الخميس، 15 أبريل 2021

تاريخ دمياط منذ أقدم العصور - دولة الفن

دمياط
دمياط



دولة الفن 

تزدهر الفنون عادة في البيئات التي حبتها الطبيعة بجمال الموقع والجو والمنظر ، مع 
سعة في الرزق .. فهذا كله يساعد على صفاء الطبع وتوفر الفراغ ..

ولهذا تأصل في دمياط منذ القديم مزاج فني يسعى إلى التعبير بشتی وسائل الفن 
کالأنشاد ، وتجويد الذكر الحكيم، ونظم الشعر ، والزجل ، والمواويل ، والغناء ، 
والعزف على آلات الطرب .. ثم في إخراج أبدع الأثاث و قطع النسيج .. وبعبارة 
علي مبارك في القرن التاسع عشر : « .. هذا فقد علمت أن مدينة دمياط من أعظم 
الثغور الأسلامية بديار مصر، فلذا تتوطنها وتقيم بها الأكابر والأعيان والأشراف، 
والعلماء والصلحاء ومشايخ الطرق والسجادات والقراء المتقنون للتجويد والألحان 
الذين لا يفوقهم أحد من قراء الدنيا » ! .. ويبدو أن ما تغنى به المؤرخون القدماء 
عن منسوجات دمياط وتنیس ، المقرونة بسلامة الذوق ودقة الصنع والتطريز ، كان 
مرجعه تلك النزعة الفنية الأصيلة ! ..

ولكن كان لعزلة المدينة عن الأوساط والمعاهد الفنية ، أن ظل هذا المزاج 
فطرياً يعوزه الصقل والدرس في بعض نواحي الفنون ، فكان الغناء مثلا يخرج على 
السجية كما ينشد الكروان في الفضاء ، وكانت تقاسيم المزمار والناي والعود تصدر 
بالفطرة ، ويرسل الشعر والمواويل كما يتنفس الأنسان . . وما يكاد الفنان 
الدمياطي يشد الرحال إلى الأوساط الفنية المتمرسة بالفن ، حتى يشيع ذكره ، وينبه
أمره . .

فإذا ما تخطينا العصور القديمة التي ذهبت أكثر أخبارها مع الريح ، ووصلنا 
إلى القرن التاسع عشر وما يليه ، بدأنا نسمع بعض الأسماء اللامعة في هذا الميدان، 
ولو أن تاريخ حياتها ما زال أكثره مهملا مستوراً ..

مزمار الفناجيلي ! 
وحدثنا المرحوم محمود رمزي نظيم في بعض ذكرياته عن أهل الفن ، فيقول :
« .. وقد عاصر الشيخ نوار السمنودي ، المنشد الموسيقار المنقطع النظير ، في 
عصر اسماعيل السيد عبده ( بك ) الفناجيلي الدمياطي ، سید عازفي المزمار البلدي في 
عصره ، الذي ما تزال الموسيقى النحاسية تردد بعض ألحانه ، وكان ملحوظاً بعين 
العطف من الخديوي، فحضر حفلات أفتتاح قناة السويس وأفراح الأنجال . وأنعم 
عليه برتبة البكوية و بوسام جليل . وظل الرجل إلى آخر أيام حياته يحتفظ بمزماره 
المكلل بالذهب والمرصع بالأحجار الكريمة . وكان بين فرقته ، وبعد عصر 
اسماعیل، يظهر به في الحفلات الرسمية ، كما كان يشاهد في مولد سيدي أحمد البدوي،
وسيدي ابراهيم الدسوقي ، وهو يحمل ذلك المزمار المكلل بالذهب والجواهر » !

وظلت أسرة الفناجيلي تتوارث هذا الفن ، ونبغ منها المرحوم مصطفى الفناجيلي ، 
وكان يعزف على مزماره ألحان عبده الحامولي . وذهب فترة إلى أسطمبول ، ثم 
استقر ببلده دمياط . وكان كما قيل ، أنيق الهندام ، يتحلى بعمامة فاخرة ، يدعوه 
الأغنياء إلى حفلاتهم ، كما دعي للعزف في حفل زواج أخت الخديو عباس . .

وكذلك اشتهر من تلك الأسرة المرحوم خليل الفناجيلي الذي كان يتقن 
العزف على العود والمزمار .

ولم تزل بدمیاط فرقة للموسيقا البلدية تظهر في الأفراح والأعياد ، وتسمى 
( فرقة الفناجيلي ) هي بقايا ذلك العهد الغابر ! ..

منسي الالاتي :
وفي أواخر القرن التاسع عشر أيضا اشتهر بدمياط الموسيقار منسي . وكان 
يلقب ( بمنسي الآلاتي ) وكان من أساطين العود ، ملماً بأصول الفن ، تلقى عنه عدد 
من الهواة والمحترفين ، منهم نجلاه المشهوران : قسطندي منسي ، وعبد الله منسي .. 
وكان الأخير ضريراً بارعاً في العود . ثم كان لآل منسي الفضل في تعليم المطربين 
الكبيرين : محمد السبع و محمد عثمان ..

ورحل قسطندي منسي إلى القاهرة حيث أنشأ تخته المشهور ، وذاع هناك صيته، 
وترك آثاراً كثيرة في فن الموسيقا ..

محمد السبع :
وكان محمد السبع — المطرب الشهير — من أسرة رقيقة الحال بدمياط . 
وكان عمه محمد السبع شيخا للخفر إلى قبيل الحرب العالمية الأولى . ويحكي المعمرون 
أن منسي سمع الصبي محمد السبع وهو يغني في الطريق ، فطرب من صوته الرخيم ،
واستدعاه ليلقنه أصول الفن ..

ورحل السبع إلى القاهرة وأصبح من بطانة عبده الحمولي ، ثم استقل بتخته 
وشاع صيته ..

محمد عثمان :
ولمع اسم محمد عثمان ، وأصله من المنية بدمياط ، إلى جانب عبده الحمولي و ألمظ 
في أيام الخديو اسماعيل ، ونشأ عصاميا . ويقول الرواة أيضا ، إنه — مثل محمد 
السبع كان غلاما يلهو في شوارع دمياط وينشد من حين لآخر أغاني ومواويل 
يبعث بها إلى الفضاء كل مساء كما يفعل الكروان . فسمعه منسي الآلاتي ، وسأله عن 
أهله ، وكانوا ( قبانية ) ، قيل كانوا يدعون أسرة ( العفني ) واستأذن منسي أهله في 
تدريبه وتعليمه على العود ، ثم رحل معه إلى القاهرة . فتقدم الشاب في الغناء ، وذاع 
صيته . وكان يحضر أحيانا إلى دمیاط مدعواً إلى أفراح الأسر الكبيرة . 

ويقول عنه رمزي نظیم : « كان الموسيقار الكبير الشيخ محمد المسلوب من أئمة 
الملحنين — لحن للحمولي وألمظ ومحمد عثمان وغيرهم ، والأربعة الكبار في تاريخ 
الموسيقا والغناء هم: عبده الحمولي ، ومحمد عثمان وسلامه حجازي ، وسيد درويش ..

« ومحمد عثمان سلبه الله صوته القوي ، وقد جعلته هذه المحنة يفكر في الموسيقا 
الصامتة ، وحلق في آفاق واسعة ، وأمكنه بأحساسه المرهف أن يدرك أن الموسيقا 
ليست أنغاماً بلا روابط ولا حدود فكان يضع أغانيه في أطار موسیقي بدیع لا 
يتعداه .. »

محمد العقاد :
وكان المرحوم محمد العقاد الملقب « بسلطان القانون » من أسرة العقاد القديمة
بدمياط. وكان كبيرها محمد العقاد يتجر بالحرير والصوف (١) وكان الفنان يمیل منذ 
صباه إلى الموسيقا ، فرحل إلى القاهرة حيث وجد مجالا أوسع لأشباع هوايته .

وما لبث أن نبغ في العزف على القانون ، وأصبح قانوني عبده الحمولي ، وعاصر 
ألمظ وعثمان ، ثم توفي في بورسعيد وقد نيف على الثمانين .

وللعقاد الكبير أبناء وأحفاد توارثوا الأجادة في العزف على القانون ..

وولدت المطربة ليلى حلمي بدمياط ، و تعلمت بمدارسها الأبتدائية ، وتعلقت 
بالموسيقا والغناء منذ صباها . وغنت بالأذاعة المصرية ، كما أذاعت من محطات 
الشرق العربي فيا بين بغداد و مراکش ، ومثلت في السينما . .

وتعلم النجم السينمائي المرحوم سراج منیر بمدرسه دمياط الأميرية الأبتدائية إذ 
كان أبوه المرحوم عبد الوهاب حسن ناظراً لتلك المدرسة بدمياط فيما بين عامي 
۱۹۱۲ — ۱۹۱٥ . وتعلق سراج منیر بالتمثيل منذ صباه ثم نبغ على المسرح وفي 
السينما ، إلى أن توفاه الله عام ۱۹٥۷ في الخمسين من عمره .

وتعد النجمة السينمائية عزيزة أمير من أصل دمیاطي . فهي من أسرة ( رحمو ) 
بالمنزلة ودمياط ، وكانت أسرة تشتغل في السفن الشراعية فيما بين المدينتين . 
واتخذت الفنانة هذا الأسم المستعار حينما كانت نجم « مسرح رمسيس » الذي أنشأه
يوسف وهبي بالقاهرة . ثم اشتغلت بالسينما ، وكانت من أول روادها بمصر إلى 
أن توفيت إلى رحمة الله في فبراير ۱۹٥٢ .

هذا فلم قصير عمن اشتهر من فناني دمياط في العصر الحديث ، أما هواة الفنون 
منهم ، من شباب وشيوخ ، فلا حصر لهم ولم يحترفوا الفن .. ولقد كان العالم 
الدمياطي الدكتور علي مصطفى مشرفة موسیقاراً يعزف على الكمان ویلم بفنون 
الموسيقا . . وأما الشعراء والكتاب منهم فقد سبقت الإشارة اليهم ..


(۱) هي غير أسرة العقاد التي ينتسب إليها الأستاذ عباس محمود العقاد الذي 
يقول : ( أذكر أن جد جدي لأبي كان من أبناء دمياط ، وكان يشتغل بصناعة 
الحرير ثم اقتضت مطالب العمل أن ينتقل إلى المحلة الكبرى حتى يتخذها مركزاً 
لنشاطه ، ومن هنا أطلق عليه الناس أسم العقاد أي الذي يعقد الحرير .. )

المصدر: كتاب تاريخ دمياط منذ أقدم العصور تأليف نقولا يوسف (رابط)، الصفحات من 462 حتى 466. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق