تميزها عن سواها نطقًا وتركيبًا وهو امر 
طبيعي في اللغة لا يزال جاريًا فيها ولن يزال الى ماشاء الله عملًا بناموس الارتقاء العام

ومن امثلة الاختلاف بين لغات القبائل الكشكشة في قبيلتي ربيعة ومضر وهي 
ابدال كاف المخاطب شيئًا او اثباتها والحاق الشين بها وقد يلحقون بدل الشين سينًا 
وفي اليمن يلفظون الكاف شينًا اینما وجدت . والعنعنة في قبيلتي قيس وتميم وهي 
ابدال الهمزة عينًا في أَوائل الالفاظ . والقحقحة في لغة هذيل وذلك ان يجعلوا الحاءَ 
عينًا . والعجعجة في لغة قضاعة وهي لفظ الياء المشددة جيمًا . ومنهم من لفظ الجيم 
شجرية وآخرون توسطوا في لفظها بين الدال والجيم ومنهم من جعلها ما بين التاء 
والسين او التاء والزاي وغير ذلك

وكانت العرب في الجاهلية يحضرون المواسم في عكاظ وغيرها عامًا ويحجون 
البيت الحرام عامًا واذا اجتمعوا في المواسم او في الحج تبادلوا الاخبار والاحاديث 
وكانت قريش ممن يلفظون الجحيم شجرية ومقامهم في مكة فكانوا اكثر الناس اطلاعًا 
على تلك اللغات فما استحسنوه من الفاظها تکلموا بهِ فخلت لغتهم من مستبشع اللغات 
ومستقبح الالفاظ المتقدم ذكرها ولكنهم حافظوا على لفظ الجيم شجرية . فلما جاءَ الاسلام
كان انصاره من قریش والقرآن بلسانهم ففتحوا الامصار وانتشروا في العراق والشام 
ومصر والمغرب وعمموا لغتهم في تلك الاصقاع فمن تكلم العربية هناك انما تكلم لغة 
قريش فكانت الجيم شجرية في كل البلاد التي تكلم اهلها لغة المفتتحين وفي جملتها مصر
ويؤيد ذلك ( اولًا ) ان علماءَ اللغة في اوائل الاسلام لما ضبطوا لفظها عينوا 
مخرجها من الشجر كما يلفظها اهل الشام ( ثانيًا ) ان الالفاظ العربية التي اقتبسها 
الفرس في صدر الاسلام يلفظون جيمها شجرية ايضًا لانهم هكذا نقلوها عن ائمة اللغة 
فضبطوها في معجماتهم مثل قولهم جهاد وجهاز وجامع وجواهر فانهم يلفظون جيمها شجرية

﴿ لة مصر ﴾ وقد يعترض بان المصريين يلفظونها حلقية فالجواب على ذلك 
ان لفظها هذا يكاد يكون محصورًا في القاهرة وبعض المدن المجاورة لها واما سائر 
اهل القطر فانهم يلفظونها شجريه على تفاوت في شجريتها وتباين طفيف بينها وبين جيم 
اهل الشام

ويلوح لنا ان لفظ اهل القاهرة عارضٌ من امد غير بعيد لان ائمة اللغة لما ضبطوا 
اللغة وعينوا مخارج حروفها لم يذكروا لفظ اهل مصر ولو على سبيل الشواذ . فالغالب 
ان قبیلة ممن كانوا يلفظون الجيم حلقية جاؤا مصر بعد الفتح الفاطمي وتأسيس القاهرة 
واقاموا فيها فحفظت لغتهم الى الآن ولم تعم القطر و يعسر علينا تعيين القبيلة او القبائل 
التي فعلت ذلك فلعلها من تميم او بعض قبائل اليمن فقد ذكر ابن فارس في فقه اللغة ان 
تميمًا كان في لغتهم حرف بين القاف والكاف واهل اليمن عندهم حرف بين الجيم والكاف

وجملة القول ان الجيم كانت تلفظ اولا حلقية ثم صارت شجرية في قريش 
وانتشرت بانتشار الاسلام وان لفظ الجيم المصرية عارض

﴿ كيف صارت الجيم الحلقية جيماً شجرية ﴾ 

يظهر لاول وهلة ان وقوع مثل هذا الابدال مستحيل لما بين هذين المخرجين
من التباعد ثم يرى ذلك واقعًا بين غير هذين الحرفين من نفس هذين المخرجين 
اعني الكاف والشين او السين فقد رأَيت ان بعض قبائل اليمن يلفظون الكاف شينًا 
حيثما وجدت فلو كانت تلك القبيلة هي الناصرة للاسلام لكانت الكاف عندنا الآن 
شينًا، على ان ذلك الابدال الغريب غير محصور في لغتنا ولكنهُ يتناول كل لغات اوربا 
فهم يعبرون عن الجيم الحلقية والشجرية بحرف واحد هو ( G ) وعن الكاف والسين 
او الشين بحرف واحد هو ( C ) ويختلف اللفظ بين المخرجين فيهما باختلاف وقوعهما 
قبل بعض الحروف كما هو معلوم عند الملمين بمبادئ لغة من لغات اوربا . فكيف 
وقع هذا الابدال ?

لابد في الجواب على ذلك من التعليل والتأويل بما ينطبق على النقل ولا يخالف 
احكام العقل فنقول :

المشهور ان الابدال انما يقع بين الحروف المتقاربة لفظًا كأًن تكون من مخرج 
واحد او مخرجين متقاربين كما تقدم ولكننا رأينا بالبحث والمراقبة انهُ قد يقع ايضًا بين 
الاحرف المتقاربة في حكاية اصواتها ولو كانت من مخارج متباعدة كما يقع بين الميم 
والنون فانهما من مخرجين متباعدين ولكن السامع قد يخلط بينهما لتشابه في حكاية صوتيهما 
هي خنَّة مشتركة بينهما . ولذلك فانك ترى الابدال كثيرًا فيهما فان ميم الجمع في العربية 
نونٌ في السريانية ومنها لفظ اهل الشام لها ولو تحرينا الفاظ اللغة لرأَينا كثيرًا من 
امثلة هذا الابدال نحو الغيم والغين بمعنى واحد وكذلك امتقعَ لونهُ وانتقعَ والمخر والنخر 
والمدى والندى والحزم والحزن وغيرها . ومن هذا القبيل ابدال الكاف طاءً او تاء 
على بعد المخرجين وقرب حكاية الصوتين فانك لو سمعت رجلًا يقول ( تان ) لظننتهُ 
يقول ( كان ) والعكس بالعكس . وقد ادى ذلك الى ابدال الكاف تاءً عند بعض 
عامة اهل الشام وفي الاطفال وهولاء قد يظن انهم انما يلفظونها تاءً لتعذر لفظ 
الكاف عليهم ويخال لنا انهم يفعلون ذلك لخلطهم بين الحكايتين وبما ان التاءَ أَسهل 
لفظًا عليهم آثروا النطق بها. وفي القاموس الكاس والطاس بمعنى واحد وكذلك
کردَ وطردَ وطشأً وكشأً للأوكمة والكلسة والطلسة . ومن الاحرف التي يقع الابدال بينها لتقارب 
اصواتها بالسمع الفاء والثاء فان السامع يخلط بين فلغَ وثلغَ وهما بالحقيقة بمعنى 
واحد ومثل ذلك ايضًا الحثالة والحفالة والدثينة والدفينة والثوم والفوم

فالجيم الحلقية اذا تدبرنا حكاية صوتها رأَيناها تشبه حكاية صوت الدال فاذا 
سمعت رجلًا يقول ( دَيش ) لا تشك في انهُ يقول ( جيش ) بلفظ مصر وقد سمعنا 
ذلك مرارًا في السودان لان بعض العرب هناك يلفظون الجيم دالًا او قريبةً من 
الدال فكنا اذا سمعنا الفاظهم ظنناهم لاول وهلة يلفظون الجيم مصريةً ثم علمنا انهم 
يلفظونها دالًا مائلة إلى الشين ميلًا خفيفًا وقد يكون اول تلفظهم بها تعمدهم تقليد 
المصريين وقد سمعوا لفظها منهم حلقيةً فاشتبهت عليهم حكاية صوتها بحكاية صوت 
الدال فلفظوها دالًا لانها أَخفُّ على لسانهم . فالظاهر ان اول انتقال الجيم من 
الحلقية الى الشجرية كان على هذه الصورة

هذا اساس الانتقال بين المخرجين و يسهل بعد ذلك تحول الدال الى الجيم الشجرية 
وخصوصًا اذا كانت مائلة إلى الشين . ومن هذا الاصل تولدت سائر تنوعاتها ففي جزيرة 
العرب قوم يلفظون الجيم تاءً مائلة إلى السين وآخرون ينطقون بها تاءً مع ميل الى 
الزاي وبعضهم يلفظونها دالًا مائلة إلى الشين او الى الجيم الشجرية كأَهل الصعيد 
المصري وبعضهم يلفظونها جيماً شجرية خالصة وهم اهل الشام

ويخطر لنا ان الياءَ ايضًا يصح ان تكون موصلًا بين الحلق والشجر لانها اذا 
بدّدت حاكت الجيم الحلقية العميقة التي تشبه ( γ ) الجيم اليونانية لان هذه الجيم 
شرج من اسفل الحلق حتى تشبه الياء الشديدة . ويؤَيد ذلك ما تقدم عن قبيلة قضاعة 
تخذين يلفظون الياء المشددة جيماً فهم يقولون تميمج بدلًا من تميمي وعرب اليمن 
البدلون الياء جيماً في النسبة والاضافة فيقولون غلامج بدلًا من غلامي وبصرِج بدلًا 
من بصري و بعض العرب يبدل الجيم ياءً ومنها قول الشاعر
اذا لم يكن فيكنَّ ظلٌ ولا جني * فابعدكنَّ الله من شيَرات 
اي شجرات

وترى من الجهة الاخرى ان بعض ائمة اللغة يعدون الياء من الاحرف الشجرية 
ويظهر من لفظها الحاضر انها ليست كذلك . فالظاهر انها كانت تلفظ لفظًا متوسطًا 
بين الجيم اليونانية والشين او الدال او نحوها بحيث يصح ان تكون وسطًا بن الحلق 
والشجر ، وقد يكون لذلك الابدال تعليل لم يخطر لنا وفوق كل ذي علم عليم

المصدر: لفظ الجيم عند العرب باب السؤال و الاقتراح رد على سؤال من ميشيل افندي عجيمي من الاسكندرية الهلال الجزء السادس السنة السادسة (رابط).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق