الجمعة، 2 أبريل 2021

لفظ الجيم عند العرب أهو حَلقيْ كما في مصر ام شَجْريّ كما في بلاد الشام للأب هنري لامنس اليسوعي

لفظ الجيم عند العرب أهو حَلقيْ كما في مصر ام شَجْريّ كما في بلاد الشام للأب هنري لامنس اليسوعي
لفظ الجيم عند العرب



لفظ الجيم عند العرب
أهو حَلقيْ كما في مصر ام شَجْريّ كما في بلاد الشام
(للاب هنري لامنس اليسوعي) 

تلك مسأَلة خاضت فيها من بضعة اشهر بعض المجلاَّت المصرية كالبيان والهلال. 
ولا نخال الاولى منهما اصابت في قولها « لم نجد مَن نبّه على ذلك ولا تكلَّم فيه » لانَّ 
المسألة ليست بمستحدثة فكثيرون من الأوربيين المستشرقين تعرّضوا لها. ونحن ايضَا ذكرناها 
في احد اعداد البشير (۲۸ حزيران ۱۸۹٤)

وليست غايتنا اليوم أن نعود اليها فنوفّيها حقَّها من البحث. بل جلّ قصدنا أن نزيد 
بعض ملاحظات نستلفت بها انظار رصفائنا الافاضل إلى امورٍ اضربوا عنها . ونورد في 
خلالها اهمَ الادلَّة على حقيقة لفظ الجيم

واوّل ما نقول أن لفظها الحلقيّ وهو القديم الاصليّ شائعٌ في عصرنا شيوعًا لم يخطر 
للناس ببال فهو السائد فضلا عن مصر في بلاد نجد واليَمَن وعند كثير من قبائل العرب 
النازلة في ما بين النهرين . ولا تخلو منه مرَّاكش ففي لغتها عدد من الكلمات تلفظ جيمها 
حلقيَة (١ . فتلك حجّة قويَّة توهن اعتراض القائل بان اللفظ الشجْريّ هو الشائع الآن 
بين العرب وكاد يعمُّهم

ولو فُرض انه عامٌ فلا يستنتج من ذلك شيء . لانَ كلمات عديدة في اللغات 
الاوربيَّة قد أُبدل اللفظ في بعض حروفها كلَ الاِبدال وبعضها لا يزال يتبدَّل حتى الآن. 
فانَّ الراء (r) مثلًا لا يمضي علينا الأعوام القليلة الَّا اصبحنا لا نسمع في فرنسا من 
ينطق بها على اصلها . اذ يكاد الجميع ولاسيما في المدن يلفظونها كالغين على طريقَة 
باريس. وهذا الحرف قد أُبدل ايضا لفظه في المانيا وانكلترة

وزد على ذلك انَّ حرف g في اللاتينية الذي يشبه لفظهُ الجيم المصريّة كما لا يُخفى قد 
اصبح يلفظ كالجيم الشاميّة في كثير من البلدان كايطاليا وفرنسا وبلجكا وانكلترة

امَّا لفظ الجيم الشجْريّ فانه ضيّق النطاق دون ما قدّمنا. لانّ هذا الحرف ما عدا
لفظهِ الحلقيّ يُلفَظ ايضًا كالياء في حَضْرَموت وفي بعض نواحي فلسطين وسوريَّا . 
وكان يُلفظ ايضًا مثل الكاف والقاف في اليمن (٢. كما ذ كر ابن دُريد والمقدسيّ ( في 
الصفحة ٦٦ )

ولا يصعب علينا ان نبرهن انَّ اللفظ الحلقيّ ليس هو فقط شائعًا في عصرنا بقدر 
شیوع الشَّجري بل انهُ اقرب ايضًا الى الاصل . فالمؤرّخون والجغرافيَّون من اليونان كثيرًا 
ما كتبوا عن عرب الجاهليّة. والسَّواد الاكبر منهم مثل أَسْترابون وبروكوب وسوزومن 
وایڤاغريوس وماَللَا وتيوفان وغيرهم اوردوا امورًا جرت في عهدهم . فاذا ما ذكروا اسماء 
علم عربية ممَّا يدخلها الجيم استعملوا في التعبير عنها الحرف اليوناني γ وهو كالجيم 
المصرية . مثلًا : جبَّار Γαμβαρος . جبلة الغسَّاني Γαβλα . حُجر آ كل المرار Αγαρος .
جًفنة Γνουφας . ضُجعُم Ζογομος او Ζοχομος . هذا واليونان الأقدمون لم يعرفوا 
قطّ الجيم الشجريَّة والمحدثون منهم يجدون صعوبة زائدة في حكاية هذا الصوت 
فيعبرون عنهُ بحرف z  (٣

فلنعكس الامر ولننظر في ما نقلهُ العرب عن اليونانية واللاتينية إلى لغتهم. والكلمات 
من هذا القبيل عديدة . فليس من ينكر أن حرف γ اليوناني وحرف g اللاتيني كان 
لفظهما في كل آنٍ كالجيم المصرية ولم يكن قط فيهما مشابهة بالجيم الشامية . فكيف عبّر 
عنهما عرب الجاهلية ? لعمري لو كانوا عارفين بلفظ الجيم الشجريّ لأستعاضوا احيانًا عن 
هذا الحرف بما يقاربه في المخرج كالشين والزاي . على اننا لم نرَهم استعملوا غير الجيم والغين 
وكلاهما حلقيّ . وهاك بعض الكلات مع بيان اصلها الذي نقلت عنه : بُرْج πυργος 
او burgus (٤.  بُرْجُد paragauda . سِجلّ sigillum . مَنْجَنیق μαγγανιχόν . طَنچ‍ن 
τηγανον . سرْجیس Σεργιος (٥ الخ . وفي كلمات أُخرى عبروا بالجيم عن الحرفين اليونانييّن 
χ المجانس للكاف و Χ المجانس للخاء . نحو : نَرْجِس ναρχισσος . بَرْجَا (٦  .τοπαρΧια (٧ .

ولا يخفى أن لا علاقة بين الكاف او الخاء وبين الجيم الشجريّة
هذا فضلا عن ان الجيم تُبدل في العربيّة نفسها — بالكاف . نحو : درَجات ودرَكات . 
جِنّ وكِنّ . — او بالقاف . نحو : جَذَفَ وقَذَفَ . جَدَّ وقَدَّ — او بالغين . نحو: جَرجَر 
وغَرغَر . دَجِرَ الرجلُ ودَغِرَ . دَجَنَ ودَغَنَ الخ

فيستدلّ ممَّا تقدَّم على انّ الجيم حلقيّة لوقوع التبادل بينها وبين الاحرف الحلقية وهذا 
التبادل قديم العهد . ومثله لفظ الجيم كافًا . فابن درَيد يقول ان لفظها هذا كان شائعًا في 
اليمن وسائدًا في بغداد

وبقيت آثارٌ للفظ الجيم الحلقية حتى في القرون المتوسّطة . فان علماء ذلك العهد 
اوردوها في كلمات كثيرة نقلوها عن العرب . نحو : asangue المشتتة عن الصَنْج 
و regulus عن رِجْل . وهما اسمان لنجمين . ومنهم مَن عبروا عن الجيم بحرف c الملفوظ 
كافًا . نحو : doronic ( دَرُونَجْ ) . cétérac ( شیطَرَج ) . emblic ( أَمْلَج )

هذا وان سهل علينا ان نثبت حقيقة لفظ الجيم فلا يتيسَّر لنا تعيين الزمن الذي فيهِ 
تبدل هذا الصوت فصار شَجريَّا . فليت شعري عمَّن اخذ العرب هذا اللفظ ? لمن المقرّر 
انَّهم لم يأخذوه عن جيرانهم وهم يجهلونهُ فان العبرانيين والسوريين والاشوريين والفينيقيين 
كاليونان واللاتين ليس في لغتهم غير الجيم الحلقة

وقد طرحت مجلَّة الهلال السؤال نفسه واجابت عليه ان الجيم الشجريّة مأخوذة عن 
قریش . لكن الأدلَّة على ذلك قلية فضلًا عن انها لا تُقنع . فان تكن قُرَيش عمَّمت لغتها 
في كل البلاد التي فتحتها فما بالُ مصر خالفتها بذلك وفيها توطّن من القرشيين اصحاب عمرو 
ابن العاص ? وان قيل « انّ لفظ اهل القاهرة عارضٌ من امد غير بعيد » قلنا وهل لفظ 
الجيم الحلقيّ في ما بين النهرين ونجد ومُراكش عارضٌ ايضًا من امد غير بعيد ?

وما اقرب جواب الهلال إلى الصواب لو كان هذا اللفظ محصورًا في قسم من القطر 
المصري . لكننا نجدهُ في اقطار مختلفة تبعد عن مركز اللغة العربية . والاقتراض وحدهُ ایَّا 
كان لا يكفي لحلّ هذه المسألة

وقيل ايضًا « ان علماء اللغة في اوائل الاسلام لما ضبطوا لفظ الجيم عيَّنوا مخرجها من 
الشجر كما يلفظها أهل الشام » . فنسأل ما هي هذه مؤلفات علماء اللغة في لفظ الحروف 
العربية واننا نودّ لو وقفنا عليها . وقد بذلنا الجهد في البحث عن الصرفيين والنحاة الاقدمين
الذين اتصلت الينا آراؤهم فلم نجد لاحدهم کتابًا سبق القرن الثاني للهجرة . وفيهِ كان 
قد انتشر لفظ الجيم الشجريّ كما يستدل من القرائن

ولا نخال الهلال ايضًا مصيبًا في استناده على استعمال الجيم في الألفاظ العربية المنقولة 
الى الفارسية مثل « جهاد وجامع » . لان اللغة الفارسيَّة مستحدثة وهذه الكلمات انتقلت 
الى الفرس في زمن كان قد ساد فيهِ اللفظ الشجري

فان رغب الينا سائل وطلب أن نبين تعيين الزمن الذي فيهِ جرى هذا الابدال من الحلقيّ 
الى الشجريّ اجبنا بكل صراحة اننا نجهل ذلك . امَّا اذا كان لا بدَّ من ابداء رأينا في المسأَلة 
قلنا ولكن مع التحفظ وليس قولنا الَّا من باب الاقتراض : ان الجيم الشجرية ظهرت بنفوذ العجم 
في البلاد المجاورة لهم في ما بين النهرين والعراق . ولا يبعد انها كانت لغة اهل البلاط في 
الدولة العبَّاسية التي قوي فيها النفوذ العجمي منذ القرن الثاني للهجرة . وكأنما الناس حاولوا التشبه 
باهل البلاط وسكَّان العاصمة . كما أن الجميع في فرنسا يتشبهون بباريس في لفظها ولو سقیمًا

هذا ونحن نكرّر القول ان ما ابديناه ليس الَّا رایَا نعدل عنهُ متى دلَّنا البرهان على 
مذهب آخر أقرب إلى الصواب . انهُ تعالى ضياء المسترشدين

________
١) Reconnaissance au Maroc par le Vte de Foucault, p. 2 
۲) وفي اللغة آثار كثيرة لهذا الإبدال مثل مقذاف عوض مجذاف . وقد نبّه على ذلك 
القلقشندي في كتابهِ صبح الاعشی
٣) ورد في كتابةٍ من القرن الثالث عشر التعبير عن كلمة (jour) الفرنسية بهذه الصورة 
τξιουρ 
٤) burgus ذُكرت في كتابةٍ اكتُشفت بحوران
٥) اسم شهید ورد في ديوان الاخطل صفة ۳۰۹ . وهو في لفظ العامَّة سركيس 
٦) تصحيف لاسم ضيعة ما بين جونية وجبیل
٧) ,326 ,Mission de Phénicie


المصدر: لفظ الجيم عند العرب أهو حلقي كما في مصر أم شجري كما في بلاد الشام للأب هنري لامنس اليسوعي مجلة المشرق السنة الأولى 1898العدد 3 ص 116 (رابط).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق