الأربعاء، 28 أغسطس 2019

طوكيو!

ثلاث قطع سينمائية مختلفة تدور أحداثها حميعاً في طوكيو, يخرجها ثلاثة مخرجين من مدارس سينمائية مختلفة, القطعة الأولى بعنوان تصميم داخلي من إخراج ميتشل جوندري و تدور بشكل عام حول فكرة الاستقلالية و كيف أن الإنسان لو استمر في التخلي عن أحلامه و تصوراته لصالح الآخرين سيصبح في النهاية مجرد شئ في حياتهم, شئ لا يختلف كثيرا عن كرسي أو مقعد, و القطعة الثالثة بعنوان زلزلة طوكيو من إخراج جون هو بونج و تدور بشكل عام حول الوحدة و الفراغ وإعادة اكتشاف النفس, و هي برأيي أجمل القطع في الفلم بصرياً و إخراجاً.

أما القطعة الثانية فهي التي شدت انتباهي بالكامل, القطعة بعنوان ميردي و تعني بالفرنسية خراء, و هي للمخرج ليو كاراكس, و هي تدور حول الكائن الأسطوري ميردي و الذي يتخذ من مجاري طوكيو سكناَ له, و يعتقد أنه آخر سلالته, أو من القلة النادرة الباقية الموجودة, و يتكلم لغة خاصة, و يحب أكل الزهور و النقود و يكره الأبرياء بشكل خاص و الناس بشكل عام.



و كما ترون بالصورة ميردي لحظة خروجه المبهرة من بالوعة المجاري, و هو يعشق اللون الأخضر, لكن كيف جاء ميردي الى طوكيو؟, لا يخبرك الفيلم بهذا, لكن بالفلم إشارة سريعة عن أنه ربما يكون مهاجراً غير شرعياً للبلاد.

افتتاحية هذا المقطع سريعة و مثيرة, الخلفية موسيقى كلاسيكية و الكاميرا تتحرك بسرعة وسط الشارع, الكاميرا منخفضة لتعطيك احساساً بحركة ميردي وهو يمارس هوايته في شوارع طوكيو, افتتاحية حية و مليئة بالانفعالات, تشد الإنتباه و تثير الحماسة للمتابعة.



ميردي بعد أن رمي بعقب سيجارة سرقها على عربة طفل رضيع و الأم تنظر له بدهشة وغضب وخوف.



ميردي و هو يختتم جولته بالعودة من جديد للمجاري, و نرى حرصه الشديد على جماليات نزوله للمجاري, و التأكد من شاعرية المنظر.

ميردي يتجول بين ضحاياه على أحد سلالم الكباري, بعد أن رمي على المارة أشياءاً وجدها في أحد قنوات المجاري وسط مخلفات الحرب العالمية الثانية.

الجميع بإنتظار المحامي الفرنسي المشهور و القادر على التخاطب بنفس لغة ميردي, و للعجب له نفس اللحية و نفس العين.

المحامي الفرنسي المشهور في المطار لحظة وصوله, يعطي للصحافيين لمحات جمالية و يبدو واضحاً حبه للون الأخضر و الشاعرية كميردي.

محاولات مستميتة من المحامي للتفاهم مع ميردي المقيد.

أخيراً استجاب ميردي و بدأ الحديث مع المحامي, و المحامي غير مصدق لنجاحه.

جلسة المحاكمة التاريخية حيث أعرب ميردي عن حبه للحياة و لنفسه و كرهه للأبرياء و للناس عامة.

لحظة الإعدام الأسطورية, و نرى ميردي هنا بعد إعدامه وهو يهرش في فخذه.

هذه القطعة بالذات أثارت حيرتي, فلقد استمتعت بها و أضحكتني في مواضع عدة, لكن كان دوما الإستمتاع مصحوباً برغبة في أن أفهم ما يقصده المخرج بهذه الشخصية و تلك الأحداث, لكن هل من الضروري أن نفهم كل ما نستمتع به؟ و لو فشلنا في الفهم , هل نأول ما نرى و نبدأ في تجربة فك الرموز؟ برأيي الشخصي الرموز كثيرة في تلك القطعة, و لعل هذا جزء من سحر التناول, فالرموز هنا تلقائية و بسيطة و غير مقحمة, و تتسق مع الشكل العام للأحداث, و هو ما يغري دوماً بالتأويل.

الفيلم  حصد ثلاث جوائز و رشح لأخرى.

نشر لأول مرة بتاريخ 2010/01/24