الثلاثاء، 6 أبريل 2021

صور الحروف العربيَّة لنسيم برباري

صور الحروف العربيَّة  لنسيم برباري
صور الحروف العربيَّة  لنسيم برباري


صور الحروف العربيَّة 

حضرة منشئي المقتطف الفاضلين

اطلعت في الجزء الثامن من المقتطف الاغر على مقالة لحضرة الناظم الناثر الياس افندي 
صالح يوجه فيها أنظار الادباء الى البحث في استبدال الحروف العربية بحروف افرنجية
وذكر ما ينجم عن ذلك من الفوائد والمضار

واني اوافق حضرتهُ في المبدإِ ولكنني ارى مضار هذا التغيير تفوق فوائدهُ اذ لو 
عمل بهِ لمسخت اللغة العربية مسخًا وصارت لغة مستقلة لا عربية يعترف بها الاعراب 
ولا افرنجية يقبلها الافرنج. نعم لا انكر ان كتابة اللغة العربية على حالها الحاضرة صعبٌ 
جدًّا وان تغييرها ضروريٌ اذا اردنا أن نجاري الامم الغربية في تسهيل الاعمال التي 
يقتضي لها استعمال آلة الكتابة وما اشبه ولكني لا ارى لزومًا لاستبدال الحروف العربية 
بحروف افرنجية نمسخ بها اسماءَنا بايدينا ولامسخ الافرنج اياها عند ما يخبطون فيها 
خبط عشواءَ واقل ما في ذلك هو ان يكتب اسم علي ” أَلي“ و ” حبيب “ ” هبيب “ و ” قلب “ 
” كلب “ وهذا ما لا يرضى بهِ عربيٌ . والمسخ الظاهر في الاسماء المذكورة لا بدَّ منهُ 
لو استعملت حروف الافرنج لعدم وجود ما يرادف العين والحاءَ والقاف في لغاتهم • 
والطريقة المثلى فيما ارى هي ان تكتب الكلمات العربية باحرف عربية منفصلة بعضها عن 
بعض کالاحرف الافرنجية فبذلك يتم التسهيل الذي ذكرهُ حضرتهُ في الفائدة الأولى 
وتبقى اللغة العربية على حالها فلا يجد المتكلمون بها الآن صعوبة في تعلمها بل قد يرونها 
اسهل كثيرًا من الاولى ويمكنهم بتعب قليل ان يقرأُوا الكتب العربية القديمة ويحلوا 
رموزها. وهكذا نتخلص من المضرتين الاولى والثانية اللتين اشار اليهما

اما الفوائد التي ذكرها في مقالتهِ ففي بعضها نظر كما لا يخفى . واظن ان منع وقوع 
التحريف في تعريب الاسماء الافرنجية او اعجام الاسماء العربية محال ولا يستثنى من ذلك 
نقل الاسماء بين اللغات الافرنجية نفسها فلو سمع الانكليزي افرنسيًّا يقول ” باري “ لما
فهم انها ” بَرِس “ التي تعودها ولو سمع افرنسيٌّ انكليزيًّا يقول ”سكتلند “ لما فهم انها 
” اکوس “ وقس على ذلك كثيرًا من الاعلام التي يختلف لفظها بين اللغتين . وقد 
يعترض علىَّ بان تغيير صور الحروف لا ينتج عنهُ بالضرورة تغيير لفظها بل يمكننا ان 
نصطلح على لفظ الحروف الافرنجية بما يرادفها في العربية كأَن نلفظ حرف H مثلًا كالحاء 
وحرف S كالصاد و K كالقاف وفساد هذا الاعتراض باطل كما يظهر لاول وهلة لانهُ 
ما من افرنجي يمكنهُ أن يلفظ H حاءً او K قافًا او خاءً من تلقاءِ نفسهِ واذا كان لا بدَّ
من تعليمه ان H تلفظ حاءً وهاءً فالاولى تعليمهُ الحروف العربية التي خصصت لكل من 
هذه الاصوات حرفًا مخصوصًا

ولا خلاف ان حاجيات هذا العصر تضطر ابناءَهُ إلى اتخاذ ما يلزم لتسهيل اشغالهم 
وانجازها على وجه السرعة . ومعلوم أن اللغة العربية هي بالنسبة إلى اللغات كتابة موجزة 
او ” ستينوغراف “ وذلك لقلة احرف العلة بها والاعتماد على الحركات التي لا تكتب 
غالبًا وسهولة رسم احرفها وهذا ما يحدو بنا إلى الاهتمام بادخال بعض التغييرات الطفيفة 
فيها طبقًا لمقتضى الاحوال . وليس بخافٍ على شبان العصر ان الاوربيين والاميركيين 
قد استغنوا تمام الاستغناء عن الكتابة باليد واستعاضوا عنها بآلة الكتابة المسماة بالانكليزيَّة 
Type Writer أي كاتبة الطبع وهي تكب نحو ۱۰۰ كلمة في الدقيقة والكاتب الماهر 
قد يكتب بها ۱۲۰ كلمة . فما ضرنا لو اتبعنا طريقة الافرنج وابقينا الكتابة المعلقة في 
المكاتبات المنسوخة بخط اليد معتمدين في المطبوعات على الكتابة المنفصلة .وفوائد هذه 
الطريقة عديدة منها ما يأتي

اولًا تسهيل طبع الكتب و ترخیص ثمنها إلى آخر ما ذكرهُ حضرتهُ في مقالتهِ

ثانيًا تسهيل تعليم اللغة العربية ليس على الأوربيين بل على ابنائها اذ عوضًا عن 
ان يتعلم المبتدئُ ان لحرف الياء مثلًا اربع صور و في الياي المنفصلة والياءُ الواقعة في 
اول الكلمة او منتصفها او آخرها يرى لها صورة واحدة

ثالثًا اننا لا نفقد بذلك اللغة العربية الاصلية وكتبها بل نكون قد استنبطنا 
طريقة جديدة لسهولة تعلمها وزيادة انتشارها

رابعًا نتمكن اذ ذاك من عمل آلة كتابة للغة العربية واستعال الآلة المخترعة حديثًا 
لجمع احرف المطبعة وفي كلتا الآلتين من الاقتصاد في الوقت والنفقات ما لا يخفي

خامسًا يمكننا بادخال تغيير طفيف على الكتابة المستعملة اليوم ان نجعلها كتابة 
موجزة لتدوين اقوال الخطباء والمحامين ونحوهِ

ولست اری مضرةً في هذه الطريقة فالكتابة العربية لم تكن دائمًا كما هي الآن بل قد 
تغيرت على صور شتى. ولذلك فتغييرها الآن لا يعدّ بدعةً في اللغة كما قد يتبادر الى وهم 
البعض بل يعد من المزايا التي اقتضتها طبيعة التقدم والارتقاء
مصر نسيم برباري

المصدر: المصدر: المقتطف الجزء التاسع من السنة السابعة عشرة، 1 يونيو ( حزيران ) سنة 1893 الموافق 16 ذي القعدة سنة 1310،  ص 622 (رابط).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق